الرئيس الإريتري لـ«الشرق الأوسط»: الشراكة مع السعودية ستنتشل شعوب المنطقة من مستنقع التخلف

أفورقي يحمل الاتحاد الأفريقي و«الإيغاد» مسؤولية إنهاك الأفارقة وهروبهم على قوارب الموت

TT

الرئيس الإريتري لـ«الشرق الأوسط»: الشراكة مع السعودية ستنتشل شعوب المنطقة من مستنقع التخلف

 الرئيس الإريتري أسياس أفورقي (تصوير: بشير صالح)
 الرئيس الإريتري أسياس أفورقي (تصوير: بشير صالح)

شنّ الرئيس الإريتري أسياس أفورقي هجوماً لاذعاً على الاتحاد الأفريقي و«الإيغاد» و«الإيواكس»، وقال إنها ولدت ميتة، محملاً إياها مسؤولية التدهور السياسي والاقتصادي والاجتماعي في الدول الأفريقية، مضيفاً أنها سبب في إنهاك الشعوب وإرسالهم إلى رحلات الموت والقذف بهم على شواطئ البحر الأبيض المتوسط، ورمي ما تبقى منهم في أحضان الغرب ومصادرة قراراتهم.

أمام ذلك، بدا الرئيس الإريتري متفائلاً بالشراكة السعودية - الأفريقية التي عدّها «ستنتشل شعوب المنطقة من مستنقع التخلف إلى التقدم والتنمية الاستدامة، وترفع قدرات 1.2 مليار نسمة، وتعمل على تعظيم الاستثمار في أكثر من 60 في المائة من الموارد الطبيعية على مستوى العالم، المختزنة في القارة السمراء، حيث تأمين الغذاء، في مواجهة الشح الذي يتسبب فيه التغير المناخي».

الرئيس الإريتري تحدث لـ«الشرق الأوسط» من مكان إقامته في فندق الريتز بالعاصمة السعودية الرياض، بعد مشاركته في القمة السعودية ـ الأفريقية في كثير من القضايا، خصوصاً الملفات في قارة أفريقيا والشراكة مع السعودية وملفات الإصلاح الداخلي، فإلى نص الحوار:

الرئيس الإريتري أسياس أفورقي (تصوير: بشير صالح)

* توصف العلاقات السعودية مع دول أفريقيا بالمميزة، وجاءت القمة السعودية - الأفريقية تتويجاً لهذه العلاقات، وأنتم أحد المشاركين فيها، فما الذي يميز هذه القمة؟

- شكراً لكم، وحقيقة ما يميز القمة السعودية - الأفريقية على غيرها من الاجتماعات والقمم في أكثر من مكان وفي حقب مختلفة، أنها قمة تعزز لشراكة استراتيجية حقيقية بين القارة الأفريقية والسعودية، وتنبع أهميتها أنها انعقدت في ظروف إقليمية ودولية معقدة، فضلاً عما تتمتع به السعودية من مقومات وفرص كبيرة على مختلف الصعد، مقابل ما تتمتع به الدول الأفريقية من ثروات طبيعية هائلة، فضلاً عن قوى بشرية تتجاوز 1.2 مليار نسمة، فضلاً عن أن الموارد في أفريقيا تعادل 60 في المائة من مجمل الموارد الطبية على مستوى العالم.

 

* هذا يقود لسؤال: لماذا لم تستفِد القارة الأفريقية حتى الآن من ثرواتها البشرية والطبيعية الضخمة؟

- حقيقة هناك حزمة تحديات تواجه القارة الأفريقية، فهي قارة مهمشة من قبل العالم الغربي، بالمقارنة مع مثيلاتها من قارات العالم الأخرى، بجانب أن معظمها في حالة عدم استقرار سياسي، وبالتالي عدم استقرار اقتصادي، وهذا ما يجعل القمة السعودية - الأفريقية بمثابة فرصة عظيمة، لتكامل حقيقي بين الطرفين، وبالضرورة أن تكون الشراكة الاستراتيجية بين الطرفين تكاملية، إذ إن القدرات السعودية كفيلة لاستنهاض القدرات الأفريقية ومواردها الثرية، وسينعكس ذلك إيجاباً على كل قارات العالم، وبالتالي فإن فهمنا لهذه الشراكة أنها تتميز بخصوصية في ظل حقبة تاريخية جديدة بكل ما فيها من أزمات وتحديات، عقب تجاوزنا لآثار الحرب الباردة، وسياسة القطب الأوحد، إذ نتجه لنظام عالمي متعدد الأقطاب، بعد مرور أكثر من 30 عاماً تقودها حقبة القطب الواحد، وآن الأوان لاستكشاف الفرص الوفيرة من الممكنات الاقتصادية الكبيرة في أفريقيا واستثمارها في الشراكات الاستراتيجية الذكية، من أجل تأمين مستقبل الأجيال القادمة، ولا بد أن يكون لدينا فهم صحيح لهذه الشراكة، من خلال تصميم المشروعات الحيوية بعناية وبجدية مشفوعة بخريطة طريق تشتمل على خطط وتنمية قدرات ونحتاج لعمل جاد، لترجمتها على أرض الواقع.

الرئيس الإريتري أسياس أفورقي (تصوير: بشير صالح)

* وما الطريقة المثلى لتحقيق أهداف الشراكة الاستراتيجية مع السعودية؟

- لا بد من تغيير المنهجية التي تسير بها الدول الأفريقية، والعمل على القضاء على الاضطراب السياسي والهشاشة والضعف، الذي تعاني منه كثير من البلدان كما هو الحال في النيجر والسنغال ومالي وبوركينا فاسو، وفي الغابون والسودان ودول منطقة القرن الأفريقي والجوار وغيرها، إذ لا بد من توفيق أوضاعها، والاستيقاظ من أحلام لا تفيد شعوبنا كوننا نمثل 1.2 مليار نسمة وموارد طبيعية متنوعة، إذ لا بد من محاربة الفساد بأنواعه وحوكمة الحكومات والحكم، والتنبه إلى خطورة التدخلات الأجنبية وسد الثغرات التي يمنحها بعض الساسة الأفارقة للعالم الغربي، حتى نكون قادرين على بناء الشراكة الاستراتيجية الحقيقية مع المملكة، التي نطمح بأن تحوّل الفرص الأفريقية إلى مشروعات استثمارية تعزز التنمية المستدامة لشعوب المنطقة.

 

* وماذا عن التعاون مع السعودية في قضايا تأمين البحر الحمر والممرات المائية؟

الشراكة السعودية - الإريترية استراتيجية تكاملية شاملة، وفق خطة تنموية جادة وبتوقيتات محددة، ونطمح لأن تتعزز العلاقات التجارية والاستثمارية وتوسيعها لتشمل منطقة القرن الأفريقي، في مجالات الأمن والصناعات التحويلية، غير أن التعاون الثنائي ليس له سقف محدد، أما على صعيد تأمين واستقرار البحر الأحمر كأحد الممرات المائية الدولية المهمة، فهذا جزء أصيل من شراكتنا الاستراتيجية مع خصوصيتها الجيوسياسية، لمواجهة المهددات الأمنية، ومع الاحتفاظ بالقدرات السيادية لكل بلد مشاطئ للبحر الأحمر لتأمين مياهه الإقليمية، بالتنسيق بين الدول المشاطئة حتى تتزود بآلية لتأمين واستقرار البحر الأحمر وحمايته من التدخلات الخارجية، وإذا احتاج أي من البلدان المشاطئة للاستفادة من مصالحها الخارجية مع دولة أخرى، وفق تنسيق وتشاور وتعاون بين الدول الأعضاء، ومن ثم تطوير الاستثمارات في القدرات والصناعات والطاقة والتعدين والسياحة والتكنولوجيا الحديثة والمياه والزراعة والصحة والتعليم، والثروة السمكية والبنى التحتية والمشروعات الخضراء.

 

* ألا ترى أن هنالك تحديات ربما تعرقل مثل هذه الشراكات الاستراتيجية؟

- نعم، فعلى الرغم مما تتمتع به القارة الأفريقية من مقومات تأمين الغذاء في العالم، فإن هناك تحديات خلقت واقعاً مريراً، يتطلب تعزيز حوكمة المشروعات والعمل معاً للخروج من المستنقع، الذي ما زلنا عالقين فيه منذ عقود، من أزمات ودمار، ما يعوق تحقيق أي شراكة استراتيجية مع أي طرف في العالم، فضلاً عن ضرورة سد الثغرات أمام الدول الغربية التي تنهب ثرواتنا، إذ تحدثت إلى زملائنا في الغرب الأفريقي بهذا الشأن، وضربت لهم مثلاً عن نهب فرنسا لثروات النيجر، خصوصاً اليورانيوم الذي تستخدمه أوروبا في مفاعلات الطاقة النووية والكهربائية وغيرها، على مدى 50 عاماً، دون أن ينال الشعب النيجري منها ما يسد رمقه ويساعده في النهضة الاقتصادية، بسبب أخطاء النظم السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية بالنيجر، وحقيقة ليست لدينا حساسية في شراكة مع أي دولة غربية مثل فرنسا، إذا تعاملت معنا بعدالة فيما يلي شعوبنا من عائدات مواردنا.

خذ مثالاً آخر؛ وهو السودان الذي نقول عنه منذ نعومة أظافرنا، إنه سلة غذاء العالم، وبه ثروات متنوعة لا حصر لها، غير أنه ما زال يتلقى المساعدات من الخارج. أعود فأقول: علينا أن نصحح أوضاعنا الداخلية سياسياً وأمنياً واقتصادياً واجتماعياً وثقافياً، للاستفادة من أي شراكة مع دول أو قارة، والشراكة مع السعودية فرصة مثالية لمعالجة أخطائنا الداخلية، للاستفادة من مواردنا وشراكاتنا، ومواجهة مهددات مبنية على مفاهيم الإثنيات والعرقيات تشتعل بمجرد التزوير والتلاعب بمفاهيم الديمقراطية والحرية والمشاركة المدنية، بالتشويش والتضليل الإعلامي هنا وهناك تستغله أيادٍ خارجية لتمرير أجندتها في بلداننا الأفريقية، وبالتالي لا بد من تشخيص مشكلات أفريقيا بشكل واقعي كشيء أساسي، مع ضرورة أن تعي الشعوب ذلك، مع التخطيط لاستيعاب ذلك، إذ إن كل اقتصاديات أفريقيا بدائية، مع افتقار للصناعات التحويلية، في ظل حاجة ماسة للتعليم لرفع كفاءة الموارد البشرية، وإيقاف نزيف هجرات الموت لشبابنا إلى أوروبا، وهذا تحدٍ لا يستهان به. أخلص إلى أنه ما لم تحسم أفريقيا مشكلاتها، فلن تكون هناك شراكة مثمرة.

الرئيس الإريتري أسياس أفورقي (تصوير: بشير صالح)

* هل يعني ذلك أن هنالك خلل في التعاطي الأوروبي - الأفريقي في تعظيم قدرات القارة السمراء؟

- الاستعمار الأوروبي للقارة قديماً كان بين أبيض وأسود، ولكن للأسف حالياً يوجد استعمار حديث، يمكن أن أسميه «العبودية الحديثة»، وبهذه المناسبة فإن الآباء المؤسسين لمنظمة الوحدة الأفريقية، كانت لديهم طموحات مشروعة، ونظريات ومعارف وخطط قابلة للتنفيذ، وكانوا يتمتعون بإلهام وأطروحات أقرب لتحقيق تطلعاتهم وأحلامهم والنهوض بالقارة السمراء، غير أن الاستعمار القديم الذي سلم الراية للاستعمار الحديث للعيش أراد لنا البقاء في مربع التخلف والتشرذم، واستغلال قوى «دون تعميم»، تحت شعارات مزيفة بالحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان، بينما هي تقيدها، بخططها الاستعمارية بما يضعها في مربع العمالة أكثر من كونها كوادر وطنية، ما سهّل لها نهب الثروات الأفريقية، الأمر الذي يحتم على الأفارقة تغيير المنهج والتعاون لحشد الطاقات للنهوض ببلدانهم ورفاهية شعوبهم، مع ضرورة محاربة الفساد، وعدم تجزئة الحلول والانخراط في تشويش شعارات براقة مزيفة لا تغني ولا تسمن من جوع.

الرئيس الإريتري أسياس أفورقي (تصوير: بشير صالح)

* وماذا عن أداء منظمة «الاتحاد الأفريقي» ومجموعة «الإيغاد»؟

- كما يقولون فإن «الاعتراف بالحق فضيلة»، يتحتم علينا أن نقرّ بأنه لا وجود فعلياً لأي منظومة أفريقية، سواء منظمة «اتحاد أفريقي» أو منظمة «إيغاد»، مع أن المؤسسين كانوا أصحاب إلهام وأفكار ومعارف، فعندما أقرّ الجميع بضعف أداء «منظمة الوحدة الأفريقية»، وفكروا بتجديد بنيتها ومنهجها باسم «الاتحاد الأفريقي» على غرار «الاتحاد الأوروبي»، كانت المحصلة صفراً، وكذلك ينسحب الأمر على منظمة «إيغاد»، ودون الدخول في التفاصيل، لكن كانت المقاربة أو الانتقال من اسم «منظمة الوحدة الأفريقية» إلى «الاتحاد الأفريقي» خاطئة وتفتقر للمنهجية، فلم تكن على قدر مستوى الهموم والأفكار والطروحات المأمولة، ما أفشل مهمة الكتلة الأفريقية أكثر، فكانت عبارة عن تقليد للمنظومات الأوروبية دون إحداث هيكلة حقيقية تصنع بديلاً يناسب المرحلة ويستوعب المستجدات، إذ إن كثيراً من الحكومات والأنظمة السياسية المنضوية تحتها كانت ترهن قراراتها لقوى خارجية بذريعة «مشاورات»، ولذلك فشلت في إيجاد حلول للصراعات الداخلية والخلافات الأفريقية، فلم يخرج نشاطها عن أداء علاقات عامة حتى بعد 20 عاماً، ما يستدعي تشخيص هذه الإشكالية لاستعادة الحياة في كائن مفترض فيه حل مشكلات القارة السمراء، وبسط الأمن والاستقرار وإزالة الخلافات بين دولها وفي داخلها.

أما منظمة «إيغاد» فكانت فكرتها الأولى محاربة الجراد، ثم فكروا في أن تعمل على التنمية، ولكن كانت أمامنا تحديات أمنية تستدعي معالجتها قبل الخوض في برامج تنموية مزعومة، وهذا لم يحدث، فضلاً عن أن الإثنيات والعرقيات والانتماءات شلت أداء المنظومة، ومزقت النسيج الاجتماعي وفق الدين والعرق، مقابل انشغال الحكومات بتلقي الوصايا الخارجية، ففي عام 2006 وقع الغزو الخارجي على مقديشو من قبل قوى عظمى، وما زال تمرير الأجندة الخارجية يتم خلال المنظومات والكتل الأفريقية المختلفة؛ من «اتحاد أفريقي» أو «إيغاد» أو «الإيواكس»، أو «القرن الأفريقي»، كأذرع لمخالب التدخل الخارجي، فمثلاً «الإيواكس» تلوح بالتدخل العسكري في النيجر لاحتواء موقف البلاد، ولكن السؤال المطروح: في مصلحة من سيكون التدخل العسكري؟ سواء في النيجر أو مالي أو بوركينا فاسو؟ إنها مسرحيات تمارس في أفريقيا، تستدعي مواجهتها بشجاعة، مع تقييم موضوعي للحالة الأفريقية، وهيكلة منظوماتها، نحسم أمرها اليوم قبل الغد، بالاعتراف بالفشل والإخفاقات والإتيان بالبديل الفعال، مع ضرورة إشراك الشعوب في العملية الأفريقية، وإلا سيكون المقبل أسوأ، وأدعو لتعبئة أفريقية وفق عمل سياسي دبلوماسي وفق خطة إعلامية غير مضللة، مع الاستعانة بالمفكرين والخبراء في توعية الشعوب بما يحدث، وفق خطط تفصيلية مدروسة، مع إشراك أكبر قاعدة من الشعوب.

 

* في حديثك عن أداء «الاتحاد الأفريقي» و«الإيغاد»... هل تعتقد أنهما عمّقا الأزمة السودانية؟

- الدور الأفريقي في القضية السودان مخزٍ، والسؤال الملح: لماذا يحدث للشعب السوداني ما حدث؟ كل المنظمات الأفريقية فضلاً عن منظمة الأمم المتحدة، فشلت في تحقيق أدنى مستوى من المعالجة للأزمة، فالأزمة السودانية كانت اختباراً حقيقياً لوجودية هذه الكيانات التي درجت على تأجيل الحلول.

كذلك، فإن تعدد المنابر كان ذريعة للتدخل الخارجي، بجانب أن القوى السياسية الفاشلة عقدت عملية الحلول الممكنة للأزمة، فمن الأهمية توحيد المنابر، ولذا أعتقد أن منبر جدة يكفي لقيادة المفاوضات السودانية دون حتى الاستعانة الأميركية، بحكم الرابط الجغرافي والتاريخي، فمشكلة السودان مشكلة القارة ودول المنطقة ككل، وبالضرورة لا بد أن تكون لدينا فيها مساهمة إيجابية، مع يقيني بأن الحلّ بيد السودانيين أنفسهم، ولكن يمكن الاستفادة من المساهمات للذين يساندون السودان وشعبه، بمنهجية وموضوعية.

الرئيس الإريتري يتحدث لـ«الشرق الأوسط» (تصوير: بشير صالح)

* لماذا طال أمد الحرب في السودان؟

- منذ عام 2020 و2021 و2022، أحاول أن أفهم ما يحدث في السودان، وجدت أن التعقيدات في المشهد السوداني نتاج تدخلات وأجندات خارجية، ومن دون جدلية، أستطيع القول إن النظام السابق علّم السودانيين كيفية أن يحسنوا اختياراتهم، ولذلك انطلقت الانتفاضة بشكل عفوي، فالشعب عبأ نفسه بنفسه، وليس لأي قوى سياسية أو حزب، الحق في أن يدعي تبني ثورة ديسمبر (كانون الأول) 2019، فالادعاء شيء معيب، لأن عملية بناء الدولة في السودان كانت عملية مستمرة منذ استقلاله في عام 1956، إذ إن الشعب السوداني وقتها يتمتع بثقافة ومعرفة وفرص أفضل مما كان عليه الأفارقة الآخرون، ولكن بالحديث عن عهد الإنقاذ فإنه حدث إفراغ سياسي، فجاءت بعده الثورة، فالمرحلة الانتقالية التي تحتاج إلى قراءة صحيحة، ولكن للأسف تعرضت لعملية غسل من قبل الأجندات الخارجية بمساعدة داخلية، لأن السودان مستهدف من حيث الموقع الجغرافي والسياسي والثقافي والاجتماعي والاقتصادي، فنجم عن ذلك التعقيدات والمشكلات التي انتهت بالأزمة الحالية، لخلق منصة لتعقيدات أخرى لما بعد السودان، وأنا لدي مسودة مبادرة ولكن ليست للإعلام أو النشر، ويمكن طرحها لدول الجوار، لأن السودان مهم للجميع ليس فقط دول الجوار، وفي النهاية للسودانيين الحق في اتخاذ قراراتهم للوصول إلى برّ الأمان، وهي تختلف عن أطروحات بعض السياسيين، التي ترتبط ببعض الأجندة الخارجية، المقدمة في عدة عواصم أفريقية.

 

* وهل من الممكن إطلاعنا على هذه المبادرة والإفصاح عنها؟

- المبادرة سأعرضها على دول الجوار، ولكن لن أفصح عنها للإعلام، غير أنني من دون أي مجاملة، أؤمن بأن الشعب السوداني يتمتع بثقافة ووعي لا يتوفران لدى كثير من الشعوب الأخرى، بسبب التجارب الثرية التي أسهموا فيها منذ استقلال السودان في عام 1956، فهم مؤهلون لحل مشكلاتهم، ولديهم خيارات يمكنهم مشاركتها مع دول الجوار إذا أرادوا، مع أهمية التشخيص السليم للأزمة دون أي تحيز أو ارتباط بأي أجندة خارجية، ولذلك أرى في توحيد المنابر التفاوضية بمنبر واحد كمنبر جدة، بعيداً عن التعقيدات المصدرة من الخارج، يمكن بكل هدوء من خلاله إيجاد حل للأزمة السودانية، خلال عام أو عامين على الأكثر، من خلال خريطة طريق واضحة وفق خطوات واقعية سليمة، مسنودة بدعم كل من يتمنى خيراً للسودان، حتى لا تحدث كارثة للسودان، كانفصال جنوب السودان، وما كان ذلك ليحدث، وهذا ليس رأيي أنا، وإنما رأي الجنوبيين أنفسهم، حيث وجدت الأجندة الخارجية والتدخلات في تعميق مفهوم الانفصال الذي كان الدكتور جون قرنق يحمل فكرة أخرى للسودان الواحد، وفي ذلك عبرة لا بد من الاستفادة منها لاحتواء الأزمة السودانية بشكل يوحده لا يفتته، بعيداً عن طرح الأفكار المغرضة التي تحاول اتساع الفجوة بين العسكر والمدنيين والتمسك بقضايا جدلية لا طائل منها.

الرئيس الإريتري أسياس أفورقي (تصوير: بشير صالح)

* لكن هنالك قوى سياسية أخرى في السودان...

- للأسف لا توجد قوى سياسية بالمعنى، ولا أعترف بها وليس منها جدوى، مجرد انزلاقات لا بد من الحذر منها، لأنها تصرف الأنظار عن القضايا الحقيقية وتخلق فرصة للانتهازية والمزايدة وتعقيد العملية السياسية وتأجيل الحلول، والتدخلات الخارجية.

 

* تعيش غزة وضعاً مأساوياً ومعها القضية الفلسطينية، هل هنالك دور سواء على مستوى القارة الأفريقية أو جمهورية إريتريا لوقف إطلاق النار؟

- الوضع في غزة مؤلم جداً بكل ما تعنيه الكلمة، حيث إنها عرت النظام العالمي، وفضحت المزايدات والمواقف الدولية والدول العظمى، إذ إنني قبل 30 عاماً، اختلفت مع بعض أعضاء الحركات الفلسطينية، واختلفت مع الراحل الزعيم ياسر عرفات، وكنت أقول له إن طرح عملية «حل الدولتين» مجرد خدعة لن تجد طريقها للنفاذ، لأنه أريد بها تأجيل الحلول وطمس القضية الفلسطينية، حينها أخذ خلافي معهم بأننا متهورون وعاطفيون، واليوم بعد أكثر من 30 عاماً من الخلاف معهم، اتضح لهم أنني كنت على صواب، حيث أخذ طرح «حلّ الدولتين» كذريعة للتهرب من الحلول الحقيقية، وكذلك خدعة اتفاقيات أوسلو وما بعدها، إذ ليس من بديل لحق تقرير الفلسطينيين وأمن واستقرار المنطقة، فالمأساة الحالية في غزة حالياً تطرح السؤال: لماذا تم تأجيل الحلول إلى كل هذا الوقت الطويل؟ فالشعب الفلسطيني يدفع الثمن باهظاً لكل التبريرات التي تخدر الجسم ولا تعالج المرض، فمن الغرابة بمكان أن نصدق مسرحية إسرائيل بشعار «حق الدفاع عن النفس»، بينما تزج بالفلسطينيين في السجون على مدى عقود، فضلاً عن القتل المستمر، غير أن المظاهرات التي انتظمت بالعالم، يمكن تأطيرها لخلق حالة شعبية عالمية لمواجهة الصلف الإسرائيلي.

الرئيس الإريتري أسياس أفورقي (تصوير: بشير صالح)

* على المستوى الداخلي، هل حققت خطتكم لتحسين الوضع الاقتصادي أهدافها؟

- بكل صراحة لم نحقق حتى الآن أكثر من 25 في المائة من طموحاتنا وقدراتنا، ولكن نعمل وفق خطط لتعزيز الفهم الصحيح لتحسين الوضع الاقتصادي، وخلق فرص وتحديد الأولويات وهي كهرباء وطاقة وبنية تحتية وخدمات مطلوبة لكل الصناعات، مع إدارة تنمية الموارد المائية كالسدود والاستفادة من السدود واستخدام التكنولوجيا الحديثة للزراعة وتطويرها، بجانب صناعات تحويلية من خضراوات وفواكه وثروات سمكية، ومواشٍ وألبان.

نسعى لتحقيق استقرار في المورد المائي الذي تجاوزنا حالياً فيه نسبة 40 في المائة، أما التعدين فهو من القطاعات الأساسية المستهدفة بالتطوير، مع أننا لم نتجاوز 5 في المائة من القدرات المتوفرة، ولدينا نسب كبيرة من الكوبالت والمنجنيز والذهب والنحاس والزنك ومعادن أخرى، ونعمل على تحسين البنى التحتية والطرق والمواصلات وتوفير الطاقة، لإطلاق المشروعات التنموية والصناعية، ما يحفزنا لإطلاق شراكات مع جيراننا، وفي مقدمتهم السعودية، بجانب شراكات مع دول أخرى مثل الصين وأستراليا وكندا وأوروبا، لتعزيز التنمية المستدامة.

 

* ماذا عن الإصلاح السياسي في البلاد؟ وهل سيتم استيعاب المعارضة؟

- من دون تفاصيل لا توجد معارضة، ولكن توجد عمالة بالخارج، ويمكنك أن تسأل الشعب سيجيبك، إذ النضال والكفاح المسلح للشعب على مر السنين خلق حالة من اللحمة والتضامن، وخلق حالة سياسية وثقافية ضامنة لوحدة الشعب، ولو هناك خلافات في بعض الآراء لا تكون معارضة، وإنما وجهة نظر يؤخذ بها للمصلحة، ولكن للأسف المعارضة أصبحت موضة يرتزق منها بعض الفئات في بعض البلاد.


مقالات ذات صلة

القطاعات الاقتصادية واللوجيستيات تدفع جدة السعودية لمنافسة المدن العالمية

الاقتصاد جانب من جلسات غرفة جدة حول ريادة الأعمال (الشرق الأوسط)

القطاعات الاقتصادية واللوجيستيات تدفع جدة السعودية لمنافسة المدن العالمية

تشهد مدينة جدة، غرب السعودية، حراكاً كبيراً في القطاعات الاقتصادية والسياحية كافة، فيما يدفع قطاع اللوجيستيات المدينة للوصول لمستويات عالية في تقديم هذه الخدمة.

سعيد الأبيض (جدة)
الخليج الأمير عبد العزيز بن سعود خلال مشاركته في الاجتماع الـ41 لوزراء الداخلية بدول الخليج في قطر (واس)

تأكيد سعودي على التكامل الأمني الخليجي

أكد الأمير عبد العزيز بن سعود وزير الداخلية السعودي، الأربعاء، موقف بلاده الراسخ في تعزيز التواصل والتنسيق والتكامل بين دول الخليج، خصوصاً في الشأن الأمني.

«الشرق الأوسط» (الدوحة)
الخليج الأمير فيصل بن فرحان وزير الخارجية السعودي خلال إلقائه كلمته في الجلسة الثالثة لقمة دول مجموعة العشرين (واس)

السعودية تدعو إلى تبني نهج متوازن وشامل في خطط التحول بـ«قطاع الطاقة»

أكدت السعودية، الثلاثاء، أن أمن الطاقة يمثل تحدياً عالمياً وعائقاً أمام التنمية والقضاء على الفقر، مشددة على أهمية مراعاة الظروف الخاصة لكل دولة.

«الشرق الأوسط» (ريو دي جانيرو)
يوميات الشرق التنوع البيئي وجماليات الشعب المرجانية في البحر الأحمر (واس)

ابيضاض الشعب المرجانية يضرب العالم... والبحر الأحمر الأقل تضرراً

تعدّ الشُّعَب المرجانية رافداً بيئياً واقتصادياً لكثير من الدول؛ فقد نمت فيها عوائدها لمليارات الدولارات؛ بسبب تدفّق السياح للاستمتاع بسواحلها وبتنوع شعبها.

سعيد الأبيض (جدة)
الخليج الأمير خالد بن سلمان وزير الدفاع السعودي خلال مباحثاته مع نظيره البريطاني جون هيلي في الرياض (واس)

نقاشات سعودية - بريطانية لتطوير التعاون الدفاعي

استعرض الأمير خالد بن سلمان وزير الدفاع السعودي مع نظيره البريطاني جون هيلي، الخميس، الشراكة الإستراتيجية بين البلدين، وسبل تعزيزها وتطويرها عسكرياً ودفاعياً.

«الشرق الأوسط» (الرياض)

إطلاق نار كثيف في مقر إقامة رئيس الاستخبارات السابق بجنوب السودان

جوبا عاصمة جنوب السودان (مواقع التواصل)
جوبا عاصمة جنوب السودان (مواقع التواصل)
TT

إطلاق نار كثيف في مقر إقامة رئيس الاستخبارات السابق بجنوب السودان

جوبا عاصمة جنوب السودان (مواقع التواصل)
جوبا عاصمة جنوب السودان (مواقع التواصل)

وقع إطلاق نار كثيف، الخميس، في جوبا عاصمة جنوب السودان بمقر إقامة رئيس الاستخبارات السابق، أكول كور، الذي أقيل الشهر الماضي، حسبما أكد مصدر عسكري، فيما تحدّثت الأمم المتحدة عن محاولة لتوقيفه.

وبدأ إطلاق النار نحو الساعة السابعة مساء (17.00 ت.غ) قرب مطار جوبا واستمر زهاء ساعة، بحسب مراسلي «وكالة الصحافة الفرنسية».

وأبلغت الأمم المتحدة في تنبيه لموظفيها في الموقع، عن إطلاق نار «مرتبط بتوقيف الرئيس السابق لجهاز الاستخبارات»، ناصحة بالبقاء في أماكن آمنة.

وقال نول رواي كونغ، المتحدث العسكري باسم قوات الدفاع الشعبي لجنوب السودان، لإذاعة بعثة الأمم المتحدة في البلاد (مينوس) إنه «حصل إطلاق نار في مقر إقامة رئيس الاستخبارات السابق».

وأضاف: «شمل ذلك قواتنا الأمنية التي تم نشرها هناك لتوفير مزيد من الأمن».

وتابع: «لا نعرف ماذا حدث، وتحول سوء التفاهم هذا إلى إطلاق نار»، و«أصيب جنديان بالرصاص». وأضاف: «بعد ذلك هرعنا إلى مكان الحادث... وتمكنا من احتواء الموقف عبر إصدار أمر لهم بالتوقف».

وقال: «مصدر عسكري مشارك في العملية» لصحيفة «سودانز بوست» اليومية، إن أكول كور أوقف بعد قتال عنيف خلف «عشرات القتلى والجرحى من عناصره»، لكن التوقيف لم يتأكد رسمياً حتى الآن.

وأظهرت صور انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي وأخرى نشرتها الصحيفة شبه توقف لحركة المرور بالقرب من مقر إقامة رئيس الاستخبارات السابق، حيث فر سائقون خائفون بعد سماع إطلاق النار تاركين سياراتهم، وفقاً لصحيفة «سودانز بوست».

وأقال رئيس جنوب السودان سلفاكير في أكتوبر (تشرين الأول) رئيس جهاز الاستخبارات الوطنية أكول كور الذي تولى منصبه منذ استقلال البلاد عام 2011، وكلّفه تولي منصب حاكم ولاية واراب التي تشهد اضطرابات.

ولم تُحدّد أسباب هذه الخطوة. ويأتي هذا القرار بعد أسابيع من إعلان الحكومة تأجيلاً جديداً لعامين، لأول انتخابات في تاريخ البلاد، كان إجراؤها مقرراً في ديسمبر (كانون الأول).

بعد عامين على استقلاله، انزلق جنوب السودان إلى حرب أهلية دامية عام 2013 بين الخصمين سلفاكير (الرئيس) ورياك مشار (النائب الأول للرئيس)، ما أسفر عن مقتل 400 ألف شخص وتهجير الملايين.