إميل أمين
كاتب مصري
TT

ترامب.. غير المتوقع يحدث دائمًا

من بين أشهر العبارات التي تعيها الذاكرة الأدبية الفرنسية بنوع خاص يبقى تعبير الروائي الفرنسي، وكاتب السير الشهير أندريه موروا: «غير المتوقع يحدث دائمًا» (toujour L›inattendu arrive).. هل يصدق التعبير بالفعل على دونالد ترامب المرشح الجمهوري الإشكالي للرئاسة الأميركية ويفاجئ العالم في نوفمبر (تشرين الثاني) 2016؟
يكاد المشهد يبدو عبثيًا في الداخل الأميركي، ذلك أن ترامب بعد عملية انزياح تاريخية لرموز جمهوريين على درجة عالية من الوعي السياسي والرؤية الدولية، حتى وإن كانت تميل إلى جهة يمين الوسط مثل مارك روبيو، وتيد كروز، تبدو الآن حظوظ ترامب هي الأكثر دون مزاحمة من أحد على نيل ترشيح حزبه له.
كيف فعلها ترامب حتى الساعة؟ وهل من إمكانية حقيقية لفوزه؟
جواب السؤال الأول يقتضي حالة من الفهم المعمق للأوضاع السياسية الداخلية في الولايات المتحدة، حيث خيبة أمل كبرى تسود قطاعات عريضة من الأميركيين، تجاه الطبقة السياسية التقليدية في البلاد من الجمهوريين وكذا الديمقراطيين، على حدّ سواء، وعليه فهم يقبلون على خيارات ربما تبدو عبثية للخروج من حالة الانسداد التاريخي الأميركي بين الحزبين التقليديين.
في هذا الإطار يبدو أن فريق ترامب الدعائي والإعلامي قد نجح إلى حدّ بعيد في مغازلة الغاضبين من مؤسسة الحكم الأميركية، وقد كان الرئيس أوباما نفسه حجر عثرة بعد أن أخفق في أن يدرك شعبه الأمل والتغيير الإيجابيين، اللذين وعد بهما خلال حملته الانتخابية الرئاسية في 2008. واليمين الأميركي تحديدًا يبدو غاضبًا كل الغضب من الدولة التي لم تخفق في التخفيف من دورها، أو تلغ الإصلاح المتعلق بالصحة، عطفًا على رفض التيارات اليمينية الدينية الأميركية للاتجاهات اللاأخلاقية التي تم اعتبارها في زمن أوباما، مثل إباحة «زواج المثليين» رسميًا، وغيرها من أوجه القضايا الاجتماعية المثيرة للجدل والرفض مثل إجبار المؤسسات الطبية التي تشرف عليها جهات دينية على إجراء عمليات الإجهاض.
من هنا وجد ترامب جمهورًا عريضًا داخل حزبه يصوت لاختياره، وتاليا تبقى حظوظه كبيرة في أن ينضم إلى هؤلاء جموع من الجانب الديمقراطي، ومن الذين لم يقرروا بعد التصويت لمن، وجميعهم باتوا يعدون الدولة الأميركية، وأصحاب الشركات العملاقة، وأساطير الرأسمالية المتوحشة أعداء لهم، فلماذا لا يصوتون إذن لترامب؟
لم تعد إذن مسألة ترشح ترامب عن الحزب الجمهوري هي القضية، فقد دعا رئيس الحزب الجمهوري، رينسي بريبوس، إلى التجمع حول ترامب، وإن كانت دعوة على مضض، وقد ظهر ذلك جليا من خلال تسمية «المرشح المفترض»، ولم يشر إلى أنه المرشح المرحب به، كأن لسان حاله يقول إذا كان أوباما قد أغرى الأميركيين إلى درجة الإغواء بالأمل والتغيير، فإن ترامب بمطالباته بالعودة إلى «أميركا العظمى» ربما يستطيع أن يفعلها، فلماذا لا يجرب؟
نجح ترامب في إحداث حالة من الانقسام داخل الجمهوريين حتى عبر دعواته العنصرية، ومالت كفة مؤيديه عن معارضيه، بل إن قطاعا عريضا من «الواسب» الأميركيين البروتستانت الأنغلوساكسونيين أضحوا يصيخون السمع له، عطفا على جماعة البيض من غير حملة الشهادات الذين يشعرون بالتهميش داخل الحزب الشعبوي الأميركي؟
هل يقترب ترامب من الرئاسة؟
في واقع الحال يمكن أن تكون هناك أسباب أخرى أشار إلى بعضها السيناتور الأميركي عن ولاية بنسلفانيا «الديمقراطي الكاثوليكي»، بوب كيسي، ونشرتها بتحليل واستفاضة صحيفة «هافنجتون بوست» الأميركية.. ماذا عن ذلك؟
في مقدمة الأسباب التي قد تدفع ترامب إلى البيت الأبيض الاقتصاد، وتجربة الرجل في هذا السياق أوسع وأعرض من تجاربه مبتدئا في عالم السياسة، ولهذا فإن الطبقة الأميركية المتوسطة التي تأثرت بالركود الذي أصاب الاقتصاد الأميركي منذ ولاية أوباما الأولى حتى الآن قد تكون دافعًا إلى اختيار ترامب، رهانا على إمكانية تخليصه البلاد من أزمات مشابهة.
العوامل التي تزخم ترامب في طريقه إلى البيت الأبيض لا تتصل فقط بالجمهوريين، بل للديمقراطيين منها نصيب وافر محتمل، فلا يزال بيرني ساندرز منافسا عنيدا لهيلاري كلينتون، رغم تقدمها في أصوات المندوبين، والإشكالية الحقيقية تتمثل في الكتلة التصويتية الكبيرة التي تتبع ساندرز والتي قد لا تمتنع فقط عن التصويت لهيلاري، بل من جراء عنادهم ورفضهم تاريخ هيلاري قد يصوتون لترامب.
سبب آخر، وهو أن الأميركيين سيعدون فوز هيلاري حال حدوثه ولاية ثالثة لأوباما، مما يقنع البعض بالتغيير وربما عدم التصويت لها.
أضف إلى ما تقدم أن هناك خمس ولايات زرقاء كبرى قد يبرز فيها ترامب منافسا قويا ويفوز بأصوات المعروفين بديمقراطيي ريغان وهي فلوريدا، وأوهايو وفرجينيا، وويسكونسن، وحتى بنسلفانيا، فهذه الولايات مجتمعة تمثل أكثر من عدد الأصوات الكافي والكفيل بمنح ترامب التذكرة للمقعد الوثير في المكتب البيضاوي.
قبل الانصراف: هل أعددنا في العالم العربي والإسلامي دراسات استشرافية لمواجهة هذا الاحتمال العبثي حال حدوثه؟ المسألة جدية بالفعل حتى ولو كان فوز ترامب غير متوقع، كما ذهب موروا من قبل.