سليمان جودة
رئيس تحرير صحيفة «الوفد» السابق. كاتب العمود اليومي «خط أحمر» في صحيفة «المصري اليوم» منذ صدورها في 2004. عضو هيئة التحكيم في «جائزة البحرين للصحافة». حاصل على خمس جوائز في الصحافة؛ من بينها: «جائزة مصطفى أمين». أصدر سبعة كتب؛ من بينها: «شيء لا نراه» عن فكرة الأمل في حياة الإنسان، و«غضب الشيخ» عن فكرة الخرافة في حياة الإنسان أيضاً.
TT

لو أن «نهضة» تونس طمأنت قلوبنا!

ماذا يريد راشد الغنوشي، زعيم حركة النهضة في تونس، أن يقول لنا، وهو يزف إلينا هذه البشرى في مؤتمر الحركة العاشر الذي انعقد في 20 مايو (أيار) الحالي؟!
ماذا يريد أن يقول، وهو يعلن، أن حركته سوف تفصل نشاطها السياسي في مقبل الأيام، عن النشاط الديني، وأنها كانت حركة عقيدية في بدء أيامها، تدافع عن الهوية الوطنية المسلمة لأعضائها خصوصًا، وللتوانسة عمومًا، ثم تحولت إلى حركة احتجاجية، ضد نظام الرئيس التونسي السابق، زين العابدين بن علي، وأخيرًا صارت حركة ديمقراطية تؤمن بمبادئ التداول السلمي للسلطة؟!.. ماذا يريد أن يقول الرجل؟!
هل يريد أن يقول: إن فكر الحركة قد تغير، وإنها قد مرت بمراحل النضج الطبيعي الذي تمر به الحركات المماثلة؟!
إذا كان هذا هو ما يريده، وأظن أن هذه هي رغبته، فهو سيد العارفين، بأن التغير الذي يصدقه سامعوه، في مثل هذه الحالة، هو التغير الحاصل على الأرض، وليس في مُجمل الخطاب السياسي الشفهي من وقت لآخر، ومن مناسبة إلى غيرها.
إن هذه ليست المرة الأولى، التي يصدر فيها كلام عنه، أو عن قيادات أخرى في الحركة في هذا الاتجاه.. ولذلك، فإن «النهضة» لا تزال مدعوة إلى أن تقرن الفعل عندها بالقول.
وهي مدعوة في هذا السياق، إلى أن تجيب لنا عن عدة أسئلة، بوضوح، وبصراحة، وبأمانة.. وسوف نصدقها.
مدعوة إلى أن نعرف منها، ما إذا كانت حقًا قد دعمت المنصف المرزوقي، وقت ترشحه للرئاسة، أمام المرشح الباجي قايد السبسي، رغم أنها أعلنت، قبل بدء سباق الرئاسة، أنها ليست مع مرشح ضد مرشح، وأنها تترك لأعضائها حرية اختيار مَن يرونه مناسبًا؟!
هل صحيح أن تعميمًا سريًا داخليًا، صدر داخلها وقتها، وكان ينصح بالتصويت لصالح المنصف؟!.. هذا سؤال.
والثاني هو: ما الذي كانت تقصده وقت وصولها للحكم، بعد انتفاضات الربيع إياها، وهي تضع أعضاء فيها، في مواقع مسؤولية محددة ومؤثرة في الدولة، مما دفع حكومة الرئيس السبسي، بعد فوزه، إلى إبعادهم عن تلك المواقع، لأسباب ليست خافية على أحد؟!
.. لقد كان أولئك الأعضاء في مواقع تبدأ من الأمن، وتمر بالجمارك، وتنتهي عند قوات الدرك الوطني، وكان إبعادهم ضمن جهود الرئيس وحكومته، لمقاومة فكر التطرف في البلاد، وتجفيف منابعه.. فماذا تقول حركة الغنوشي الآن، في قرار إبعاد أعضاء فيها، وكانوا بالعشرات، وفي مواقع مؤثرة.. وما الذي كانت تريده، وهي تثبتهم في تلك المواقع مقدمًا؟!
والسؤال الثالث: ما هي علاقة الحركة عمليًا، أو حتى نظريًا، بعملية الانشقاق التي جرت في حركة «نداء تونس» الحاكمة حاليًا؟!
.. إنها عملية كما يذكر متابعو تفاصيلها في حينها، قد أدت إلى أن تكون «النهضة» هي صاحبة الأغلبية في البرلمان، لا «نداء تونس» كما كان الأمر، عند بداية رئاسة السبسي؟!
.. وإذا كان هناك أحد صاحب مصلحة في تونس، في أن تتأخر «نداء تونس» برلمانيًا، فهي حركة النهضة طبعًا لا غيرها.. والسؤال: إذا افترضنا أن «النهضة» كانت وراء الإيعاز بالانشقاق، ولو من بعيد، وهو افتراض بالمناسبة يؤمن في صحته عدد لا بأس به من الساسة في تونس، فهل يمكن القول مع ذلك، إن فكر الحركة قد تغير؟!
والسؤال الرابع هو: إذا كان الغنوشي يقول بفصل النشاط السياسي، عن الديني للحركة.. ففي أي اتجاه بالضبط، سوف يكون النشاط الديني؟!.. ما هي المبادئ التي سوف يربى عليها الذين يخاطبهم؟!.. وهل يمكن أن يكون النشاط السياسي في ناحية، بينما النشاط الديني في ناحية مناقضة، من حيث المبادئ التي سوف ينشرها بين الجيل الطالع؟!
دائمًا ما أستقبل كل كلام صادر عن حركة النهضة، وفي ذهني ما يتصرف به حزب العدالة والتنمية الحاكم في المغرب، برئاسة عبد الإله ابن كيران، رئيس الحكومة.. إنه في الرباط يقول ويفعل في الوقت نفسه، أو هكذا أعتقد، وهو لا يترك مناسبة تسنح أمامه، إلا ويعود ليؤكد فيها من جديد، أنه لم يأتِ إلى رئاسة الحكومة ليفرض رؤيته للإسلام على المغاربة، وإنما جاء ليحل لهم مشاكلهم، وأنه يرأس حزبًا يستند إلى مرجعية إسلامية، وليس حزبًا إسلاميًا، وأنه كحزب حاكم يسعى إلى التعاون لا الصدام.
الغنوشي مدعو إلى أن يجيب عن هذه الأسئلة، وغيرها مما قد يتولد منها، حتى تطمئن قلوب الذين قد يسمعون من حركته شيئًا، ثم يرون شيئًا آخر على الأرض!