كشفت دراسة حديثة، أجراها باحثون في مستشفى جامعة ميونيخ بألمانيا (University Hospital, Munich) ونُشرت في مجلة « nature metabolism journal» خلال النصف الأول من شهر نوفمبر (تشرين الثاني) من العام الحالي، عن احتمالية أن يؤدي تعرض الأم للإصابة بداء السكري من النوع الأول (T1D) أثناء الحمل إلى حماية أطفالها من الإصابة بالمرض نفسه لاحقاً.
السكري من النوع الأول
من المعروف أن التفاعل المناعي يُعد السبب الرئيسي للنوع الأول من مرض السكري، الذي يؤدي إلى حدوث ارتفاع في مستوى السكر في الدم نتيجة نقص الإنسولين، بسبب تدمير خلايا بيتا في البنكرياس، لوجود خلل في الجهاز المناعي للجسم يجعله يقوم بمهاجمة هذه الخلايا باعتبارها خلايا غريبة.
وأشارت الدراسات السابقة إلى عدد من الأسباب التي يمكن أن تؤدي إلى حدوث الخلل في الجهاز المناعي. ويُعد العامل الوراثي من أهم هذه الأسباب، إذ تحدث في الأغلب تغيُّرات في الشفرة الجينية للخلية تُغير خصائصها، ما يجعل الجسم يتعرّف عليها كما لو كانت خلايا غريبة.
ولكن وفي حالة إعادة برمجة هذه الخلايا بشكل سليم، تقل احتمالية حدوث الأمراض المناعية، ومنها السكري من النوع الأول.
كما تلعب العوامل البيئية، مثل نمط حياة الأم وظروفها الصحية، كالتدخين والسمنة وحالتها النفسية أثناء الحمل، دورها، إذ تتداخل مع النمو المُبكر، وتترك آثاراً طويلة الأمد على الصحة، تؤثر على الطفل لاحقاً. ولكن الغالب أن العوامل الوراثية تلعب دوراً مهمّاً في إصابة الأطفال بمرض معين. وعلى وجه التقريب، فإن مرض السكري من النوع الأول يكون أكثر شيوعاً بمقدار 8 إلى 15 ضعفاً في الأشخاص الذين يُعاني أقاربهم من الدرجة الأولى هذه الحالة.
دراسة مقارنة
وقارنت الدراسة 790 ثنائياً من الأمهات المصابات بداء السكري من النوع الأول وأطفالهن، مع 962 ثنائياً من الأمهات غير المصابات وأطفالهن. وكان جميع الأطفال الذين شملتهم الدراسة أكثر عرضة للإصابة بداء السكري من النوع الأول من الأطفال الطبيعيين، إما بسبب وجود قريب من الدرجة الأولى مصاب بهذه الحالة، وإما بسبب ارتفاع درجة الخطر الجيني لديهم، وكان متوسط عمر الأطفال يتراوح بين سنة ونصف السنة وسنتين.
تغيرات جينية تُحسن الجهاز المناعي
وأظهرت الدراسة وجود تغيرات بالحمض النووي في خلايا متعددة في الأطفال المولودين لأمهات مصابات بمرض السكري من النوع الأول، مقارنة بالأطفال المولودين للأمهات الأخريات، وحدثت هذه التغيُّرات الجينية في مناطق كثيرة من خلايا الجسم، ما أثر بشكل رئيسي على الجينات المرتبطة بالمناعة.
ولاحظ الباحثون أن هذه التغيرات الجينية في الخلايا أدت إلى زيادة فرص الحماية من المرض، وحدث تحسن للجهاز المناعي، لأن اختلاف ترتيب البروتينات المكونة للشفرة الجينية قام بما يمكن اعتباره (إعادة برمجة) بشكل سليم لخلايا البنكرياس. إلا أن قسماً من التغيرات الجينية يُعد من العوامل المهمة في حدوث الخلل المناعي المسبب لمرض السكري من النوع الأول.
تغيرات «إصابة» وتغيرات «مناعة»
بشكل عام، تُظهر الدراسة أن إصابة الأم بالسكري ترتبط بحدوث تغيّرات جينية واضحة في حمض أطفالها النووي، يمكن رصدها بعد مرور عام ونصف العام أو أكثر من التعرض، وهو ما قد يفسّر قابلية إصابة الأطفال بالمرض في مرحلة مبكرة جداً من حياتهم. وفي المقابل، تُشير النتائج إلى أن هذه التغيّرات الجينية قد ترتبط أيضاً بتعديلات في جهاز المناعة تُسهم في حماية الأطفال من الإصابة بالمرض.
وأوضح العلماء أن الدراسة اعتمدت بكل أساسي على بيانات من مجموعات سكانية أوروبية في الغالب، ومن ثم فإن من الضروري إجراء مزيد من الدراسات على مجموعات سكانية متنوعة، لتأكيد هذه النتائج.


