ديفيد اغناتيوس
صحافي وروائي. وهو محرر مشارك وكاتب عمود في صحيفة "واشنطن بوست". كتب ثماني روايات، بما في ذلك "جسد الأكاذيب"
TT

يتحتَّم على كلينتون أن تُظهر للعالم وجهًا صارمًا

في ظل أغلب التوقعات التي تشير إلى الاحتمالية الكبيرة لفوز هيلاري كلينتون في الانتخابات القادمة، بدأ كبار مستشاريها في التفكير في كيفية إعادة الاستقرار للعالم بعد الهزة التي تسببت فيها الحملة الرئاسية الأميركية.
تكمن المفارقة بالنسبة لفريق كلينتون، حال فوزها، في كيفية الاستمرار في العمل ضمن إدارة الرئيس أوباما التي عمل فيها الكثيرون، وأيضا في تشديد السياسة الأميركية كي لا تبدو الولايات المتحدة في موقف أضعف عند تعاملها مع روسيا والصين وعند معالجتها لغيرها من المشكلات. على كلينتون العمل على تأكيد تفوق الولايات المتحدة في ظل وضع وصفه أحد أفراد فريقها بقوله بتنا نعيش في «عالم ملتهب بصورة غير مسبوقة».
وعند سؤاله عن تقييمه لتلك المرحلة التاريخية العالمية المحيرة، أشار مستشار الحملة إلى المرحلة التي أعقبت الحرب الأميركية في فيتنام مباشرة، ومرحلة سقوط الاتحاد السوفياتي. ففي كلتا الحالتين، بحسب المستشار، يكمن سر إدارة الأزمات في «المبادرة الاستراتيجية» من الولايات المتحدة. فبالإدارة النشطة للدبلوماسية الأميركية، استطاع وزراء خارجية مثل هنري كيسنجر وجيمس بيكر صياغة وتشكيل الأحداث، حتى وسط حالة من عدم الاستقرار العالمي.
ولأن روسيا والصين سوف يقدمان على اختبار الولايات المتحدة، فقد يشهد العام الأول للإدارة القادمة خلافات واحتكاكات قوية حول العالم. وتتمتع كلينتون بميزة وهي أن فريق عملها معلوم لحلفاء ولخصوم الولايات المتحدة على حد سواء، وفي الغالب لن يرتكب الفريق أخطاء فادحة، وسيكون فريقها ملزما بمواصلة وإنجاز مهمته التي لم تكتمل حتى الآن وهي القضاء على تنظيم داعش ومحاربة الإرهاب.
في حال وصلت كلينتون للرئاسة، سيرى فريقها مسألة إعادة بناء القوة الاقتصادية للولايات المتحدة كخطوة أولى ضرورية، وسوف تشهد المائة يوم الأولى لرئاستها العديد من المبادرات المالية لإعادة بناء البنية التحتية وتحفيز الاستثمار، وجميعها إجراءات من شأنها تشجيع وتسريع وتيرة النمو المتباطئ سواء في أوروبا أو في غيرها من الدول الحليفة.
فبحسب المستشار الأول لحملة كلينتون «ينتظر العالم أن تمسك الولايات المتحدة بدفة القيادة وأن تسرع من وتيرة الاقتصاد»، مضيفا: «فيما يخص التحالفات العالمية، فإن أهم ما يتعين علينا فعله هو دعم مؤسساتنا الداخلية».
فالمبارزة مع روسيا قد بدأت بالفعل، إذ إن تاريخ كلينتون والرئيس الروسي فلاديمير بوتين مليء بالدم الفاسد الذي كان من ضمن تجلياته عملية القرصنة الخفية على البريد الإلكتروني لحملة كلينتون.
تتمثل الخطوة الأولى في إعادة احتواء روسيا في مساندة أوروبا الممزقة والمهتزة. ففي حال جرى انتخاب كلينتون، فسوف يبلغ مساعدوها الدبلوماسيين الأوروبيين أنها ترغب في عقد اجتماع عاجل لقمة الناتو (حلف شمال الأطلسي) لتأكيد التحالف. وستعمل كلينتون على التأكيد للحلفاء الاستراتيجيين التقليديين مثل السعودية أن الولايات المتحدة قد عادت، وسوف تكون الرسالة للحلفاء العرب، حسب المستشار الثاني للحملة: «سنكون شركاء واضحين في أمن الشرق الأوسط». ومع ازدياد ثقة الدول الإسلامية السنية في الولايات المتحدة، وفق المستشار الثاني، سيكون بمقدور الولايات المتحدة مواصلة دبلوماسيتها مع إيران.
ستتعقد السياسة الأمنية الأوروبية بخروج بريطانيا من منظومة الاتحاد الأوروبي التي تعتبر الصوت التقليدي الأقرب للولايات المتحدة، فبحسب دبلوماسي أميركي فإن كلينتون والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل بينهما «رابطة قوية من التعاطف»، وستكون رغبة فريق كلينتون في وجود سياسة روسية صارمة أسهل لأنه من المؤكد أن جميع العقوبات الاقتصادية المفروضة على موسكو سيجري الإبقاء عليها خلال قمة الاتحاد الأوروبي المقررة في ديسمبر (كانون الأول) المقبل.
وبالفعل يفكر مستشارو كلينتون بشكل جدي في الكابوس السوري وفي كيفية إعادة بناء العراق، وفي مرحلة ما بعد سقوط «داعش». في حال فازت كلينتون في الانتخابات، فمن المرجح أن يشرع فريقها الانتقالي في إجراء «مراجعة سريعة للوضع السوري» لتحديد الخيارات بشأن الرئيس المنتخب الجديد، وسيكمن التحدي الأكبر في كيفية تنفيذ وعد حملة كلينتون بشأن فرض «مناطق آمنة» في مناطق غير خاضعة لسيطرة النظام السوري.
وسوف يبدأ فريق كلينتون باستشارة اليابان وكوريا الجنوبية بشأن استراتيجية التعامل مع بيونغ يانغ، وسيكون من ضمن الأهداف فرض عقوبات اقتصادية تتسبب في حالة شلل مثل تلك التي سببتها العقوبات المفروضة على إيران.
سيتحتم على الرئيسة القادمة أن تؤدي مهمة متعددة الأهداف، وهي أن تظهر للعالم وجها صارما، وفي الوقت نفسه تستمر على نهج أوباما؛ بأن تركز كلماتها على التغيير بينما الموسيقى لا تبارح الوضع الراهن. فانتصار كلينتون يعتمد على انتقالها من مرحلة المفاوض الأضعف إلى مرحلة المفاوض الأقوى، لكن ذلك لن يكون سهلا في ظل وجود خصوم يحاولون الإطاحة بها.

* خدمة «واشنطن بوست»