ميهير شارما
TT

الاستفتاء البريطاني وتأثيره على الأسواق الناشئة

خلال الأيام التي أعقبت التصويت البريطاني للرحيل عن الاتحاد الأوروبي، خيمت سحابة من الكآبة على العاصمة لندن. وداخل محطات مترو الأنفاق، وخلال أوقات الاستراحة داخل العمل، والمطاعم وقت تناول الغداء، كثيرًا ما نما إلى مسامعي إعراب أبناء لندن عن دهشتهم كيف يمكن أن يشكل الخروج من الاتحاد الأوروبي نبًأ سارًا لأي شخص.
حسنًا، يعد هذا الأمر بالفعل نبًأ سارًا بالنسبة للبعض على المدى الطويل، على رأسهم الشركات وجهات التصدير الهندية.
ويأتي هذا رغم أن بعض الشركات الهندية تتعرض لمخاطرة إضافية خطيرة داخل الاقتصاد البريطاني. كما أن فرار المستثمرين المتوقع في أعقاب حدث هائل مثل الخروج من الاتحاد الأوروبي، من المؤكد أنه سيضرب الاقتصادات الناشئة بقسوة، ومنها الهند. وقد عاينا جميعًا كيف أن مؤشر «سنسكس» لسوق مومباي للأسهم قد تهاوى فور ظهور نتيجة الاستفتاء البريطاني.
والآن، ربما يتعين على الشركات الهندية العاملة بمجال تكنولوجيا المعلومات، مثل «إنفوسيز» و«تاتا كونسلتانسي سيرفيسيز» - التي تعتمد على أوروبا في جني قرابة 30 في المائة من عائداتها التصديرية - تأسيس مقرين رئيسيين لها، في بريطانيا وأوروبا. وبالنظر إلى المشروعات ذات هامش الربح الضيق التي تميل هذه الشركات للاضطلاع بها، فإن هذه الزيادة في التكاليف قد تخلق مشكلة خطيرة. وتبعًا لما أعلنته جماعة الضغط المعنية بصناعة تكنولوجيا المعلومات الهندية (ناسكوم)، فإن العقود القائمة بالجنيه الإسترليني ستتعين إعادة صياغتها لضمان الإبقاء على ربحيتها. وبالنسبة لشركات أخرى، فإن الشكوك المحيطة بالوضع الراهن ستجعل مسألة التخطيط الاستراتيجي صعبة. وحاليًا، تعكف شركة «تاتا ستيل»، التابعة لشركة «تاتا سونز»، التي تتخذ من مومباي مقرًا لها، على دراسة ما ينبغي عليها عمله بخصوص مصانعها داخل أوروبا. وقد ادعى تقرير صدر أخيرًا أن الشركة على وشك دمج مشروعاتها داخل أوروبا مع شركة «تيسين كروب» الألمانية. ومن غير الواضح ما إذا كان هذا الدمج سيمضي قدمًا الآن.
ورغم ما سبق، فإن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي قد يجبر الشركات الهندية على مواجهة بعض من القرارات غير الحكيمة التي اتخذتها، ذلك أنه لأسباب تاريخية وثقافية، أبدت الشركات الهندية بوجه عام انحيازًا نحو الاستثمار بالمملكة المتحدة. واللافت أن «تاتا سونز» ذاتها لم تكتف بشراء شركة «كورس» بهدف بناء «تاتا ستيل أوروبا»، وإنما كذلك شركات بريطانية كبرى، مثل «تيتلي تي» و«جاغوار لاند روفر».
وحاليًا، تعتبر الهند ثالث أكبر مصدر للاستثمار الأجنبي في المملكة المتحدة. وفي الواقع، تستثمر الشركات الهندية داخل المملكة المتحدة أكثر مما تستثمر بباقي دول الاتحاد الأوروبي مجتمعة، رغم أن الاقتصاد البريطاني يشكل 17.5 في المائة فقط من إجمالي اقتصاد الاتحاد.
في الوقت ذاته، فإنه بالنظر إلى الاستثمارات التي وجهتها كثير من الشركات الهندية إلى بريطانيا، فإنها قد تكون مهيأة للتصدير بدرجة أكبر كثيرًا هناك - وقد يسهم خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي في تحسين شرط التبادل التجاري بين الهند والمملكة المتحدة.
جدير بالذكر أن محادثات عقد اتفاق تجارة حرة مع الاتحاد الأوروبي تعثرت، بسبب إصرار جماعات الضغط الصناعية بالهند على استمرار حماية عدة قطاعات. على سبيل المثال، ترغب شركات تكنولوجيا المعلومات الهندية من الأوروبيين الإقرار بأن بنود أمن البيانات الهندية مناسبة، الأمر الذي سيساعد صناعة التعهيد بقدر كبير. أما صانعو السيارات الهندية، فيخشون من المنافسة من شركات إنتاج السيارات بألمانيا والتشيك.
الملاحظ أن البريطانيين أنفسهم ينتقدون منذ فترة طويلة معايير الاتحاد الأوروبي لحماية البيانات باعتبارها مفرطة في صرامتها. وعليه، فإنهم قد يقبلون بنظام أقل صرامة، أقرب للنظام الأميركي. وفي مجال السيارات، قد يكون لدى الهند استعداد أكبر للتوصل لحل وسط، بالنظر للوجود القوي لـ«تاتا موتورز» داخل بريطانيا والهند.
وفي غضون شهور قليلة، عندما تبدأ بريطانيا في تذوق مرارة الانفصال فعليًا عن الاتحاد الأوروبي، ينبغي على الهند المسارعة إلى عقد محادثات حول اتفاق تجارة حرة مع بريطانيا. وبغض النظر عن الشخص الذي سيكون بمنصب رئيس الوزراء آنذاك، فالمؤكد أنه سيكون حريصًا بشدة على أن يظهر للناخبين منافع ملموسة للوضع الجديد.
وقد يكون ذلك السبب الأكبر وراء إمكانية استفادة الهند على المدى البعيد. وكان المعسكر الداعم للانفصال عن الاتحاد الأوروبي سبق أن روج لفكرة أن الكومنولث البريطاني القديم - الذي تعد الهند أكبر اقتصاداته وأكثرها ديناميكية - يمكنه العمل كمنصة بديلة للمشاركة البريطانية بالساحة الدولية. كما كان من اللافت مشاهدة المتظاهرين المؤيدين للانفصال عن الاتحاد الأوروبي على شاشات التلفزيون البريطاني يدعون لتوثيق العلاقات مع الهند كجزء محوري من خططهم الاقتصادية.
والواضح أنه في مناطق بعينها، مثل ساوثهول وليدز، لا يزال هناك حنين للكومنولث البريطاني، وميل له على صعيدي التجارة والهجرة، الأمر الذي كانت بريطانيا قد بدأت في التخلي عنه بعد انضمامها للسوق الأوروبية المشتركة عام 1973.
* بالاتفاق مع «بلومبيرغ»