سكان صنعاء متخوفون من تعطيل فرص السلام وتفاقم الأزمة الإنسانية

وسط توقعات باستمرار التصعيد بين الحوثيين والغرب

رغم قلق سكانها ومخاوفهم تبدو صنعاء هادئة بعد الضربات الأميركية البريطانية (أ.ف.ب)
رغم قلق سكانها ومخاوفهم تبدو صنعاء هادئة بعد الضربات الأميركية البريطانية (أ.ف.ب)
TT

سكان صنعاء متخوفون من تعطيل فرص السلام وتفاقم الأزمة الإنسانية

رغم قلق سكانها ومخاوفهم تبدو صنعاء هادئة بعد الضربات الأميركية البريطانية (أ.ف.ب)
رغم قلق سكانها ومخاوفهم تبدو صنعاء هادئة بعد الضربات الأميركية البريطانية (أ.ف.ب)

لم تختلف ردة فعل سكان العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء بعد الضربات الأميركية البريطانية الأخيرة على مواقع تابعة للجماعة الحوثية كثيراً، وبدا أنهم هيأوا أنفسهم لاستمرار هذه الضربات، خصوصاً وهم يشهدون مظاهر الوعيد والتهديد من الحوثيين باستمرار التصعيد، الأمر الذي كانوا يتوقعونه ويستعدون له.

ووجهت القوات الأميركية والبريطانية، فجر الثلاثاء الماضي، ضربات جوية جديدة استهدفت مواقع تابعة للجماعة شمال صنعاء وشرقها، وتحديداً في قاعدة الديلمي الجوية ومعسكر الحفا، إلى جانب مواقع في محافظات أخرى.

يقول مراقبون في العاصمة صنعاء إن مواقف السكان لم تتغير إيجابياً لصالح الجماعة الحوثية بعد الضربات الأميركية البريطانية (أ.ف.ب)

وتباينت مشاعر سكان المدينة عقب تجديد الضربات، فبرغم أن الفزع والخوف اللذين سببتهما تلك الضربات فإن التعاطي معها كان مختلفاً بين الأفراد والفئات، في مقابل السعادة التي بدت على قادة وأنصار الجماعة الحوثية بمجرد الإعلان عن وقوع الهجوم الغربي.

يتحسر الكاتب والمترجم اليمني عبد الله منعم من أن تلك الضربات كانت مصدراً لسعادة قادة وأنصار الجماعة التي نجحت تحرشاتها، بحسب وصفه، بالغرب في الحصول على مبرر لإعادة تسويق نفسها مجدداً، رغم تشكيكه في نجاح هذا التسويق، فبينما لديها أتباعها الذين يصدقون كل مزاعمها، لديها أيضاً خصومها الذين يعرفون أغراضها من تلك الادعاءات.

وينفي منعم في حديثه لـ«الشرق الأوسط» أن تكون الجماعة كسبت شعبية جديدة، أو حققت انتصاراً في عيون من يرفضون وجودها ويعانون من ممارساتها، بل يذهب إلى أن الأوساط الشعبية تواصل سخريتها من الجماعة، ولا تعترف بمزاعمها، وعلى العكس من ذلك تبدي مخاوفها من استغلال هذه الضربات لمزيد من التنكيل بالحريات والتضييق على المعيشة.

يواجه السكان في صنعاء التصعيد بين الغرب والجماعة الحوثية بالسخرية (أ.ب)

ويضيف أنه بدا واضحاً أن طيفاً واسعاً من اليمنيين كانوا ينتظرون هذا التدخل الغربي بعد شهرين من التحرشات الحوثية، إلا أن فئات أخرى لا تثق بالطرفين، وترى أن هناك اتفاقات وتفاهمات بين الغرب والجماعة الحوثية، ويعللون ذلك بأن الضربات لم تكن بالمستوى الذي يشكل تهديداً حقيقاً لإمكانيات ونفوذ الجماعة.

مواجهة محدودة

فرضت الجماعة الحوثية أطواقاً أمنية في محيط المواقع التي تعرضت للقصف الأميركي البريطاني، وأغلقت العديد من الشوارع والطرقات، وهو ما أثار استياء السكان، وأعاد لهم ذكريات الإجراءات القاسية التي كانوا يتعرضون لها عقب عمليات استهداف تحالف دعم الشرعية لمواقعها العسكرية.

ويسخر أكاديمي في جامعة صنعاء من تطورات التصعيد من الغرب بقيادة الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، ويرى أن هذه التطورات لم تصل إلى مستوى حقيقي يمكن معه أن تتحول إلى مواجهة شاملة، فالغرب لا يعرف ماذا يريد في اليمن، ولا الجماعة الحوثية قادرة على أكثر من تهديد طرق الملاحة.

ويتوقع الأكاديمي الذي فضل عدم ذكر اسمه، أن كلا من الطرفين لا يزال يرغب في التعاطي الإيجابي مع الآخر برغم هذه المواجهات، فالغرب وفر الحماية للجماعة الحوثية من الحسم العسكري للجيش اليمني والمقاومة الشعبية والتحالف الداعم للشرعية لوقت طويل، بسبب رغبته في بقائها، ولن تتغير هذه الرغبة بسبب التوتر في البحر الأحمر.

ويوضح أن الغرب يرى أن الهجمات الحوثية على السفن الملاحية في البحر الأحمر يمكن أن يجري التعامل معه بأشكال مختلفة، والتوصل مع الجماعة الحوثية إلى اتفاق بوقفها ضمن الرغبة ببقاء هذه الجماعة، واستمرار نفوذها في اليمن.

لكن محمد، وهو مالك معرض سيارات، يرى أن الجماعة الحوثية استطاعت الحصول على ما يحقق لها الأرباح، فالسياسة في كثير من تعاملاتها تخضع لمنطق التجارة بحسب رأيه، ووفقاً لذلك فالمتاجرة بالقضية الفلسطينية وحصار غزة يحقق أرباحاً غير متوقعة.

يتوقع أن يؤدي التصعيد بين الغرب والجماعة الحوثية إلى مفاقمة المأساة الإنسانية في اليمن (رويترز)

وينتقد تاجر السيارات التعاطي الغربي غير المنصف وغير المنطقي مع قضايا المنطقة واليمن تحديداً، حيث تم تجاهل معاناة اليمنيين طوال عقد من السنوات، والآن تجري مواجهة الجماعة الحوثية لأنها أضرت بمصالح الغرب، أما اليمنيون فمثلهم مثل الفلسطينيين لا أحد يهتم بمأساتهم، ولن تتحرك حاملات الطائرات لأجلهم.

مخاوف معيشية

يخشى كثير من اليمنيين أن يتسبب التصعيد بين الغرب والجماعة الحوثية بمزيد من المعاناة لهم، خاصة بعدما حذّر عدد من المنظمات الإغاثية الدولية من تأثيرات إنسانية كبيرة لهذا التصعيد، وبعد أسابيع من إيقاف برنامج الأغذية العالمي إيقاف برنامج مساعداته الغذائية العامة في المناطق الخاضعة لسيطرة الجماعة.

استغل الحوثيون الضربات الأميركية لحشد مزيد من المقاتلين (أ.ب)

ويسخر الناشط أمين مانع، وهو معتقل سابق لدى الجماعة الحوثية، من التدخل الأميركي البريطاني لوقف الهجمات الحوثية في البحر الأحمر، ويرى أنها لن تجدي نفعاً، ولن تزيد أصحابها إلا عتواً ونفوراً، كما يقول، مستخدماً مثلاً شعبياً يمنياً يفيد بأن المدعي، ويقصد به الجماعة الحوثية، يكون سعيداً بتلفيق تهم غير صحيحة تعزز ادعاءاته.

ويطالب مانع الغرب بوقف العدوان الإسرائيلي على غزة، الأمر الذي سيسلب الجماعة الحوثية مبررات هجماتها في البحر الأحمر، وبذلك تتمكن القوى الدولية من حماية الفلسطينيين من مزيد من الانتهاكات الإسرائيلية، وفي الوقت نفسه سيتم تجنيب اليمنيين استمرار ويلات الحرب التي لم تتوقف منذ 9 أعوام، والتي تعمل المواجهات الحوثية الغربية على تعقيدها أكثر.

أما طبيبة الأسنان «ن.م» فتتوقع أن الضربات الأميركية البريطانية تستهدف التغطية على أزمات اليمنيين ومآسيهم، وفي الوقت نفسه تساعد في صرف الأنظار عما يحدث في قطاع غزة المحاصر، وهو ما يعود بالفائدة على الأطراف التي ترتكب الجرائم بحق المدنيين في فلسطين واليمن، وتخدم أجندة القوى الكبرى على حساب المجتمعات العربية.

تُتهم الجماعة الحوثية بتلقي السلاح والتعليمات من قادة إيرانيين (إ.ب.أ)

الطبيبة التي تسببت الغارات الأخيرة في تحطيم نوافذ وبعض معدات عيادتها في صنعاء، أبدت مخاوفها من أن يؤدي هذا التصعيد إلى إطالة مأساة اليمن، ويساهم في تقليل فرص السلام وإمكانية إنهاء الشتات وإحلال السلام.

وختمت إفادتها لـ«الشرق الأوسط» بالتنويه إلى أن اليمنيين وقفوا دائماً في صف الفلسطينيين، وكانوا مستعدين للتضحية في سبيل ذلك، لكن من المؤسف أن تذهب الفائدة لصالح الجماعة الحوثية، وفق تعبيرها.


مقالات ذات صلة

العالم العربي مخاوف يمنية من إفراغ الحوثيين اتفاق تبادل المحتجزين من مضامينه (إعلام حكومي)

«اتفاق مسقط» للمحتجزين يفتح نافذة إنسانية وسط تفاؤل يمني حذر

اتفاق مسقط لتبادل نحو 2900 محتجز ينعش آمال اليمنيين بإنهاء معاناة الأسرى وسط تفاؤل حذر ومطالب بضمانات أممية لتنفيذ «الكل مقابل الكل»

«الشرق الأوسط» (الرياض - صنعاء)
العالم العربي لوحة في عدن تعرض صورة عيدروس الزبيدي رئيس «المجلس الانتقالي الجنوبي» الداعي للانفصال (رويترز)

الرياض ترسم مسار التهدئة شرق اليمن... «خروج سلس وعاجل» لـ«الانتقالي»

يرسم البيان السعودي مسار التهدئة شرق اليمن، داعياً لانسحاب قوات «الانتقالي» من حضرموت والمهرة، وسط ترحيب رئاسي وحكومي وإجماع حزبي ضد التصعيد.

«الشرق الأوسط» (جدة)
وفد سعودي زار حضرموت ضمن مساعي التهدئة وخفض التوتر (سبأ)

حضرموت تتمسك بالشرعية وتحذر من تكلفة «التحركات الأحادية»

جددت سلطة حضرموت دعمها الكامل للشرعية، محذّرة من التحركات العسكرية الأحادية، ومؤكدة أن أمن المحافظة، والحوار السياسي هما السبيل للاستقرار، والتنمية

«الشرق الأوسط» (جدة)
العالم العربي العليمي مستقبلاً في الرياض السفيرة الفرنسية لدى اليمن (سبأ)

العليمي يرفض «تقطيع» اليمن ويؤكد حماية المركز القانوني للدولة

جدّد العليمي رفضه القاطع لأي محاولات لتفكيك الدولة اليمنية أو فرض وقائع أحادية خارج المرجعيات الحاكمة للمرحلة الانتقالية مؤكداً حماية المركز القانوني للدولة

«الشرق الأوسط» (جدة)

رئيس هيئة الاستعلامات المصرية: نتنياهو يعمل على عرقلة المرحلة الثانية من اتفاق غزة

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (رويترز)
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (رويترز)
TT

رئيس هيئة الاستعلامات المصرية: نتنياهو يعمل على عرقلة المرحلة الثانية من اتفاق غزة

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (رويترز)
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (رويترز)

قال رئيس الهيئة العامة للاستعلامات المصرية، ضياء رشوان، اليوم الخميس، إن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يعمل على عرقلة المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار في غزة.

وأضاف رشوان في تصريحات لقناة تلفزيون «القاهرة الإخبارية» أن نتنياهو يعمل وفق اعتبارات انتخابية لصياغة تحالف جديد.

وتابع أن نتنياهو يسعى لإشعال المنطقة، ويحاول جذب انتباه ترمب إلى قضايا أخرى، بعيداً عن القطاع، لكنه أشار إلى أن الشواهد كلها تدل على أن الإدارة الأميركية حسمت أمرها بشأن المرحلة الثانية من اتفاق غزة.

وحذر رئيس الهيئة العامة للاستعلامات المصرية من أن نتنياهو يريد أن تؤدي قوة حفظ الاستقرار في غزة أدواراً لا تتعلق بها.

وفي وقت سابق اليوم، نقل موقع «واي نت» الإخباري الإسرائيلي عن مصدر عسكري قوله إن نتنياهو سيُطلع ترمب على معلومات استخباراتية عن خطر الصواريخ الباليستية الإيرانية خلال اجتماعهما المرتقب قبل نهاية العام الحالي.

وأكد المصدر الإسرائيلي أن بلاده قد تضطر لمواجهة إيران إذا لم تتوصل أميركا لاتفاق يكبح جماح برنامج الصواريخ الباليستية الإيرانية.


الصوماليون يصوتون في أول انتخابات محلية بنظام الصوت الواحد منذ 1969

حملات حزبية في شوارع العاصمة الصومالية مقديشو لتشجيع الناخبين على المشاركة في الانتخابات (إ.ب.أ)
حملات حزبية في شوارع العاصمة الصومالية مقديشو لتشجيع الناخبين على المشاركة في الانتخابات (إ.ب.أ)
TT

الصوماليون يصوتون في أول انتخابات محلية بنظام الصوت الواحد منذ 1969

حملات حزبية في شوارع العاصمة الصومالية مقديشو لتشجيع الناخبين على المشاركة في الانتخابات (إ.ب.أ)
حملات حزبية في شوارع العاصمة الصومالية مقديشو لتشجيع الناخبين على المشاركة في الانتخابات (إ.ب.أ)

أدلى الناخبون في الصومال، الخميس، بأصواتهم في انتخابات محلية مثيرة للجدل، تُعدّ الأولى التي تُجرى بنظام الصوت الواحد منذ عام 1969. ويقول محللون إن هذه الانتخابات تُمثل خروجاً عن نظام مفاوضات تقاسم السلطة القائم على أساس قبلي.

وقد نظمت الحكومة الاتحادية في البلاد التصويت لاختيار أعضاء المجالس المحلية، في أنحاء المناطق الـ16 في مقديشو، ولكنه قوبل برفض من جانب أحزاب المعارضة التي وصفت الانتخابات بالمعيبة والمنحازة.

يذكر أن الصومال انتخب لعقود أعضاء المجالس المحلية والبرلمانيين من خلال المفاوضات القائمة على أساس قبلي، وبعد ذلك يختار المنتخبون الرئيس.

يُشار إلى أنه منذ عام 2016 تعهّدت الإدارات المتعاقبة بإعادة تطبيق نظام الصوت الواحد، غير أن انعدام الأمن والخلافات الداخلية بين الحكومة والمعارضة حالا دون تنفيذ هذا النظام.

أعضاء «العدالة والتضامن» في شوارع مقديشو قبيل الانتخابات المحلية وسط انتشار أمني واسع (إ.ب.أ)

وجدير بالذكر أنه لن يتم انتخاب عمدة مقديشو، الذي يشغل أيضاً منصب حاكم إقليم بانادير المركزي، إذ لا يزال شاغل هذا المنصب يُعيَّن، في ظل عدم التوصل إلى حل للوضع الدستوري للعاصمة، وهو أمر يتطلب توافقاً وطنياً. غير أن هذا الاحتمال يبدو بعيداً في ظل تفاقم الخلافات السياسية بين الرئيس حسن شيخ محمود وقادة ولايتي جوبالاند وبونتلاند بشأن الإصلاحات الدستورية.

ووفق مفوضية الانتخابات، هناك في المنطقة الوسطى أكثر من 900 ناخب مسجل في 523 مركز اقتراع.

ويواجه الصومال تحديات أمنية، حيث كثيراً ما تنفذ جماعة «الشباب» المرتبطة بتنظيم «القاعدة» هجمات دموية في العاصمة، وجرى تشديد إجراءات الأمن قبيل الانتخابات المحلية.

وذكر محللون أن تصويت مقديشو يمثل أقوى محاولة ملموسة حتى الآن لتغيير نظام مشاركة السلطة المعتمد على القبائل والقائم منذ أمد طويل في الصومال.

وقال محمد حسين جاس، المدير المؤسس لمعهد «راد» لأبحاث السلام: «لقد أظهرت مقديشو أن الانتخابات المحلية ممكنة من الناحية التقنية».


اجتماعات في مصر وتركيا... مساعٍ لتفكيك عقبات «اتفاق غزة»

فلسطينيون يسيرون وسط الملاجئ في مخيم النصيرات للنازحين بقطاع غزة (أ.ف.ب)
فلسطينيون يسيرون وسط الملاجئ في مخيم النصيرات للنازحين بقطاع غزة (أ.ف.ب)
TT

اجتماعات في مصر وتركيا... مساعٍ لتفكيك عقبات «اتفاق غزة»

فلسطينيون يسيرون وسط الملاجئ في مخيم النصيرات للنازحين بقطاع غزة (أ.ف.ب)
فلسطينيون يسيرون وسط الملاجئ في مخيم النصيرات للنازحين بقطاع غزة (أ.ف.ب)

توالت اجتماعات الوسطاء لدفع اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة، المتعثر حالياً، واستضافت القاهرة وأنقرة اجتماعين بشأن تنفيذ بنود الاتفاق، بعد لقاء موسع في مدينة ميامي الأميركية قبل نحو أسبوع بحثاً عن تحقيق اختراق جديد.

تلك الاجتماعات الجديدة في مصر وتركيا، يراها خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط» أنها بمثابة مساعٍ لتفكيك عقبات الاتفاق المتعثر، وشددوا على أن إسرائيل قد لا تمانع للذهاب للمرحلة الثانية تحت ضغوط أميركية؛ لكنها ستعطل مسار التنفيذ بمفاوضات تتلوها مفاوضات بشأن الانسحابات وما شابه.

وقال مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، في بيان: «بتوجيه من رئيس الوزراء، غادر منسق شؤون الأسرى والمفقودين، العميد غال هيرش، على رأس وفد ضم مسؤولين من الجيش وجهاز الأمن العام (الشاباك)، والموساد إلى القاهرة».

والتقى الوفد الإسرائيلي مسؤولين كباراً وممثلي الدول الوسيطة، وركزت الاجتماعات على الجهود وتفاصيل عمليات استعادة جثة الرقيب أول ران غوئيلي.

وسلمت الفصائل الفلسطينية منذ بدء المرحلة الأولى لوقف إطلاق النار في 10 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، 20 أسيراً إسرائيلياً أحياء ورفات 27 آخرين، فيما تبقى رفات ران غوئيلي الذي تواصل «حماس» البحث عن رفاته، وتقول إن الأمر سيستغرق وقتاً نظراً للدمار الهائل في غزة، فيما ترهن إسرائيل بدء التفاوض لتدشين المرحلة الثانية من الاتفاق بتسلمها تلك الجثة.

وبالتزامن، أعلنت حركة «حماس»، في بيان، أن وفداً قيادياً منها برئاسة رئيس الحركة في قطاع غزة خليل الحية، قد التقى في أنقرة مع وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، في لقاء بحث «مجريات تطبيق اتفاق إنهاء الحرب على غزة والتطورات السياسية والميدانية».

وحذر الوفد من «استمرار الاستهدافات والخروقات الإسرائيلية المتكررة في قطاع غزة»، معتبراً أنها تهدف إلى «عرقلة الانتقال إلى المرحلة الثانية من الاتفاق وتقويض التفاهمات القائمة».

وجاء اللقاءان بعد اجتماع قبل نحو أسبوعٍ، جمع وسطاء اتفاق وقف إطلاق النار في مدينة ميامي الأميركية، وأفاد بيان مشترك عقب الاجتماع بأنه جارٍ مناقشة سبل تنفيذ الاتفاق.

ويرى الخبير في الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، الدكتور سعيد عكاشة، أن اجتماعي القاهرة وأنقرة يأتيان في توقيت مهم بهدف دفع تنفيذ الاتفاق وإنهاء العقبات بشكل حقيقي، والوصول لتفاهمات تدفع واشنطن لزيادة الضغط على إسرائيل للدخول للمرحلة الثانية المعطلة، مشيراً إلى أن مسألة الرفات الأخير تبدو أشبه بلعبة لتحقيق مكاسب من «حماس» وإسرائيل.

فالحركة تبدو، كما يتردد، تعلم مكانها ولا تريد تسليمها في ضوء أن تدخل المرحلة الثانية تحت ضغط الوسطاء والوقت وفي يدها ورقة تتحرك بها نظرياً، وإسرائيل تستفيد من ذلك بالاستمرار في المرحلة الأولى دون تنفيذ أي التزامات جديدة مرتبطة بالانسحابات، وفق عكاشة.

ويعتقد المحلل السياسي الفلسطيني، الدكتور عبد المهدي مطاوع، أن هذه الاجتماعات تبحث كيفية سد الفجوات، خاصة أن الجثة تمثل عقبة حقيقية، مشيراً إلى أن لقاء «حماس» في تركيا يهدف لبحث ترتيبات نزع السلاح ودخول القوات الدولية، خاصة أن أنقرة تأمل أن يكون لها دور، وتعزز نفسها وعلاقاتها مع واشنطن.

صورة عامة للمنازل المدمرة في مخيم النصيرات بوسط قطاع غزة (أ.ف.ب)

ولا تزال إسرائيل تطرح مواقف تعرقل الاتفاق، وقال وزير الدفاع الإسرائيلي، إسرائيل كاتس، إن بلاده «لن تغادر غزة أبداً»، وإنها ستقيم شريطاً أمنياً داخل قطاع غزة لحماية المستوطنات، مشدداً على أنه يجب على «حماس» أن تتخلى عن السلاح، وإلا «فستقوم إسرائيل بهذه المهمة بنفسها»، وفق موقع «واي نت» العبري، الخميس.

فيما سعى رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، مساء الثلاثاء، إلى تحميل حركة «حماس» المسؤولية عن إصابة ضابط بالجيش الإسرائيلي في ‌انفجار عبوة ناسفة ‍في رفح، وانتهاك اتفاق ‌وقف إطلاق النار، الذي دخل حيز التنفيذ في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن الحركة الفلسطينية أكدت أن الانفجار وقع في منطقة تسيطر عليها إسرائيل بالكامل، ورجحت أن يكون الحادث ناجماً عن «مخلفات الحرب».

وجاء اتهام نتنياهو لـ«حماس» قبل أيام من لقائه المرتقب مع الرئيس الأميركي دونالد ترمب في الولايات المتحدة. ونقلت تقارير عبرية أن نتنياهو يريد إقناع ترمب بتثبيت «الخط الأصفر» حدوداً دائمة بين مناطق سيطرة إسرائيل و«حماس»؛ ما يعني احتلال إسرائيل لـ58 في المائة من مساحة القطاع.

ويتوقع عكاشة أن تعلن إسرائيل بعد لقاء ترمب أنها لا تمانع من دخول المرحلة الثانية، ولكن هذا سيظل كلاماً نظرياً، وعملياً ستطيل المفاوضات بجدولها وتنفيذ بنودها، ويبقي الضغط الأميركي هو الفيصل في ذلك.

ووفقاً لمطاوع، فإن إسرائيل ستواصل العراقيل وسط إدراك من ترمب أنه لن يحل كل المشاكل العالقة مرة واحدة، وأن هذه الاجتماعات المتواصلة تفكك العقبات، وسيراهن على بدء المرحلة الثانية في يناير (كانون الثاني) المقبل، تأكيداً لعدم انهيار الاتفاق.