سيرين عبد النور: من بين كل أدواري شخصية «ميا» هي التي تفوز

الفنانة اللبنانية تختار «النوعيّة» وتفتخر بمسلسل «النسيان» ذي «المقاييس العالمية»

الممثلة اللبنانية سيرين عبد النور بطلة مسلسل «النسيان» (برايم فيديو)
الممثلة اللبنانية سيرين عبد النور بطلة مسلسل «النسيان» (برايم فيديو)
TT

سيرين عبد النور: من بين كل أدواري شخصية «ميا» هي التي تفوز

الممثلة اللبنانية سيرين عبد النور بطلة مسلسل «النسيان» (برايم فيديو)
الممثلة اللبنانية سيرين عبد النور بطلة مسلسل «النسيان» (برايم فيديو)

تسعى منصة «برايم فيديو» العالميّة إلى انطلاقة قوية لقسمها العربي، وقد اختارت مسلسل «النسيان» لتستهلّ به رحلتها مع الدراما العربية. من جهتها، أرادت النجمة اللبنانية، سيرين عبد النور، عودةً تلفزيونية قيّمة، فتبنّت المشروع، متقمّصةً شخصية البطلة «ميا» بكل ما تحمل من أثقالٍ نفسيّة وعاطفيّة.

«أتعبتني ميا كثيراً، لكنني أُغرمتُ بها، وما زلتُ أشتاق إليها رغم انقضاء 9 أشهر على انتهاء التصوير». تشارك سيرين عبد النور «الشرق الأوسط» كواليس التحضير للمسلسل، وظروف تصويره التي شكّلت أصعب تجربة في مسيرتها، بما أنه تَزامنَ ومرضَ والدتها ووفاتها لاحقاً.

ممثلون من العيار الثقيل

يروي العمل التلفزيوني ذو الحلقات الـ15 حكاية الثنائي «ميا» و«حازم»، اللذيْن خسِرا طفلَيهما في ظروف غامضة. وبعد انقضاء 12 عاماً على الحادثة، التي قلبت حياة الطبيبَين رأساً على عقب، تحتفظ الأمّ «ميا» بإصرارها على أنّ الولديْن على قيد الحياة، وتتابع رحلة البحث عنهما. لكن دون الرحلة عقبات كثيرة وقضايا شائكة، كإدمان المهدّئات، ومافيا خطف الأطفال، والخيانة الزوجية، وخذلان الأصدقاء.

راهنَ المنتج محمد مشيش وشركتُه «بلو بي» على المشروع، فوضعَ يده بيدِ السيناريست شادي كيوان ومجموعة من الكتّاب، إضافةً إلى المخرج الفوز طنجور الذي «لوّنَ القصة الجذّابة ولم يساوم على أي تفصيلٍ يخدم مصلحة العمل»، وفق تعبير سيرين عبد النور. تَحصّنَ المسلسل كذلك بممثّلين من العيار الثقيل. فإلى جانب سيرين عبد النور، وقف النجم السوري قيس الشيخ نجيب بطلاً في دور زوجها «حازم»، كما انضمّ إليهما فنانون مخضرمون أثْروا العمل بحضورهم، أمثال يورغو شلهوب، وكارول حاج، وندى بو فرحات، وفادي أبي سمرا.

الممثلون ندى بو فرحات ويورغو شلهوب وكارول حاج (برايم فيديو)

«عندما علمتُ بوجود هذه الأسماء في العمل، شعرتُ برغبةٍ في الاحتفال». انطلاقاً من قناعتها بأنّ حلقة النجاح لا تكتمل سوى باتحاد المواهب، وبأنّ المسلسلات لا تلمع بنجمٍ واحد، تصف سيرين عبد النور ما اختبرته إلى جانب زملائها، بالاستثنائيّ. وعن قيس الشيخ نجيب تقول إنّ «قدمَيه ما زالتا على الأرض، وهذا هو الأهمّ»، وإنّ «الأنا» لم تسيطر على إنسانيّته، ولا على مهنيّته؛ «تعاونّا لإنجاح المشاهد، ولم نكترث لأمورٍ سطحيّة، كمَن سيظهر اسمُه قبل الآخر في الشارة مثلاً». أما ندى بو فرحات، التي جمعتها بها مشاهد كثيرة، فكانت الشريكة المثاليّة على المستوييْن الفني والإنساني. تُعلّق عبد النور: «أشعرَتني بالأمان، وهي كانت بمثابة جمهوري الأوّل».

«نسيت نفسي مع ميا»

بعد 24 سنة أمضتها في العمل الدراميّ، وبعد تجربةٍ ثريّة وقفت خلالها إلى جانب أبرز الممثلين العرب، تضع سيرين عبد النور مسلسل «النسيان» في خانة «النضج الفنّي». تختصر هذه المرحلة التي بلغتها، بالقول: «اليوم، ما عادت تهمّني سيرين بقدر ما تهمّني الشخصية التي أؤدّي. مع ميا، نسيت نفسي وفكّرت فيها حصراً».

تذهب الممثلة أبعد من ذلك لتُقرّ بأنّها إذا أرادت «غربلة الأدوار التي قدّمت، فإنّ شخصية ميا هي التي تفوز»، مع العلم بأنّ بطلاتٍ كثيراتٍ من تلك التي جسّدتهنّ، ما زلن عالقاتٍ في ذاكرتها وفي ذاكرة الجمهور.

سيرين عبد النور والممثل السوري قيس الشيخ نجيب (برايم فيديو)

لـ«ميا» فعلاً خصوصيّتها، هي شخصيّة كثيفة درامياً، خلعت من أجلها سيرين عبد النور كل ما تتزيّن به الممثلات عادةً، وارتدت المعطف النفسيّ الثقيل. مع «ميا» خاضت، للمرّة الأولى في مسيرتها، دور المُدمنة. شكّل الأمر تحدّياً لها، هي التي لم تدخّن سيجارة في حياتها، وفق ما تقول. لكنّها استندت إلى ما اختبرته في وثائقيّ «بلا حدود»، الذي سبق أن صوّرته، وعاينت فيه عن قرب حالاتٍ لضحايا إدمان يتلقّون العلاج. كما لجأت إلى طبيبٍ نفسيّ أطلعها على تصرّفات المدمنين.

كانت لافتةً رجفةُ اليدَين التي طبعت شخصية «ميا». وظّفت سيرين عبد النور كثيراً من لغة الجسد والعينَين في هذا الدور، والمسلسل لا يتجنّب أصلاً مساحات الصمت، ولا سيّما في مشاهد «حازم» و«ميا». تُعلّق بالقول إن «التأمّلات والمونولوغ الداخلي الصامت يغلبان في معظم الأحيان الحوار الشفهي».

الأبطال الأطفال

تعاطفَ المشاهدون مع امرأةٍ استسلمت للأدوية المهدّئة، بعد أن حملت ذنب فقدان ولدَيها. تماهَوا مع أمٍّ ذهبت من أقصى الحنان إلى أقصى الهستيريا، وما بين المحطّتين لم تتنازل يوماً عن إيمانها وحدسِها اللذَين أصرّا على أنّ «شمس» و«زين» حيّان يُرزقان.

حملت سيرين عبد النور إلى الدور كثيراً من أمومتها كذلك. تتذكّر مشهداً كانت تتحدث فيه عن «شمس» و«زين»، شعرت خلاله وكأنّها تتحدّث عن ولدَيها تاليا وكريستيانو.

أما العمل إلى جانب الأطفال فكان تجربة خاصة جداً بالنسبة إلى عبد النور. اكتشفت في الممثلين الصغار الذين أدّوا شخصيات «شرارة/ زين»، و«نسيم»، و«سيلا/ شمس» مواهب فريدة وواعدة. على الشاشة، قدّم هذا الثلاثيّ أداء محترفاً وآسراً، وكأنّ خلفهم سنوات من الخبرة أمام الكاميرا. وفي الكواليس، كانوا مثالاً يُحتذى في التهذيب، والاستيعاب، والموهبة، والتواضع، وفق ما تكشف عنه عبد النور. دفعت بها هذه الخبرة معهم إلى القول إنّ «التعامل مع الممثلين الأطفال أجمل بكثير من التعامل مع الراشدين».

قدّم الممثلون الأطفال في مسلسل «النسيان» أداءً محترفاً (برايم فيديو)

العرض متواصل

مَن لم يتمكّنوا من متابعة «النسيان» على منصة «برايم فيديو»، ستكون باستطاعتهم مشاهدته عبر منصاتٍ وقنواتٍ يُعلَن عنها قريباً. وفي وقتٍ ما زالت سيرين عبد النور تستمتع بالنجاح الذي حقّقه «هذا العمل العربي ذو المقاييس العالمية»، تترك أبوابها مفتوحةً لمسلسلاتٍ جديدة. لكنّ النوعيّة هي التي باتت تتحكّم بخياراتها أكثر من أي وقت، «وهذا ما يجب أن يستوعبه الجمهور الذي يطالبني دائماً بمزيدٍ من الإطلالات».

تُبدي أسفها «لأنّ التوجّه التجاريّ بات يغلب النوعيّة الدراميّة في العالم العربي، لكنها تصرّ على قناعتها: «ما عاد يهمّني أن أقدّم أعمالاً لمجرّد أن أكون موجودة على الشاشة».


مقالات ذات صلة

«رقم سري» يناقش «الوجه المخيف» للتكنولوجيا

يوميات الشرق لقطة من مسلسل «رقم سري» (الشركة المنتجة)

«رقم سري» يناقش «الوجه المخيف» للتكنولوجيا

حظي مسلسل «رقم سري» الذي ينتمي إلى نوعية دراما الغموض والتشويق بتفاعل لافت عبر منصات التواصل الاجتماعي.

رشا أحمد (القاهرة )
يوميات الشرق زكي من أبرز نجوم السينما المصرية (أرشيفية)

مصر: تجدد الجدل بشأن مقتنيات أحمد زكي

تجدد الجدل بشأن مقتنيات الفنان المصري الراحل أحمد زكي، بعد تصريحات منسوبة لمنى عطية الأخت غير الشقيقة لـ«النمر الأسود».

داليا ماهر (القاهرة)
يوميات الشرق تجسّد شخصية «دونا» في «العميل» (دانا الحلبي)

دانا الحلبي لـ«الشرق الأوسط»: لو طلب مني مشهد واحد مع أيمن زيدان لوافقت

تُعدّ تعاونها إلى جانب أيمن زيدان إضافة كبيرة إلى مشوارها الفني، وتقول إنه قامة فنية كبيرة، استفدت كثيراً من خبراته. هو شخص متعاون مع زملائه يدعم من يقف أمامه.

فيفيان حداد (بيروت)
يوميات الشرق آسر ياسين وركين سعد في لقطة من المسلسل (الشركة المنتجة)

«نتفليكس» تطلق مسلسل «موعد مع الماضي» في «القاهرة السينمائي»

رحلة غوص يقوم بها بعض أبطال المسلسل المصري «موعد مع الماضي» تتعرض فيها «نادية» التي تقوم بدورها هدى المفتي للغرق، بشكل غامض.

انتصار دردير (القاهرة )
يوميات الشرق مسلسل «6 شهور»   (حساب Watch IT على «فيسبوك»)

«6 شهور»... دراما تعكس معاناة حديثي التخرّج في مصر

يعكس المسلسل المصري «6 شهور» معاناة الشباب حديثي التخرج في مصر عبر دراما اجتماعية تعتمد على الوجوه الشابة، وتحاول أن ترسم الطريق إلى تحقيق الأحلام.

نادية عبد الحليم (القاهرة )

غاليري «آرت أون 56» رسالةُ شارع الجمّيزة البيروتي ضدّ الحرب

أبت أن تُرغم الحرب نهى وادي محرم على إغلاق الغاليري وتسليمه للعدمية (آرت أون 56)
أبت أن تُرغم الحرب نهى وادي محرم على إغلاق الغاليري وتسليمه للعدمية (آرت أون 56)
TT

غاليري «آرت أون 56» رسالةُ شارع الجمّيزة البيروتي ضدّ الحرب

أبت أن تُرغم الحرب نهى وادي محرم على إغلاق الغاليري وتسليمه للعدمية (آرت أون 56)
أبت أن تُرغم الحرب نهى وادي محرم على إغلاق الغاليري وتسليمه للعدمية (آرت أون 56)

عاد إلى ذاكرة مُؤسِّسة غاليري «آرت أون 56»، نهى وادي محرم، مشهد 4 أغسطس (آب) 2020 المرير. حلَّ العَصْف بذروته المخيفة عصر ذلك اليوم المشؤوم في التاريخ اللبناني، فأصاب الغاليري بأضرار فرضت إغلاقه، وصاحبته بآلام حفرت ندوباً لا تُمحى. توقظ هذه الحرب ما لا يُرمَّم لاشتداد احتمال نكئه كل حين. ولمّا قست وكثَّفت الصوتَ الرهيب، راحت تصحو مشاعر يُكتَب لها طول العُمر في الأوطان المُعذَّبة.

رغم عمق الجرح تشاء نهى وادي محرم عدم الرضوخ (حسابها الشخصي)

تستعيد المشهدية للقول إنها تشاء عدم الرضوخ رغم عمق الجرح. تقصد لأشكال العطب الوطني، آخرها الحرب؛ فأبت أن تُرغمها على إغلاق الغاليري وتسليمه للعدمية. تُخبر «الشرق الأوسط» عن إصرارها على فتحه ليبقى شارع الجمّيزة البيروتي فسحة للثقافة والإنسان.

تُقلِّص ساعات هذا الفَتْح، فتعمل بدوام جزئي. تقول إنه نتيجة قرارها عدم الإذعان لما يُفرَض من هول وخراب، فتفضِّل التصدّي وتسجيل الموقف: «مرَّت على لبنان الأزمة تلو الأخرى، ومع ذلك امتهنَ النهوض. أصبح يجيد نفض ركامه. رفضي إغلاق الغاليري رغم خلوّ الشارع أحياناً من المارّة، محاكاة لثقافة التغلُّب على الظرف».

من الناحية العملية، ثمة ضرورة لعدم تعرُّض الأعمال الورقية في الغاليري لتسلُّل الرطوبة. السماح بعبور الهواء، وأن تُلقي الشمس شعاعها نحو المكان، يُبعدان الضرر ويضبطان حجم الخسائر.

الفنانون والزوار يريدون للغاليري الإبقاء على فتح بابه (آرت أون 56)

لكنّ الأهم هو الأثر. أنْ يُشرّع «آرت أون 56» بابه للآتي من أجل الفنّ، يُسطِّر رسالة ضدّ الموت. الأثر يتمثّل بإرادة التصدّي لِما يعاند الحياة. ولِما يحوّلها وعورةً. ويصوّرها مشهداً من جهنّم. هذا ما تراه نهى وادي محرم دورها في الأزمة؛ أنْ تفتح الأبواب وتسمح للهواء بالعبور، وللشمس بالتسلُّل، وللزائر بأن يتأمّل ما عُلِّق على الجدران وشدَّ البصيرة والبصر.

حضَّرت لوحات التشكيلية اللبنانية المقيمة في أميركا، غادة جمال، وانتظرتا معاً اقتراب موعد العرض. أتى ما هشَّم المُنتَظر. الحرب لا تُبقى المواعيد قائمة والمشروعات في سياقاتها. تُحيل كل شيء على توقيتها وإيقاعاتها. اشتدَّت الوحشية، فرأت الفنانة في العودة إلى الديار الأميركية خطوة حكيمة. الاشتعال بارعٌ في تأجيج رغبة المرء بالانسلاخ عما يحول دون نجاته. غادرت وبقيت اللوحات؛ ونهى وادي محرم تنتظر وقف النيران لتعيدها إلى الجدران.

تفضِّل نهى وادي محرم التصدّي وتسجيل الموقف (آرت أون 56)

مِن الخطط، رغبتُها في تنظيم معارض نسائية تبلغ 4 أو 5. تقول: «حلمتُ بأن ينتهي العام وقد أقمتُ معارض بالمناصفة بين التشكيليين والتشكيليات. منذ افتتحتُ الغاليري، يراودني هَمّ إنصاف النساء في العرض. أردتُ منحهنّ فرصاً بالتساوي مع العروض الأخرى، فإذا الحرب تغدر بالنوايا، والخيبة تجرّ الخيبة».

الغاليري لخَلْق مساحة يجد بها الفنان نفسه، وربما حيّزه في هذا العالم. تُسمّيه مُتنفّساً، وتتعمّق الحاجة إليه في الشِّدة: «الفنانون والزوار يريدون للغاليري الإبقاء على فتح بابه. نرى الحزن يعمّ والخوف يُمعن قبضته. تُخبر وجوه المارّين بالشارع الأثري، الفريد بعمارته، عما يستتر في الدواخل. أراقبُها، وألمحُ في العيون تعلّقاً أسطورياً بالأمل. لذا أفتح بابي وأعلنُ الاستمرار. أتعامل مع الظرف على طريقتي. وأواجه الخوف والألم. لا تهمّ النتيجة. الرسالة والمحاولة تكفيان».

الغاليري لخَلْق مساحة يجد بها الفنان نفسه وربما حيّزه في العالم (آرت أون 56)

عُمر الغاليري في الشارع الشهير نحو 12 عاماً. تدرك صاحبته ما مرَّ على لبنان خلال ذلك العقد والعامين، ولا تزال الأصوات تسكنها: الانفجار وعَصْفه، الناس والهلع، الإسعاف والصراخ... لـ9 أشهر تقريباً، أُرغمت على الإغلاق للترميم وإعادة الإعمار بعد فاجعة المدينة، واليوم يتكرّر مشهد الفواجع. خراب من كل صوب، وانفجارات. اشتدّ أحدها، فركضت بلا وُجهة. نسيت حقيبتها في الغاليري وهي تظنّ أنه 4 أغسطس آخر.