تحل ألحان وأغاني الموسيقار المصري الراحل محمد عبد الوهاب على خشبة أحد أشهر مسارح العاصمة البريطانية لندن في 23 من شهر نوفمبر (تشرين الثاني) القادم عبر حفل موسيقيّ لليلة واحدة يحتفل بموسيقار الأجيال، ويقدم ألحانه لجمهور من محبي الغناء العربي في ليلة لندنية استثنائية. حفل «محمد عبد الوهاب... والد الموسيقى العربية الحديثة» تقيمه أسرة الفنان الراحل بالتعاون مع المنتجة السعودية منى خاشقجي المهتمة بإعادة إحياء التراث الفني العربي، وسبق أن أنتجت مسرحية غنائية عن أم كلثوم عُرضت في عدد من دول العالم. ستغرد السوبرانو المصرية فاطمة سعيد في الحفل بأعذب ألحان عبد الوهاب على موسيقى أوركسترا مستمدة من الفرقة الفلهارمونية الإنجليزية وأوركسترا لندن العربية بقيادة المايسترو نادر عباسي.

يتحدث عمر خليل، حفيد الموسيقار الراحل، مع «الشرق الأوسط» حول جده وموسيقاه، وعن الحفل، ويتطرق إلى مسلسل تلفزيوني تعمل أسرة محمد عبد الوهاب على إنتاجه عن حياة موسيقار الأجيال.

جمهور الحفل
عبر مشوار فني امتد لأكثر من 80 عاماً جدَّد محمد عبد الوهاب الموسيقى الشرقية، وعُرف عنه الذكاء في معرفة جمهوره، وفي تطوير أسلوبه الموسيقي وتأثره بالموسيقى الغربية الكلاسيكية على وجه التحديد، وامتد تأثيره عبر الأجيال المختلفة، بسبب قدرته على التطور والذكاء في مخاطبة الجمهور.
السؤال الأول الذي يتبادر إلى الذهن هو عن الجمهور الذي يهدف إليه منظِّمو الحفل؛ لمحمد عبد الوهاب شريحة واسعة من الجمهور من أصول عربية، وحتى بعض المستمعين الغربيين المطّلعين على الموسيقى الشرقية، ولكن يبقى التحدي أمام منظِّمي الحفل أن يحددوا الجمهور الذي يتوجهون إليه، وماذا سيختارون من أرشيف هائل من الأغاني والقطع الموسيقية التي تركها الراحل.
يحدد عمر خليل الهدف بسرعة: «الفئة الأساسية تضم الشباب ممن يعرف عن عبد الوهاب عبر الأهل، ولكنّ هناك أيضاً جمهوراً غربياً قد يعرف محمد عبد الوهاب، فالراحل استخدم إيقاعات وآلات غربية، وهو ما قد يجعله معروفاً لدى فئات مختلفة من الجمهور».
عبد الوهاب والموسيقى الغربية
يرى خليل أن للموسيقى الكلاسيكية تأثيراً في موسيقى جده قد يكون بدأ منذ سفره إلى أوروبا مع أمير الشعراء أحمد شوقي في عشرينات القرن الماضي حيث تفتحت ذائقته للموسيقى الكلاسيكية الغربية: «كان من أحلامه أن يقدم موسيقاه بأسلوب كلاسيكي، ولهذا قلنا: لماذا لا نأخذ هذه الخطوة، ونقدم أعماله بطريقة سيمفونية كلاسيكية؟»، وبالفعل قدمت العائلة أكثر من حفل لأعمال الجد المبدع في القاهرة والرياض وبرلين، وكان التوزيع الكلاسيكي حاضراً في بعض المقطوعات، ولكن الجديد في حفل لندن -حسبما يذكر محدثنا- هو أن الحفل كله سيقدَّم على أساس كلاسيكي سيمفوني.

قدم الموسيقار المصري عمر خيرت بعض ألحان محمد عبد الوهاب بتوزيع أوركسترالي في ألبوم «وهابيّات» فما الجديد الذي ينتظره الجمهور هنا؟ يقول خليل إن ما سيقدمه الحفل سيكون مختلفاً؛ «عمر خيرت قدم ألبومه في الثمانينات، وكان متميزاً بأسلوبه الخاص في التلحين، ولكن ما سنقدمه سيكون مختلفاً». ويلفت إلى أن العائلة قدمت أكثر من حفل لأغاني محمد عبد الوهاب؛ منها حفل أُقيم في برلين بأداء السوبرانو فاطمة سعيد، و«قدمنا أيضاً حفلات في السعودية، وفي مصر مع المايسترو نادر عباسي».
أسأله عن ردود فعل الجمهور في الحفلات السابقة، ويقول إنها كانت إيجابية: «رد الفعل كان دائماً من الناس التي تعرفه أو لا تعرفه سواء في السعودية أو في مصر أو في برلين مع جمهور غربي، كان هناك ترحيب كبير جداً لأن موسيقاه قريبة للجمهور، أرى أن محمد عبد الوهاب قرَّب الموسيقى الغربية للعرب، وهذا الاستقبال هو ما دفعنا لإقامة حفل كامل بالصيغة الكلاسيكية».

كيف اُخْتِيرت الأغنيات التي يقدمها الحفل؟ يقول إن الأمر يختلف حسب المكان الذي ستقدَّم فيه؛ «بلا شك يختلف الاختيار من مكان لمكان، وحسب نوع الحفل الذي نقدمه، فعلى سبيل المثال الحفل الذي قُدِّم ضمن موسم الرياض كانت موسيقاه مزيجاً (هايبرد) بين توزيعات موسيقية كلاسيكية سيمفونية، لكنَّ المغنِّين كانون مطربين شرقيين، نحن هنا نقدم لجمهور يريد سماع أغاني عبد الوهاب بالطريقة التي يعرفها، هو جمهور يريد أن يغني معها، وأن يندمج مع العرض بطريقة مختلفة. في برلين كانت معنا السوبرانو فاطمة سعيد التي أدت ثلاث أغنيات منها «لأ مش أنا اللي أبكي» المعتمدة على إيقاع لاتيني، وقارنها البعض في وقتها بأغنية «غرباء في الليل» لفرنك سيناترا مع أنها صدرت عام 1959، فيما صدرت أغنية سيناترا في عام 1966».
الأغنيتان، حسب عمر خليل، «تلائمان الذائقة الغربية؛ (لأ مش أنا اللي أبكي) كانت لها نواحٍ غربية نستطيع تقديمها لجمهور ألماني وجمهور إنجليزي، والأغنية الأخرى هي (كان أجمل يوم)، وهي معتمدة على تراث فلكلوري إيطالي، وتعد قريبة وسهلة لجمهور لا يعرف عبد الوهاب وموسيقاه».
الحفيد والجد
مع أن خليل لم يدرك جده الموسيقار الكبير في سنوات عطائه؛ إذ وُلد في 1986 قبل أربعة أعوام من وفاة الموسيقار الكبير، وما بقي في ذاكرة الطفل هي صور من الجد وكبير العائلة: «في العموم ذكرياتي عنه عائلية بحتة»، لكنه اكتشف موسيقى جده بعد ذلك: «تجربتي مع موسيقاه جاءت لاحقاً، وأيضاً من ناحية مختلفة؛ فوالدي، وهو زوج ابنته، (حبَّبني) في عبد الوهاب، أعتقد أنني أحببته كمعجب أكثر من كونه جدي، طبعاً عندما وقعت في غرام موسيقاه كنت مدركاً جداً أنه جدي وأني فخور بكوني حفيده، وبدأت أفهم حجم المسؤولية الملقاة على أكتافنا كعائلته من أجل المحافظة وإحياء تراثه الموسيقي».
لا يرى الحفيد صعوبة في جذب الشباب إلى موسيقى جده؛ «المهم جداً هنا ألا نكون عنيدين وأن نقدم لكل جمهور المحتوى الذي يمكن أن يتقبله من دون بذل مجهود، وأعتقد أن هذا ما تميز به محمد عبد الوهاب؛ فقد كان (أستاذاً) في التعامل مع الجمهور، ولهذا أُطلق عليه لقب (موسيقار الأجيال)».
تدرك العائلة أن هذا هو الطريق الذي سيوصلهم إلى جميع الأجيال: «أنا مدرك أنني عندما أقدم لشخص في العشرينات قطعة من الموسيقى الكلاسيكية العربية التي أُعيدت صياغتها بأسلوب كلاسيكي غربي، قد لا يتفاعل معها، بل ممكن أن يشعر بأنها موسيقى لها علاقة بأجيال أكبر منه، لذلك أنا عندما أخاطب الشباب لا بد أن أقدم لهم الموسيقى بشكل يستطيعون فهمه من دون أن يؤثر ذلك على الأصل، والطريقة هي أن نقدم لهم أغاني عبد الوهاب عبر فنانين محبوبين يمكنهم تقديم صياغة أو ترجمة معاصرة تصل إليهم، عبر أساليب موسيقية وإيقاعات محببة إليهم».

مسلسل درامي
ليست الحفلات الموسيقية فقط هي ما يشغل أسرة موسيقار الأجيال، بل يتردد أن هناك جهوداً قائمة لإنتاج مسلسل درامي عن حياته بالتعاون مع المنتجة السعودية منى خاشقجي والمنتج المصري محمد حفظي، ويؤكد عمر خليل هذا: «فعلاً نعمل منذ سنوات على الموضوع، ونتحدث عن الإنتاج حالياً».
بالنسبة إلى المسلسلات التي تتخذ من أشهر الفنانين موضوعاً هناك نماذج كثيرة لم تنجح، فهل يمثّل هذا الأمر قلقاً لعمر خليل والعائلة؟ يجيب: «طبعاً أيّ مشروع ندخله لإحياء تراث عبد الوهاب مسؤولية كبيرة جداً، لكن لا ينبغي أن نترك للقلق دوراً في وقف مثل هذه المشروعات، لأن شخصية مثل محمد عبد الوهاب تعد أسطورة، يجب أن يكون هناك عمل درامي يتناول حياته ومشواره، قد نقلق أن أغلبية المشاريع المشابهة لم تلقَ النجاح المنشود، وقد يكون ذلك لأسباب متعددة، مثل أنها لم تقدَّم بشكل يتقبله الجمهور، لكن من المهم بالنسبة إلينا أن نتعلم من أخطاء الغير».



