سمير عطا الله
كاتب عربي من لبنان، بدأ العمل في جريدة «النهار»، ويكتب عموده اليومي في صحيفة «الشرق الأوسط» منذ 1987. أمضى نحو أربعة عقود في باريس ولندن وأميركا الشمالية. له مؤلفات في الرواية والتاريخ والسفر؛ منها «قافلة الحبر» و«جنرالات الشرق» و«يمنى» و«ليلة رأس السنة في جزيرة دوس سانتوس».
TT

عنوان وخيمة

رُفعت محاكمة الساعدي القذافي، للمرة.. لا ندري كم، بعدما نظرت المحكمة، على ذمة كاتب الخبر وناقله وموزعه، في التهم الموجهة إليه، التي تتراوح بين القتل والاغتصاب والخطف. لكن التهمة الأكثر خطورة وخيانة كانت التآمر على ثورة 25 فبراير، أو الاعتداء عليها. وبعكس ثورة الفاتح، تُذكر ثورة فبراير من دون إضافة لقب «المجيدة» أو «الظافرة» أو «الخالدة»، وهي الألقاب التي أُلحقت بالثورات العربية الممجدة، التي محتها ثورات أكثر مجدًا: فبراير مثالاً.
نغص الساعدي القذافي، الذي تذكّره قانون المحاكمات الليبي، بهجة الاحتفالات بالثورة ذلك النهار. لا. لم تكن هناك مناسبة معينة، ولكن الشعب الليبي، لشدة سعادته بالثورة، استيقظ فجأة ذلك الصباح وخرج عن بكرته يهتف لها ولما حققته، وللسعادة التي يغرق فيها، وللأمن والهدوء والازدهار. مظاهرة في طرابلس، ومظاهرة في طبرق (أمام البرلمان)، ومظاهرة في بنغازي أمام مقر «داعش»، ومظاهرة في سرت أمام مجمع الوحدة العربية ومقر ملكية ملكيات أفريقيا. ومظاهرة في درنة. ومظاهرة في إجدابيا.
لم تكن هناك يافطات من نوع «طز» في أحد. ولكن الجميع حيّا الدولة والقانون والتماسك الوطني. ورحّبت إحدى اليافطات بالانتصار الذي سمح للحكومة بدخول طرابلس بحرًا، بعد إغلاق المطار في دربها. وعثر رئيسها على بعض المستقبلين، فالتقطت الصورة التذكارية. ومن طبرق، أبرق البرلمان مهنئًا بسلامة الوصول. وأبرق بان كي مون مطمئنًا على سلامة موفده.
أفظع ما حدث في العالم العربي، على اختلاف «ثوراته»، من ثورة 14 رمضان إلى 14 تموز، إلى 14 تشرين، إلى 14 مجهول - مجهول باقي الهوية - إلى فبراير ويناير ومارس وسبتمبر وديسمبر، هو أن القانون كان الضحية الأولى للدبابة الذاهبة والدبابة الواصلة. تعلّمت الشعوب أن تفقد الأمل في كل شيء، خصوصًا في القانون والعدالة. محاكمة صدام حسين كانت مهزلة قائمة، مثل المحاكم التي أقامها نظامه. ثلاثة من محامي الدفاع قُتلوا قبل أن يُكملوا مرافعتهم. وبعد إعدامه، أُخذ جثمانه ليُعرض في منزل أحد المسؤولين، كما تقول «نيويوركر». وحُرم معمر القذافي من المحاكمة كما حَرم هو ضحاياه. وبعد 5 سنوات لم يقدم أحد من رجال نظامه إلى محكمة جديّة.
لا أدري كم عدد الذين حزنوا لسقوط ثورة الفاتح وعبثها الجنوني. لكنني أعرف أعداد الليبيين والعرب ومعنيي العالم الذين ترعبهم وتحزنهم صورة ليبيا اليوم. على الأقل كان لها عنوان رسمي واحد، وخيمة.