محمد الرميحي
أستاذ الاجتماع السياسي في جامعة الكويت. مؤلف عدد من الكتب حول مجتمعات الخليج والثقافة العربية. رئيس تحرير مجلة «العربي» سابقاً، ومستشار كتب «سلسلة عالم المعرفة». شغل منصب الأمين العام لـ«المجلس الوطني للثقافة» في الكويت، وعضو عدد من اللجان الاستشارية في دولة الكويت. مساهم بنشر مقالات ودراسات في عدد من الصحف والمجلات المختصة والمحكمة.
TT

الحزم!

اتّقِ غضب الحليم.. ربما هي العبارة التي تفسر مجمل الحملة، التي بدأت مساء الأربعاء الماضي من قبل دول الخليج على المذهبية الصراعية في اليمن، لأجل ردع الحوثيين هناك عن غيهم، وأيضا إرسال رسالة إلى مناصريهم الإقليميين بأنه بلغ السيل الزبى.
كان الواضح أن تكتيكات الحوثيين في الأسابيع الأخيرة التي شهدت التصعيد ليست بعيدة عن تكتيكات كل من تخطفت عقولهم بشعارات طهران من العرب، حيث قرر الحوثيون استئصال (وبسرعة) الشرعية اليمنية المنتخبة، والتخلص من عبد ربه منصور هادي الرئيس الشرعي لليمن، في عملية تذكرنا بالتخلص من رفيق الحريري في لبنان قبل 15 عاما. الفكرة هي قطع رأس الشرعية، من أجل إحلال الفوضى، ثم التحكم في البلاد! هذا ما يفسر السباق المحموم لجحافل الحوثيين ومناصري عبد الله صالح للتوجه إلى عدن، للحصول على رأس الرئيس، بعد أن فشلت الخطة الأولى بإرسال بضع طائرات لتحالف الحوثيين مع علي صالح للنيل منه.
الفكرة أنه بالتخلص من رأس الشرعية، يدعي الحوثي أن ليس لليمن أي شرعية قائمة، وبالتالي يجبر الجميع على القبول بالشرعية «الثورية»، التي تعني، على وجه الدقة، حكم الحوثي، وهو أقلية، والتفرد بحكم اليمن لتسليمه بشكل مباشر إلى القوة الإقليمية الإيرانية الطامحة، الخطة الأكبر محاصرة جزيرة العرب من شمالها ومن جنوبها.
من الشمال في العراق لم يعد خافيا أن الأوامر الإيرانية مطاعة، ويتطلب الحزم القول بوضوح لا لبس فيه، إن الحكومة العراقية الحالية عليها أن تحزم أمرها بالسير إما مع العرب أو في ركاب طهران، لأن تصريح وزير خارجيتها في دمشق أخيرا مقلق، حيث قال إن السلطة الرسمية في دمشق، أي سلطة «الأسد»، يجب أن تكون هي الممثلة للشعب السوري في اجتماع قمة شرم الشيخ، وهو ما ينافي رأي الأغلبية العربية، ذلك إعلان يشير إلى أين تقف بغداد الرسمية من الصراع الدائر؛ إنها تقف مع مشروع طهران بالضبط! مهما حاول البعض في الحكومة العراقية أن يناور في الملفات الأخرى.
عملية الحزم هي من أجل أن يحصل الشعب اليمني على حقوقه كاملة، لذلك من المهم والضروري التفكير في «اليوم التالي»؛ معظم الخطط السياسية في منطقتنا، ومنذ زمن طويل، لا تفكر في «اليوم التالي»، وهو أمر يستدعي لفت النظر إليه.
اليوم التالي هو أن يستعيد الشعب اليمني مقدراته، من خلال انتخابات حرة ونزيهة ومراقبة من المجتمع الدولي، هذا هو الشعار الذي يجب أن يُطرح لكل اليمنيين، وبعدها يقرر الشعب اليمني (لا غيره) من يحكمه وكيف يُحكم.
يجب العمل من الآن على تلك الخطة التي يجب أن تكون واضحة في الإعلان السياسي، وفي الإعلام الذي ينتمي ويرافق حملة قوات التحالف الجديد ضد «المذهبية الصراعية». لقد فاض كيل الشعب اليمني من التدخل الإيراني المستمر والمستميت في شؤون وشجون اليمن وبعض العرب. الأجندة التي تفكر في «اليوم التالي»، عليها أن تنظر إلى الغابة وليس إلى الشجرة، أي تنظر إلى العراق ولبنان وسوريا أيضا.
في العراق، يجب التوقف عن المشاركة في التحالف ضد أعداء الحكومة العراقية، ما دامت إيران لها قوات على الأرض، فليس من المعقول محاربة «الغلو الظرفي» لاستبدال غلوّ دائم به، «داعش» غلو ظرفي، مطامع إيران غلو دائم، وعلى الولايات المتحدة وبقية دول التحالف أن تفهم أن التدخل الإيراني غير مستحب وغير مرحب به، وليس مقبولا.
ليس أسوأ من اتخاذ فكرة «الطائفية» للولوج إلى شرايين الشعب العراقي. معظم شيعة العراق عرب أقحاح لا يستهويهم الخطاب الإيراني ولا التجربة السياسية، ولو كان يستهويهم ذلك، لأعلنوا «ولاية الفقيه»، ولكنهم لم يفعلوا، لذلك وجب أن تسقط تلك الحجة الدفاع عن الطائفة التي تتخذها طهران مسمار جحا. من جهة أخرى، فإن التدخل الميليشياوي التابع لطهران في كل من لبنان وسوريا يجب أن يُشجب، ويعلن أنه تدخل غير مرحب به.
تلك أوراق ملف «اليوم التالي»، وهو جزء لا يتجزأ من حملة الحزم الجارية في اليمن التي يجب أن يكون هدفها استخدام الطاقة الاحتجاجية للشعب اليمني التي أخرجت علي صالح من الحكم، لإحلال حكم نابع من الشعب.
كما أن علينا من طرف آخر أن نعرف أن طهران في هذا الوقت بالذات لن تفرط فيما كسبت على الأرض العربية، لذلك فهي سوف تقوم بإظهار شوكها في أي مكان تكون قادرة على إظهار الشوك فيه والتابع لها في الجسم العربي، من هنا فإن الحزم واجب أيضا مع ذلك الشوك، الذي عليه أن يختار بوضوح بين تبعية لطهران أو ولاء للوطن.
في كل صراع يتوجب على من يدخل فيه حساب الأرباح والخسائر، والخسارة الكبرى التي يمكن أن يمنى بها أي طرف هي عدم وضوح الرؤية في الحملة المعلنة. وضوح الرؤية لا يقنع العدو فقط بالجدية، بل أيضا يقنع الجبهة الداخلية بأهمية المساندة والتأييد، لأنه يحقق مصالح لهذه الجبهة، وأهمها النماء والاستقرار. حملة حزم لها ما بعدها، إلا أنها تؤكد أن علينا أن نقلع شوكنا بأيدينا طال الزمان أم قصر، ونترك سياسات الإرضاء إلى سياسات الحزم.