مَن يتحكم بقطاع الإعلام في تونس؟

بعد إلغاء الوزارة و«الهيئات المستقلة»

وقفة امام مقر نقابة الصحافيين التونسيين حول الحريات الصحافية (أرشيف)
وقفة امام مقر نقابة الصحافيين التونسيين حول الحريات الصحافية (أرشيف)
TT

مَن يتحكم بقطاع الإعلام في تونس؟

وقفة امام مقر نقابة الصحافيين التونسيين حول الحريات الصحافية (أرشيف)
وقفة امام مقر نقابة الصحافيين التونسيين حول الحريات الصحافية (أرشيف)

أصدرت النقابة الوطنية للصحافيين التونسيين، على هامش «اليوم العالمي لحرية الصحافة»، تقريرها السنوي الجديد عن واقع قطاع الإعلام والاتصال في البلاد، بعد نحو 13 سنة ونصف السنة على «الثورة الشبابية الاجتماعية»، التي أدت إلى انهيار حكم الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي، وإلى تغييرات سياسية كثيرة من بينها حل وزارة الإعلام ومعظم مؤسسات الدولة التي كانت تشرف على القطاع.

تضمّن هذا التقرير السنوي «ملاحظات نقدية»، بالجملة، حول الظروف المادية والمعنوية والسياسية التي يمرّ بها القطاع وآلاف العاملين فيه وعشرات المؤسسات الإعلامية العمومية والخاصة، التي تمرّ بصعوبات مالية ومهنية تسببت في غلق كثير منها، وإحالة مئات الإعلاميين على البطالة الرسمية أو المقنعة.

من جهة ثانية، حظي التقرير أيضاً باهتمام خاص لتزامنه مع انطلاق الاستعدادات لتنظيم الانتخابات الرئاسية المقررة في الخريف المقبل. غير أن بين أخطر الأسئلة التي تشغل الإعلاميين وصناع القرار والرأي العام بعد إصدار مثل هذه التقارير «النقدية» هو: مَن يتحكم في قطاع الإعلام والاتصال اليوم بعد نحو عقد ونصف العقد من حل «وزارة الإشراف» ومؤسسات الدولة المكملة لها، ثم بعد «تهميش» جلّ «مؤسسات التعديل المستقلة»، ومنها الهيئة العليا المستقلة للإعلام السمعي البصري والنقابات ومنظمات الصحافيين وأصحاب المؤسسات الإعلامية.

سامي المالكي، أستاذ الإعلام والاتصال في الجامعة التونسية، عدّ في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن «حل وزارة الإعلام والاتصال بعد ثورة يناير (كانون الثاني) 2011 كان يهدف إلى توسيع هامش الحريات في البلاد، وإلغاء سلطات الرقابة على مضمون وسائل الإعلام وعلى الإعلاميين». إلا أنه يسجل أن «ثغرات» برزت بسرعة، بينها تراجع نفوذ الإدارات العامة التابعة للوزارة، التي أُلحقت برئاسة الحكومة أو «وقع تهميشها»، وبينها تلك التي تكلف توزيع الإعلانات العمومية وإسناد «البطاقة المهنية للصحافي» والتوثيق.

مقر النقابة الوطنية للصحافيين (ارشيف)

دراسات «قديمة - جديدة»

من جانبه، سجّل مراد علالة، رئيس التحرير في صحيفة «الصحافة» اليومية الحكومية في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن «تونس سبق لها أن حلّت وزارة الإعلام والاتصال خلال مرحلة الانفتاح الإعلامي بعد الإطاحة بحكم الرئيس الحبيب بورقيبة قبل 35 سنة. إلا أنها عادت فتراجعت عن ذلك خلال سنوات، بعدما برزت نقائص كبيرة، منها غياب سلطة مركزية تنظّم تمويل المؤسسات الإعلامية وتوزيع الإعلانات العمومية والتوثيق والإحصاء والمتابعات». كذلك، ذكر الأكاديمي عبد الكريم الحيزاوي، المدير العام السابق للمعهد الأفريقي لتدريب الصحافيين بتونس، أنه سبق له نشر دراسات في تسعينات القرن الماضي سجلت «النقائص»، التي «برزت بعد حل وزارة الإعلام... من دون استحداث (مؤسسات بديلة) تنظّم التنسيق بين المؤسسات الإعلامية والجهات المموّلة لها والأطراف المكلفة التوثيق والأرشيف والإحصاء».

وفي تصريح لـ«الشرق الأوسط»، قال محمد بن صالح، النقيب السابق للصحافيين، إن «حل الوزارة كان متسرّعاً قبل 35 سنة وبعد ثورة 2011»، لكنه استدرك، فسجّل أن إرجاعها اليوم لن يؤدي بالضرورة إلى «ملء الفراغ الإداري والتنظيمي» و«وضع حد للفلتان الإعلامي» الذي تشكو منه غالبية الأطراف الإعلامية والسياسية والاجتماعية منذ 14 سنة». ورأى بن صالح أن «التحدي الأكبر كان ولا يزال تحقيق توازن» بين المؤسسات الرسمية، والمستقلة، والنقابات، ومنظمات المجتمع المدني التي تتدخل في تسيير القطاع الإعلامي وتمويله وتوجيه الرأي العام. وحذّر من «إرجاع وزارة الإعلام بطريقة مرتجلة في مناخ مماثل لما حصل في التسعينات من القرن الماضي، عندما برزت صراعات نفوذ ومعارك صلاحيات» بينها وبين المؤسسات الرسمية الأخرى، وبينها مكاتب الإعلام والاستشارات السياسية والأمنية في رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة، وأيضاً في «وزارات السيادة» من الداخلية إلى العدل والخارجية والدفاع.

«الهيئات البديلة»

في أية حال، فإن ثلة من النقابيين والإعلاميين والسياسيين يدافعون منذ عام 2011 عن إسناد صلاحيات وزارة الإعلام والمؤسسات الحكومية المماثلة إلى «هيئات عليا مستقلة للإعلام السمعي البصري» وإلى «مجالس التحرير» داخل المؤسسات الإعلامية، التي دعوا لأن تكون منتخبة كي «تتولى مهمة التعديل الذاتي وإصلاح الغلطات في التسيير والإنتاج الإعلامي من دون تدخل السلطات وأطراف خارجية»، على حد تعبير الإعلامي والأكاديمي محمد النوري اللجمي الرئيس السابق لـ«الهيئة العليا المستقلة للإعلام السمعي البصري».

هذا، وكانت «السلطات الانتقالية» في مرحلة 2011 - 2012 قد أسندت إلى هذه «الهيئة العليا» معظم صلاحيات وزارات الإعلام والداخلية والثقافة، بما فيها إسناد رخص البث الإذاعي والتلفزيوني وسحبها، وحق الإحالة على المحاكم بالنسبة للمؤسسات والإعلاميين المتهمين بتجاوزات للقوانين. لكن الإعلامي هشام السنوسي، نائب رئيس هذه «الهيئة» منذ أكثر من 10 سنوات، قال في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إن الحكومات المتعاقبة حاولت دوماً «تضييق الخناق» على مؤسسته «تحت تأثير بعض (اللوبيات)، والأحزاب والأطراف السياسية والمالية الداخلية والخارجية، التي اتهمها بالضلوع في تمويلات غير قانونية لعدد من القنوات الإذاعية والتلفزية؛ خدمة لأجندات حزبية وشخصية وانتخابية».

النوري اللجمي رئيس الهيئة العليا المستقلة للإعلام، ومعه من اليمين هشام السنوسي ومن اليسار سفير فرنسا السابق (ارشيف)

غياب «اتحاد الصحافيين»

وسجّل السنوسي ورفاقه في قيادة «الهيئة العليا» أن حكومات ما بعد القرارات الاستثنائية الصادرة منذ 25 يوليو (تموز) 2021، وبينها حل البرلمان والحكومة المنبثقة منه، اتخذت إجراءات أدّت إلى «تجميد دور الهيئة وتهميشه، منذ إحالة رئيسها السابق محمد اللجمي على التقاعد من دون تعيين خلفٍ له، وكذلك إحالة عدد من صلاحياتها للإدارة المركزية التابعة لرئاسة الحكومة أو لـ«الهيئة العليا للانتخابات» من دون برمجة «ميزانية مالية» لـ«الهيئة» في ميزانية الدولة لعام 2024.

في المقابل، حمّل زياد الهاني، الإعلامي والقيادي السابق في نقابة الصحافيين، مسؤولية «الفراغ الإداري والسياسي والفوضى الحالية في تسيير القطاع للأطراف كلها»، بما فيها بعض القيادات النقابية والرموز الإعلامية، التي عرقلت - حسب تقديره - تأسيس «اتحاد عام للصحافيين التونسيين» كما كان مقرّراً منذ الاستفتاء العام الذي نُظم داخل أوساط الصحافيين منذ أكثر من 30 سنة. وذكّر الهاني بكونه كان مبرمَجاً أن يمهِّد «تأسيس النقابة الوطنية للصحافيين لتأسيس اتحاد عام» تسند له صلاحيات واسعة، على غرار تلك التي تتمتع بها هيئات نقابات المحامين والأطباء والمهندسين، ومنع الطفيليين من التسلل إلى المهنة عبر التحكم في ورقة إسناد البطاقة المهنية.

صورة البلاد في الخارج

على صعيد آخر، عدّت دراسات جديدة عديدة أن من بين أبرز نقاط الضعف الحالية في قطاع الإعلام والاتصال في تونس «تدهور صورة البلاد في الخارج» لأسباب عديدة، من بينها ضعف أداء الدبلوماسية الرسمية، وحلّ «الوكالة التونسية للاتصال الخارجي» منذ 14 سنة «من دون إنشاء آلية بديلة عنها»، حسب تعبير الخبير الدولي في الاتصال ماهر القلال.

وكانت «الوكالة التونسية للاتصال الخارجي»، وهي مؤسسة عمومية ذات طابع تجاري إعلامي قد أُسست عام 1990، وكلفت «التعريف بسياسات الدولة في الإعلام الخارجي في كل الميادين». لكنها حُلّت مثلما حُلّت وزارة الإعلام ومكاتب الإعلام في رئاسة الجمهورية والحزب الحاكم أوائل 2011 إثر اتهامها بـ«لعب دور البروباغندا لنظام الرئيس بن علي» و«تنظيم حملات دعائية لشخص الرئيس وعائلته والمقربين منه» من خلال تحكمها مع رئاسة الجمهورية في تمويل وسائل الإعلام المحلية وفي الإعلانات التي تبث عن البلاد خارجياً.

ختاماً، ممّا يذكر أن حكومات المهدي جمعة (في 2014) والحبيب الصيد ويوسف الشاهد وإلياس الفخفاخ (2015 - 2020) وهشام المشيشي (2020 - 2021) دعمت «مكتب الإعلام في رئاسة الحكومة» ومنحته صلاحيات واسعة شبيهة بصلاحيات وزارة الإعلام ووكالة الاتصال الخارجي. إلا أن حالة انعدام الاستقرار السياسي والأمني في البلاد عطلت كل «مشروعات الإصلاح الجديدة»، بما فيها سيناريوهات إعادة تنظيم مؤسسات الإشراف على تنظيم المشهد الإعلامي وشبكات «الدبلوماسية الاتصالية».



مساعٍ أكاديمية خليجية لمواجهة «الإعلام المضلِّل»

 تسجيل في الجامعة الأميركية برأس الخيمة (الشرق الأوسط)
تسجيل في الجامعة الأميركية برأس الخيمة (الشرق الأوسط)
TT

مساعٍ أكاديمية خليجية لمواجهة «الإعلام المضلِّل»

 تسجيل في الجامعة الأميركية برأس الخيمة (الشرق الأوسط)
تسجيل في الجامعة الأميركية برأس الخيمة (الشرق الأوسط)

في ظل تصاعد التهديد الذي تفرضه المعلومات المضلّلة والروايات المصطنعة على المجتمعات، تبرز مساعٍ أكاديمية منهجية لمواجهة هذه الظاهرة المتنامية عبر برامج تعليمية متخصصة تهدف إلى تأهيل جيل جديد من المهنيين في الإعلام يتمتعون بالمسؤولية والمهنية والقدرة على التمييز بين الحقيقة والتضليل.

ولقد شدّد خبراء على أن هذه المساعي لا تقتصر على الجانب النظري فقط، بل إن الجانب التطبيقي يشكّل حجر الأساس في هذه العملية التعليمية، التي تُقدِّم صورة متكاملة حول كيفية تقييم الأخبار. ورأى هؤلاء الخبراء أن التعليم في قطاع الإعلام تجاوز مفهوم كتابة الخبر، وبات يتوجب أن يتضمن منهجاً في تقييم صدقية الأخبار والمعلومات للوصول إلى الغاية الأهم، وهي الحقيقة.

الجامعة الأميركية في مدينة رأس الخيمة الإماراتية وضعت أخيراً خططاً لإعداد كوادر إعلامية قادرة على مواكبة التطورات السريعة في صناعة الإعلام، والتعامل مع التحديات الأخلاقية والمهنية في زمن تزايد المعلومات الكاذبة، خاصة على منصات التواصل الاجتماعي. وتجدر الإشارة إلى أن هذه الجامعة أُدرجت ضمن قائمة أفضل 500 جامعة في تصنيف «كيو إس» العالمي للجامعات لعام 2025، وهي تحتل اليوم المركز السادس بين جامعات دولة الإمارات العربية المتحدة!

إعلاميون في مواجهة المعلومات المضللة

البروفيسور ستيفن كلارك ويلهايت، نائب الرئيس الأول للشؤون الأكاديمية والنجاح الطلابي في الجامعة، قال خلال لقاء مع «الشرق الأوسط» موضحاً: «للجامعات دور حاسم في إعداد الإعلاميين المستقبليين لمواجهة المعلومات المضللة والتصدي لها. وفي مؤسستنا، نبدأ هذا الدور في وقت مبكّر من المناهج الدراسية، عبر مقرّرات تركّز على التثقيف الإعلامي وتساعد الطلاب على فهم كيفية بناء الروايات وتوزيعها والتلاعب بها عبر منصات التواصل الاجتماعي».

وأردف ويلهايت أن هذا التوجه لا يقتصر على الجانب النظري فقط، بل يمتد إلى الجانب التطبيقي الذي يشمل إنشاء المحتوى وتحليله، واستخدام أدوات الذكاء الاصطناعي، مثل منصة «Perplexity AI»، والتفاعل العملي مع البيانات وتحليل الحملات الإعلامية.

ومن ثم تابع: «هذا التعرّض المتعدّد الطبقات، الذي يجمع بين إنشاء المحتوى والتحليل النقدي والتأصيل الأخلاقي، يضمن أن يتخرّج الطلاب بوعي عميق بكيفية انتشار المعلومات المضللة وكيفية التعامل معها».

هذا، ويشمل برنامج بكالوريوس الاتصال الجماهيري في الجامعة على تخصصين رئيسين: الإعلام الرقمي والعلاقات العامة، ويرتكز المنهج الدراسي على مقرّرات جوهرية، مثل: قانون وأخلاقيات الإعلام، وكتابة الأخبار، وإعداد التقارير، والإعلام الرقمي المتقدم، وصحافة البيانات، إلى جانب التدريب العملي والمشاريع البحثية التي تتيح للطلاب التفاعل المباشر مع تحديات العالم الواقعي.

التكيّف والمرونة

من جهة ثانية، يرى البروفسور ويلهايت أن أحد أعمدة البرنامج تعزيز المرونة والقدرة على التكيّف في بيئة إعلامية تتطور باستمرار. ويشرح: «تعمل التقنيات الجديدة، مثل الذكاء الاصطناعي، على تغيير المشهد الإعلامي جذرياً. وبدلاً من تجاهلها، نحن نشجع طلابنا على الانخراط المباشر معها، واستخدامها بفاعلية ضمن سياقات أخلاقية واضحة. ونحن من جانبنا نؤمن بأن الفشل أحياناً جزء من عملية التعلم... لذا نشجع الطلاب على التجربة واستخدام الأدوات الجديدة، حتى لو كانت النتائج غير مثالية. هذا الأمر يعزّز لديهم عقلية الابتكار والتعلم المستمر، وهي من المهارات المطلوبة بشدة في السوق».

وتدعم هذه الرؤية أيضاً البروفسورة هاريكليا زينغوس، عميدة كلية الآداب والعلوم، التي ترى أن تطوير البرامج الأكاديمية يجب أن يتماشى مع التغيرات المتسارعة في صناعة الإعلام. وتوضح: «يتطلب المشهد الإعلامي الحديث أن نواكب الاتجاهات الناشئة، ولا سيما إنتاج المحتوى الرقمي. ولذا يركّز برنامجنا على النزاهة في توليد المحتوى، والتحقّق من صحة المعلومات، والالتزام بالمعايير الصحافية المعترف بها عالمياً».

البروفسور ستيفن كلارك ويلهايت

برامج محدّثة تواكب السوق

للعلم، تعمل الجامعة على تحديث مناهجها بشكل دوري من خلال تقييمات سنوية، تشمل مراجعات أكاديمية وآراء خبراء في الصناعة الإعلامية، ما يضمن بقاء البرنامج متوافقاً مع احتياجات السوق والممارسات المهنية الحديثة. ولقد أدرجت أخيراً مقرّرات جديدة، مثل: ريادة الأعمال الإعلامية، وإدارة وسائل الإعلام، التي تمنح الطلاب أدوات لفهم الجانب التجاري من العمل الإعلامي.

ويعكس هذا التوجه أيضاً إدراك الجامعة لحجم النمو المتوقع في قطاعي الإعلام الرقمي والعلاقات العامة على مستوى العالم. فوفق التوقعات، سيصل حجم سوق الإعلام الرقمي إلى أكثر من 832 مليار دولار بحلول عام 2030، بينما يتوقع أن يبلغ حجم سوق العلاقات العامة نحو 215 مليار دولار في العام ذاته، وهو ما يزيد الحاجة إلى خريجين يتمتعون بالمهارات التقنية والتحليلية والاتصالية المطلوبة.

ورش عمل ميدانية

في ما يتعلق بالتجربة العملية، تقيم الجامعة الأميركية في رأس الخيمة شراكات مع جهات حكومية ومؤسسات إعلامية دولية لتوفير فرص تدريب وتطوير مهني لطلابها. وهنا يقول ويلهايت: «لدينا تعاونات مع دائرة المعرفة في رأس الخيمة ومؤسسة القاسمي لدعم الإنتاج الإعلامي للفعاليات والمبادرات العامة. كما نتعاون مع علامات تجارية عالمية، مثل (كانون) و(فوجي فيلم)، لتنظيم ورش عمل عملية وجولات تصوير تمنح الطلاب خبرة ميدانية حقيقية».

وتشمل المبادرات كذلك تنظيم محاضرات لضيوف من العاملين في مجال الإعلام، بالإضافة إلى زيارات ميدانية إلى مؤسسات إعلامية كبرى، ما يمنح الطلاب رؤى مباشرة حول طبيعة العمل ومتطلباته. وهو ما يعلّق عليه ويلهايت قائلاً: «نحن حريصون على أن يخرج طلابنا، ليس بمؤهلات أكاديمية فقط، بل بمهارات مهنية أيضاً وقدرة على بناء شبكة علاقات تساعدهم في المستقبل».

صحافة البيانات ودمج أدوات التحليل

وبحسب ويلهايت، أسهم استحداث مقرّرات، مثل صحافة البيانات، ودمج أدوات جمع وتحليل المعلومات، في بناء قدرات الطلاب على التعامل مع المعلومات بطرق أكثر تنظيماً ومسؤولية. وأضاف المسؤول الأكاديمي: «لم نعُد نُعلّم الطلاب كيف يكتبون خبراً فقط، بل كيف يقيّمون مصادره، ويستخدمون أدوات الذكاء الاصطناعي لتدقيقه وتحليل تأثيره». وتابع في هذا السياق: «يُدرّس الطلاب كيفية التحقق من المعلومات، وتصوّر البيانات بصرياً، وفهم كيفية انتشار المحتوى عبر الوسائط الرقمية. ويساعد هذا النهج على خلق جيل من الإعلاميين القادرين على التصدي للمعلومات المضللة، ليس بصفتهم ناقلين للمعلومة فقط، بل كصنّاع رأي قادرين على تشكيل الوعي العام».

ثم شرح: «نحن نعمل راهناً على تحديث مناهجنا الدراسية بانتظام، استناداً إلى تقييم سنوي للبرنامج يتضمن آراء خبراء الصناعة في هذا المجال، مع المراجعة الأكاديمية لمدى إنجاز الطلاب لنتائج التعلم المتوقعة. ويتيح لنا ذلك مواكبة أحدث المستجدات مع ضمان العمق الأكاديمي. وتشمل الإضافات الأخيرة صحافة البيانات، التي تُعرّف الطلاب على السرد القصصي المستند إلى الأدلة، وإدارة وسائل الإعلام، التي تركز على ريادة الأعمال والجانب التجاري للإعلام... وحقاً، استجبنا للتحولات التي طرأت على الصحافة، ولا سيما تراجع الصحافة المطبوعة وصعود المحتوى الرقمي، وذلك من خلال دمج المهارات العملية الموجهة نحو المنصات في جميع مراحل البرنامج. وتعكس هذه التغييرات واقع صناعة الإعلام في الإمارات، كما تؤهل الطلاب لتلبية المعايير المهنية المتطورة».

حُماة المعرفة

واختتم البروفسور ويلهايت كلامه بالقول: «في عالم مُشبع بالمعلومات، يكمن التحدّي في تعليم طلابنا كيف يكونون صُنّاعاً واعين للحقيقة. نحن لا نُعدّهم لمهن المستقبل فقط، بل نُعدّهم ليكونوا حماةً للمعرفة والمعلومة الدقيقة في مجتمع تتزايد فيه الحاجة إلى الموثوقية والمساءلة».

استوديو تسجيل في الجامعة الأميركية برأس الخيمة (الشرق الأوسط)