طارق الحميد
صحافي سعودي، عمل مراسلاً في واشنطن. تدرَّج في مناصب الصحيفة إلى أن أصبحَ رئيس تحرير «الشرق الأوسط» من 2004-2013، ورئيس تحرير مجلة «الرجل» سابقاً. محاضر دورات تدريبية في الإعلام، ومقدم برنامج تلفزيوني حواري، وكاتب سياسي في الصحيفة.
TT

هل ساعدت السعودية متشددي إيران؟

يحاول البعض في الإعلام الغربي القول بأن تنفيذ السعودية أحكام الإعدام بحق إرهابيين، من ضمنهم نمر النمر، هو عبارة عن مساعدة سعودية للمتشددين الإيرانيين ضد الرئيس «الإصلاحي» حسن روحاني.. فهل هذا صحيح؟ الإجابة بكل وضوح: هراء!
القول بذلك دليل على سطحية في فهم إيران، وسذاجة خطرة تعني ببساطة هدم مفهوم الدولة وفق القوانين الدولية، وكذلك وفق المفهوم العلماني الليبرالي الغربي للدولة نفسها، حيث تكريس الطائفية على حساب المواطنة!
أولاً، ما علاقة إيران أصلاً بمواطن سعودي؟ هل لأنه شيعي؟ فهل هذا يعني أن الغرب يعترف لإيران بحق أن تكون المرجعية لكل الشيعة، وبالتالي إلغاء المواطنة؟ إذا كان هذا ما يباركه الغرب فلماذا أصروا على أن تكون سوريا دولة علمانية؟ ولماذا يتجاهلون أن السعودية وافقت على علمانية سوريا، بينما تصر إيران على طائفيتها؟ من الإصلاحي هنا، ومن المتشدد؛ السعودية التي تقر مفهوم الدولة، أم إيران التي ترسخ مفهوم الطائفية؟ أمر مذهل فعلاً!
ثانيًا، هل يعتقد الغرب، وتحديدًا الإدارة الأميركية، أن روحاني قام بالتفاوض حول الملف النووي، وقدم ما قدم من تنازلات، رغمًا عن المرشد الإيراني، والحرس الثوري؟ إذا كان الغرب يعتقد ذلك، فنحن أمام سذاجة مذهلة، حيث للمرشد حرية مطلقة، ويتصرف كولي الله في الأرض، بحسب معتقد نظام ملالي إيران، فكيف يجرؤ روحاني على تحدي المرشد؟ ولو كان يستطيع تحدي خامنئي فعليًا فمن باب أولى أن يقوم روحاني بإطلاق زعماء «الحركة الخضراء» المقيدين تحت الإقامة الجبرية منذ 2009، وهذا أسهل من مفاوضة الغرب حول الملف النووي!
ثالثًا، القول بأن إعدام النمر عمل استفزازي يعني ببساطة أن إعدام إرهابي «القاعدة» أيضًا عمل استفزازي، والأمر نفسه ينطبق على استهداف «داعش»، وبالتالي، وفقًا للطرح الغربي، فمن المفترض عدم التعرض لـ«داعش»، و«القاعدة»، وهذا عبث، وتهرب من المسؤولية. ولا ندري ما تعليق البعض في الغرب الآن وهم يرون أن من استفزهم إعدام 47 إرهابيًا بالسعودية هم إيران، التي أحرقت السفارة السعودية، و«داعش» الذي أصدر بيانًا يهدد فيه باستهداف السعودية بسب إعدام الإرهابيين، وتحديدًا السنة المنتمين لـ«القاعدة»؟
وعليه، فالحقيقة التي لم يستطع البعض في الغرب فهمها، وتحديدًا في واشنطن، هي أن إيران لم تتغير، ودائمًا ما تلعب لعبة «الإصلاحيين»، و«المتشددين».. الحقائق تقول إن من اجتاح سفارة أميركا أواخر السبعينات في طهران هم نفس من اجتاحوا السفارة البريطانية في 2011، ونفس من أحرقوا السفارة السعودية الآن، وهم نفس من يدعمون الأسد الذي تسبب في مقتل ربع مليون سوري، ولأسباب طائفية. إيران لم تتغير، سواء حكمها متشدد أو إصلاحي، والسعودية تصرفت بصفتها دولة ذات سيادة تقوم بواجبها الأخلاقي، والقانوني، بمحاربة الإرهاب الذي تزكيه إيران في المنطقة، ومنذ أربعين عامًا.