علي إبراهيم
صحافي وكاتب مصري، ونائب رئيس تحرير صحيفة «الشرق الأوسط».
TT

الإرهاب في مقهى

هل هو مجرد إرهاب عشوائي لأفراد مرضى نفسيين أم أنها شيء أكبر منسق، هذه الهجمات التي ينفذها أفراد مهووسون تأييدا لتنظيم داعش في مدن وعواصم مختلفة، وتبدو الأهداف غريبة وبلا معني سوى الغرض الدعائي منها؟
آخر هذه التصرفات هو ما فعله هذا المسلح في سيدني بأستراليا الذي دخل مقهى عاديا ليحتجز رهائن تحت تهديد السلاح ويجبرهم على رفع شعارات إسلامية من النافذة قبل أن تقتحم الشرطة المكان.
قبلها كان هناك حادثة تحمل تشابها في أبوظبي والتي نفذتها امرأة منتقبة دخلت حمامات عمومية نسائية في مركز تجاري لتقتل أميركية مقيمة من دون أن يكون هناك هدف واضح، إضافة إلى حادثتين أعلنت السلطات الأمنية في السعودية اعتقال منفذيها بعد إطلاقهم النار على أجانب.
قد تبدو هذه التصرفات غريبة أو غير مفهومة، أو مستوحاة من بعض أفلام الرعب والخيال العلمي القديمة التي يتحول فيها أفراد إلى مجرمين تحت تأثير تنويم مغناطيسي شرير، لكن هذه الهجمات لا يمكن فصلها عن عملية أكبر لم نفهم بعد كل تشابكاتها وكيفية نشوئها وتطورها، وهي ظاهرة «داعش» في العراق وسوريا.
فقد استقطبت هذه الظاهرة كثيرا من الأرواح الهائمة غير المستقرة أو الباحثة عن المغامرة، من الشبان والشابات من دول غربية وعربية بعد أن وقعوا في فخ الأفكار المتطرفة ونظريات التكفير، ليذهبوا إلى العراق وسوريا.
وتصبح مناطق وسكانها تحت سيطرة أجانب من الشيشان أو بلدان أخرى أجنبية أو عربية، بينما لا يزال كيف يستطيع هذا التنظيم أن يتلقى مدفوعات النفط الذي يبيعه ليمول ويسلح نفسه ويؤمن تدفقات الذخيرة لحرب يومية ويدفع رواتب لمقاتليه سؤالا بلا إجابة مقنعة حتى الآن.
إرهاب المقهى في سيدني الذي يعطي انطباعا بأن شخصا مختلا عقليا هو الذي نفذه، هو العارض الجانبي للمشكلة الأكبر وهي ظاهرة الإرهاب التي وجدت ضالتها في تنظيم داعش في العراق وسوريا، وهو تنظيم مثل «القاعدة» يستغل الإعلام الجديد ووسائل التواصل الاجتماعي بشكل شرس لتوصيل رسالته في نشر الرعب والخوف والإرهاب.
في سيدني لولا التغطية الإعلامية والتأثير الذي ستحدثه لم يكن هناك أي معنى للهجوم الإرهابي على المقهى واحتجاز الرهائن، وقد يكون المنفذ ليس سليما نفسيا، لكن الذين حرضوه سواء مباشرة أو عبر شبكة الإنترنت يعرفون ما يفعلون، والمنفذ في فكرهم ليس سوى لتحقيق أغراضهم الشريرة.
المشكلة هي ردة الفعل السلبية ضد المسلمين التي تحدث في مجتمعات تعيش فيها جاليات مسلمة صغيرة مثل أستراليا بعد كل هجوم، وللأسف معظم الهجمات الإرهابية في العقود الأخيرة نفذها مسلمون.
في التسعينات والعقد الأول من الألفية الجديدة تعايش العالم مع إرهاب «القاعدة» الذي كان يبدو مروعا ومفزعا، وبدأ منحنى إرهاب هذه المنظمة يأخذ منحى الهبوط، خاصة بعد مقتل قياداتها، لتظهر «داعش» الآن بأساليب أكثر عنفا مستغلة أوضاعا طائفية معينة في العراق وسوريا، وهي أيضا مثل «القاعدة» ليس لها مستقبل، لكن أعراضها الجانبية الخارجية كثيرة ومضرة.
هزيمة «داعش» مؤكدة لأنها منظمة ضد منطق الحياة، لكن هذه الحرب تحتاج إلى جدية أكبر في حشد الموارد، لأنه كلما طالت كان على العالم التعامل بعد ذلك مع مشاكل أكبر، بينها مثلا ماذا سيفعل بهؤلاء الشبان والشابات اللاتي جرى تضليلهن، وبالنسبة للدول العربية والإسلامية فإنه كلما طالت الحرب كانت الأعمال التي تشوه صورة المسلمين أكثر مثل إرهاب المقهى.