أصغر فرهادي... عن أسرار المهنة ومجد الأوسكار من تحت سماء عمّان

المخرج الإيراني العالمي: أفضل الأفلام سيخرج من منطقة الشرق الأوسط في الأعوام المقبلة

المخرج الإيراني أصغر فرهادي الحائز جائزتَي أوسكار عامَي 2012 و2017 (إدارة مهرجان عمّان السينمائي الدولي)
المخرج الإيراني أصغر فرهادي الحائز جائزتَي أوسكار عامَي 2012 و2017 (إدارة مهرجان عمّان السينمائي الدولي)
TT

أصغر فرهادي... عن أسرار المهنة ومجد الأوسكار من تحت سماء عمّان

المخرج الإيراني أصغر فرهادي الحائز جائزتَي أوسكار عامَي 2012 و2017 (إدارة مهرجان عمّان السينمائي الدولي)
المخرج الإيراني أصغر فرهادي الحائز جائزتَي أوسكار عامَي 2012 و2017 (إدارة مهرجان عمّان السينمائي الدولي)

يشبه أصغر فرهادي أفلامه، أو أفلامه هي التي تشبهه. المخرج الإيرانيّ العالميّ هادئ، يمنح الوقتَ وقتَه، ولا يدخل الأماكن حاملاً لافتةً كُتب عليها: «حائز على جائزتَي أوسكار». لكن كل مَن تجمهروا في المسرح الخارجيّ لـ«الهيئة الملكيّة للأفلام» في العاصمة الأردنيّة عمّان يعرفون ذلك. وفدوا إلى اللقاء مع فرهادي، ليس لأنه تُوّجَ بأوسكارَين فحسب، بل للاستفادة من خبرته السينمائية الطويلة والفريدة.

في الجلسة التي امتدّت ساعتَين من ضمن فعاليّات «مهرجان عمّان السينمائي الدولي»، حيث يحلّ فرهادي ضيف شرف، تحدّث السينمائيّ الإيرانيّ أمام جَمعٍ من المحترفين والمبتدئين. التفّ حوله مخرجون وممثلون وطلّاب وصحافيون، للاستماع إليه يتكلّم عن بداياته، ومفاتيحه السينمائيّة، وأبرز أفلامه، ومحطّتَيه في سباق الأوسكار، إلى جانب مواضيع أخرى. يستقبلونه بالتصفيق الحارّ فيبادلهم التحيّة بتوقّعٍ إيجابيّ: «أنا مؤمن بأن السنوات المقبلة ستشهد على خروج أفضل الأفلام من هذه المنطقة بالذات».

فرهادي متحدّثاً أمام حشد من المحترفين والمبتدئين خلال حلوله ضيف شرف على مهرجان عمّان السينمائي (إدارة المهرجان)

بدايات مسرحيّة

عاد فرهادي إلى سنته الـ13 في مسقط رأسه أصفهان، عندما صوّر باكورة أفلامه القصيرة، مزوّداً بكاميرته الأولى، ومحاطاً بفريقٍ من الأشخاص الذين يكبرونه بسنوات. أنجز 5 أفلامٍ قصيرة قبل أن يجري اختياره للتخصص في المسرح؛ «حزنتُ كثيراً لأنهم لم يُدخلوني معهد السينما، لكن مع الوقت أيقنتُ أن المسرح هو المكان الصحيح»، ويتابع: «لولا تلك الفترة، لما صرتُ ربّما مخرجاً سينمائياً».

يكشف عن أن في فيلمه الروائيّ الطويل الأول «Dancing in the Dust» أو «الرقص في الغبار» (2003)، انعكس الكثير ممّا تعلّمه من المسرحيّات التي قرأها. يقول فرهادي: «علّمني المسرح أن أمنح الجمهور الوقت كي يكتشف الشخصيات. وممّا تأتّى من ثقافة المسرح كذلك، مفهوم الصراع بين الخير والشرّ، حيث على المشاهدين أن يقرروا بأنفسهم مَن هم الأشرار ومَن هم الأخيار».

امتدّت ندوة فرهادي ساعتَين تحدّث فيهما عن تجربته السينمائية الطويلة (إدارة المهرجان)

الموقف يحدّد الشخصيّة

بقيَ فرهادي وفياً لِما استقاه من دراسته المسرحيّة، ففي فيلمه «A Separation»، (انفصال)، الحائز «أوسكار» عام 2012، لم يصبغ أحداً من البطلَين بالأسود أو الأبيض، تاركاً الخيار للجمهور، «وبذلك أنا أجعل المشاهدين جزءاً من الفيلم»، وفق تعبيره.

غالباً ما يتحدّث فرهادي عن الموقف وكيف أنّ بنيتَه السينمائية تقوم على «وضع الشخصيات في مواقف دقيقة ومراقبة ردود أفعالها»، ويوضح أن تلك المواقف هي التي تحدّد تركيبة الشخصية وليست الحوارات الدائرة ما بينها التي تفعل ذلك.

بين مقتطفٍ وآخر من أفلامه الإيرانية الشهيرة والتي بُثّت على الشاشة الضخمة المرفوعة في المكان، يُدخل المخرج حاضري اللقاء إلى كواليس عمله؛ لا يبخل عليهم بمعلومة تقنيّة ولا يتردّد في البَوح ببعض أسرار المهنة.

فيلم فرهادي «A Separation» الحائز «أوسكار أفضل فيلم أجنبي» عام 2012

وَحيٌ من القلب

عندما يُسأل عن مصادر وحيه، يقول إن «الإلهام ينطلق من اللاوعي ومن القلب». في «A Separation» على سبيل المثال، أتاهُ الوحي من صورةٍ حُفرت في مخيّلته لشقيقه وهو يساعد جدَّيهما المصاب بألزهايمر على الاستحمام. «لازمتني تلك الصورة لوقتٍ طويل ثم قررت أن أصنع منها شيئاً، فانطلقتُ منها لأركّب قصة نادر»، بطل الفيلم الذي يهتمّ بوالده المسنّ ويواجه مشكلات في علاقته الزوجيّة.

من القلب واللاوعي، ينتقل فرهادي إلى ما يسمّيها «العمليّات الحسابيّة» التي تحوّل فكرةً إلى فيلم. يسكب الفكرة على الورق مختصراً إياها بـ3 أو 4 أسطر، ثم يتصل بقريبٍ أو بصديق ليقرأها له. يهتمّ فرهادي كثيراً بآراء المحيطين به، يستشيرهم في كل قصةٍ ونص. وصل به الأمر مرةً أن أرسل سيناريو أحد أفلامه كاملاً إلى مُدرّسةِ ابنته، لمجرّد أن يأخذ رأي شخصٍ غريب بعيداً عن المجاملات.

يقول فرهادي إن أفكار أفلامه تنطلق من قلبه ومن اللاوعي (إدارة المهرجان)

هدفان في مرمى الأوسكار

يطول الحوار والغوص في كواليس العمل، ثم يعود فرهادي إلى تلك اللحظة التي وقف فيها على مسرح «الأكاديميّة الأميركية» حاملاً الأوسكار عام 2012. كانت ليلةً استثنائية في مسيرته السينمائية، عرّفت العالم عليه كأوّل مخرجٍ إيرانيّ يتوَّج بهذه الجائزة. يؤكّد أنه لم يتوقّع الأوسكار لـ«A Separation»: «كان في نظري فيلماً محلياً ذا ميزانيّة متواضعة. لم أحسب أنّ أحداً خارج البلد سيشاهده، إلى درجة أنني لم أُعدّ له ترجمة من الفارسيّة إلى الإنجليزية».

ما هي إلّا أسابيع بعد عرضه المحلّيّ، حتى اختير الفيلم للمشاركة في مهرجان برلين، وكرّت سبحة المهرجانات والجوائز، ليكون التتويج بالأوسكار. ولم تكن تلك نهاية المجد الهوليووديّ على درب فرهادي، فهو عاد إلى لوس أنجليس مع فيلمه «The Salesman»، (البائع)، عام 2017 ليرفع «أوسكار أفضل فيلم أجنبي» مرةً جديدة.

حاز فرهادي «أوسكاره» الثانية عام 2017 عن فيلم «The Salesman»

تعليقاً على هذَين الإنجازَين، يكتفي فرهادي بعبارةٍ بسيطة: «لا أصنع الأفلام من أجل الحصول على جوائز». ثم يضيف مبتسماً: «لو فكّرت في صناعة فيلم ضخم وعالمي وخططت لهذا الأمر، ربّما لم أنل الأوسكار».

لا يبدو فرهادي مستعجلاً على شيء. يتمهّل ليراقب ما يدور حوله، ويلتقط ما ترسله الحياة من إشاراتٍ يحلو له أن يسمّيها «هدايا». «قد يلفتُني مشهد غير متوقّع خلال التصوير فأعدّل بسببه النص المعدّ مسبقاً، ليصير لاحقاً أجمل لقطات الفيلم». يؤمن بأنّ «صناعة الأفلام ليست عبارة عن كتابة وإدارة ممثلين ومونتاج فحسب، بل الأهمّ هو أخذ متّسع من الوقت لمراقبة كل ما حولك». ثم ينصح المخرجين الصاعدين بألّا يستعجلوا النجاح والجوائز، ويزوّدهم بوصيّة أتته عن تجربة: «ليست الميزانيات الكبيرة هي الطريق إلى صناعة فيلمٍ جيّد».

وفق فرهادي فإنّ النهايات هي التي تحدّد جودة الأفلام، أما هو فيحاول ألّا تكون نهاياتُه عاطفيّة ومثيرة للدموع، بل محفّزة على التفكير. يقول: «أؤمن بالنهايات التي تمهّد لبداياتٍ أخرى».


مقالات ذات صلة

ميلا الزهراني... مِن وجه جميل إلى نجمة في «هوبال»

يوميات الشرق ‎⁨ميلا الزهراني في مشهد من «هوبال» (الشرق الأوسط)⁩

ميلا الزهراني... مِن وجه جميل إلى نجمة في «هوبال»

في رصيد ميلا الزهراني 6 أفلام طويلة، و26 مسلسلاً، وتترقّب حالياً عرض فيلمها «هوبال» في 2 يناير المقبل بجميع صالات السينما السعودية.

إيمان الخطاف (الدمام)
يوميات الشرق المخرج شريف البنداري يتسلم جائزة «التانيت الفضي» لأفضل فيلم قصير (إدارة المهرجان)

السينما المصرية تقتنص 3 جوائز في «أيام قرطاج»

فازت السينما المصرية بـ3 جوائز في ختام الدورة الـ35 لـ«أيام قرطاج السينمائية» التي أقيمت مساء السبت على مسرح الأوبرا بمدينة الثقافة بتونس.

انتصار دردير (القاهرة )
يوميات الشرق محمد سعد في لقطة من الإعلان الدعائي لفيلم «الدشاش» (الشركة المنتجة)

محمد سعد يعود إلى الأضواء بـ«الدشاش»

يجسّد محمد سعد في «الدشاش» شخصية طبيب خلال الأحداث التي تدور في إطار اجتماعي كوميدي تشويقي، ويشاركه البطولة عدد من النجوم.

داليا ماهر (القاهرة )
يوميات الشرق معالجة «سيد الخواتم» على طريقة الأنيمي اليابانية

«سيد الخواتم» يدخل عالم الرسوم المتحركة اليابانية

إذا كنت تودُّ معرفة من هو ملك وادي «هيلمز ديب»، فأنت في المكان المناسب.

سارة بار (نيويورك)
يوميات الشرق ياسمين رئيس في مشهد من «الفستان الأبيض» (الشركة المنتجة)

مصر: أفلام «الأوف سيزون» تغادر دور العرض لـ«ضعف الإيرادات»

شهدت عدة أفلام مصرية، تصنف ضمن العرض خلال «الأوف سيزون»، تراجع إيراداتها مما أدى إلى رفعها من دور العرض السينمائي في مصر.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )

سويسرا تفتتح أشد عربات التلفريك انحداراً في العالم

افتتاح تلفريك جديد في جبال الألب (إ.ب.أ)
افتتاح تلفريك جديد في جبال الألب (إ.ب.أ)
TT

سويسرا تفتتح أشد عربات التلفريك انحداراً في العالم

افتتاح تلفريك جديد في جبال الألب (إ.ب.أ)
افتتاح تلفريك جديد في جبال الألب (إ.ب.أ)

يُعد يوم السبت الماضي الانقلاب الشتوي في نصف الكرة الشمالي، حيث يكون يوم 21 ديسمبر (كانون الأول) هو أقصر يوم في السنة، وأول يوم رسمي في الشتاء. نعم، هذا صحيح. لقد بدأ للتو، وفق صحيفة «سي إن إن».

وبهذه المناسبة افتتح تلفريك جديد مذهل في جبال الألب البرنية السويسرية. ينقل تلفريك «شيلثورن» الركاب إلى مطعم دوار على قمة الجبل اشتهر في فيلم جيمس بوند «في الخدمة السرية لصاحبة الجلالة». ويقول صانعوه إنه الأكثر انحداراً في العالم، حيث يتسلق 775 متراً (2543 قدماً) في 4 دقائق فقط، بنسبة انحدار تبلغ 159.4 في المائة. وهو يربط بين قرية ستيشلبيرج وقرية مورين الخالية من السيارات، على ارتفاع نحو 1650 متراً (5413 قدماً) فوق مستوى سطح البحر. لم يجرِ الاعتراف بالتلفريك من قِبل موسوعة غينيس للأرقام القياسية بعد، لكن سويسرا ليست غريبة عن محطمي الأرقام القياسية على الارتفاعات العالية.

وافتتح أشد خطوط السكك الحديدية المعلقة انحداراً في العالم في قرية ستوس الجبلية عام 2017، على ارتفاع يبلغ 743 متراً (2438 قدماً) على طول منحدرات شديدة تصل إلى 110 في المائة من نسبة الانحدار. إذا لم يكن ذلك مخيفاً بما فيه الكفاية، فهناك «ستانسرهورن كابريو» في لوسيرن. إنه أول تلفريك في العالم يتميز بطابق علوي دون سقف.