لخمس سنوات ونصف، استمرت الحكومة السورية في عمليات التعذيب وإطلاق النار والتفجير واستخدام الغاز ضد شعبها بلا هوادة ولا خوف من عقاب لثقتها أنها في مأمن من العقاب. وبلغت المحصلة حتى الآن 500 ألف قتيل، و11 مليون مشرد. ومنذ بدء التدخل السوري العام الماضي، ساءت الأوضاع وأصبح هناك نحو مليون شخص يعيشون في 40 منطقة محاصرة، 37 منها خاضعة لسيطرة القوات الموالية للحكومة. وفي الوقت الذي يعيش فيه الشعب السوري وحشية العصور الوسطى، عمل الرئيس بشار الأسد على إفساد المبادرات الدبلوماسية الهادفة إلى استعادة السلم في بلاده. ولم يكن الأسد وحده هو من أفسد آخر المبادرات الدبلوماسية، بل أيضًا روسيا التي اتُهمت طائراتها بقصف قافلة مساعدات إنسانية تابعة للأمم المتحدة في سبتمبر (أيلول) الماضي. ومنذ ذلك الحين، تجاوز عدد القتلى والجرحى 2500 في شرق حلب وحدها جراء القصف الجوي من الطائرات السورية والروسية. الأغرب من ذلك أن روسيا استخدمت حق الـ«فيتو» لتعطيل قرار الأمم المتحدة لإيقاف المزيد من الضربات الجوية للمدنيين. لذلك فقد حان الوقت لأن تعمل الأمم المتحدة على نحو صارم في سوريا لتنفيذ أربعة أهداف محددة وهي: إنهاء عمليات القتل الجماعي للمدنيين، وحماية ما تبقى من المعارضة المعتدلة، والعمل على مواجهة خطاب الجماعات المتطرفة الذي يتهم الغرب باللامبالاة لمعاناة الشعب السوري، وإجبار الأسد على الجلوس على طاولة المفاوضات. على الولايات المتحدة ألا تكون طرفا في عملية تغير النظام، وبات حتميا أن تقدم عصابة الأسد وأعوانه إلى العدالة قبل فوات الأوان، وإلا فلن يسامحنا العالم على بلادتنا.
فتبعات استمرار حالة التبلد مروعة، فقد بات جليا أن الولايات المتحدة لم تفكر أبدا في التدخل بحزم للتأثير على الوضع على الأرض. فالقيود غير الواقعية على عمليات الفحص والتدقيق للمعارضة المعتدلة وسياسة حظر تسليح الجماعات المسلحة لمحاربة النظام جعلنا عاجزين عن محاربة تنظيم «داعش» أو حتى دفع الأسد تجاه مرحلة انتقالية. فسياسة واستراتيجية الولايات المتحدة بخصوص سوريا كانت بمعزل تام عما يحدث؛ حيث ركزت عسكريا على تنظيم نشأ كعرض جانبي للحرب الأهلية وأهملت الهدف السياسي الأهم وهو رحيل الأسد.
كان من الممكن ملء الثقب في تلك الاستراتيجية بتبني برنامج تدريبي تسليحي متكامل للسوريين المعتدلين لتولي محاربة «داعش» ومقاومة قوى النظام بصلابة أكبر. وللأسف، سمحنا لهذا النسيج الضام الذي يقع بين استراتيجيينا لمحاربة «داعش» وسياسيتنا للإطاحة بالأسد - والمقصود هنا المعارضة السورية المعتدلة - أن يتعرض لهجوم شرس من النظام ومن روسيا.
قلنا لسنوات إنه لن تكون هناك نتائج عسكرية للحرب في سوريا، لكن ما حدث هو أن الروس وحلفاءهم دفعوا بالجانب العسكري من الأزمة لتعزيز الوضع السياسي للنظام السوري، وباسم محاربة الإرهاب سعت إلى اقتلاع المعارضة، ومنهم السوريون المعتدلون الذين أردنا أن يكونوا جزءا من العملية السياسية التي ستنتهي بخروج الأسد. والهدف من كل ما سبق هو رغبتنا في عدم الاشتباك مع النظام، ومع روسيا حاليًا.
ولإنقاذ حلب، على الولايات المتحدة وحلفائها تسريع وتوسيع نطاق المساعدات العسكرية وغير العسكرية لجماعات المعارضة المعتدلة التي خضعت للفحص والتدقيق. ستساعد تلك الخطوة في تمكين جبهات أخرى في شمال وجنوب سوريا لإجبار القوات الموالية للنظام على التراجع وتشتيت أنظارها بعيدا عن حلب. ويجب أيضًا مد الجماعات المعارضة بوسائل لضرب القواعد الجوية للنظام التي يقع أغلبها بالفعل في النطاق المباشر للنار وصواريخ المدفعية.
سيتسبب اتخاذ تلك السلسلة من الخطوات في النهاية إلى اللجوء إلى استخدام القوة في سوريا كإجراء عقابي. ويجب أن يستهدف أي إجراء المنشآت العسكرية السورية والمعدات المستخدمة في قصف المدنيين، مثل القواعد الجوية، والطائرات، ومخازن الأسلحة، ومواقع المدفعية. ورغم توقعنا للخلط المتعمد للقوات والمعدات السورية والروسية بهدف تعقيد عملية الاستهداف، علينا أن نحتاط ألا يتسبب ذلك في ضياع فرصة ضرب العناصر والوحدات السورية المعادية في الوقت الذي سنواجه فيه عمليات من تنظيم «داعش» في غيرها من الأماكن.
يجب العمل على إنقاذ مصداقية الولايات المتحدة كقائدة ومدافعة عن العالم الحر من التدمير المهول الذي تشهده سوريا. ولا تزال الفرصة مواتية لتفعيل القوانين والأعراف الدولية.
* خدمة «واشنطن بوست»
8:37 دقيقه
TT
حاسبوا الأسد وأعوانه الآن
المزيد من مقالات الرأي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة