عبد الرحمن الراشد
إعلاميّ ومثقّف سعوديّ، رئيس التحرير الأسبق لصحيفة «الشّرق الأوسط» ومجلة «المجلة» والمدير العام السابق لقناة العربيّة. خريج إعلام الجامعة الأميركية في واشنطن، ومن ضمن الكتاب الدائمين في الصحيفة.
TT

المسلمون! أي مسلمين؟

مرشح الرئاسة الأميركية دونالد ترامب بنى جزءًا من نجاحه الحالي في حشد الأصوات المؤيدة له من خلال العزف على مخاوف الناس من المهاجرين من ذوي الأصول الإسبانية و«المسلمين الإرهابيين». أما بقية وعوده الانتخابية فإنها مكررة من برامج المرشحين المنافسين والمألوفة مثل الوظائف والصحة والتعليم.
وإلى حد ما، حاول ترامب تهذيب فكرته بمنع المسلمين من دخول الولايات المتحدة، ومراقبة من يعيشون في الداخل، والتضييق على تفاصيل حياتهم وعباداتهم بعد أن تحداه عدد من القانونيين والحقوقيين. فقلص دعوته إلى منع دخول كل المسلمين إلى البلاد حتى يتبين للحكومة من هم المسلمون الأشرار ومن هم المسلمون غير الأشرار. أي يطلب حظر دخولهم مؤقتًا، حتى تصدر تشريعات وبرامج عمل تفرزهم، وغالبًا تقلل من فرص دخولهم.
الأميركيون يفاخرون عادة بأنهم شعب من أصول مهاجرة، وأن هذا سر نجاح بلدهم وعظمته، وهو صحيح بالتأكيد. العرب والمسلمون من أوائل المهاجرين الذين وصلوا قبل مائتي عام، وشاركوا الأميركيين بدايات الدولة، ولهم حصتهم في هذا الإرث التاريخي، وإن لم ينصهروا في تجمعات كبيرة تميزهم عن غيرهم.
وترامب عندما يقول «المسلمون» لا يشرح معناها، ولا من هم المعنيون، ولا كيف سيطبق فكرته. فالمسلمون في العالم مليار شخص، وهم شعوب مختلفة، مثل المسيحيين. هناك مسلمون صينيون، وألبان أوروبيون، ونيجيريون، وهنود. هناك مسلمون من كل الجنسيات الأوروبية، ومعظم الدول لا تكتب على جوازاتها ديانتهم، وبالتالي كيف سيتعرف عليهم؟
هناك مسلمون لهم أسماء صينية وهندية وغربية لا تبدأ بمحمد وعبد الله. والمسلمون، مثل المسيحيين، سنّة وشيعة ودروز، وفي مذهب السنّة هناك شعب مختلفة.
ولو قرر ترامب حصر الحظر بالعرب المسلمين، فهناك أكثر من خمسة عشر مليون عربي مسيحي. كيف سيتعرف عليهم؟ ثم ماذا سيفعل بخمسة ملايين مسلم أميركي، بعضهم وصل أجدادهم على السفن ربما قبل جد ترامب، يعتبرون أنفسهم مثل ترامب، وفق الدستور؟
ترامب مجرد سياسي آخر، كل همه الوصول إلى البيت الأبيض. ولا أصدق أنه يعني ما يقول ضد المسلمين لأنه شخصيًا له تعاملات تجارية وعلاقات شخصية معهم منذ عقود ومستمرة إلى اليوم أكثر من معظم الأميركيين.
وكل من استمع إلى وعود المرشحين السابقين خلال العقود الماضية يعرف أنها مهما شطحت ستخضع لقوانين البلاد ودستوره الذي يعتبر أعلى مرتبة من قرارات الرئيس والكونغرس.
ولا أعتقد أن هناك شيئًا بقي ضد المسلمين الأشرار يسمح به القانون لم يطبقه الرؤساء السابقون قبله، سواء حيال الهجرة غير الشرعية، أو مراقبة المشتبه بهم من المسلمين في قضايا الإرهاب، وهي مسائل لم يعترض عليها أحد من قبل. فالتضييق على الإرهابيين والمتطرفين يصب أكثر في صالح الأغلبية المسلمة المتضررة من أفعالهم.
لهذا، لا يفترض أن نزن كلام ترامب ونعطيه حجمًا أكبر من حجمه الحقيقي. من المؤسف أنه، أو سياسيًا آخر، يكسر الأعراف والقواعد الأخلاقية التي دأب عليها أغلب من خاضوا الانتخابات الأميركية، وكانوا يحصرون المنافسة خارج الدعوات العرقية والدينية.

[email protected]