مسعود أحمد
* مدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى بصندوق النقد الدولي
TT

الوصول بالتمويل الإسلامي إلى تحقيق المرجو منه

ما القاسم المشترك بين القرية الأولمبية في لندن وبرج خليفة في دبي؟ الإجابة هي التمويل الإسلامي، أو التمويل وفق المبادئ الإسلامية.
ولا يزال هذا النوع من التمويل يمثل نسبة بسيطة من التمويل العالمي، لكنه من أسرع القطاعات نموًا في الصناعة المالية العالمية، ولا يزال في جعبته الكثير من الإمكانات غير المستغلة حتى الآن. وتعمل المؤسسات المصرفية الإسلامية حاليًا في أكثر من 50 بلدًا على مستوى العالم، ولها حصة تتجاوز 15 في المائة في أسواق ما يقارب 12 بلدًا منها، وهي بنغلاديش، وبروناي، والكويت، وماليزيا، وقطر، والمملكة العربية السعودية، والإمارات العربية المتحدة، واليمن، وإيران والسودان، وبالإضافة إلى ذلك، يجري الآن استخدام الصكوك، وهي المعادل الإسلامي للسندات، في عدد من البلدان، بما في ذلك حكومات هونغ كونغ ولكسمبورغ والمملكة المتحدة وجنوب أفريقيا. وتقدر الأصول المالية الإسلامية العالمية بنحو 1.8 تريليون دولار أميركي في نهاية 2013، وهو رقم يتزايد باستمرار.
ويبشر اتساع نطاق التمويل الإسلامي بعدد من المزايا الممكنة. فعلى سبيل المثال، نجد أن المؤسسات المالية الإسلامية أقل تعرضًا للأزمات نظرًا لخصائصها المتعلقة باقتسام المخاطر. والتمويل الإسلامي، بحكم تصميمه، يتيح إدارة أفضل للمخاطر من جانب كل من المؤسسات المالية وعملائها، حيث يقتسم الطرفان المخاطر وتُحظَر المضاربة ويقوم التمويل على الأصول ومن ثم فهو مضمون بالكامل. وللمودع الخيار بين أن يصبح مستثمرًا في البنك، ويقتسم الأرباح والمخاطر معه أو يكتفي بإيداع أمواله في البنك لحمايتها، ولكن دون الحصول على أي عائد مالي.
وهناك مزية أخرى تتمثل في أن إتاحة هذا النوع من التمويل المصرفي المتوافق مع أحكام الشريعة الإسلامية، تجعل التمويل الإسلامي قادرًا على أن يجذب إلى الجهاز المصرفي عددًا كبيرًا ممن كانوا يحجمون عن التعامل معه لأسباب دينية. وبالإضافة إلى ذلك، يتيح التمويل الإسلامي حافزًا أكبر لإقراض المشروعات الصغيرة والمتوسطة، وهو ما يرجع أيضًا إلى طبيعة هذه الصناعة القائمة على اقتسام المخاطر. ويمكن أن تكون الصكوك بديلاً جيدًا للاستثمارات واسعة النطاق في البنية التحتية، من خلال الشراكات بين القطاعين العام والخاص، وهو ما يعزز أيضًا مناخ العمل لأنشطة القطاع الخاص ويوفر المزيد من فرص العمل بوجه عام.
ولكن هناك تحديات أمام تطور هذه الصناعة بصورة آمنة وسليمة، رغم توسعها المستمر. وقد بحث الصندوق بعض هذه القضايا في «مذكرة مناقشات خبراء الصندوق» المنشورة مؤخرًا، في محاولة لفهم الظروف التي يمكن أن تتحقق في ظلها إمكانات التمويل الإسلامي. وسأركز هنا على المجالات الثلاثة التالية:
أولا: في ما يتعلق بالاستقرار المالي، من الضروري البناء على التقدم الذي أحرز في مجال وضع المعايير من أجل تحقيق الاتساق في تنظيم ومراقبة التمويل الإسلامي وحماية المستهلكين في هذه الصناعة. وبصفة أساسية، ينبغي أن تبدأ الأجهزة التنظيمية التعامل مع هذا الموضوع بأن تعترف بالسمات الفريدة التي تتميز بها الصيرفة الإسلامية. فعلى سبيل المثال، ينبغي أن توضح الأجهزة التنظيمية أن المستهلكين الذين يختارون الاستثمار يعاملون معاملة المستثمرين، ويساهمون بدور أكبر في الحوكمة كما يتمتعون بشفافية أكبر في تحديد ما يوزع عليهم من أرباح.
ثانيا: ينبغي أن يحذو عدد أكبر من البلدان حذو البحرين وماليزيا وقطر فتصدر صكوكًا حكومية يمكن أن تكون معيارًا للصكوك التي يصدرها قطاع الشركات. ومن شأن هذا أن يساعد البنوك الإسلامية والبنوك المركزية على تحسين إدارتها للسيولة. ولما كانت هذه الأداة ملائمة لتمويل البنية التحتية، فإن زيادة إصدار الصكوك يمكن أن تساعد على تضييق الفجوة التمويلية الواسعة لأغراض الاستثمار في البنية التحتية. وهناك بلدان مثل ماليزيا والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة بدأت تستعين بهذه السوق بالفعل للتوسع في استثمارات البنية التحتية اللازمة لقطاعات الطاقة الكهربائية والاتصالات والنقل.
وأخيرًا، لم تقم الصيرفة الإسلامية حتى الآن باستحداث أدواتها التمويلية المعادلة للتمويل بالأسهم من أجل تعزيز التمويل المتاح للمشروعات الصغيرة والمتوسطة. فعلى سبيل المثال، يعتبر التمويل بالأسهم مكونًا أساسيًا لاستمرار الاستثمارات في الشركات المبتدئة. ولتشجيع استحداث سوق للأسهم في إطار التمويل الإسلامي، من المهم أن تضمن الصناعة عدم وجود تمييز ضد اقتسام المخاطر في الإطار التنظيمي والسياسة الضريبية المطبقين في البلدان المختلفة. كذلك يتطلب هذا النوع من التمويل قيام البنوك بتطوير قدراتها في مجال تقييم المشروعات الاقتصادية والمشرفين عليها، ومن ثم يكتسب تعزيز البنية التحتية المالية بالكامل أهمية قصوى.
وعلى الرغم من أن بعض هذه القضايا يتعين حسمها مع الوقت حتى تتطور هذه الصناعة وتحقق مهمتها الاجتماعية، فقد كان دورنا في الاستجابة لزيادة الطلب عليها هو جمع مختلف الأطراف على مائدة واحدة في البداية من أجل مناقشة بعض القضايا المطروحة بشكل مفتوح، ثم تحديد العقبات القائمة والخروج بفهم مشترك لمستقبل التمويل الإسلامي.
وقد بدأ انخراط الصندوق في قضايا التمويل الإسلامي منذ وقت طويل، وسيواصل المشاركة في هذه الجهود عن طريق المشورة بشأن السياسات وبناء القدرات وأنشطة التواصل. وبالإضافة إلى مذكرة مناقشات خبراء الصندوق المشار إليها، عقدنا ندوة عن هذا الموضوع في سياق اجتماعات الربيع. ورغم أن بعض الأسئلة لا تزال دون إجابة، فهناك شيء واحد مؤكد، وهو أن المؤسسات المالية الدولية والجهات المعنية بوضع المعايير لها دور مهم في تقدم هذه الصناعة على نحو سليم وقابل للاستمرار.
أما أنا، فمن الواضح بالنسبة لي شخصيًا بعد أن شاركت في بعض هذه الاجتماعات أرى أن عدم استخدام الفائدة يحظى باهتمام كبير.

* مدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى بصندوق النقد الدولي