ديفيد اغناتيوس
صحافي وروائي. وهو محرر مشارك وكاتب عمود في صحيفة "واشنطن بوست". كتب ثماني روايات، بما في ذلك "جسد الأكاذيب"
TT

الإيراني الذي يمكنه إيجاد التوازن بين الفصائل الإيرانية

شخصية جديدة مثيرة للجدل تحظى بمكانة بارزة في الحكومة الإيرانية في الوقت الذي تتزايد فيه حدة الصراعات الإقليمية في العراق وسوريا وتتجه المحادثات النووية الإيرانية مع الغرب ناحية موعدها النهائي في الرابع والعشرين من نوفمبر (تشرين الثاني).
والمسؤول البارز مؤخرا هو السيد علي شمخاني، رئيس مجلس الأمن القومي الإيراني. لعب خلال الصيف الماضي دورا سياسيا بارزا في الإطاحة بنوري المالكي من منصبه رئيس وزراء العراق. وخلال المقابلات التي جرت عبر الأسابيع القليلة الأخيرة، وصف كل من العراقيين، والإيرانيين، واللبنانيين، والأوروبيين، والمسؤولين الأميركيين أن نجم شمخاني آخذ في الارتفاع في سماء السياسة.
يقول السيد حسين موسويان، المسؤول الإيراني السابق الذي يحاضر حاليا في جامعة برينستون الأميركية ويعرف القيادة معرفة جيدة «إنه شخصية محورية، إنه في الداخل»، مع صلات قوية تربطه بكل من الرئيس حسن روحاني والمرشد الأعلى علي خامنئي. ويضيف: «يمكن للسيد شمخاني أن يلعب دورا مؤثرا في إدارة الأزمة داخل العالم العربي، وذلك بصورة جزئية لأنه من منطقة ناطقة بالعربية في جنوبي إيران».
يعتبر التوازن السياسي في طهران من الأهمية بمكان خصوصا مع اقتراب المحادثات النووية الإيرانية مع الغرب من نهايتها. ظل المسؤولون الإيرانيون والأميركيون يساومون حول مختلف الصيغ التي من شأنها الحد من المخزون النووي الإيراني ومن أجهزة الطرد المركزي كذلك. تريد الولايات المتحدة الحد وبشدة من برنامج تخصيب اليورانيوم الإيراني وبالتالي تمديد الوقت الذي سوف تستغرقه إيران في الاستعداد لبناء القنبلة النووية.
وصعود نجم شمخاني من الأمور الجديرة بالذكر نظرا لأنه يبدو همزة الوصل ما بين المعسكر الراديكالي والمعسكر المعتدل في الوقت الذي تنقسم فيه الآراء في الداخل الإيراني حيال الصفقة النووية مع الغرب. يتحتم على السيد شمخاني مباركة أي اتفاقية يعقدها الرئيس روحاني ووزير خارجيته محمد جواد ظريف.
يقول كريم صادقبور، وهو خبير بارز في الشأن الإيراني لدى مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي «على النقيض من مسؤولي وزارة الخارجية الإيرانية، فإن السيد شمخاني كان قائدا سابقا في الحرس الثوري مما يمنحه السلطة لتحدي رفاقه السابقين». ويوافق أحد مسؤولي الاستخبارات الأوروبيين على أن شمخاني قد يكون «وسيطا نزيها» بين روحاني وخامنئي.
ويقول أحد المسؤولين الأميركيين، وهو من المتابعين للشأن الإيراني عن كثب، «احتل شمخاني دورا لافتا للنظر في السياسة الإقليمية الإيرانية منذ ذلك الصيف، وعلى الأخص في العراق، والتي كانت في السابق اختصاصا حصريا لفيلق القدس بقيادة القائد قاسم سليماني والتابع للحرس الثوري الإيراني».
ويضيف المسؤول الأميركي: «لا يزال نجمه في صعود». غير أنه حذر من افتراض أن البروز الجديد لشمخاني يعني أي انتقاص من شأن سليماني، الذي يظل راسخ القدمين في قيادة أنشطة فيلق القدس، والذي لا يبدو أن موقفه المستقر في طهران يشوبه أي خفوت أو أفول.
جاء ذكر لدور شمخاني في الإطاحة بالمالكي على لسان اثنين من المسؤولين العراقيين، حيث قالا إن شمخاني قام بزيارة مدينة النجف في شهر يوليو (تموز) للالتقاء مع آية الله علي السيستاني، الزعيم الشيعي البارز، وحمل رسالته إلى طهران من أن الوقت قد حان للإطاحة بقطب الاستقطاب المسمى بالمالكي. وفي ذلك الوقت، بدا الإيرانيون محتفظين ببقاء المالكي أو أي سياسي عراقي آخر سهل الانقياد، ولكنهم وافقوا في نهاية المطاف على اختيار حيدر العبادي الذي يحظى بدعم من الولايات المتحدة. كانت المكانة الإقليمية لشمخاني بارزة للعيان إبان زيارته إلى بيروت في شهر سبتمبر (أيلول)، حيث طرح فكرة الدعم الإيراني للمؤسسة العسكرية اللبنانية. يقول المسؤولون اللبنانيون إن مثل ذلك الدعم لن يكون مقبولا، ولكنها إشارة مهمة على الكيفية التي تعمل بها السياسة الإيرانية بالتوازي مع سياسة الولايات المتحدة، والتي تعتبر المورد الرئيسي لأسلحة الجيش اللبناني.
كان شمخاني من كبار قادة الحرس الثوري الإيراني إبان الحرب العراقية - الإيرانية، ثم شغل منصب وزير الدفاع خلال فترة حكم الرئيس المعتدل محمد خاتمي قبل 10 سنوات، ثم عمل مع خامنئي أثناء فترة الرئاسة النارية لمحمود أحمدي نجاد.
في الوقت الذي تتجه فيه المحادثات مع مجموعة (5+1) إلى ذروتها، كان المسؤولون الأميركيون والإيرانيون يتواصلون من خلال قنوات اتصال خلفية لاستكشاف إمكانية التوصل إلى صيغة اتفاق ما، وهي من عمليات المساومة الكلاسيكية، وخصوصا في خضم القضايا ذات الحساسية مثل أجهزة الطرد المركزي وحجم المخزون الإيراني من اليورانيوم المخصب. يقال: إن إيران بدأت بالمطالبة بالحصول على 22 ألف جهاز طرد مركزي، وتصر الولايات المتحدة على منحها ألفي جهاز فقط. ويقال: إن تلك الفجوة ما بين الرقمين قد ضاقت إلى حد كبير، حيث تقترح إيران الاحتفاظ بالأجهزة البالغ عددها 9400 جهاز قيد العمل حاليا، وتلمح الولايات المتحدة إلى إمكانية قبولها ما حده الأقصى يبلغ 4 آلاف جهاز، لمدة 3 إلى 5 سنوات.
قد تساوم الولايات المتحدة على عدد أجهزة الطرد المركزي إذا وافق الإيرانيون على الحد بصورة كبيرة من مخزونهم من اليورانيوم المخصب، حيث يخفضون مخزونهم البالغ نحو 10 آلاف كيلوغرام إلى بضع مئات من الكيلوغرامات فقط. ومن المطالب الأميركية حيال عقد أي اتفاق المراقبة المكثفة والوثيقة للأنشطة النووية الإيرانية.
يشير السيد موسويان، المسؤول الإيراني السابق، إلى أنه إذا أخفق الطرفان في الوصول إلى اتفاق بحلول الموعد النهائي، فينبغي عليهما حينئذ أن يطالبا الوكالة الدولية للطاقة الذرية في فيينا أن تحد من القدرات النووية فيما تحدده الوكالة الدولية بأنه «الحاجات العملية» لإمدادات الكهرباء المدنية.
ويقول موسويان «يحتاجون قاضيا لاتخاذ القرار».
* خدمة «واشنطن بوست»