د. آمال موسى
أستاذة جامعية مختصة في علم الاجتماع، وشاعرة في رصيدها سبع مجموعات شعرية، ومتحصلة على جوائز مرموقة عدة. كما أن لها إصدارات في البحث الاجتماعي حول سوسيولوجيا الدين والتدين وظاهرة الإسلام السياسي. وهي حالياً تشغل منصب وزيرة الأسرة والمرأة والطفولة وكبار السن في الحكومة التونسية.
TT

تونس وأخطبوط التحديات

قد تختلف المواقف والقراءات إزاء مدى ضرورة سحب الثقة من حكومة السيد الحبيب الصيد، وما إذا كان ذلك خطوة تحتكم إلى أهداف عقلانية واضحة أم عكس ذلك. ولكن ما لا يمكن الاختلاف حوله هو أن تونس ما عادت تتحمل إضاعة الوقت ولا إهدار الفرص؛ ذلك أن تراكم الإخفاقات والتحديات، يؤدي آليا إلى مزيد من الضعف والهشاشة بالنسبة إلى الدولة ويضعها أمام صعوبات تُعيق بدورها إشباع الحد الأدنى من توقعات المجتمع.
فمن حكومة إلى أخرى أصبحت الإمكانات أقل والديون أكثر والأوضاع أكثر تعقيدًا.
الواضح اليوم أنه رغم كل التعقيدات فإن المطلوب من رئيس الحكومة الجديد السيد يوسف الشاهد البرهنة على فهم معمق ودقيق للمشكلات الكبرى للحظة الراهنة. وهو فهم ضروري وأساسي ولا بد منه كي ينجح في اختيار الفريق الوزاري، الذي سيعمل معه وكي يدرك المطلوب على المدى العاجل والمتوسط والبعيد.
وتبدو لنا هذه النقطة مهمة جدًا؛ إذ مرت حكومات سابقة لم تكن تعرف أولوياتها ولا ملمة بتحديات البلاد. كما أن الفهم هو دائمًا نصف الفعل، وهو ضمان النجاح. ولو كان الفهم المعمق والدقيق متوافرًا بالشكل اللازم لاستطاعت تونس تجاوز مشكلات عدة، والوقاية منها.
راهنت النخب السياسية التونسية خلال السنوات الخمس الأخيرة على التجاذب السياسي والخصومات الآيديولوجية والمحاصصة الحزبية، فكانت النتيجة تراكم الصعوبات. لذلك؛ فإن الحكومة التي سيتم تشكيلها خلال الأيام المقبلة، من المهم أن تدرك أن لا حق لها سوى النجاح، وأن المطلوب منها إنقاذ تونس من سقوط اقتصادي مدوٍّ.
ويمكن القول إن أمام الحكومة القادمة ثلاثة ملفات كبرى، وهي الاقتصاد والإرهاب وأيضًا الفساد، الذي تضاعف مقارنة بما كان عليه قبل الثورة. وهي ملفات كما نلاحظ في منتهى الجدية وتستوجب كفاءات حقيقية.
وإذ نلح على هذه المسألة فلأن الأوضاع مفتوحة على مزيد التعقيد: الإرهاب الذي أربك الاقتصاد التونسي وأضر بقطاع حيوي مثل السياحة، إضافة إلى تداعيات انهيار الدينار التونسي ذات الصلة في جزء أساسي منها بتراجع مداخيل العملة الصعبة بسبب تراجع عدد السياح الأجانب. بمعنى آخر، الوضع المالي بدأ يدنو من نقطة الحضيض، ولا بد من سياسة جادة وماسكة بالحلول الاقتصادية والأفكار الخلاقة حتى يتم تجاوز السيناريوهات السيئة.
إن مهمة الحكومة التي سيتم تشكيلها ثم تحظى بموافقة البرلمان صعبة جدًا، وهو ما يفسر، لماذا هذا الشأن الوطني التونسي اهتمت به الدول الكبرى وتابعت تفاصيله.
ولعل أول درس يجب أن تعتبر منه هذه الحكومة هو أن الرهان على الديون الخارجية ليس حلاً بقدر ما هو استنزاف للبلاد من أكثر من صعيد، وأن بديل ذلك معالجة ملف الاستثمار الخارجي، الذي يعاني مشكلات جمة، خصوصًا أن الاستثمار الخارجي قد سجل تراجعًا بـ23.4 في المائة. فالاستثمار هو الحل. والرهان على المشروعات هو الطريق الأمثل لحل مشكلات التفاوت التنموي بين الجهات، إلى جانب ضرورة تحلي هذه الحكومة بشجاعة الدفاع عن قانون المصالحة الاقتصادية الذي سيعطي دفعًا قويًا للاستثمار الوطني.
تفيد كل المؤشرات بأن الاقتصاد التونسي ليس بخير، وهو ما نجد له أصداء كثيرة في تدخلات النخبة الحاكمة، حيث الإشارات المتعددة حول انهيار الدينار أمام العملات الأجنبية، وأيضًا تقلص الميزان التجاري والتراجع اللافت في مجال التجارة الخارجية.
في الظاهر، تبدو الصعوبات كثيرة والمشكلات عميقة، ولكن الكفاءات تدرك أنه يكفي وضع القدم في الطريق الصحيح؛ حتى يتم التخفيف من حدة الكثير من المشكلات، خصوصًا أن المشكلات مترابطة فيما بينها وتحكمها الأسباب نفسها.
مما لا شك فيه أن الحكومة المرتقبة لن تعمل بهدوء وثقة إلا إذا ضمنت سيطرة كبيرة على ظاهرة الإرهاب. مما يفيد بأن وزارتي الدفاع والداخلية تتمتعان بأهمية مضاعفة ولا نجاح في أعمال الوزارات الأخرى إلا بنجاح هاتين الوزارتين.
وكما نعلم، فإن هذه المشكلة مفتوحة على التعقيد أيضًا بالنظر إلى خطورة الأوضاع في ليبيا، حيث يتوقع بعض الخبراء أن تتحمل تونس تداعيات محاربة تنظيم داعش في ليبيا، أي أن الحرب على الإرهاب ستعرف جولات ساخنة كلما تم تضييق الخناق على الجماعات الإرهابية في ليبيا.
إذن التحديات جادة وإدارتها ليست فسحة سياسية أو تشريفًا بقدر ما هي مسؤولية. لذلك، فإنه أمام الحكومة القادمة طريقان؛ إما طريق الإنقاذ الذي يبدأ خطوة خطوة، وإما تعميق هذه التحديات الأخطبوطية والوصول إلى نقطة الهاوية. وكلما تم تحديد الأولويات والكفاءات بدقة وضمير، كانت ضمانات النجاح والإنقاذ أكبر.