إميل أمين
كاتب مصري
TT

أذان القدس والعسف المتجبر

إلى متى تصر إسرائيل على إبراز هويتها الدينية كدولة وتفشل في إظهار أي وجه ديمقراطي حقيقي، مما يجزم بأن ديمقراطيتها هي «ديمقراطية للقلة»، أو «ديمقراطية المحتل» القاصرة على اليهود فقط دون بقية سكان البلاد الأصليين؟
علامة الاستفهام المتقدمة ترتفع اليوم في أعلى عليين، والسبب قانون «المؤذن» الذي تحاول الحكومة الإسرائيلية إقراره، الذي يذهب إلى وقف الأذان في المدن الإسرائيلية، بحجة أنه يسبب الضجيج والإزعاج لبقية القاطنين هناك، كأن الأذان هو شعيرة مستجدة لم تعرفها قرى ومدن فلسطين منذ أربعة عشر قرنًا خلت وحتى الساعة.
يبدو القانون ظاهريًا متصلاً بالحريات والممارسات الدينية، غير أنه في واقع الأمر أبعد كثيرًا من ذلك، إنه يذكرنا بحالة الراديكاليات الظلامية، تلك التي لم تعد تقبل الآخر عرقًا أو دينًا، وهي هنا راديكالية يهودية مغرقة في التطرف، لا تختلف في الجوهر كثيرًا عما نراه من حولنا في سوريا والعراق، وكثير من بقاع وأصقاع العالم مدفوعة بمزيج مزعج من الشعبوية والقومية، والفارق الوحيد في الحالة الإسرائيلية هو أنها تحاول الحفاظ على المظهر المتصل برقيها المزعوم، أو تعدديتها الزائفة من أجل استقطاب ملايين السياح كل عام، في حين أن باطنها يحوي رغبة حقيقية في محو كل حضور مسيحي أو إسلامي، لا سيما في القدس الشريف.
هل قانون المؤذن هو بداية لمرحلة جديدة من عملية التهويد المستمرة والمستطردة منذ عام 1967 وما قبلها حتى الساعة، لتغيير ديموغرافية القدس؟
قبل الاحتلال بزمان وزمانين كانت مآذن القدس تصدح بالأذان وأجراسها تدق للصلاة، ولم يقدر لأي قوة طاغية أو باغية إسكات دعوات الحق، وها هي حكومة نتنياهو تستغل لحظة عربية حزينة، كأنها كعب أخيل في التاريخ المعاصر للعروبة، تحاول أن تدرك فيها ما لم تدركه نهار الخامس من يونيو (حزيران) عام 1967، عندما اقترح كبير حاخامات الجيش الإسرائيلي الجنرال شلومو جورين، على الجنرال أوزى ناركيس قائد المنطقة الوسطى الإسرائيلية ما اقترحه حول «مسجد عمرو وأيضًا قبة الصخرة»، حتى تتوقف دعاوى المسلمين بوجود حق ديني أو تاريخي لهم في القدس على حد تعبيره.
«قانون المؤذن»، دون مداراة أو مواراة هو ضرب من ضروب العنصرية التي لا تداري هواها أو ولاءها للصهيونية، والأمر يقطع الطريق على أي آمال أو احتمالات للتعايش السلمي في المنطقة، أو بين العرب والإسرائيليين على نحو خاص، ويغلق السبل الرامية لمواجهة الراديكاليات المتطرفة في الشرق الأوسط، بل الحق أنه يزخمها براديكالية يهودية أكثر سوءًا وهولاً، لا تؤثر في مسارات الحياة لمسلمي الشرق الأوسط فقط، بل على مليار ونصف المليار مسلم حول العالم يرون في «جبرية إسكات الآذان» طعنة دوغمائية لا تصد ولا ترد.
أفرز المشهد في الداخل الفلسطيني لوحة من الفسيفساء البديعة رغم «ألم اللحظة»، إذ أظهر النسيج الاجتماعي الواحد للفلسطينيين بمسيحييهم قبل مسلميهم، الشيء الذي لفت انتباه الاحتلال لجهة فشله في شق التضامن المسيحي - الإسلامي بنوع خاص.. هل أتاكم حديث الكاهن الكاثوليكي الفلسطيني الأصل مانويل مسلم؟
لعمري أن بيانه جاء بليغا، تحت عنوان «الأذان في القدس شرف لنا ودونه لا شرف لنا»، يخاطب الرجل مسلمي الداخل الفلسطيني: «إذا أسكتوا مآذنكم فاعتمدوا أجراسنا تدعوكم للصلاة»..
الحس السياسي عند المسيحي الفلسطيني مانويل مسلم يقوده إلى إدراك جوهر ومخبر الأزمة، فأحد أهم الأهداف التي زرع العالم لأجلها إسرائيل في فلسطين هو أن تثير القلاقل في الشرق الأوسط.. واليوم تفتح إسرائيل صفحة جديدة أخرى سوداء في تاريخ احتلالها للقدس بالتحديد، وهي المساس بالعاطفة الدينية والعربية والإسلامية.
لا يستطيع المحلل السياسي المتابع للعلاقة بين إسرائيل والولايات المتحدة أن يوفر القول بوجود إشارة ما في قانون المؤذن تربط الحدث بشكل أو بآخر بنتائج الانتخابات الرئاسية الأميركية، كأن الأمر يشبه «بالون اختبار» لإدارة دونالد ترامب المقبلة، التي أعلن كبيرها في زمن السباق الانتخابي، أنه سينقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس.
الخلاصة.. هي أن إسرائيل لم ولن تكون لها دالة على السلام.