سمير عطا الله
كاتب عربي من لبنان، بدأ العمل في جريدة «النهار»، ويكتب عموده اليومي في صحيفة «الشرق الأوسط» منذ 1987. أمضى نحو أربعة عقود في باريس ولندن وأميركا الشمالية. له مؤلفات في الرواية والتاريخ والسفر؛ منها «قافلة الحبر» و«جنرالات الشرق» و«يمنى» و«ليلة رأس السنة في جزيرة دوس سانتوس».
TT

سر الطبيبين

لكل كاتب سر ما. الكتّاب الكبار لهم سر مشترك: الجهد ثم المزيد منه. في رسائل الروسي أنطون تشيخوف إلى معاصريه، ومنهم تولستوي، يشكو دائمًا من عدم رضاه عن أعماله: «لقد أعدت قراءة (طائر النورس)، أربعة فصول منها، وأعتقد أنني لن أكون كاتبا مسرحيا ذات يوم. المسرح يتطلب أكثر مما أنا قادر عليه». لكن الروسي المتألق سوف يصبح من كبار المسرحيين. وفي مرة أخرى يشكو من معاناته في مأزق القصة القصيرة، وكيف يحاول معالجته، لكنه سوف يصبح سيد القصة القصيرة. وإذ يكتب إليه الناشئون من أنحاء روسيا طالبين النصائح: على الكاتب أن يزيل كل ما هو شخصي. لا انحياز شخصيًا في الكتابة. كن موضوعيًا وبسيطًا.
كان الروسي الكبير يكره في صورة خاصة الكتابة المتباهية. مثله مثل مايكل أنغلو كان يرى المباهاة وليدة الضحالة وعقد النقص: لا تتحدث عن نفسك، فأنت خلف كلماتك في أي حال. الموضوعية لا تعني البرودة والإحباط، كان يقول. الكاتب الذي لا مشاعر له لا إبداع له. وعليك أن تكون إنسانيا أولا، وإلا فبأي عين بيضاء تخاطب الناس؟ الناس يريدون أن يعرفوا عن الناس، وليس عنك.
كان يقول إنه في المسرح خصوصًا كان ينتقي أبطاله من ذوي المشاعر النبيلة. والقاعدة الدائمة في المسرح أيضًا، البساطة. أبعد أبطالك عن الفصاحات والكلمات الكبرى. لا تدعهم يرفعون أصواتهم كثيرًا. المبالغات هي ما كان يأخذه على الروس الكبار: تولستوي وماكسيم غوركي، خصوصًا الأخير.
تأثر أدباء عرب كثيرون بالأدب الروسي، خصوصًا تشيخوف. وكان أبرز، وربما أهم، هؤلاء الدكتور يوسف إدريس، الذي اعتبر أن أمرين قدريين جمعاه بقدوته الروسي: الأدب والطب. مثله كتب في الرواية والمسرحية والقصة القصيرة، ومثله خصص جزءًا من أعماله لأدب الأطفال. وكان يوسف إدريس يرى في أطفال الشوارع في القاهرة ما يراه تشيخوف وغوركي وتولستوي في أطفال بطرسبرغ موسكو.
وقد جمعت الأحوال الإنسانية بين الأدباء الروس والأدباء العرب حتى منتصف القرن الماضي وما بعده بقليل، خصوصا أدباء سوريا. وساعدت في ذلك حركة الترجمة الواسعة عن الأدب الروسي وغيره، في القاهرة وبيروت. وربما كان إدوار الخراط، وصنع الله إبراهيم، ممن تأثروا بالرواية الروسية أيضًا. ويرى بعض النقاد أثرًا روسيًا بعيدًا في بعض أعمال نجيب محفوظ. لكن أحدًا لم يرتبط اسمه بالروس، خصوصًا تشيخوف، مثل سهيل إدريس.
وقد غاب وهو يحلم بأن تعطاه نوبل في الأدب ذات عام. وكان يعتقد أن سمعته اليسارية تتسبب في حجبها عنه. غير أنها ذهبت إلى مصري آخر، لم يكن يتوقعها ولا يحلم بها. محبوه كانوا يحلمون عنه.