جون كيري وسوزان رايس
* جون كيري هو وزير الخارجية الأميركي وسوزان رايس هي مستشارة الأمن القومي
TT

ينبغي على قادة جنوب السودان تنحية نزاعاتهم جانبا

ولدت في عام 2011 أحدث دولة في العالم وسط احتفالات مبهجة. ورحب المجتمع الدولي بدولة جنوب السودان، ليس فقط بالهتافات والشعارات، ولكن كذلك بوعود بتقديم مساعدات. لكن الآمال والوعود التي انطلقت في ذلك اليوم قد تتلاشى الآن إذا لم يتوصل زعماء البلاد إلى قيادة لدولتهم.
لقد تفشت على وجه السرعة أحداث العنف التي اندلعت في العاصمة جوبا في شهر ديسمبر (كانون الأول) الماضي، فأودت بحياة آلاف الرجال والنساء والأطفال، وأعادت فتح الانقسامات العرقية المريرة. ومنذ ذلك الحين تعرض ما يقرب من مليوني شخص للتشريد من منازلهم، بينما يواجه الأهالي في بعض أجزاء البلاد خطر المجاعة. في بلد يتمتع بالكثير من الإمكانات، وعانى من مرارة عقود من الصراع، أصبح للمعاناة والعنف تأثيرهما الفتاك.
من الصعب قبول هذه المأساة على وجه الخصوص، وذلك لأن العنف لم يفرض على جنوب السودان من قوى خارجية، لكنه اندلع بسبب خلافات سياسية بين قادة البلاد. وهم يتحملون الآن مسؤولية وقف إراقة الدماء وتوحيد دولتهم. وبعد مرور أشهر من التأجيل والتعهدات الكاذبة، ينبغي على الطرفين العودة إلى مائدة المفاوضات، وتقديم التنازلات اللازمة، ووضع نهاية لهذا الصراع دون مزيد من التأجيل. فالوعود الجوفاء والكلمات الطنانة لا تكفي. لقد قضى كثير من الناس وجرى نقض كثير من الوعود. حان الوقت ليتحمل قادة جنوب السودان المسؤولية ويتوقفوا عن القتال.
ومن أجل المضي قدما ينبغي تكوين حكومة انتقالية تكون لها سلطة إنشاء أجهزة أمنية تحمي كل أهالي جنوب السودان - بغض النظر عن العرق أو التحزبات السياسية. وينبغي على هذه الحكومة أن تضع نظاما شفافا لإدارة موارد البلاد والاتفاق على عملية شاملة لكتابة الدستور تركز على تحسين الحوكمة. ونظرا لمستوى أحداث العنف التي اندلعت في الماضي، ينبغي وضع خطة من أجل المصالحة، تصحبها جهود للتحقيق في الفظائع التي ارتكبت وضمان محاسبة المتورطين على الجرائم التي ارتكبوها.
شعب جنوب السودان له عديد من الأصدقاء في جميع أنحاء العالم، ولا يوجد من هو أكثر التزاما بشأن مستقبلهم من الولايات المتحدة. ولكن لا يمكن الوصول للقيمة الكاملة لهذه الصداقات من دون أن يعطي قادة البلاد الأولوية لمصالح شعبهم على حساب مظالمهم الخاصة. لقد نظمت الولايات المتحدة مع شركائها الدوليين جهود إغاثة إنسانية واسعة، وقامت بدعم قوة حفظ سلام أممية خاطر أفرادها بحياتهم من أجل إنقاذ المدنيين، وبذلت جهودا متكررة للتشجيع على المصالحة والعودة للسلام. لقد عملنا مع شركاء محليين وإقليميين من أجل توثيق انتهاكات حقوق الإنسان ودعم الزعماء الدينيين في عملهم من أجل المصالحة. كل هذا يعود بالنفع، لكنه لا يكفي من دون وجود قيادة فعالة.
سنواصل العمل والتعاون الوثيق مع شركائنا الإقليميين والدوليين من أجل زيادة الضغط على أطراف الصراع حتى يتوقف العنف. ولكن ينبغي أن نوضح كذلك أن أولئك الذين يختارون طريق مواصلة الصراع والدمار سيواجهون توابع كبيرة.
ليس لدينا متسع من الوقت. في جنوب السودان غالبا ما يمثل الجوع خطرا، ولكن عندما تتعطل دورة الزراعة والحصاد، وعندما تتحول المراعي إلى ساحات قتال، وعندما تتعرض قوافل الإغاثة الإنسانية لهجمات، يتحول التهديد إلى أزمة وتصبح حياة ملايين الأشخاص معلقة بحبال الهواء. مع كل يوم يمر تتزايد صفوف الذين يتضورون جوعا والذين يعانون من سوء التغذية. ولن تنتهي هذه المعاناة إلا عندما يصمت هدير المدافع.
في هذه الذكرى الحزينة نبعث بتحياتنا إلى رجال ونساء جنوب السودان الذين ما زالوا يكافحون كل يوم من أجل السلام. وتتوافق خواطرنا مع قادة الجماعات الدينية والمجتمع المدني الذين يرفضون الكراهية ويتبنون الرحمة، ومع الجيران الذين فتحوا بيوتهم وحافظوا على بعضهم بعضا. ينبغي على قادة جنوب السودان أن يتمتعوا بالحكمة التي يتمتع بها شعبهم.
لقد سافر اثنان منا إلى جنوب السودان مرات عديدة. ونحن على دراية بالمستقبل الواعد في البلاد، وشاهدنا عن كثب ذلك التفاني والشجاعة والصمود الذي لا مثيل له من شعب هذا البلد. شاهدنا تكاليف الصراع وشاركنا في الفرحة عندما بدا أن سنوات القتال قد انتهت وولت وأفسحت الطريق لحقبة جديدة من الحرية والسلام. علينا أن نتذكر الطوابير الطويلة من الناخبين الذين وقفوا وانتظروا من أجل التصويت على استفتاء بلادهم والانضمام إلى الحشود في يوم الاستقلال للاحتفال بتحقيق تقرير المصير بشكل سلمي. الآن، يراقب العالم كله ويشاهد ما سيفعله قادة جنوب السودان؛ هل سيواصلون طريق الصراع وجر بلادهم إلى عام آخر من المعاناة.. أم أنهم سيتخذون خيارات صعبة، ويعملون معا، ويعيدون لبلادهم الأمل الذي يستحقه أهلها بكل جدارة؟
من أجل كل أهالي جنوب السودان، ينبغي أن يكون الخيار لصالح السلام.
* جون كيري هو وزير الخارجية الأميركي وسوزان رايس هي مستشارة الأمن القومي