جون كيري وإرنست مونيز
*جون إف. كيري وزير خارجية الولايات المتحدة وإرنست مونيز وزير الطاقة الأميركي
TT

ما يدعم الاتفاق النووي مع إيران

عندما تولى الرئيس أوباما منصبه، كان في مواجهة إيران التي كانت قد أكملت دورة الوقود النووي، وشيدت منشأة سرية لتخصيب اليورانيوم داخل أحد الجبال، وكانت في طريقها لتركيب ما يقرب من 20 ألف جهاز طرد مركزي لتخصيب اليورانيوم، وكانت تعمل على تطوير أجهزة طرد متقدمة، وكانت تبني مفاعلا يعمل بالماء الثقيل كان من الممكن أن ينتج البلوتونيوم الصالح لتصنيع سلاح نووي؛ كانت بالفعل قد بدأت هذا الطريق، ولم يكن لدى المجتمع الدولي علم يذكر بما يدور داخل برنامجها. وعلى هذه الخلفية تعهد الرئيس بألا يسمح لإيران أبدًا بحيازة سلاح نووي.
وليس الاتفاق، الذي تم التوصل إليه في فيينا الشهر الحالي، هو أفضل السبل لمنع إيران من امتلاك سلاح نووي فحسب، بل إنه الخيار المستدام، والممكن لتحقيق هذا الهدف. لقد حظي هذا الحل الدبلوماسي الشامل بالدعم الكامل من الدول الكبرى. وهو يطيل الوقت الذي ستحتاجه إيران لصنع سلاح نووي، ويوفر إجراءات تحقق قوية تمنحنا متسعا من الوقت للرد في حال اختارت إيران ذلك المسار، ولا يبعد أي من خياراتنا عن الطاولة.
وتحديدا، فإن الاتفاق يعرقل كل مسار يمكن لإيران من خلاله إنتاج مواد انشطارية لسلاح نووي وهي اليورانيوم عالي التخصيب، ومسارات إنتاج البلوتونيوم، وكذلك المسار السري. يستند هذا الاتفاق إلى الفحص والتمحيص وليس الثقة. وقبل تخفيف العقوبات الاقتصادية بشكل كبير، لا بد أن تتراجع إيران عن أعمال التخصيب، والأبحاث والتطوير، وتتخلص من مخزونها من اليورانيوم المخصب. ولتجنب الخداع، سيتمتع المفتشون الدوليون بحق غير مسبوق في تفتيش منشآت إيران النووية المعلنة، وأي مواقع أخرى مهمة، وسلسلة الإمداد النووي الكاملة لديها، بدءا بإنتاج اليورانيوم ووصولا إلى تصنيع أجهزة الطرد والتشغيل.
وفي حال عدم التزام إيران بمسؤولياتها، فإن العقوبات ستعود من جديد، ولا يمكن لأي دولة منع حدوث ذلك. وإذا حاولت إيران التراجع عن الاتفاق بالكامل، سيكون لدى العالم وقت أطول.. عام عوضا عن شهرين، للاستجابة قبل أن يكون لديها قنبلة. كما وأنه سيكون لدينا الصلاحية الأخلاقية المنبثقة من استنفاد كل الخيارات الدبلوماسية.
هل هذا اتفاق جيد بالنسبة للولايات المتحدة والأمن العالمي؟
فلننظر في الحقائق.
من دون هذا الاتفاق، كانت إيران لتضاعف قدرتها على تخصيب اليورانيوم في غضون وقت قصير. وبوجود الاتفاق، بات من اللازم أن تقلص هذه القدرة فورا وبشكل كبير.
من دون هذا الاتفاق، كانت إيران ستواصل سريعا تطوير أجهزة طرد مركزي. وبوجوده، سيتم تقييد برنامجها بشكل كبير.
من دون هذا الاتفاق كانت إيران ستزيد مخزونها الحالي من اليورانيوم المخصب؛ لكن في ظله سيتم تقليل هذا المخزون بنسبة 98 في المائة، وسوف يتم الإبقاء عليه في هذا المستوى لمدة 15 عاما. كما ستكون إيران ملزمة بالتخلص مما بحوزتها من اليورانيوم المخصب بنسبة 20 في المائة، وهو ما يعد الجزء الأكبر من الخطوات نحو تصنيع مواد القنبلة.
من دون هذا الاتفاق، كانت إيران ستنتج سنويا ما يكفي من البلوتونيوم الصالح لتصنيع سلاح واحد أو اثنين. ومع الاتفاق لن تنتج إيران أي كمية من البلوتونيوم الصالح لتصنيع أسلحة.
من دون هذا الاتفاق كانت إيران ستتخذ الخطوات اللازمة لتصنيع سلاح نووي. وبه يحظر على إيران أن تمضي في أي من تلك الخطوات.
إذا كان المجتمع الدولي يشك بأن إيران تخادع، يمكن للوكالة الدولية للطاقة الذرية أن تطلب دخول أي من المواقع المشتبه بها. وقد قيل الكثير عن التأخير المحتمل لمدة 24 يوما قبل إمكانية دخول المفتشين ما يشتبه بكونها مواقع نووية غير معلنة. وللتوضيح، يمكن للوكالة الدولية للطاقة الذرية أن تطلب دخول أي موقع مثير للشبهات بتقديم طلب قبل 24 ساعة من الموعد بموجب البروتوكول الإضافي لمعاهدة حظر الانتشار، وهو ما ستنفذه إيران بموجب هذا الاتفاق. إن هذا الاتفاق لا يغير القاعدة الأساسية؛ بل هو في واقع الأمر يعززها من خلال وضع آلية جديدة لضمان حصول الوكالة الدولية على حق الدخول المطلوب، ويضع حدا زمنيا صارما لحل أي مسائل تتعلق بدخول المواقع خلال 24 يوما. وتوفر هذه الآلية وسيلة مهمة تضمن ألا تتمكن إيران من تأجيل الأمر لأجل غير مسمى.
والأهم من هذا، يمكن للعينات البيئية أن تساعد في رصد الآثار الميكروسكوبية للأنشطة النووية حتى بعد محاولات التخلص من الأدلة. ويوفر تاريخ إيران نفسها مثالا جيدا؛ ففي فبراير (شباط) 2003، طلبت الوكالة الدولية للطاقة الذرية دخول منشأة مثيرة للريبة في طهران، وامتد أمد المفاوضات بينما تحاول إيران التخلص من الأدلة؛ ولكن حتى بعد مرور ستة أشهر، كشفت الاختبارات عن نشاط نووي رغم محاولة إيران إخفاءه.
إن الخطة التي تمت الموافقة عليها في فيينا ليس لها مدة انتهاء؛ فهي غير محددة المدة. وستظل بعض البنود فعالة لعشر سنوات، والبعض الآخر سيظل لمدة 15 عاما؛ وهناك بنود أخرى ستظل فعالة لمدة 20 أو 25 عاما. مع ذلك تعد متطلبات الشفافية، وأهمها التزامات إيران الأساسية بالحفاظ على الطبيعة السلمية لبرنامجها النووي، من البنود الدائمة.
وفي الوقت ذاته، ستبقى العقوبات الاقتصادية كما هي حتى تفي إيران بالتزاماتها الأساسية، والتي تتضمن التخلص من الجزء الأساسي لمفاعلها في آراك، وفصل وإبعاد نحو 13 ألف جهاز طرد مركزي، ونقل معظم مخزونها من اليورانيوم المخصب خارج البلاد.
وبالنسبة للولايات المتحدة كان تراجعها عن هذا الاتفاق ليصبح خطأ تاريخيا؛ حيث كنا سنصبح في عزلة عن شركائنا، وسنواجه نظام عقوبات فاشلا، وسنمنح إيران قدرة بلا أي قيد على المضي قدما في برنامجها النووي.
إننا ندرك أن إيران تظل تهديدا للاستقرار في الشرق الأوسط. وهذا الخطر هو بالضبط ما يجعل هذا الاتفاق ضروريا للغاية، ولهذا ناضلنا بكل قوة لاستمرار الحظر متعدد الأطراف على الأسلحة لمدة خمس سنوات، واستمرار الحظر على الصواريخ الباليستية لثماني سنوات؛ كما سيستمر فرض الولايات المتحدة للعقوبات المتعلقة بالإرهاب، وحقوق الإنسان، والصواريخ، على إيران.
إن إيران التي تمتلك سلاحا نوويا هي تهديد لحلفائنا في الشرق الأوسط، كما هي تهديد بالنسبة إلى الولايات المتحدة والمجتمع الدولي. ومع إبعاد هذا التهديد عن الطاولة، يجعل هذا الاتفاق معالجة كثير من المشكلات الأخرى المتعلقة بأفعال إيران في المنطقة أقل تعقيدا.
لقد قال الرئيس أوباما بوضوح أن إيران لن تمتلك سلاحا نوويا. ولا يمكن أن تضمن العقوبات، ولا أن يضمن العمل العسكري تحقيق هذه النتيجة. والحل هو الاتفاق الدبلوماسي الشامل الذي تم التوصل إليه في فيينا.
*جون إف. كيري
وزير خارجية الولايات المتحدة
وإرنست مونيز
وزير الطاقة الأميركي
* خدمة: «واشنطن بوست»