مايكل إغناتيف وليون فيسلتير
TT

هذا يكفي.. تنازلات واشنطن بشأن سوريا لا بد أن تنتهي

في الوقت الذي تأتي فيه المقاتلات الروسية على ما تبقى من مدينة حلب، ويستعد مئات الآلاف من المدنيين في أكبر المدن السورية من حيث عدد السكان للتطويق والحصار - والمجاعة والهمجية التي حتما ستأتي - قد حان الوقت لإعلان الإفلاس الأخلاقي للسياسة الأميركية والسياسة الغربية بأسرها حيال سوريا.
في واقع الأمر، لقد تأخرنا كثيرًا. فلقد كانت صناعة الإفلاس الأخلاقي والسياسي في مرحلة التطوير والعمل من قبل: خمس سنوات من التصريحات الجوفاء الفارغة بحتمية رحيل الرئيس السوري بشار الأسد عن منصبه، وخمس سنوات من التسليح الضعيف الواهي لجماعات المعارضة السورية، وخمس سنوات قد مرت على السماح بمجاوزة الخط الأحمر لاستخدام الأسلحة الكيماوية ضد المدنيين العزل، وخمس سنوات أيضًا من الفشل في تحمل أعباء اللاجئين الذين اضطلعت بهم أوروبا حال خضوعها وحدها لوطأة عواقب التقاعس واللامبالاة الغربية إزاء الأزمة. وفي الأثناء ذاتها، لقي أكثر من ربع مليون مواطن سوري حتفهم في الحرب، وفقد أكثر من 7 ملايين آخرين منازلهم واستقرارهم إلى جانب 5 ملايين آخرين من اللاجئين في مختلف دول العالم، مليونان منهم من الأطفال الصغار.
يؤدي هذا المسار المنحدر إلى إمكانية حقيقية لا يصدقها عقل بأنه حال اقتراب قوات الديكتاتور السوري وداعميه المتوحشين من مدينة حلب الآن، فإن حكومة الولايات المتحدة، وباسم محاربة تنظيم داعش الإرهابي، سوف تقف ببساطة موقف المتفرج بينما روسيا، والأسد، وإيران يدمرون خصومهم بصرف النظر تمامًا عن الخسائر البشرية المحققة.
لقد حان الوقت لأولئك المهتمين بالمكانة الأخلاقية الدولية للولايات المتحدة أن يعلنوا رفضهم لهذه السياسة الرخيصة. وإذا ما سمحت الولايات المتحدة وحلفاؤها في حلف شمال الأطلسي لشركائهم الجدد غير المشرفين بتطويق وتجويع مدينة حلب، فسوف يكونون متواطئين في جرائم حرب هناك. ولن نلقى بقايا نزاهتنا وشرفنا إلا بين أطلال حلب. إن القصف العشوائي للمدنيين هو انتهاك صارخ لاتفاقيات جنيف، كما هو الحال تماما بالنسبة لحصار وتطويق وتجويع المدنيين سواء بسواء. لسنا في حاجة إلى دليل على نيات بشار الأسد وفلاديمير بوتين أثناء عمليات تضييق الخناق العسكرية على المدينة. فلقد كانت البراميل المتفجرة تتساقط من طائرات الأسد الحربية على طوابير الخبز وأسطح المستشفيات في المدينة (كما تتساقط على غيرها من الأماكن في سوريا) لبعض الوقت. والتجويع هو من الأدوات المعروفة والموثقة والمستخدمة منذ وقت طويل في مجموعة أدوات الأسد الرهيبة ضد شعبه.
إن مدينة حلب هي حالة طارئة تتطلب تدابير استثنائية. أصرنا عاجزين تمامًا عن العمل حتى في حالات الطوارئ؟ كما أن حلب هي فرصة سانحة، وربما هي الفرصة الأخيرة، لإنقاذ سوريا. إن حلب بمثابة سراييفو الجديدة، أو لعلها سربرنيتسا الجديدة، ولسوف يكون مصيرها بالنسبة للصراع السوري كما كان مصير سراييفو وسربرنيتسا بالنسبة للصراع البوسني: الفرصة السانحة للولايات المتحدة كي تستفيق من غفوتها المذهلة، وفرصة كذلك للغرب أن ينطق في صوت واحد «كفى». كان بعد سراييفو وسربرنيتسا - وبعد الحملة الجوية الغربية والتي اضطر الغرب فيها أخيرًا إلى التدخل لمواجهة الفظائع الصربية المرتكبة - أن بدأت الولايات المتحدة في الاضطلاع بدورها السياسي الذي أدى في نهاية المطاف إلى اتفاقيات دايتون للسلام وإنهاء حالة الحرب في البوسنة.
تقضي الحكمة التقليدية بأنه لا يمكن فعل أي شيء لأجل سوريا، ولكن تلك الحكمة التقليدية خاطئة. فهناك مسار واحد نحو إنهاء حالة الرعب والفزع في حلب - وهو مسار واقعي تمامًا، ومن شأنه أن يوحي بالاحترام لمثلنا العليا، وسبيل لاستعادة مواقفنا ومكانتنا الأخلاقية عالميا، فضلاً عن موقفنا الاستراتيجي على الأرض. يمكن للولايات المتحدة، من خلال العمل تحت مظلة حلف شمال الأطلسي، استخدام قواتها البحرية والجوية في المنطقة لإقامة منطقة حظر جوي من حلب وحتى الحدود التركية، مع التوضيح على الوقف النهائي لعمليات قصف المدنيين واللاجئين من أي طرف من أطراف الصراع، بما في ذلك القوات الروسية. ويمكن كذلك استخدام منطقة الحظر الجوي في فتح ممر جديد مع تركيا واستخدام قدراتها على إعادة إمداد المدينة والسكان النازحين داخليا فيها من خلال المساعدات الإنسانية.
إذا ما عمدت القوات الروسية والسورية إلى منع الحماية عن المساعدات الإنسانية وإمدادات المدينة، فسوف يواجهون عواقب عسكرية. القوات الأميركية الآن على اتصال دائم وعلى مدار الساعة مع القوات الروسية للحيلولة دون اشتباك مقاتلات الجانبين في الغارات الجوية على المنطقة، ويمكن للإدارة الأميركية أن تكون على اتصال دائم مع القيادة الروسية لضمان عدم تطور مهمة حماية المساعدات الإنسانية إلى مواجهة عسكرية بين القوتين الكبيرتين. ولكن خشية المخاطرة والمواجهة ليست ذريعة كافية لعدم القيام بأي شيء. فسوف يدرك الجانبان الروسي والسوري على الفور العواقب المترتبة على إجراءات الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي: وسوف يتعلمون الدرس باللغة الوحيدة التي يفهمونها، إنهم لن يمكنهم الفوز بالحرب السورية وفق شروطهم المثيرة للاشمئزاز. فمن شأن استخدام القوة لحماية المدنيين، وإقامة هيكل جديد من السلطة لا تكون في سماوات المنطقة تحت رحمة الطاغية السوري، أن يمهد الطريق لعقد مفاوضات صارمة وجادة لوضع حد نهائي للمذابح المستمرة هناك.
هذا ما يجب أن تبدو عليه القيادة الأميركية في القرن الحادي والعشرين: المزج ما بين القوة العسكرية والدبلوماسية، مع الالتزام الأخلاقي والصرامة الاستراتيجية، نحو هدف إنساني ملح وعاجل من شأنه أن يحظى باحترام العالم أجمع. لا بد للتنازلات بشأن سوريا أن تنتهي وعلى الفور. وإذا لم نتحرك لإنقاذ حلب، وإذا لم نفعل كل ما بوسعنا فعله لإنهاء المعاناة والآلام التي صارت التعريف الوحيد والأكثر ضررا في زماننا، فسوف تكون حلب وصمة عار سوداء في ضميرنا وإلى الأبد.

* خدمة «واشنطن بوست»