شدد القائد العام للإدارة السورية الجديدة أحمد الشرع لـ«الشرق الأوسط» على أن «الثورة السورية انتهت مع سقوط النظام ولن نسمح بتصديرها إلى أي مكان آخر»، مؤكداً أن بلاده «لن تكون منصة لمهاجمة أو إثارة قلق أي دولة عربية أو خليجية مهما كان».
وقال الشرع في المقابلة التي جرت في قصر الشعب الرئاسي بدمشق، الخميس، إن «ما قمنا به وأنجزناه بأقل الأضرار والخسائر الممكنة... أعاد المشروع الإيراني في المنطقة 40 سنة إلى الوراء».
وأعرب عن تطلعه إلى «الحالة التنموية المتقدمة التي وصلت إليها بلدان الخليج ونطمح إليها لبلدنا. والمملكة العربية السعودية وضعت خططاً جريئة جداً ولديها رؤية تنموية نتطلع إليها أيضاً. ولا شك أن هناك تقاطعات كثيرة مع ما نصبو إليه، ويمكن أن نلتقي عندها، سواء من تعاون اقتصادي أو تنموي أو غير ذلك». وفي ما يلي نص المقابلة:
قدمتم تطمينات للعديد من البلدان الغربية والإقليمية. لكنكم لم تتوجهوا إلى دول الخليج والبلدان العربية الوازنة بأي رسالة مباشرة. أليس لديكم ما تقولونه لهم؟
- بالطبع لدينا ما نقوله للبلدان العربية، خصوصاً أن سوريا كانت تحولت منبراً لإيران تدير منه 4 عواصم عربية أساسية وعاثت حروباً وفساداً في الدول التي دخلتها، وهي نفسها التي زعزعت أمن الخليج وأغرقت المنطقة بالمخدرات والكبتاغون. بالتالي ما قمنا به وأنجزناه بأقل الأضرار والخسائر الممكنة من إخراج للميليشيات الإيرانية وإغلاق سوريا كلياً كمنصة للأذرع الإيرانية، وما يعني ذلك من مصالح كبرى للمنطقة برمتها، لم تحققه الوسائل الدبلوماسية وحتى الضغوط.
وعندما استعيدت بوادر العلاقات العربية مع النظام السابق وعودته إلى جامعة الدول العربية مقابل تقديمه بعض التنازلات، كنا واثقين من فشل ذلك مسبقاً لمعرفتنا بأن هذا النظام لن يقدم أي تنازل ولن يستقبل هذه البادرة بحسن نية. بل تسرب إلينا عن لقاء مع الطرف الأردني الذي سأل لماذا الإصرار على تصدير الكبتاغون إليهم، فكانت الإجابة أنه لن يتوقف ما لم تُرفع العقوبات عنه. هذه ليست طريقته.
اليوم نقول إن الأمن الاستراتيجي الخليجي أصبح أكثر أمناً وأماناً لأن المشروع الإيراني في المنطقة عاد 40 سنة إلى الوراء.
أحمد الشرع: وجودنا لا يعني تهديداً لأحد
ولكنكم أيضاً استضفتم شخصيات تثير قلق بلدان عربية، وبعضها مطلوب لديها، فكيف تطمئنون هذه البلدان بأن سوريا لن تتحول ملاذاً لهؤلاء الأشخاص الإشكاليين؟
- نحن اليوم في مرحلة بناء الدولة. الثورة السورية انتهت مع سقوط النظام ولن نسمح بتصديرها إلى أي مكان آخر، ولن تكون سوريا منصة لمهاجمة أو إثارة قلق أي دولة عربية أو خليجية مهما كان. دخل كثيرون إلى الثورة السورية، لكننا اليوم في مرحلة جديدة هي بناء الدولة. ونحن نسعى لبناء علاقات استراتيجية فاعلة مع هذه الدول. سوريا تعبت من الحروب ومن كونها منصة لمصالح الآخرين ونحن بحاجة لإعادة بناء بلدنا وبناء الثقة فيه، لأن سوريا بلد في قلب الحدث العربي.
وجودنا في دمشق لا يعني تهديداً لأحد ونحن ندعم ونتطلع إلى الحالة التنموية المتقدمة التي وصلت إليها بلدان الخليج ونطمح إليها لبلدنا سوريا. والمملكة العربية السعودية وضعت خططاً جريئة جداً ولديها رؤية تنموية نتطلع إليها أيضاً. ولا شك أن هناك تقاطعات كثيرة مع ما نصبو إليه، ويمكن أن نلتقي عندها، سواء من تعاون اقتصادي أو تنموي أو غير ذلك.
كيف ترون العلاقة بالجار اللبناني الذي خضع بدوره لسلطة وتحكم النظام السابق؟
- بالفعل كان هناك قلق كثير وصلنا من الأخوة اللبنانيين بسبب وصولنا إلى دمشق، وأن ذلك سيقوّي طرفاً ضد آخر في لبنان. في الحقيقة لا نسعى لأي علاقة تسلطية مع الجار اللبناني بل علاقة احترام وتبادل، ولا نريد التدخل في الشأن الداخلي اللبناني فلدينا ما يكفي من عمل في بلدنا. نريد بناء علاقات جيدة وسنقف على مسافة واحدة من جميع اللبنانيين وما يرضيهم يرضينا.
أحمد الشرع: سوريا بثرائها لن يسودها رأي واحد
تحدثتم عن مؤتمر حوار وطني أو لقاء وطني جامع ودستور يؤسس للمرحلة الجديدة في سوريا. ولكن ما هي الآلية التي ستعتمدونها وكيف ستؤمنون تمثيل كافة أطياف الشعب السوري، خصوصاً شريحة من قاعدتكم الشعبية والعسكرية التي قد لا تكون بالضرورة موافقة على خطابكم المعتدل الجديد؟
- قد لا أتفق معك بالجزئية الأخيرة ولكن بشكل عام أنا لا أريد أن أفرض آرائي الشخصية على السوريين، بل أترك ذلك لأصحاب الخبرة والاختصاص من القانونيين ليكون القانون هو الحد الفاصل في صياغة العلاقة بين الناس. لا يمكن أن نتوقع بلداً بحجم سوريا وثرائها بمكوناتها المختلفة وأن يسودها رأي واحد. فالاختلاف هذا جيد وصحي وهذا النصر الذي تحقق ليس نصراً لفئة على أخرى، وإنما هو نصر لجميع السوريين. حتى من كنا نعتقدهم موالين للنظام السابق شهدنا فرحتهم لأنه لم يكن متاحاً للناس التصريح بما تشعر به أو تفكر به. وأنا على ثقة أن السوريين كلهم بمختلف فئاتهم على درجة من الوعي الكفيلة بحماية بلدهم.
باختصار ما أطمح إليه هو التوصل إلى اتفاق جامع ودولة قانون نحتكم إليها في حل خلافاتنا.
أحمد الشرع: لن ننظر بمنطق الثأر
ملف شائك من ملفات كثيرة تنتظركم هو ملف المختفين قسرياً والمغيبين في السجون والمقابر الجماعية. كيف ستحيطون بهذه المسألة؟
-- نحن في الحقيقة لم نواجه نظاماً سياسياً بل كنا نقاتل عصابة مجرمة وسفاحة بكل معنى الكلمة. في السلم والحرب على السواء من اعتقالات وإخفاء قسري وقتل وتهجير وتجويع وكيماوي وتعذيب ممنهج... اليوم نقول إن المسبب انتهى. لذا لا يمكن أن ننظر إلى الأمور بمنطق الثأر، مع الاحتفاظ بالطبع بحق الناس بمحاسبة الأشخاص القائمين على سجن صيدنايا ومن رموا البراميل والكيماوي وارتكبوا فظائع معروفة. هؤلاء لابد من محاسبتهم وملاحقتهم وأسماؤهم معروفة. أما بالنسبة إلى الأفراد غير المعروفين، فيحق للأهالي التقدم بشكاوى ضدهم لمحاسبتهم أيضاً.
المهم أننا كسرنا القيود وجاءت منظمات متخصصة لتساعد بهذه المهمة، وسيتم إنشاء وزارة متخصصة لمتابعة ملف المفقودين وتحديد مصيرهم، الأحياء منهم والأموات، لتيسير شؤون عائلاتهم أيضاً من أوراق وفيات وإرث وغير ذلك. هذا عمل كثير ولكننا يجب أن نصل إلى الحقيقة.
على الهامش: ما شعورك وأنت تستضيفنا في قصر الشعب وفي نفس المكان الذي جلس فيه بشار الأسد؟
- (ضاحكاً) إذا صدقت القول فحقيقة لست مرتاحاً أبداً، ولكن هذا مكان يفترض أن يكون مزاراً مفتوحاً أمام الشعب ليتمكنوا من زيارته وأن يلعب الأطفال في هذه الباحات.