مع استمرار نمو مواقع التواصل الاجتماعي، يعمل المشرعون وصُناع القرار حول العالم على مراقبة تأثير شبكات «التواصل الاجتماعي» (السوشيال ميديا) على المجتمع، خاصة الشباب. وفي هذا الإطار، شددت الدكتورة مارغريت دفي، المديرة التنفيذية لـ«معهد نوفاك للقيادة» في جامعة ميزوري الأميركية وأستاذة (بروفسورة) التواصل الاستراتيجي في الجامعة ذاتها، خلال حديث لـ«الشرق الأوسط»، على «أهمية ابتكار تشات جي بي تي، وتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي في صناعة الإعلام والتسويق».
وأضافت الأكاديمية الأميركية أن «الفترة المقبلة ستشهد تنامياً كبيراً لمواقع التواصل الاجتماعي، لا سيما إنستغرام وتيك توك». إلا أنها لفتت إلى «تزايد المخاوف بشأن تأثير منصات التواصل الاجتماعي على الصحة العقلية والنفسية للمستخدمين، ولا سيما فئة الشباب والمراهقين». وأشارت دفي في حديثها عن تأثير مواقع التواصل الاجتماعي على الصحة النفسية للمستخدمين إلى عدد من الدراسات الحديثة التي حذّرت من مخاطرها.
وبالفعل، في مايو (أيار) عام 2017 أظهر استطلاع رأي «الجمعية الملكية للصحة العامة» في بريطانيا أن «إنستغرام هو الأسوأ بين منصات التواصل الاجتماعي من حيث تأثيره على الصحة النفسية للشباب».
الدكتورة مارغريت دفي (موقع جامعة ميزوري)
وهذه المخاطر أكدتها تسريبات لدراسات أعدتها شركة «ميتا» على مدار ثلاث سنوات، ذكرت أن «تطبيق إنستغرام يضر بالصحة العقلية للمستخدمين، وبخاصة المراهقات». وجاء ذلك في الوقت الذي اتخذت هذه المنصات إجراءات بداعي «تقليل المخاطر على الصحة النفسية للمراهقين». ومن ثم، حذرت الدكتورة دفي من أن يؤدي استمرار تنامي منصات التواصل الاجتماعي بالشكل الحالي، إلى أزمة للصحة النفسية، ونوهت إلى «أهمية أن يلعب المشرعون وصناع القرار دورا في قوننة المنصات والتقليل من مخاطرها على المستخدمين».
الاعتماد على «المؤثرين»
تطرقت دفي، التي كتبت العديد من المؤلفات، وشاركت في إعداد خطط تسويقية لعدد من المؤسسات الإعلامية حول العالم، في حديثها لـ«الشرق الأوسط» إلى دور «المؤثرين» على مواقع التواصل الاجتماعي في العملية الإعلامية والتسويقية.
وقالت إن «الفترة المقبلة ستشهد تزايداً في الاعتماد على المؤثرين في التسويق والدعاية للعلامات التجارية».
وحقاً، تشير الدراسات والإحصائيات إلى تنامي اعتماد المسوّقين على المؤثرين في التسويق لعلاماتهم التجارية، ووفق موقع «ستاتيستا» فإن حجم سوق إعلانات «المؤثرين» عالمياً بلغ في عام 2022 نحو 16.4 مليار دولار أميركي وهو أكثر من ضعفي ما كان عليه عام 2019.
غير أن نمو الاعتماد على «المؤثرين» في التسويق، يتزامن مع بروز «ظاهرة عكسية» على السطح، على حد تعبير دفي. إذ أوضحت أن «الفترة الماضية شهدت انتشاراً لما يسمى بالتأثير العكسي... وهو عبارة عن مجموعة من مقاطع الفيديو، انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي خلال يناير (كانون الثاني) الماضي، وفيها يتكلم المؤثرون عن منتجات سيئة تعاملوا معها أو جربوها، وينصحون الناس بالإحجام عن شرائها».
وبالفعل، حظيت حملة «التأثير العكسي» التي انطلقت تحت وسم de - influencers، بشعبية لافتة على مواقع التواصل الاجتماعي، محققة نحو 300 مليون مشاهدة مع بداية مارس (آذار) الماضي، وفقاً للبيانات الرسمية. وتتوقع دفي أن يتزايد نمو ظاهرة «التأثير العكسي» في الفترة المقبلة.
الوادي الغريب
ولا يقتصر نمو الاعتماد على «المؤثرين» على النماذج البشرية، بحسب دفي، التي أشارت إلى أن «الأمر امتد أيضا إلى تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، والمؤثرين الافتراضيين... والفترة المقبلة ستشهد تنامياً في الاعتماد على تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، حيث إنه على ما يبدو لم تعد نظرية «الوادي الغريب» تنطبق على الشخصيات الافتراضية».
وللعلم، «الوادي الغريب» (أو «العجيب») مصطلح ابتكره الياباني ماساهيرو موري عام 1970. وهو يعبر عن التحول الحاصل في شعور البشر تجاه الروبوتات التي تشبه الإنسان. ومعه يكون شعور البشر حيال واقعية الروبوتات عاطفياً ومفعماً بالقبول، إلى أن يصل الشبه إلى مرحلة معينة يتحول فيها التعاطف إلى نفور واشمئزاز، لدرجة الخوف والبكاء - عند البعض، لا سيما صغار السن، وذلك بحسب مجلة «هارفارد بيزنس ريفيو».
الدكتورة دفي تتابع في شرحها القول بأن ظهور «تشات جي بي تي» بات أحد العوامل التي سيكون لها تأثير مهم على صناعة الإعلام. وأردفت أن «الفترة المقبلة ستشهد تنامياً في الاعتماد على تشات جي بي تي، سواءً في إنتاج المحتوى الإعلامي، أو التسويقي أيضاً... وكمثال يأتي اعتماد شركة ميتا (مالكة فيسبوك) على تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي في توجيه الإعلانات، والتغلب على القيود التي تفرضها بعض التطبيقات لحماية بيانات المستخدمين».
وتابعت الأكاديمية والخبيرة الإعلامية «مسألة الخصوصية ستصبح إحدى المشاكل الرئيسة بالنسبة للمسوقين والمعلنين ووسائل الإعلام التي كانت تعتمد على دراسة سلوكيات وتصرفات المستخدمين بهدف تسويق المنتجات أو المحتوى الإعلامي».
وتوقعت أنه «مع تنامي وعي المستخدمين بمسألة الخصوصية، ومحاولة بعض التطبيقات وضع قيود لحماية البيانات، سيواجه تسويق المحتوى صعوبات في الفترة المقبلة، ما قد يدفع لمزيد من الاعتماد على الذكاء الاصطناعي وتشات جي بي تي».
وفيما يتعلق بالساحة الإعلامية، ترى دفي أن «سوق الإعلام يشهد حالة تجزئة من المتوقع أن تتواصل خلال الفترة المقبلة، مع تزايد قنوات التسويق الرقمية التي تمتلكها المؤسسات الإعلامية أو العلامات التجارية، بما في ذلك القنوات على منصات التواصل الاجتماعي... إلا أن هذا لا يعني التوقف عن التسويق المباشر، والعروض التجريبية، والمعارض التسويقية، التي ستستمر في النمو أيضاً». وهنا أشارت إلى أن «المؤسسات الإعلامية باتت تشجع العاملين فيها على تحويل حساباتهم الشخصية على مواقع التواصل الاجتماعي إلى أدوات تسويقية للمؤسسة وللصحافي في نفس الوقت». وقالت إن «هذه المسألة تضع عبئاً كبيراً على عاتق الصحافيين والإعلاميين، لا سيما مع انتشار ثقافة تربط المكانة المهنية بعدد المتابعين، وكم علامات الإعجاب والمشاركات... وهنا على الصحافي أن يلتزم بقواعد الشفافية والمهنية في هذا الأمر، لا سيما أن اسمه أصبح علامة تجارية تستقطب الجمهور، وبالتالي عليه أن يحافظ على صدقيتها».
قوة الصورة
على جانب آخر، تطرّقت الدكتورة دفي إلى «أهمية التواصل المرئي»، وقالت شارحة «إن الصور والفيديو غالباً ما تكون أقوى من الكلمات، لدرجة يطغى فيها المحتوى المرئي على الرسائل التي يسعى البعض لإرسالها». وبعدما أشارت إلى أنها أصدرت عام 2021 كتاباً يتضمن دراسة تفصيلية لأهمية المحتوى المرئي في التواصل الإعلامي، أضافت «على القائمين على العمل الإعلامي أن يدركوا أهمية المحتوى المرئي، سواءً كانوا يحاولون إقناع الجمهور بفكرة أو منتج أو خدمة، فمن المهم ألا يكون المحتوى المرئي مشتتاً أو بعيداً عن الرسالة المراد إرسالها». وفصّلت، كمثال، أن «قطع صورة بشكل خاطئ يمكن أن يساهم في نقل معلومة مضللة، وعلى العكس فإن القطع أو التأطير الجيد للصورة يمكن أن يسهم في توضيح المعنى... ذلك أن الصورة أداة قوية، ويجب علينا أن ندرك كيف نستفيد منها».