فاضل السلطاني

فاضل السلطاني
محرر الثقافة والكتب في «الشرق الأوسط» منذ عام 1997. نشر عدة كتب شعرية وترجمات. وفي الدراسات له «خمسون عاماً من الشعر البريطاني» و«الأرض اليباب وتناصها مع التراث الإنساني». وأصدر بالانجليزية «فيليب لاركن شاعراً منتمياً» و«ثلاثة شعراء محدثون». مُجاز في الآداب من جامعة بغداد، وحاصل على درجة الماجستير في الأدبين الأوروبي والأميركي من جامعة لندن.

هل يمكن أن نفصل المبدع عن موقفه؟

هل نستطيع أن نفصل المبدع عن إبداعه؟ هل للعملية الإبداعية قوانينها الخاصة، التي ينفصل فيها المبدع عن ذاته كإنسان لتحل معها ذات أخرى على النقيض تماماً من الأولى، وبالتالي يمكن أن نرسم خطين متوازيين بين المبدع والإنسان، ونرتاح من عذاب السؤال عن سبب الازدواجية القاتلة بين الاثنين التي حيرت دارسي الأدب الإنساني، منذ فجر التاريخ؟ هل يمكن أن نمحو من أذهاننا ووجداننا صورة إنسان وحش، وفي الوقت نفسه شاعر، أو كاتب، أقرب إلى الملائكة؟ وهل نستطيع منع أنفسنا من طرح السؤال الممض، ولو في أعمق أعماقنا: أيهما يكذب، المبدع كإنسان أم المبدع كمبدع؟ وإذا كان أحدهما يكذب، فكيف بإمكاننا أن نميز ذلك؟ ومن نصدق؟

الستار الحديدي الروسي لا يزال كثيفاً

يمكن القول باطمئنان إن ثلاثة آداب أجنبية أثرت تأثيراً بالغاً في الأدب العربي المعاصر، بدرجات ليست متباعدة كثيراً: الأدب البريطاني والفرنسي والروسي. لقد تعرفنا أولاً على الأدب الروسي ونماذجه العملاقة، ويا للمفارقة! من خلال اللغة الفرنسية، حين نقل لنا المترجم الفريد سامي الدروبي كل أعمال دوستويفسكي، 12 مجلداً، عن هذه اللغة في ترجمة لا تقل جمالاً عن الأصل، حسب شهادة الكثيرين ممن يعرفون الروسية. وقرأنا على يده أيضاً أربعة مجلدات من أعمال ليو تولستوي، وبعض أعمال بوشكين وميخائل ليرمنتوف.

من ينقذ الشعر منا؟

يتحدث علماء الاقتصاد عن التطور غير المتكافئ حتى في حدود البلد نفسه، بين المدن الكبيرة والصغيرة، وبين هذه الأخيرة والريف، ويعزون سبب ظهور الشعبوية وازدهارها المفاجئ لهذا التطور غير المتكافئ الذي تراكم عبر السنين، حتى عبر عن نفسه بشكل مشوه. وإذا حاولنا تطبيق ذلك على ثقافتنا المعاصرة، نستطيع أن نقول إننا نعيش «تطورا» غير متكافئ في صناعتنا الإبداعية. وهو تطور مشوه، لأنه غير طبيعي، ولا يمكن أن يؤدي إلى ازدهار حقيقي في ثقافتنا المعاصرة، بل إلى خراب. ومناسبة هذا الحديث، هو ما نسميه «الطفرة الروائية»، في مقابل انحسار ديوان العرب، في زمن قياسي، ومن دون أي مقدمات منطقية.

الحب في عالمنا السائل

كان المفكر الأميركي مارشال بيرمان يقول إن كل ما هو صلب يذوب في الهواء، وقد اتخذه عنوانا لكتابه المهم عن الحداثة، الذي ترجمه قبل سنوات طويلة فاضل جتلر إلى العربية. والحقيقة أن هذه العبارة وردت أول ما وردت في البيان الشيوعي الذي أصدره كارل ماركس وفريدريك إنجلز عام 1848، وفيه توقعا أن الرأسمالية ستتطور لتصبح نظاما عالميا، فالرأسمال، نتيجة التطور الصناعي الهائل آنذاك لا بد أن يجتاز الحدود، مؤسسا بذلك سوقا عالمية قد لا يستطيع أحد السيطرة عليها لأنها تعمل حسب قوانينها الذاتية غير الخاضعة لأي منطق.

لننتظر مذكرات أبي شقرا

حتى قبل أن نقرأ سيرة شوقي أبي شقرا، التي ستصدر بعد أيام قليلة في كتاب ضخم، نستطيع أن نقول إنها ستكون حدثًا ثقافيًا بامتياز. فهذا الرجل، الذي هو أحد عرّابي قصيدة النثر، ومن أوائل المبشرين بها، بالشكل الذي فهمه، وهو الأقرب لجوهرها ومعناها في رأينا، يختزن نصف قرن محتدمًا من الحيرة، والألم، والبحث، واللا يقين في الحياة والشعر معًا، لكن بشجاعة نادرة، وغالبًا هناك... في الوحدة التي تكره الضجيج، وخلف ستائر مسدلة في هذه المطبوعة أو تلك، أو في غرفة بيت ضائع في قرية ريفية لا يعرفها أحد. لكن الصوت كان يصل دائمًا.

عودة أخينا الأكبر

بعد 68 سنة من صدورها، تعود رواية «1984» لجورج أرويل لتحتل قائمة الكتب الأكثر مبيعا على موقع أمازون، وهو أكبر موقع في العالم لبيع الكتب. والسبب واضح جدا؛ إننا ما نزال نجد أنفسنا فيها، وما تزال شخصيتها المهيمنة «الأخ الأكبر»، الذي لا يملك اسما، معاصرا لنا، لم يتغير شيء.

إبداع مؤجل

2011 سنة فارقة في التاريخ العربي المعاصر، كما كانت 1948، و1967 على سبيل المثال. ومهما اختلفنا في أسباب ومسار ومآل أحداثها، فإنها نهاية مرحلة، وبداية أخرى، إن لم يكن في الواقع، ففي الوجدان والذهن. شيء ما تشكل في الأعماق، واستوطنها ككل الأحداث الكبرى التي تفصل بين ما قبل وما بعد، حتى لو كانت هزائم مدوية... فالتاريخ لا تصنعه الانتصارات فقط.

ربيعات عربية تنتظر على الأبواب

هل نحن على أبواب «ربيع عربي» آخر بعد ست سنوات من حريق البوعزيزي الذي انطفأ، وخمود جذوة النار في ميدان التحرير المصري، وتحول لهيب بنغازي إلى رماد، والقطع المزدوج لأصابع أطفال درعا على يد السفاح أولاً، وأمراء الحرب ثانيًا؟ اهتزت الدنيا قبل ست سنوات كما لم تهتز من قبل، في أماكن لم تصلها من قبل، لكنها سرعان ما استعادت توازنها بالحيلة والمكر والالتفاف، ثم بالرصاص الأعمى.

القرن الحادي والعشرون يبدأ الآن

تحتاج البشرية إلى زمن طويل جدا، لا أحد يستطيع تحديده وقد يصل حتى إلى قرن أو أكثر، لتتعافى من آثار الكوارث الكبرى. الحرب العالمية الأولى، إذا لم نتحدث عن ضحاياها الملايين، ما تزال ماثلة في خرائط العالم الذي شكلته، وخاصة في الشرق الأوسط. وما تزال الحرب العالمية الثانية حاضرة بشكل خاص في أوروبا، التي شطرتها إلى نصفين، تفرقا كثيرا حتى التقيا بعد أن شاخا، لكن ظلا غريبين عن بعضهما، رغم أنهما يسكنان في بيت واحد. وظن العالم بعد سقوط جدار برلين 1989، ثم انهيار الاتحاد السوفياتي عام 1991 أن ما سميناه تجوزا «الحرب الباردة» قد انتهت، وأن البشرية تبدأ عهدا جديدا لا أقطاب فيه.

اللغة كما نكون تتشبه بنا

يكاد يتفق الجميع، لغويين وكُتابا ومثقفين ورجال إعلام، على أن العربية ليست في أفضل أحوالها، مهما كانت الأسباب التي يختلفون حولها، سواء أكانت تعليمية، أم إعلامية، أم متعلقة بطبيعة اللغة العربية نفسها، وبالذات فيما يخص قواعدها، وصرفها، ونحوها. لكن الأمر أبعد من ذلك في اعتقادنا. أعضاء المجمع اللغوي الذي يعقد الآن جلساته في القاهرة، وهو مجمع عربي وليس مصريًا على الرغم من اسمه، يعد الآن لمشروع قانون سيرفعه للجهات المختصة تحت اسم «سلامة اللغة العربية». وهو يذكرنا بقانون لصدام حسين، حمل الاسم نفسه، وشرعته الحكومة العراقية عام 1977.