{حياتو} يتربع على إمبراطورية الفساد

لاعب السلة الذي يرأس عالم كرة القدم لـ 90 يوما

{حياتو} يتربع  على إمبراطورية الفساد
TT

{حياتو} يتربع على إمبراطورية الفساد

{حياتو} يتربع  على إمبراطورية الفساد

بعد مرور أكثر من قرن على إنشاء «فيفا» (111 سنة)، وجد الكاميروني عيسى حياتو نفسه على رئاسة الاتحاد، خلفا للسويسري جوزيف بلاتر، الذي أوقف للتحقيق معه بشأن اتهامات بالفساد المالي. وبذا أصبح حياتو أول أفريقي يتزعم إمبراطورية كرة القدم العالمية، وليحقق ما فشل فيه قبل 13 سنة، عندما مُني بهزيمة ساحقة أمام بلاتر في انتخابات عام 2002.

يمرّ الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) حاليًا بالأزمة الأكثر خطورة في تاريخه منذ اعتقال 7 مسؤولين حاليين وسابقين وتوجيه الاتهام إلى 14 شخصًا آخرين بطلب من القضاء الأميركي بتهم فساد ورشى وابتزاز وتبييض أموال.
ولقد أعلن الاتحاد أخيرًا تكليف عيسى حياتو (69 سنة) بتولي رئاسة الاتحاد بصورة مؤقتة خلفا لجوزيف بلاتر، الذي تقرر إيقافه لمدة 90 يوما، قابلة للتمديد لمدة 45 يومًا، من قبل لجنة القيم التابعة للاتحاد، حتى يتسنى التحقيق معه في اتهامات الفساد المالي والإداري وتلقي الرشى خلال فترة رئاسته.
عبد المنعم مصطفى الشهير بـ«شطة»، رئيس اللجنة الفنية في الاتحاد الأفريقي (الكاف) قال لـ«الشرق الأوسط» عن إسناد المنصب لحياتو، ولو بالوكالة، معلقًا: «شرف للقارة الأفريقية أن يكون رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم من أبنائها ولو ليوم واحد فقط». وأردف: «حياتو، وهو الرئيس الحالي للاتحاد الأفريقي لكرة القدم، يتمتع بشخصية قوية ومتزنة.. ويعلم كل خبايا الـ(فيفا) وأسراره بما يمكنه من تحقيق فارق».
للعلم، بحسب المادة 32 من النظام الأساسي لـ«فيفا»، فإن حياتو كونه نائب الرئيس الأقدم سنًا في اللجنة التنفيذية لـ«فيفا» يتولى تلقائيًا الرئاسة بالوكالة. ولقد حددت اللجنة التنفيذية الجديدة لـ«فيفا» 26 فبراير (شباط) المقبل موعدًا للجمعية العمومية غير العادية لانتخاب رئيس جديد خلفا لبلاتر.
حياتو صرّح عقب تكليفه بالمسؤولية بأنه سيتولّى المهمّة حتى موعد الجمعية العمومية بشكل مؤقت فقط، مؤكدًا أن لا نية لديه للترشح في الانتخابات المقبلة. وأعرب الرئيس الجديد لـ«فيفا» عن سعادته لتولي المنصب الرفيع، معتبرًا أنه «شرف له وللكاميرون»، وأنه «يدرك ما ينتظره من تحديدات لأنه يعرف الـ(فيفا) جيدًا». ويذكر أن السويسري بلاتر الذي يترأس الـ«فيفا» منذ 1998 على وشك ترك منصبه بعد الانتخابات المقرّرة في فبراير المقبل، لكنه اضطر إلى تقديم استقالته بعد أربعة أيام فقط على إعادة انتخابه لولاية خامسة على التوالي في 29 مايو (أيار) الماضي بسبب فضائح الفساد التي طالته شخصيًا.
من ناحية أخرى، ضمن الموقوفين لدى لجنة القيم الفرنسي ميشال بلاتيني رئيس الاتحاد الأوروبي (يويفا) والأمين العام السابق لـ«فيفا» الفرنسي جيروم فالك بتهم فساد، فضلاً عن إيقاف الكوري الجنوبي تشونغ مون - غوون 6 سنوات.
ووفق تقارير مكتب المدعي العام فإن بلاتر مشتبه به في عملية «دفع غير مشروع» لمبلغ مليوني فرنك سويسري إلى بلاتيني. كذلك تشتبه وزارة العدل السويسرية بأن بلاتر وقّع «عقدا (لمنح حقوق نقل مونديالي 2010 و2014) في غير مصلحة الـ(فيفا) مع الاتحاد الكاريبي للعبة عندما كان الترينيدادي جاك وارنر رئيسًا له».

لمحة تاريخية
من الناحية التاريخية نشير إلى أنه تعاقب على رئاسة الـ«فيفا»، الذي كان قد أسس عام 1904، ثمانية رؤساء، 7 منهم أوروبيون وواحد برازيلي، وهم على التوالي:
- الفرنسي روبرت غيران بين عامي 1904 و1906
- الإنجليزي دانييل برلي وولفل بين عامي 1906 و1918
- الفرنسي جول ريميه بين عامي 1921 و1954
- البلجيكي رودولف ويليام سيلدرييرز بين عامي 1954 و1955
- الإنجليزي آرثر دروري بين عامي 1955 و1961
- الإنجليزي ستانلي روس بين عامي 1961 و1974
- البرازيلي جواو هافيلانج بين عامي 1974 و1998
- السويسري جوزيف بلاتر (منذ عام 1998)
اللاعب السابق «شطة» الذي يرافق حياتو منذ نحو 15 سنة في الاتحاد الأفريقي، يعتقد أن يكون حياتو الأقدر من بين هؤلاء رغم قصر المدة التي سيتولى فيها المهمة، وسخونة الأحداث التي يمر بها الـ«فيفا» حاليًا، والتي تتطلب دقة وحنكة إدارية عالية لتجاوز تلك المرحلة.
ويوضح «شطة» أن من ميزات حياتو بأنه ترأس بنجاح كبير رئاسة اتحاد كرة قدم أصعب قارة في العالم وأكثرها مشكلات وفقرًا.. أي أفريقيا، ولمدة تعدت الـ27 سنة وهذا رقم قياسي بالتأكيد. وخلال هذه المدة حقق إنجازات كبيرة، بالإضافة إلى نهوضه بمنصب نائب رئيس الاتحاد الدولي لأكثر من 20 سنة، تعامل خلالها مع كثير من الرؤساء السابقين مما منحه خبرة كبيرة لا يتمتع بمثلها أحد من نظرائه حاليًا.

سيرة شخصية
ولد عيسى حياتو يوم 9 أغسطس (آب) 1946 في مدينة غاروا بالكاميرون. وهو ينتمي إلى أسرة عريقة صاحبة نفوذ سياسي كبير خاصة في شمال الكاميرون، ذلك أن أباه زعيم محلي بارز، وكان شقيقه رئيس وزراء أسبق في البلاد. وبالنسبة لعائلته الصغيرة، فهو متزوج وله أربعة أولاد. وتقول زوجته ماري كلير عنه: «إنه يقدس العمل ويحب التفاني فيه وتقديمه على الوجه الأكمل، ويمتلك سيرة ذاتية كبيرة تتناسب مع أكثر مما هو فيه، كما أنه صبور ومكافح ودائما يدافع عن أحلامه ويسعى إلى تحقيقها».
ولقد روت ماري كلير كيف تعرفت عليه في حوار صحافي نشرته إحدى وسائل الإعلام المصرية، قائلة: «قابلت عيسى حياتو عندما كان لاعبا لكرة السلة، وبعد قصة حب ارتبطنا.. إنه طيب وصاحب شخصية قوية وحازمة.. يمتلك صفات إرادية نادرة في عالم الإدارة.. كما أنه اجتماعي إلى أبعد الحدود، فلديه أصدقاء كثيرون على الصعيدين الأفريقي والدولي، وأنصاره وأحباؤه من كل الدول».
وحقًا، بدأ حياتو مشوار «زعامته» لعالم كرة القدم، لاعبًا لكرة السلة ورياضيًا يمارس ألعاب القوى، إذ انضم للمنتخب الكاميروني لكرة السلة وهو دون التاسعة عشرة من عمره خلال الفترة (1964 – 1971)، وجرى اختياره آنذاك ضمن تشكيله المنتخب المشارك في الألعاب الأفريقية بالكونغو - برازافيل عام 1965، وأنهى مشواره مع اللعبة في عام 1971.
وعقب ثلاث سنوات من اعتزاله لعبة كرة السلة انطلق حياتو نحو العمل الإداري، فتقلد منصب الأمين العام للاتحاد الكاميروني لكرة القدم في 1974، ثم تولى منصب مدير الشؤون الرياضية بوزارة الشباب والرياضية الكاميرونية لمدة 3 سنوات، وبالتحديد، منذ 1983 وحتى 1986.
ومن خلال نجاحاته الإدارية أسند إليه منصب رئاسة الاتحاد الكاميروني لكرة القدم عام 1986، وهو المنصب الذي لم يستمر به كثيرًا، بل تركه لتولي رئاسة الاتحاد الأفريقي لكرة القدم «كاف» للمرة الأولى بعد فوزه بالمنصب خلال الجمعية العمومية التي عقدت في المغرب يوم 11 مارس (آذار) عام 1988، ليغدو الرئيس الخامس للاتحاد الأفريقي لكرة القدم، وهو المنصب الذي ما زال يتقلده حتى الآن.
عبر رئاسة حياتو رئاسة الاتحاد الأفريقي، اكتسب الرجل خبرة كبيرة في المناصب الإدارية، وهو ما أهله لأن ينطلق نحو العالمية ويفوز بعضوية اللجنة التنفيذية للاتحاد الدولي (فيفا) عام 1990، ثم تدرج ليصبح نائبًا لرئيس الاتحاد الدولي عام 1992، وأخيرًا تعيينه رئيسا مؤقتا للاتحاد.
الذين يعرفون حياتو عن قرب - مثل «شطة» رئيس اللجنة الفنية في الاتحاد الأفريقي - يصفونه بأنه «قيادي من الطراز الأول، ويتمتع بشخصية قوية ومتزنة بعيدة عن الانفعال، كما أن نجاحه الإداري وتقلده لكثير من المناصب يرجع إلى طبيعة شخصيته الديمقراطية مع مرؤوسيه، فعادة ما يأخذ آراء المجموعة التي تعمل معه».
ورجح شطة أن «يعيد حياتو التوازن للاتحاد الدولي خلال تلك الفترة القصيرة، باعتباره يعلم كل خبايا الاتحاد أكثر من بلاتر نفسه».
ويعدّد مؤيدو حياتو عددًا من الإنجازات التي تحققت للكرة الأفريقية في عهده، ومنها زيادة عدد منتخبات «القارة السمراء» في المونديال من 3 منتخبات إلى 5، وذلك بدايةً من كأس العالم 1998 في فرنسا. وكذلك تمكنه خلال تلك الفترة من النهوض بالكرة الأفريقية حتى أصبحت كأس الأمم الأفريقية ثالث أهم بطولة كروية في العالم بعد كأس العالم وبطولة الأمم الأوروبية.
ومن ثم عمل على زيادة عدد الدول المشاركة في نهائيات بطولات الأمم الأفريقية من 8 دول عام 1988 إلى 16 دولة اعتبارًا من عام 1996، واستحدث أيضًا تنظيم بطولة أفريقيا للمحليين، وأيضا للشباب تحت 17 سنة وبطولة أفريقيا للأمم للسيدات، وفي طريقه لتطبيق دوري المحترفين إلى دول القارة، بعد أن ساهم في إنشاء مئات الملاعب بالدول الفقيرة بتمويل دولي.
وبمعزل عن المنتخبات الوطنية، كان واحدًا من الأهداف الرئيسية لحياتو في أواخر 1990 توفير الحوافز لأندية كرة القدم الأفريقية من شأنها وقف تدفق اللاعبين الأفارقة إلى أوروبا، إذ كان يرى أن «الدول الغنية تستورد المواهب الأفريقية وترسل إلينا فنيين (مدربين) من أقل قيمة». لكن هذه المبادرة لاقت نجاحًا محدودًا، ووجهت أيضًا ببعض الانتقادات. كذلك كانت له مبادرة عام 1997 تتعلق بالتفاوض مع الاتحاد الأوروبي لدفع الهيئات والأندية الأوروبية رسومًا للدول الأفريقية عن لاعبين هناك ينتمون إلى أصول أفريقية.

التقاعد .. والصحة
من ناحية أخرى، تنتهي فترة ولاية حياتو الحالية في رئاسة الاتحاد الأفريقي عام 2017، ويبدو أنه سيسعى لانتخابه لأربع سنوات أخرى، ويقال إنه يراهن على أن يستمر في المنصب إلى نهاية عمره، على غرار سلفه الإثيوبي يادنكاتشيو تيسيما الذي ترأس الـ«كاف» عام 1972 واحتفظ بالمنصب حتى وفاته عام 1987.
وهنا يشرح «شطة»: «لا تنص لوائح الكاف على سن معين للترشح على منصب الرئيس أو عدد الولايات، ومن ثم يحق لحياتو أن يترشح لولاية جديدة إذا ما أراد ذلك.. لكنه حتى الآن لم يحدد بعد».
وكان حياتو قد أشرف في وقت سابق من هذا العام على إجراء تغييرات مثيرة للجدل في لوائح الاتحاد الأفريقي، كانت تضع حد الـ70 سنة للترشح في المناصب القيادية. وهو ما فسر على عزمه الترشح مجددًا.
وثمة من يشير، في هذا المجال، إلى أنه يعاني من مشكلات صحية كبيرة منذ سنوات كثيرة تتطلب خضوعه لجلسات منتظمة لغسيل الكلى. لكن مقربين منه أكدوا أن ذلك لن يكون مؤثرا على قدرته في إدارة شؤون الفيفا، «لأنه ما زال متماسكًا وقادرًا على حضور جميع المباريات والاجتماعات في مختلف أنحاء العالم».

تهم الفساد
في المقابل، وأمام الخبرات المميزة هناك أيضًا من يقولون إن ملف حياتو، مثل معظم أقرانه في الاتحاد الدولي لكرة القدم، لا يخلو من لغط وشبهات واتهامات بشأن الفساد منذ توليه رئاسة الاتحاد الأفريقي عام 1988، إذ تحدثت تقارير إعلامية عام 2010 عن وثائق وصفت بأنها «مهمة» زعمت تورط ثلاثة أعضاء من «الفيفا»، من بينهم عيسى حياتو، في قضية فساد وتسلم الرشى سابقًا، غير أن التحقيقات برأت ساحته لاحقًا وطويت الملفات. ثم قبل فترة غير بعيدة ذكر اسمه في الاتهامات الخاصة بملف تنظيم قطر لكأس العالم عام 2022. لكنه علّق على تلك الاتهامات في أعقاب توليه رئاسة الاتحاد الدولي قائلا: «سجلي نظيف وبعيد عن الشبهات وأبيض كالثلج».
غير أن سمير زاهر، عضو اللجنة التنفيذية للاتحاد العربي لكرة القدم، ورئيس اتحاد كرة القدم المصري السابق، قال لـ«الشرق الأوسط»: «الموضوع غريب جدًا.. أنا أرى أن ما يتورط فيه رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم ينعكس على كل من يعمل معه، وكل أعضاء اللجنة التنفيذية بالاتحاد، الذين يجب أن يرحلوا جميعا، ولا بد من وقفة دولية تضع حدا لتلك الأمور». وتابع: «كلهم واحد، والوضع لن يختلف كثيرًا، إلا عبر تغيير شامل. هناك ريبة في التعامل مع الاتحاد الدولي، وطريقة اختياراته للبطولات واجتماعاته وحتى تحقيقاته، لا بد للاتحاد من أن يبتر من رئيسه وحتى عامل النظافة»، واستطرد أن «حياتو صديق مقرب من بلاتر، إضافة إلى حالته الصحية الصعبة».
وحول استمراره على رئاسة الاتحاد الأفريقي رغم ذلك، قال زاهر: «الانتخابات في كل الاتحادات تدار بلعبة الأموال وكلها ريبة. هؤلاء ينجحون عبر توجّهات الشركات الراعية.. وإذا أردنا التطوير الحقيقي وتعقّب الفساد يجب أن نتبع مقولة انسف حمامك القديم».
من جانبه، طالب الشيخ سلمان بن إبراهيم آل خليفة، رئيس الاتحاد الآسيوي لكرة القدم، حياتو، بالدعوة إلى اجتماع طارئ لأعضاء اللجنة التنفيذية لـ«فيفا». وأكد الشيخ سلمان أن هذا الاجتماع ضروري من أجل جلب الاستقرار لعالم كرة القدم. وقال: «هذه ظروف استثنائية، لهذا يجب أن نجتمع، لنتشاور في شكل جماعي لتجاوز هذه الأوقات الصعبة».



الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
TT

الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)

شأن معظم دول المنطقة والإقليم، تسببت الأزمة السورية المتصاعدة في تراجع الاهتمام الرسمي والشعبي العراقي بالحرب التي تشنّها إسرائيل على غزة ولبنان، بعد أن كانت تحظى بأولوية قصوى، خصوصاً بعد التهديدات الإسرائيلية بتوجيه ضربات عسكرية ضد الفصائل المسلحة العراقية التي استهدفتها بأكثر من 200 هجمة صاروخية خلال الأشهر الماضية. وأظهر رئيس الوزراء محمد شيّاع السوداني، موقفاً داعماً للحكومة السورية في ظروفها الحالية منذ اليوم الأول للهجوم الذي شنَّته الفصائل السورية المسلحة وتمكّنت من السيطرة على محافظة حلب ومدن أخرى، إذ أجرى اتصالاً بالرئيس السوري بشار الأسد وكذلك الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، وأكد دعمه لدمشق.

أعلن رئيس الحكومة العراقي محمد شيّاع السوداني، يوم الثلاثاء الماضي، موقفاً أكثر وضوحاً بالنسبة لدعم نظام دمشق، وذلك خلال اتصال - مماثل لاتصاليه مع القيادتين السورية والإيرانية - أجراه مع الرئيس التركي رجب طيب إردوغان.

ومما قاله السوداني إن «العراق لن يقف متفرجاً على التداعيات الخطيرة الحاصلة في سوريا، خصوصاً عمليات التطهير العرقي للمكوّنات والمذاهب هناك»، طبقاً لبيان حكومي.

كذلك شدّد الزعيم العراقي على أنه سبق لبلاده أن «تضرّرت من الإرهاب ونتائج سيطرة التنظيمات المتطرّفة على مناطق في سوريا، ولن يُسمَح بتكرار ذلك»، مؤكداً «أهمية احترام وحدة سوريا وسيادتها، وأن العراق سيبذل كل الجهود من أجل الحفاظ على أمنه وأمن سوريا».

محمد شياع السوداني (آ ف ب)

السوداني كان قد انهمك بسلسلة اتصالات خلال الأيام القليلة الماضية مع عدد من قادة الدول، بخصوص الوضع في سوريا؛ من «أجل دعم الاستقرار في المنطقة، وعدم حصول أي تداعيات فيها، خصوصاً مع ما تشهده من حرب إجرامية صهيونية مستمرة منذ أكثر من عام» بحسب بيان حكومي.

وأظهرت قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية موقفاً مماثلاً وداعماً لحكومة السوداني في مواقفها حيال سوريا، لكنها أعربت خلال اجتماع، الثلاثاء الماضي أيضاً، عن قلقها جراء الأوضاع في سوريا بعد «احتلال الإرهابيين مناطق مهمة» طبقاً لبيان صدر عن الاجتماع. وعدّت «أمن سوريا امتداداً للأمن القومي العراقي للجوار الجغرافي بين البلدين، والامتدادات المختلفة لذلك الجوار».

الحدود المشتركة مؤمّنة

للعلم، مع الشرارة الأولى لاندلاع الأزمة السورية، اتخذت السلطات العراقية على المستوى الأمني إجراءات عديدة «لتأمين» حدودها الممتدة لأكثر من 600 كيلومتر مع سوريا. وصدرت بيانات كثيرة حول جاهزية القوات العراقية وقدرتها على التصدّي لأي محاولة توغّل داخل الأراضي العراقية من قبل الفصائل المسلحة من الجانب السوري، مثلما حدث صيف عام 2014، حين تمكَّنت تلك الجماعات من كسر الحدود المشتركة والسيطرة على مساحات واسعة من العراق.

اللواء يحيى رسول، الناطق باسم القائد العام للقوات المسلحة العراقية، أوضح (الثلاثاء) أبرز الإجراءات المُتَّخذة لتحصين الحدود مع سوريا. وقال في تصريحات صحافية إن «الحدود مؤمَنة ومُحكمة بشكل كبير من تحكيمات وتحصينات، وهناك وجود لقوات الحدود على خط الصفر الذي يربطنا مع الجارة سوريا مدعومة بالأسلحة الساندة والجهد الفني، المتمثل بالكاميرات الحرارية وأبراج المراقبة المحصّنة». وأضاف رسول: «لا خوف على الحدود العراقية، فهي مؤمّنة ومحكمة ومحصّنة، وأبطالنا منتشرون على طولها»، مشيراً إلى أنه «تم تعزيز الحدود بقطاعات من الألوية المدرعة وهي موجودة أيضاً عند الحدود».

أيضاً، وصل وفد أمني برئاسة الفريق أول قوات خاصة الركن عبد الأمير رشيد يارالله، رئيس أركان الجيش، يوم الأربعاء، إلى الشريط الحدودي العراقي - السوري. وذكر بيان عسكري أن «هدف الزيارة جاء لمتابعة انتشار القطعات الأمنية وانفتاح خطوط الصد».

غموض في الموقف

إلا أنه حتى مع المواقف الحكومية الداعمة لدمشق في أزمتها الراهنة، يبدو جلياً «الالتباس» بالنسبة لكثرة من المراقبين، وبالأخص لجهة شكل ذلك الدعم وطبيعته، وما إذا كانت السلطات الحكومية العراقية ستنخرط بقوة لمساعدة نظام الأسد عسكرياً، أم أنها ستبقى عند منطقة الدعم السياسي والدبلوماسي، تاركة أمر الانخراط والمساعدة الميدانية للفصائل المسلحة.

وهنا يلاحظ إياد العنبر، أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد، وجود «التباس واضح حيال الموقف من الحدث السوري، وهذا الالتباس نختبره منذ سنوات، وليس هناك تمييز واضح بين العراق الرسمي وغير الرسمي». وتابع العنبر لـ«الشرق الأوسط» أن «مستويات تفعيل المساهمة العراقية في الحرب غير واضحة، وإذا ما قررت الحكومة البقاء على المستوى الدبلوماسي بالنسبة لقضة دعم سوريا، أم أن هناك مشاركة عسكرية».

غير أن إحسان الشمري، أستاذ الدراسات الاستراتيجية والدولية في جامعة بغداد، يعتقد بأن «العراق الرسمي عبَر عتبة التردّد، وبات منخرطاً في الأزمة السورية». وفي لقاء مع «الشرق الأوسط» بنى الشمري فرضيته على مجمل المواقف الرسمية التي صدرت عن رئيس الوزراء، والناطق الرسمي، وزعماء «الإطار التنسيقي»، وشرح قائلاً إن «هذه المواقف بمجملها كسرت مبدأ الحياد وعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى الذي يتمسّك به العراق، إلى جانب كونها انخراطاً رسمياً عراقياً بالأزمة السورية».

نتنياهو غير مضمون

ولكن، بعيداً عن الانشغال الراهن بالأزمة السورية، ما زالت التهديدات الإسرائيلية بين أهم القضايا التي تشغل الرأي العام ببعدَيه السياسي والشعبي. وحتى مع الترحيب العراقي بقرار وقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حزب الله»، ما زالت مخاوف البلاد من ضربة إسرائيلية محتملة قائمةً.

ولقد قال الناطق باسم الحكومة باسم العوادي، الأربعاء قبل الماضي، في تصريحات صحافية، إنه «مع عملية وقف إطلاق النار في لبنان، نحن أنهينا الجزء الأسهل، فالمعركة انتهت والحرب لم تنتهِ، فالأصعب أنك ستدخل بالمخططات غير المعلومة. ونحن (العراق) واقعون في المنطقة الحرام، لكن السياسة العقلانية المتوازنة استطاعت أن تجنبنا الضرر».

وأجاب، من ثم، عن طبيعة الرد العراقي إذا ما هاجمت إسرائيل أراضيه، بالقول: «إلى حد أيام قليلة كانت تأتي نتائج جيدة من المعادلات التي اشتغل عليها رئيس الوزراء، لكن رغم ذلك فلا أحد يضمن ما الذي يدور في بال حكومة نتنياهو، وما هو القادم مع الإدارة الأميركية الجديدة، وكيف سيتصرف نتنياهو».

وتابع العوادي، أن «الإسرائيليين عملوا على تفكيك الساحات، وتوجيه ضربات إلى اليمن وسوريا، لكن الطرف العراقي هو الوحيد الذي لم يستطيعوا الوصول إليه بفضل المعادلة... وقد يكونون وضعونا للحظات الأخيرة أو الأيام الأخيرة بنوع ما، وهذا وارد جداً، وتتعامل الحكومة العراقية مع ذلك».

شبح هجوم إسرائيلي

وحقاً، لا يزال شبح هجوم إسرائيلي واسع يخيم على بغداد، إذ تناقلت أوساط حزبية تحذيرات جدية من شنِّ ضربات جوية على العراق. وفي وقت سابق، قال مصدر مقرّب من قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، لـ«الشرق الأوسط»، إنَّ «مخاوف الأحزاب الشيعية من جدية التهديد دفعتها إلى مطالبة رئيس الحكومة للقيام بما يلزم لمنع الهجمات». وأكَّد المصدر أنَّ «فصائل عراقية مسلّحة لجأت أخيراً إلى التحرك في أجواء من التكتم والسرية، وقد جرى بشكل مؤكد إبدال معظم المواقع العسكرية التابعة لها».

وفي سياق متصل، تتحدَّث مصادر صحافية عمَّا وصفتها بـ«التقديرات الحكومية» التي تشير إلى إمكانية تعرّض البلاد لـ«300 هجوم إسرائيلي». وفي مطلع الأسبوع الماضي، شدَّدت وزارة الخارجية العراقية، في رسالة إلى مجلس الأمن، على أهمية «تدخل المجتمع الدولي لوقف هذه السلوكيات العدوانية لإسرائيل».

كما أنَّه حيال التهديدات الجدية والخشية الحقيقية من عمل عسكري إسرائيل ضد البلاد، اهتدت بعض الشخصيات والأجواء المقرّبة من الحكومة والفصائل إلى «رمي الكرة» في الملعب الأميركي، مستندين بذلك إلى اتفاقية «الإطار الاستراتيجي» المُوقَّعة منذ عام 2011، بين بغداد وواشنطن، وهو العام الذي خرجت فيه القوات الأميركية من العراق.

التهديدات الإسرائيلية من أهم القضايا التي تشغل الرأي العام العراقي

هادي العامري (رووداو)

العامري يلوم واشنطن

أيضاً، وجد هادي العامري، زعيم منظمة «بدر»، بنهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، الفرصة ليحمّل واشنطن مسؤولية حماية الأجواء العراقية، بعدما شنَّت إسرائيل هجوماً عسكرياً ضد إيران، مستخدمةً الأجواء العراقية في هجماتها. ويومذاك، حمّل العامري الجانب الأميركي «المسؤولية الكاملة» على انتهاك إسرائيل سيادة الأجواء العراقية في طريقها لضرب إيران. وقال، إن «الجانب الأميركي أثبت مجدّداً إصراره على الهيمنة على الأجواء العراقية، وعمله بالضد من مصالح العراق وشعبه وسيادته، بل سعيه لخدمة الكيان الصهيوني وإمداده بكل ما يحتاج إليه لممارسة أساليبه العدوانية، وتهديده للسلام والاستقرار في المنطقة».

وأضاف العامري: «لهذا باتت الحاجة ماسة أكثر من أي وقت مضى لإنهاء الوجود العسكري الأميركي في العراق بأشكاله كافة». وللعلم، فإن منظمة «بدر» - التي يقودها العامري - وردت ضمن لائحة المنظمات التي اتهمتها إسرائيل بشنِّ هجمات ضدها خلال الشكوى التي قدمتها إلى مجلس الأمن في 18 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

وبناءً على تصريحات العامري السالفة، وتصريحات أخرى لشخصيات مقرّبة من الفصائل المسلحة وقوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، تبلورت خلال الأسبوع الأخير، قناعة داخل أوساط هذه القوى مفادها، بأن واشنطن «ملزمة وبشكل مباشر بحماية الأجواء العراقية» من أي هجوم محتمل من إسرائيل أو غيرها، أخذاً في الاعتبار الاتفاقية الاستراتيجية الموقعة و«سيطرتها على الأجواء العراقية».

وبالتوازي، سبق أن حمّل فادي الشمري، المستشار السياسي لرئيس الوزراء، الولايات المتحدة، أيضاً وفقاً لـ«اتفاقية الإطار الاستراتيجي والاتفاقية الأمنية»، مسؤولية «الردع، والرد على أي هجمات خارجية تمسّ الأمن الداخلي العراقي».

الرد الأميركي قاطع

في المقابل، تخلي واشنطن مسؤوليتها حيال هذا الأمر. ورداً على المزاعم العراقية المتعلقة بـ«الحماية الأميركية»، قالت ألينا رومانوسكي، السفيرة الأميركية في بغداد، صراحةً إن بلادها غير معنية بذلك. وأردفت رومانوسكي، خلال مقابلة تلفزيونية سابقة، أن التحالف الدولي دُعي إلى العراق لـ«محاربة (داعش) قبل 10 سنوات، وقد حققنا إنجازات على مستوى هزيمة هذا التنظيم، لكنه ما زال يمثل بعض التهديد، ودعوة الحكومة العراقية لنا تتعلق بهذا الجانب حصراً. أما اتفاقية الإطار الاستراتيجي فتلزمنا ببناء القدرات العسكرية العراقية، لكنها لا تتطرق لمسألة حماية الأجواء والدفاع بالنيابة». ونفت السفيرة أن تكون بلادها قد «فرضت سيطرتها على سماء العراق».

والاثنين قبل الماضي، قالت رومانوسكي، خلال لقاء «طاولة مستديرة» لعدد من وسائل الإعلام: «أود أن أكون واضحة جداً، ومنذ البداية، بأن الإسرائيليين وجّهوا تحذيرات ردع للميليشيات المدعومة إيرانياً والموجودة هنا في العراق، التي تعتدي على إسرائيل». وأضافت: «هذه الميليشيات هي التي بدأت الاعتداء على إسرائيل. ولأكون واضحة جداً في هذه النقطة، فإن الإسرائيليين حذّروا حكومة العراق بأن يوقف هذه الميليشيات عن اعتداءاتها المتكررة والمستمرة على إسرائيل... إن رسالتنا إلى حكومة العراق هي أن تسيطر على هذه الميليشيات المنفلتة، والتي لا تعتد بأوامر الحكومة وأوامر القائد العام للقوات المسلحة رئيس الوزراء. إن إسرائيل دولة لها سيادتها، وهي سترد على أي اعتداء من أي مكان ضدها».

جدعون ساعر (آ ف ب)

 

حقائق

قلق عراقي جدّي من التهديدات الإسرائيلية مع مطالبة واشنطن بالتدخّل

خلال الأسبوع قبل الماضي، بعث وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر رسالةً إلى مجلس الأمن تكلّم فيها عمّا أسماه بـ«حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها»، وحمّل فيها الحكومة العراقية المسؤولية عن الهجمات التي تشنها الفصائل العراقية عليها، داعياً مجلس الأمن للتحرك والتأكد من أن الحكومة العراقية تفي بالتزاماتها. ساعر اتّهم بالتحديد «عصائب أهل الحق» و«كتائب حزب الله» و«ألوية بدر» وحركة «النُّجباء» و«أنصار الله الأوفياء» و«كتائب سيد الشهداء»، بمهاجمة إسرائيل، ومعظم هذه الفصائل مشاركة في الحكومة العراقية الحالية ولها نفوذ كبير داخلها. هنا، تجدر الإشارة إلى أنه سبق لرئاسة الوزراء العراقية توجيه وزارة الخارجية لمتابعة ملف التهديدات الإسرائيلية في المحافل الأممية والدولية وأمام هيئات منظمة الأمم المتحدة، واتخاذ كل الخطوات اللازمة، وفق مبادئ القانون الدولي، لحفظ حقوق العراق وردع تهديدات إسرائيل العدوانية. كذلك طالبت رئاسة الوزراء بـ«دعوة جامعة الدول العربية إلى اتخاذ موقف حازم وموحّد ضد تهديدات سلطات الكيان المحتل، يتضمن إجراءات عملية تستند إلى وحدة المصير والدفاع المشترك». وهذا بجانب «مطالبة مجلس الأمن الدولي بالنظر في الشكاوى المقدمة من جمهورية العراق ضد سلطات الكيان المحتل، واتخاذ إجراءات رادعة تكفل تحقيق الاستقرار والسِّلم الإقليمي والدولي»، وباتخاذ الولايات المتحدة مع العراق، من خلال الحوارات الأمنية والعسكرية ضمن إطار القسم الثالث من «اتفاقية الإطار الاستراتيجي»، خطوات فعالة «لردع سلطات الكيان المحتل» مع دعوة «التحالف الدولي والدول الأعضاء فيه إلى كبح هذه التهديدات والحدّ من اتساع رقعة الحرب».