د. عبد المنعم سعيد
عضو مجلس الشيوخ المصري حالياً، ورئيس مجلس إدارة «مؤسسة المصري اليوم» الصحافية في القاهرة، ورئيس اللجنة الاستشارية لـ«المجلس المصري للدراسات الاستراتيجية»، وسابقاً كان رئيساً لمجلس إدارة «مؤسسة الأهرام» الصحافية، و«مركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية»، و«المركز الإقليمي للدراسات الاستراتيجية»، وعضو مجلس الشورى المصري. كاتب في صحيفة «الشرق الأوسط» منذ عام 2004، و«الأهرام» و«المصري اليوم»... وعدد من الصحف العربية. أكاديمي في الجامعات والمعاهد المصرية، وزميل زائر في جامعة «برانديز» الأميركية، ومؤلف للعديد من الكتب.
TT

البحث عن رئيس؟!

حتى وقت كتابة المقال، وحتى موعد نشره، لم يكن الرئيس المنتخب دونالد ترامب قد تولى منصبه في البيت الأبيض بعد، ولا تزال العناوين الأولى في الصحف تتصدرها أخبار المرحلة الانتقالية التي ثبت لأول مرة أنها من الممكن أن تكون هي الأخرى ساخنة كما كانت المعركة الانتخابية من قبلها. ومع ذلك فإن الأميركيين، أو على الأقل الديمقراطيين منهم، بدأوا فورا الاهتمام بالمعركة الانتخابية المقبلة لانتخاب رئيس في عام 2020، بعد أربع سنوات من الآن. لا يوجد وقت ليضيع، فرغم كل الأخطاء التي ارتكبها دونالد ترامب، فقد فاز في الانتخابات حتى ولو فازت هيلاري كلينتون بالصوت الشعبي، وبفارق بضعة ملايين من الأصوات. ولكن ذلك لن يشفع لها أن تكون مرشحة الحزب القادمة، فبالإضافة إلى عامل السن، فإنها حاولت مرتين: الأولى فشلت فيها للفوز بتسمية الحزب أمام باراك أوباما؛ وفي الثانية حازت التسمية، ولكنها فشلت في الفوز بأغلبية أصوات المجمع الانتخابي. الديمقراطيون هكذا يريدون التخلص ممن يبدو أن الفشل لصيق بهم من ناحية، وبدأوا المعركة الانتخابية من الآن على ثلاثة محاور: أولها التشكيك في شرعية ترامب، وهناك ما يكفي للتشكيك من خلال قضية اختراق البريد الإلكتروني للجنة الحزب الديمقراطي وكبار مساعدي هيلاري في الحملة الانتخابية، والتي وصلت حتى أعتاب المخابرات الروسية، والمتهم بالعمالة لها جوليان أوسانج صاحب «ويكيليكس». وثانيها مقاومة تطبيق برنامج «ترامب» بالتعاون مع أعضاء في الحزب الجمهوري الناقمين عليه، لأنه أهانهم أو لأنه فاز عليهم، فلم يترك الرجل مكانا في واشنطن ليس فيه أعداء. وثالثها اختيار رئيس مناسب، وقادر على الفوز في الانتخابات القادمة.
عند هذه المرحلة المبكرة من السياسة الانتخابية الأميركية، فإن عملية البحث عن رئيس تأخذ نطاقا واسعا لا يقتصر فقط على العاملين في السياسة التقليدية من أعضاء الكونغرس بمجلسيه النواب والشيوخ، وحكام الولايات؛ وإنما أيضا من خارج هذه الدائرة من المشهورين من رجال الفن والمال. انتخاب رونالد ريغان، الممثل وحاكم كاليفورنيا السابق، كان من أطاح برئيس أميركي في الحكم جيمي كارتر. وانتخاب ترامب جعل من رجال الأعمال والمليارديرات عملة انتخابية فعالة وناجحة. ورغم أن أوباما كان عضوا في مجلس الشيوخ، فإن سجله في المجلس لم يكن هو الذي أتى به إلى الحكم، وإنما تلك الحالة من «الكاريزما» الشخصية، والجرأة في طرح فكرة جديدة وخارقة للتقاليد كأميركي من أصول أفريقية، واسمه باراك حسين أوباما، هي التي جاءت به إلى البيت الأبيض.
موقع «ذا هيل» الإلكتروني في واشنطن وضع قائمة من خمسة عشر مرشحا ديمقراطيا محتملا في الانتخابات القادمة تتصدرها عضو مجلس الشيوخ إليزابيث وارين عن ولاية ماساشوستس التي يرى مناصروها أنها لو كانت المرشح البديل لهيلاري كلينتون لفازت في الانتخابات على ترامب، حيث لا توجد لديها تلك الأحمال الثقيلة لآل كلينتون. هي فضلا عن ذلك بتاريخها الأكاديمي في هارفارد (كذلك كان أوباما)، وطاقتها الخطابية المفوهة، وقدراتها على استخدام الأدوات الإلكترونية الحديثة في الهجوم على خصومها، فضلا عن تاريخها في مجلس الشيوخ لديها ما يكفي لتصدر قائمة المرشحين الديمقراطيين. بيرني ساندورز منافس هيلاري كلينتون على تسمية الحزب الديمقراطي وعضو مجلس الشيوخ عن ولاية فيرمونت اخترق حجبا كثيرة خلال الانتخابات التمهيدية بالفوز في 23 ولاية وجمع 13 مليون صوت من أعضاء الحزب، ووفقا لكثير من الاستطلاعات، فإنه كان الأوفر حظا في الفوز على ترامب لو حاز تسمية الديمقراطيين وهو الشخصية التقدمية المناصرة للفقراء والعمال. مشكلته الرئيسية هي السن، فيوم الانتخابات القادمة سوف يكون على مشارف الثمانينات من عمره. القائمة تستمر من أعضاء مجلس الشيوخ لكي تشمل كوري بوكر عن ولاية نيوجيرسي، وآمي كلوبشار عن منيسوتا وكريستين جيلبراند عن نيويورك وكريس ميرفي عن كونتيكيت وكمالا هاريس عن كاليفورنيا. ومن حكام الولايات جون هيكنلوبر من كلورادو، وأندرو كومو عن نيويورك، وديفال باتريك الحاكم السابق لولاية ماساشوستس.
ولكن هذه القائمة الأولية من المحتمل ترشيحهم من داخل «المؤسسة» تشمل أيضا عددا ممن يثيرون الاهتمام. وربما كان أكثرهم سخونة السيدة الأولى ميشيل أوباما التي حققت شعبية كبيرة خلال الانتخابات، سواء كانت مع زوجها باراك أوباما، أو مع هيلاري كلينتون. وفي الحالتين حازت مكانة كبيرة في قلوب الليبراليين الأميركيين لم يصل إليها أحد آخر سوى زوجها. ويليها أن هيلاري كلينتون ذاتها ليس مستبعدا أن تحاول مرة أخرى رغم كل ما سبق، خاصة إذا ما ثبتت نبوءاتها بفشل دونالد ترامب وأنه ليس مناسبا لموقع رئيس الدولة، وقبل وبعد كل شيء فإنها لا يمكن حسابها ضمن الخاسرين لأنها فازت بالتصويت الشعبي من ناحية؛ ولأنها خسرت بسبب التلاعب الذي جاء من تقرير مكتب التحقيقات الفيدرالي حول إعادة فتح قضيتها، من اختراق المخابرات الروسية للبريد الإلكتروني للجنة الحزب الديمقراطي وكبار المسؤولين في حملتها الانتخابية. هيلاري كلينتون وفق هذه الرؤية لم تفشل، لأن الناخبين لم يصوتوا لها، وإنما لأنها تعرضت لمؤامرة خارجية قامت بها روسيا المنافسة للولايات المتحدة في العالم. وفي هذه القائمة يوجد أيضا نائب الرئيس الحالي جو بايدن الذي سبق أن رشح نفسه من قبل ولم يمض شوطا بعيدا، ولكن خبرته في الكونغرس ثم خبرته الحالية تؤهله للترشح. وكذلك الحال لعضو مجلس الشيوخ تيم ماكين عن ولاية جورجيا الذي برز في القائمة ليس كسيناتور، وإنما لأنه بات مرشحا على قائمة هيلاري كلينتون كنائب للرئيس، مما أكسبه خبرة كبيرة في الحملات الانتخابية.
العجيب أنه يأتي في قائمة «المؤسسة» هذه شخصية من خارج الوسط السياسي الأميركي هي المذيعة والإعلامية المشهورة أوبرا وينفري، التي يذكر دائما أنها من أكثر الشخصيات التي يثق بها الأميركيون. ولكن وجودها مع عالم «المشاهير» لم يعد مشكلة، خاصة بعد انتخاب واحد منهم للرئاسة بالفعل. أوبرا على أي حال تتصدر القائمة من هذا العالم، فقط بعد كني ويست مغني «الراب» بينما يتلوها صف طويل من مشاهير عالم الغناء والتمثيل من أمثال توم هانكس وجورج كولوني وويل سميث وكريس روك وكيت بيري وتيم ماكجرو، ومن المليارديرات مارك كوبان.
اختيار هؤلاء والترويج لهم مبكرا جدا ربما يبدو مدهشا في مجتمعات ودول أخرى، ولكنه في الولايات المتحدة يبدو من طبيعة الأشياء في مجتمع تحكمه المنافسة والسباق والاختيار طوال الوقت الذي يكون اختبارا ليس فقط لمن يتولى المسؤولية والقيادة، وإنما أيضا لمن يقوم بالاختيار: الشعب الأميركي.