خبير: ألزهايمر قد يكون مرضاً مناعياً ذاتياً

فحوص تصوير مقطعي لشخص مصاب بألزهايمر (رويترز)
فحوص تصوير مقطعي لشخص مصاب بألزهايمر (رويترز)
TT

خبير: ألزهايمر قد يكون مرضاً مناعياً ذاتياً

فحوص تصوير مقطعي لشخص مصاب بألزهايمر (رويترز)
فحوص تصوير مقطعي لشخص مصاب بألزهايمر (رويترز)

أصبح السعي لإيجاد علاج لمرض ألزهايمر مسعى تنافسياً ومثيراً للجدل بشكل متزايد؛ حيث شهدت السنوات الأخيرة العديد من الدراسات التي حاولت البحث في هذا الأمر.

وفي يوليو (تموز) 2022، أفادت مجلة «ساينس» بأن ورقة بحثية رئيسية نُشرت عام 2006 في مجلة «نيتشر» المرموقة، وحددت نوعاً فرعياً من بروتين الدماغ يُسمى «بيتا أميلويد» سبباً لمرض ألزهايمر، ربما كانت مبنية على بيانات مُلفّقة.

وقبل عام، وتحديداً في يونيو (حزيران) 2021، وافقت «هيئة الغذاء والدواء الأميركية» على دواء «أدوكانوماب»، وهو جسم مضاد يستهدف «بيتا - أميلويد»، علاجاً لمرض ألزهايمر، رغم أن البيانات التي تدعم استخدامه كانت غير مكتملة ومتناقضة.

ويعتقد بعض الأطباء أنه ما كان ينبغي الموافقة على دواء «أدوكانوماب»، بينما يرى آخرون أنه يجب منحه فرصة.

ولا يزال الباحثون يتخبطون في سعيهم لإيجاد علاج لما يُمكن اعتباره أحد أهم الأمراض التي تواجه البشرية.

«فخّ فكري»

بحسب موقع «ساينس آليرت» العلمي، يقول دونالد ويفر، أستاذ الكيمياء ومدير معهد كرمبيل للأبحاث في جامعة تورونتو إن هذا التخبُّط قد يكون ناتجاً عن «فخّ فكري»، يتمثل في التركيز بشكل شبه حصري على هذا النهج المتمثل في التصدي لبروتين بيتا أميلويد، مُهمِلين، أو حتى مُتجاهلين، في كثير من الأحيان، تفسيرات أخرى مُحتملة.

وأضاف ويفر: «في الواقع، يُمكن القول إننا، نحن العلماء، قد وقعنا في نوع من الركود الفكري، إذ ركزنا بشكل شبه حصري على هذا النهج».

ولفت إلى أن مختبره في «معهد كريمبيل» وضع نظرية جديدة لمرض ألزهايمر.

وأوضح قائلاً: «بناءً على أبحاثنا التي امتدت لثلاثين عاماً، لم نعد نعتقد أن الزهايمر مرض دماغي بالأساس. بل نعتقد أنه في الأساس اضطراب في الجهاز المناعي داخل الدماغ».

والجهاز المناعي، الموجود في كل عضو بالجسم، هو مجموعة من الخلايا والجزيئات التي تعمل بتناغم للمساعدة في إصلاح الإصابات والحماية من الفيروسات والجراثيم الخارجية.

فعندما يتعثر الشخص أو يسقط، يساعد الجهاز المناعي على إصلاح الأنسجة التالفة. وعندما يُصاب بعدوى فيروسية أو بكتيرية، يساعد الجهاز المناعي في مكافحة هذه الغزوات الميكروبية.

وبحسب ويفر، تجري العمليات نفسها في الدماغ؛ فعند التعرض لصدمة بالرأس، ينشط الجهاز المناعي في الدماغ للمساعدة بالإصلاح. وعندما توجَد البكتيريا في الدماغ، يقوم الجهاز المناعي بمقاومتها.

ألزهايمر كمرض مناعي ذاتي

يقول ويفر: «نعتقد أن (بيتا أميلويد) ليس بروتيناً يُنتج بشكل غير طبيعي، بل هو جزيء طبيعي الوجود، وهو جزء من الجهاز المناعي للدماغ. وعند حدوث صدمة دماغية أو عند وجود بكتيريا في الدماغ، يُعد (بيتا أميلويد) مساهماً رئيسياً في الاستجابة المناعية الشاملة للدماغ. وهنا تبدأ المشكلة».

وأضاف: «بسبب التشابه الملحوظ بين جزيئات الدهون التي تُكوّن أغشية البكتيريا وأغشية خلايا الدماغ، لا يستطيع (بيتا أميلويد) التمييز بين البكتيريا الغازية وخلايا الدماغ المضيفة، ويهاجم عن طريق الخطأ خلايا الدماغ التي يُفترض أن يحميها. ويؤدي هذا إلى فقدان مزمن وتدريجي لوظيفة خلايا الدماغ، ما يُؤدي في النهاية إلى الخرف، كل ذلك لأن جهاز المناعة في أجسامنا لا يستطيع التمييز بين البكتيريا وخلايا الدماغ».

وتابع: «عندما يُنظر إلى مرض ألزهايمر على أنه هجوم مُضلّل من جهاز المناعة في الدماغ على العضو الذي يُفترض أن يُدافع عنه، فإنه يُصبح مرضاً مناعياً ذاتياً».

وهناك أنواع عديدة من أمراض المناعة الذاتية، مثل التهاب المفاصل الروماتويدي؛ حيث تلعب الأجسام المضادة الذاتية دوراً حاسماً في تطور المرض، ويمكن أن تكون العلاجات القائمة على الستيرويدات فعّالة فيها.

لكن هذه العلاجات قد لا تُجدي نفعاً ضد مرض ألزهايمر، وفقاً لويفر، الذي أشار إلى أن الدماغ عضوٌ فريدٌ ومميزٌ للغاية، ويُعرف بأنه البنية الأكثر تعقيداً في الكون.

وأوضح أستاذ الكيمياء أنه وفريقه لديهم إيمان راسخ بأن استهداف مسارات تنظيم المناعة الأخرى في الدماغ سيقودنا إلى أساليب علاجية جديدة وفعّالة لهذا المرض.

نظريات أخرى حول المرض

بالإضافة إلى نظرية المناعة الذاتية لمرض ألزهايمر، بدأت نظريات جديدة ومتنوعة أخرى بالظهور. على سبيل المثال، يعتقد بعض العلماء أن ألزهايمر مرض يصيب هياكل خلوية دقيقة تُسمى «الميتوكوندريا»، وهي مصانع الطاقة في كل خلية دماغية.

وتقوم «الميتوكوندريا» بتحويل الأكسجين من الهواء الذي نتنفسه والغلوكوز من الطعام الذي نتناوله إلى الطاقة اللازمة للتذكر والتفكير.

ويعتقد البعض أن «ألزهايمر» هو النتيجة النهائية لعدوى دماغية معينة، وغالباً ما يُقترح أن البكتيريا الموجودة في الفم هي السبب. بينما يقترح آخرون أن المرض قد ينشأ عن سوء معالجة المعادن داخل الدماغ، ربما الزنك أو النحاس أو الحديد.


مقالات ذات صلة

3 أجبان كاملة الدسم تحمي من ألزهايمر

صحتك الأجبان كاملة الدسم تدعم صحة الدماغ مع التقدم في العمر (جامعة لوند)

3 أجبان كاملة الدسم تحمي من ألزهايمر

كشفت دراسة سويدية أن تناول بعض أنواع الجبن كاملة الدسم والقشدة كاملة الدسم قد يرتبط بانخفاض خطر الإصابة بالخرف ومرض ألزهايمر.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
صحتك الجبن كامل الدسم قد يقلل خطر الإصابة بالخرف (رويترز)

نوع من الجبن قد يساعد على حمايتك من الخرف

توصَّلت دراسة جديدة إلى أن الأشخاص الذين تناولوا 50 غراماً أو أكثر من الجبن كامل الدسم يومياً انخفض لديهم خطر الإصابة بالخرف بنسبة 13 في المائة.

«الشرق الأوسط» (استوكهولم)
صحتك مواطنون يمارسون الرياضة في صالة رياضية في الأردن (أرشيفية - رويترز)

هذه التمارين تساعدك في الحصول على دماغ أصغر سناً وأكثر صحة

وجد الباحثون أن الأشخاص الذين لديهم مستويات عالية من الدهون المتراكمة في منطقة البطن لديهم أدمغة أكبر سناً.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
صحتك سيدة مصابة بالخرف (رويترز)

6 أعراض في منتصف العمر قد تنبئ بالإصابة بالخرف مستقبَلاً

كشفت دراسة جديدة أن هناك 6 أعراض تتعلق بالاكتئاب في منتصف العمر، يُمكن أن تُنبئ بالإصابة بالخرف بعد أكثر من عقدين.

«الشرق الأوسط» (لندن)
صحتك شرائح من السلمون (أرشيفية - رويترز)

4 أطعمة تساعد على تعزيز قوة الذاكرة

تشير الأبحاث إلى أن القدرة على تعزيز الذاكرة قد ترتبط بما نأكله.

«الشرق الأوسط» (لندن)

أميركا تقر أول نسخة أقراص من علاج شهير لإنقاص الوزن

مقر للمختبرات الصيدلانية الدنماركية «نوفو نورديسك» المطوِّرة للعلاج (رويترز)
مقر للمختبرات الصيدلانية الدنماركية «نوفو نورديسك» المطوِّرة للعلاج (رويترز)
TT

أميركا تقر أول نسخة أقراص من علاج شهير لإنقاص الوزن

مقر للمختبرات الصيدلانية الدنماركية «نوفو نورديسك» المطوِّرة للعلاج (رويترز)
مقر للمختبرات الصيدلانية الدنماركية «نوفو نورديسك» المطوِّرة للعلاج (رويترز)

وافقت «إدارة الغذاء والدواء الأميركية (إف دي إيه)» على أول نسخة بالأقراص من علاج شهير لمكافحة البدانة، يساعد على إنقاص الوزن، بحسب ما كشفت المختبرات الصيدلانية الدنماركية (نوفو نورديسك) المطوِّرة للعلاج.

ومن شأن هذا القرار أن يسمح بتيسير الوصول في الولايات المتحدة إلى هذه العلاجات الرائجة جداً لتخفيض الوزن، والتي تعدّ شديدة التطوّر في مجالها في نظر خبراء.

وتساعد هذه التقنية، التي وُضعت بداية لمعالجة داء السكّري، على محاكاة عمل الهرمون الهضمي «جي إل بي-1» الضابط للشهيّة، وهي تسوَّق تجارياً في سياق أدوية «أوزمبيك»، و«ويغوفي»، و«زيباوند».

وتتوفّر عادة على شكل محلول قابل للحقن، لكن يتمّ الآن تطويرها على شكل حبوب لتسهيل تناولها.

وأشارت «نوفو نورديسك»، في بيانها، إلى أن «حبوب ويغوفي» هي «أوّل... علاج بهرمون جي إل بي-1 عن طريق الفمّ يوافَق عليه للتحكّم بالوزن» في الولايات المتحدة.

وسبق للسلطات الصحية الأميركية أن وافقت على نسخة أخرى بالحبوب من هذه العلاجات واسعة التداول، لكن ليس لتخفيض الوزن.

وشهدت هذه العلاجات التي تتيح خسارةً كبيرةً في الوزن إقبالاً كبيراً في السنوات الأخيرة، خصوصاً في الولايات المتحدة، حيث تطال البدانة التي تعدّ مرضاً مزمناً نحو 40 في المائة من البالغين.

غير أنها ليست في متناول عدد كبير من المرضى؛ بسبب سعرها المرتفع الذي قد يتخطّى ألف دولار في الشهر.


«فيروس الإنفلونزا الخارق»: الأعراض وآخر التحديثات

«فيروس الإنفلونزا الخارق»: الأعراض وآخر التحديثات
TT

«فيروس الإنفلونزا الخارق»: الأعراض وآخر التحديثات

«فيروس الإنفلونزا الخارق»: الأعراض وآخر التحديثات

مع استعداد كثير من العائلات للتجمع خلال موسم الأعياد، تشهد حالات الإصابة بالإنفلونزا ارتفاعاً حاداً في جميع أنحاء الولايات المتحدة الأميركية، كما كتبت ناتاشا إتزل*.

ووفقاً لأحدث البيانات الصادرة عن «مراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها» (CDC)، فقد وصلت نتائج الاختبارات الإيجابية (المؤكدة) إلى أعلى مستوياتها المسجلة حتى الآن هذا الموسم.

سلالة متحورة من الفيروس

يُعد فيروس الإنفلونزا ««إيه- إتش 3 إن 2» (A H3N2) أكثر فيروسات الإنفلونزا شيوعاً هذا الموسم. وفي الأسبوع الماضي، نشرت مجلة «فاست كومباني» تقريراً عن سلالة متحورة جديدة من فيروس الإنفلونزا «A H3N2» تُعرف باسم السلالة الفرعية «كيه» (K) التي ظهرت بعد طفرات عدة.

أهم الأحداث

وإليكم ما تحتاجون إلى معرفته عنها:

- ارتفاع عدد الإصابات: تُظهر البيانات الحديثة ارتفاعاً حاداً في حالات الإصابة المؤكدة بالإنفلونزا. ووفقاً لبيانات «مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها» للأسبوع المنتهي في 13 ديسمبر (كانون الأول)، كانت نسبة العينات التي ثبتت إصابتها بالإنفلونزا 14.8 في المائة. وهذا هو أعلى مستوى للحالات المؤكدة حتى الآن هذا الموسم.

وبلغ إجمالي حالات الإصابة بالإنفلونزا 4.6 مليون حالة على مستوى البلاد. وتُشير تقديرات المراكز إلى وجود 49 ألف حالة دخول إلى المستشفيات، و1900 حالة وفاة بسبب الإنفلونزا.

- أنواع الفيروسات: أبلغت مختبرات الصحة العامة عن 927 فيروساً للإنفلونزا. من بينها 911 فيروساً من النوع «إيه» (A)، و16 فيروساً من النوع «بي» (B)، ومن بين 706 فيروسات من النوع «إيه» التي تم تحديد نوعها الفرعي، كان 89.9 في المائة منها من النوع «H3N2».

الولايات التي شهدت أعلى نشاط للإنفلونزا، تشمل ما يلي: كولورادو، ولويزيانا، ونيوجيرسي، ونيويورك، ورود آيلاند. وتُظهِر بيانات التتبع من وزارة الصحة بولاية نيويورك أن الحالات بلغت أعلى مستوياتها لهذا الموسم، مع أكثر من 5300 حالة دخول إلى المستشفى حتى الآن. وفي مدينة نيويورك، ارتفعت حالات الإصابة بالإنفلونزا بشكل ملحوظ.

وبسبب موسم الأعياد، ستتأخر البيانات هذا الأسبوع. وسيتم نشر بيانات الأسبوع المنتهي في 20 من هذا الشهر في 30 منه.

ما هي أعراض الإنفلونزا؟

تتراوح أعراض الإنفلونزا عادة من خفيفة إلى شديدة. وتقول «مراكز مكافحة الأمراض» إن هذه هي الأعراض الرئيسية التي يجب الانتباه إليها:

  • ارتفاع درجة الحرارة أو الشعور بالحمى والقشعريرة.
  • سعال.
  • التهاب الحلق.
  • سيلان الأنف أو انسداده.
  • آلام في العضلات أو الجسم عموماً.
  • صداع.
  • إرهاق (تعب).
  • احتمال الإصابة بالقيء والإسهال (أكثر شيوعاً عند الأطفال منه عند البالغين).

وتشير «المراكز» إلى أنه ليس كل من يُصاب بالإنفلونزا يُصاب بالحمى.

* مجلة «فاست كومباني»، خدمات «تريبيون ميديا».


العقم ليس دائماً لغزاً… الخلل يكمن أحياناً في «التموضع»

استشارة نسائية متقدمة قبل الولادة
استشارة نسائية متقدمة قبل الولادة
TT

العقم ليس دائماً لغزاً… الخلل يكمن أحياناً في «التموضع»

استشارة نسائية متقدمة قبل الولادة
استشارة نسائية متقدمة قبل الولادة

بعد أكثر من خمسةٍ وعشرين عاماً من البحث السريري الهادئ بعيداً عن الأضواء، خرج إلى العلن اكتشاف طبي لافت قد يُعيد صياغة فهم الطب الحديث لما يُعرف بـ«العقم مجهول السبب» لدى النساء. ونشرت نتائج الدراسة، التي شملت 372 امرأة من 23 دولة، في ديسمبر (كانون الأول) 2025 في المجلة الدولية لأمراض النساء والتوليد: (International Journal of Gynecology & Obstetrics).

البروفسور موسى الكردي يقود مقاربة جديدة في علاج العقم

لقاء حصري

في لقاء حصري مع «الشرق الأوسط»، تحدث البروفسور موسى الكردي -الطبيب، والباحث البريطاني من أصل سوري، وأستاذ أمراض النساء والعقم المرتبط أكاديمياً بكلٍّ من جامعتي كمبردج ودمشق- عن الخلفيات العلمية لتقنية جراحية جديدة أعادت الاعتبار للمقاربة التشريحية الوظيفية البسيطة قبل اللجوء إلى أكثر تقنيات الإخصاب المساعد تعقيداً.

من أين بدأت الفكرة؟

يقول البروفسور موسى الكردي إن الشرارة الأولى لم تولد في مختبر، بل في العيادة، ومن ملاحظات سريرية تراكمت عبر سنوات طويلة من العمل في مراكز طبية داخل الشرق الأوسط وأوروبا، ولا سيما خلال مراحل تدريبه وتعاونه الأكاديمي في المملكة المتحدة.

ويضيف: «في بريطانيا تعلّمت قاعدة أساسية في الطب: لا تبدأ بالحل المعقّد قبل أن تُعيد طرح السؤال البسيط. لماذا لا يحدث الحمل، رغم أن كل الفحوص تبدو طبيعية»؟

ويتابع أن هذا السؤال، الذي قد يبدو بديهياً، قاده إلى إعادة النظر فيما كان يُسلَّم به طبياً، والبحث في العامل التشريحي الوظيفي الذي كثيراً ما يُهمَل في تقييم حالات العقم غير المفسَّر.

«العقم مجهول السبب»

* ماذا اكتشفتم بعد سنوات المتابعة؟

- يوضح البروفسور موسى الكردي أن المتابعة السريرية الطويلة كشفت نمطاً متكرراً لدى عدد كبير من النساء المصنَّفات ضمن «العقم مجهول السبب»: فحوص هرمونية طبيعية، إباضة منتظمة، أنابيب فالوب سليمة من الناحية الشكلية... ومع ذلك لا يحدث الحمل.

ويضيف: «بعد سنوات من المراقبة الدقيقة، تبيّن لنا أن المشكلة لم تكن في جودة البويضة، ولا في الهرمونات، ولا حتى في سلامة الأنابيب من حيث الشكل، بل في العلاقة المكانية بين الأعضاء. ففي بعض الحالات تكون قناة فالوب بعيدة تشريحياً عن موضع خروج البويضة، فلا تتمكن من التقاطها في اللحظة الحاسمة، رغم أن كل شيء يبدو طبيعياً في صور الأشعة، والفحوص التقليدية».

ويتابع الكردي موضحاً أن الطب الحديث، في كثير من الأحيان، يركّز على ما يظهر في التحاليل، ويغفل ما لا يُقاس بسهولة: «الأنبوب قد يكون سليماً، لكنه لا يعمل بكفاءته الوظيفية إذا لم يكن في الموضع الصحيح. هنا يكمن الخلل الذي ظلّ لسنوات يُصنَّف خطأً على أنه عقم بلا سبب».

تصحيح تشريحي يعيد الوظيفة الطبيعية

تقنية جديدة

* ما جوهر التقنية الجديدة؟

- تعتمد التقنية على إعادة التموضع التشريحي الدقيق للرحم إلى وضعه الأمامي الطبيعي، مع إنزال المبيضين وقناتي فالوب إلى موضع أقرب لقاع الحوض، بما يسمح للأنابيب باستعادة وظيفتها الفيسيولوجية الطبيعية في التقاط البويضة بعد الإباضة.

ويشرح الكردي أن هذه المقاربة تستند إلى مبادئ تشريحية كلاسيكية تُدرَّس في كليات الطب البريطانية، لكنها -للمرة الأولى-طُبِّقت سريرياً بصورة منهجية طويلة الأمد، مع تتبّع النتائج على مدى سنوات.

نتائج غير متوقعة

أظهرت نتائج الدراسة نسب حمل لافتة، بلغت:

- 87 في المائة لدى السيدات السليمات.

- 56 في المائة لدى من يعانين أليافاً رحمية، أو بطانة رحم مهاجرة، أو التصاقات حوضية.

ويصف البروفسور الكردي هذه النتائج بأنها «تفوق بكثير ما نشهده في محاولات متكررة من الإخصاب المساعد، خصوصاً لدى النساء فوق سن الأربعين، أو من لديهن تاريخ طويل من فشل أطفال الأنابيب».

دور الإخصاب المساعد

* ماذا عن أطفال الأنابيب؟

يؤكد البروفسور موسى الكردي أن هذه التقنية لا تلغي دور الإخصاب المساعد، ولا تنتقص من أهميته، لكنها تعيد ضبط تسلسل القرار الطبي، وتطرح سؤالاً غالباً ما يُهمَل في الممارسة السريرية الحديثة: هل استنفدنا فعلاً كل ما يمكن للجسد أن ينجزه بنفسه؟

ويقول: «في المدرسة الطبية البريطانية، نُعلَّم ألا ننتقل مباشرة إلى المختبر قبل التأكد من أن البيئة التشريحية والوظيفية داخل الجسد مهيّأة طبيعياً للحمل. وهذه التقنية لا تنافس أطفال الأنابيب، بل تمنح الجسم فرصة عادلة أولاً، وقد تُغني كثيراً من النساء عن تدخلات معقدة، أو تجعل نتائجها لاحقاً أكثر نجاحاً».

فريق بحثي بخلفية دولية

شارك في تطوير ونشر هذه التقنية فريق علمي متعدد الخلفيات، يجمع بين الخبرة السريرية في الشرق الأوسط والتكوين الأكاديمي في أوروبا، وبريطانيا، فكان مع البروفسور موسى الكردي: الدكتور أشرف زرقان، طبيب وباحث بريطاني من أصل سوري، وأستاذ وباحث في جامعة كمبريدج، ومتخصص في الأبحاث السريرية المرتبطة بعلاج العقم غير المفسَّر. البروفسور أحمد خطاب، باحث بريطاني من أصل فلسطيني، له إسهامات علمية في مجال الخصوبة، والبيولوجيا الإنجابية، وشارك في التحليل العلمي والسريري لنتائج الدراسة.

ويؤكد هذا التنوع الأكاديمي والجغرافي للفريق البحثي أن الدراسة لم تكن جهداً محلياً معزولاً، بل نتاج تعاون علمي عابر للحدود، يجمع بين المنهجية البريطانية الصارمة والخبرة السريرية المتراكمة في الشرق الأوسط، وهو ما انعكس في قبول البحث، ونشره في مجلة دولية مرموقة تصدر عن دار النشر العالمية «Wiley».

الرسالة الأوسع

يختم البروفسور موسى الكردي اللقاء برسالة إنسانية تتجاوز لغة الأرقام ونِسَب النجاح، قائلاً: «ليس كل ما عجزنا عن تفسيره يجب أن نُسميه مجهولاً. أحياناً يحتاج الطب أن يتراجع خطوة، لا ليضعف، بل ليُحسن الرؤية؛ أن ينظر إلى الجسد كما هو، لا كما اعتدنا أن نُصوّره في المختبر».

ويستحضر هذا المنهج ما قاله الطبيب والفيلسوف العربي الكبير ابن النفيس قبل قرون، حين نبّه إلى أن فهم المرض لا يكتمل بتشريح العضو وحده، بل بفهم وظيفته وسياقه داخل الجسد كله، وكأن هذا الاكتشاف الحديث يعيد صدى تلك الحكمة القديمة بلغة الجراحة المعاصرة.

خلاصة

لا يقدّم هذا الإنجاز تقنية جراحية جديدة فحسب، بل يعيد فتح ملف «العقم مجهول السبب» من زاوية علمية أكثر هدوءاً ونضجاً: بسِّط السؤال... قبل أن تُعقِّد الجواب.

وفي هذا التقاطع اللافت بين منهج الطب العربي الكلاسيكي، الذي قام على الملاحظة، والتشريح، والتأمل، والمدرسة الطبية البريطانية الحديثة، التي تُقدّم المنهجية قبل التدخل، تتجلّى رسالة واحدة عابرة للعصور:

إن التقدّم الحقيقي في الطب لا يكون دائماً بإضافة أدوات جديدة، بل أحياناً بالعودة الحكيمة إلى أساسيات الجسد، والوظيفة، والفطرة.