حمد الماجد
كاتب سعودي وهو عضو مؤسس لـ«الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان السعودية». أستاذ التربية في «جامعة الإمام». عضو مجلس إدارة «مركز الملك عبد الله العالمي لحوار الأديان والثقافات». المدير العام السابق لـ«المركز الثقافي الإسلامي» في لندن. حاصل على الدكتوراه من جامعة «Hull» في بريطانيا. رئيس مجلس أمناء «مركز التراث الإسلامي البريطاني». رئيس تحرير سابق لمجلة «Islamic Quarterly» - لندن. سبق أن كتب في صحيفة «الوطن» السعودية، ومجلة «الثقافية» التي تصدر عن الملحقية الثقافية السعودية في لندن.
TT

السعوديون والأمير محمد بن سلمان

كان منطقيًا وطبيعيًا ذاك التفاعل الكبير مع الحديث اللافت للرجل الثالث في هرم القيادة السعودية، الأمير محمد بن سلمان، حين قدم رؤية السعودية لعام 2030. كان حديث الأمير جديدًا على السعوديين في صراحته وشفافيته وإقراره بمواطن الضعف التي تجب معالجتها، ولم يستثنِ من ذلك حتى وزارته، فقد انتقد بعض أوجه القصور في وزارة الدفاع، مبديًا استغرابه من الاهتمام بديكورات البناء باهظة الثمن في بعض القواعد العسكرية في وقت كان يجب على الوزارة التركيز على أهدافها العسكرية دون الاهتمام بالديكورات الشكلية، وأقر بوجود فساد وضرورة مكافحته، وتقليص نسبة انتشاره وتفشيه. باختصار: كان اللقاء جديدًا على السعوديين، لأنهم شاهدوا شابًا للتو لامس سقف الثلاثين من عمره، ويملك رؤية وخريطة طريق وخطابًا مقنعًا ومختلفًا.
كانت السعودية قبل العهد الجديد تتهيب أن تتجاوز في مسؤولياتها القيادية الكبرى وقار السن ونضج التجربة وطول الخبرة، فتمنح الشباب المتوثب المتحمس دورًا فاعلاً ومؤثرًا، فكان حديث الأمير أمس الاثنين أكثر إقناعًا للسعوديين بصورة عامة وللتقليديين خاصة الذين يتهيبون منح الجيل الجديد فرصته في إدارة دفة بلاده. لقد قدمت دول المنطقة حتى الدول الغربية شبابًا تسلموا مناصب قيادية كبرى، وأثبتوا نجاحًا لافتًا، والسعودية أولى بالدفع بالقيادات الشابة لتسلم المسؤوليات الكبرى، خصوصًا أن الشباب يشكل نسبة كبرى في شريحة المواطنين، فهم الأقدر على فهم همومهم وتطلعاتهم.
الشفافية التي كانت سمة حديث الأمير محمد بن سلمان يجب أن تكون سمة المرحلة المقبلة.. يجب أن يوجه إلى الجيل الجديد رسالة تقول إن مقياس الوطنية الصادق ليس في كيل المديح لكل قرارات الحكومة ووجهاتها وتوجهاتها، بل في الثناء على المنجزات، وما يرونه صوابًا في قراراتها وسياساتها ونقد ما يرونه خطأ في سياساتها بلغة رشيدة وهادئة ومتزنة، ففي وقت مضى كان الذي ينتقد قرارات مثل استزراع القمح أو الاعتماد المفرط على النفط أو الحديث عن استراتيجية المساعدات الخارجية يعده بعض المفرطين في مفهوم الوطنية معاكسًا للتوجه العام وللوطنية الحقيقية، ولكم أن تتخيلوا لو أن شريحة من الكتّاب والمثقفين وصناع الرأي كتبوا في ذلك الوقت ناقدين سياسة استزراع القمح التي تسببت في نزف مياه الآبار الجوفية التي تراكمت على مدى آلاف السنين، وتحتاج إلى آلاف من السنين للتعويض، كان الكلام حول هذا الموضوع ربما اعتبره بعض التقليديين غير متوائم مع الاتجاه العام، وفي الحقيقة كان قرارًا يحتاج في حينه إلى الرأي الآخر الذي يقدم النصح والنقد من زوايا ربما لم يُنتبه إليها.
وقل ذات الشيء عن سياسة المساعدات الخارجية التي لم تكن تقبل النقد أو التقويم في حينها، حتى رأينا مخرجات صغيرة لمساعدات كبرى، واتضحت الصورة المؤلمة في نزالنا الأخير مع إيران في ساحة اليمن، فمقابل مساعداتنا التي أنفقت هناك، كانت إيران تبني مساعداتها وفق خطة محكمة لغرض آخر خبيث، ولم يكن بمقدور أحد الحديث عن الموضوع، وهذا ما حرم الحكومة من وجهة نظر مختلفة، ولهذا شهدنا في العهد الجديد «السلماني» تحولاً جديدًا في سياسة المساعدات الخارجية استدرك أخطاء الماضي، فمصر تلقت في زيارة الملك سلمان الأخيرة حزمة مساعدات نوعية ركزت على دعم البنى التحتية التنموية من تعليم وصحة وغيرهما.
رؤية السعودية 2030 التي قدمها باقتدار الأمير الشاب محمد بن سلمان، يراها كثير من السعوديين معلمًا تاريخيًا تحوليًا في التاريخ المعاصر للمملكة العربية السعودية.