مشاري الذايدي
صحافي وكاتب سعودي. عمل في عدة صحف ومجلات سعودية. اشتغل في جريدة المدينة السعودية في عدة أقسام حتى صار عضو هيئة التطوير فيها. ثم انتقل لـ«الشرق الأوسط» من 2003، وتدرَّج بعدة مواقع منها: المشرف على قسم الرأي حتى صار كبير المحررين في السعودية والخليج، وكاتباً منتظماً بها. اختير ضمن أعضاء الحوار الوطني السعودي في مكة المكرمة. وشارك بأوراق عمل في العديد من الندوات العربية. أعدَّ وقدَّم برنامجي «مرايا» وبرنامج «الندوة». في شبكة قنوات «العربية».
TT

حكاية النصاب «النخبوي»

رغم كثرة الفضائيات، وصفحات الحسابات الشخصية على مواقع التواصل الاجتماعي، وما يعنيه كل ذلك من انكشاف ووضوح، إلا أن أحمد الرشيدي، النصاب الظريف، استطاع الضحك على الإعلام والبرامج والجامعات ومراكز التفكير، أو بعض هؤلاء، في مصر!
التفاصيل التي جمعها الزميل أشرف عبد الحميد لـ«العربية» تخبرنا عن قصة من قصص الإثارة البوليسية، وإن شئت من نوع الضحك الباكي. فيها أن أجهزة الأمن المصرية ألقت القبض على محتال ادعى أنه خبير أمني وتقني وسبق له العمل بجهة سيادية كبرى، وكانت تستضيفه وسائل الإعلام والفضائيات المصرية، وتقدمه خبيرا أمنيا وتكنولوجيا.
ليس هذا وحسب بل إن هذا النصاب «النخبوي» أسس منظمة وهمية باسم (المجلس العربي الأفريقي الدولي) على شبكة الإنترنت مُدعيًا أنها تابعة لإحدى المنظمات العربية. وعقد ندوات علمية وتدريبية وهمية وحفلات في كبرى الفنادق بالقاهرة مع الظهور في بعض القنوات الفضائية والتلفزيونية وكتابة مقالات في بعض الصحف بذات الصفة، كما قام بالإعلان عن منح المنظمة شهادات دكتوراه فخرية منسوبة لإحدى الجامعات بدولة أجنبية تمنح للشخصيات العامة للبلاد ويقوم بتسليمها لهم في حفلات تكريم نظير مبالغ مالية.
ليس هذا فقط، بل عثر على خطاب «صحيح»! من إحدى الجامعات موجه له بالصفة التي ينتحلها للمشاركة في أحد المؤتمرات الخاصة بأورام السرطان! الشهر الماضي.
قبلها بأيام، قبض في الكويت على «حلاق» أردني، نصب على مجموعة من الشيعة والسنة والصوفية، تارة بعمامة سيد، وتارة بغترة شيخ، وثالثة بوشاح مولى صوفي، وجمع أموالاً طائلة من هؤلاء كلهم.
هل أصبح النصب بهذه السهولة والعفوية؟! أو كما قال أحد الظرفاء: فين نصب أيام زمان المحترم؟
الغرابة هو أنه مع سهولة التحقق من المعلومات عبر غوغل وغيره من كواشف البحث، إلا أنه لا يوجد من يكلف نفسه «تمحيص» الزيف من الحقيقة فيما يصدر للناس على الشاشات، وتصبح هذه الشاشات نبعًا للوهم تتلقف منها المؤسسات التي تقيم الندوات، وأحيانًا يصبح نبع الوهم، حسابات تويتر وفيس بوك، ويوتيوب.. إلخ، وهكذا في دورة جهل تغذي نفسها بنفسها، والضحية هو المتلقي الأخير.
يشير هذا الأمر أيضًا إلى ظاهرة أخرى سيئة، وهو «تكاسل» من يعد القوائم ويختار الضيوف، سواء على شاشة قناة فضائية، أو على منصة الندوة المعقودة، في تصميم قوائم حقيقية نتاج بحث أصيل وصادق، وليس عن طريق «القص واللصق» أو ابتلاع ما هو متاح أمام النظر إلى الشاشات وحسابات التواصل الاجتماعي.
قصة النصاب «الاستراتيجي» هذا، صحيح أنها مضحكة ولكنها محزنة أيضًا.
[email protected]