كُتاب عراقيون: الحرب جعلتنا ندخل الأماكن المحظورة في الكتابة

يتحدثون عن تأثيراتها وانعكاساتها في نتاجاتهم الروائية

كُتاب عراقيون: الحرب جعلتنا ندخل الأماكن المحظورة في الكتابة
TT

كُتاب عراقيون: الحرب جعلتنا ندخل الأماكن المحظورة في الكتابة

كُتاب عراقيون: الحرب جعلتنا ندخل الأماكن المحظورة في الكتابة

ما الذي أحدثته حرب العراق التي تُصادف ذكرى نشوبها العشرون، اليوم، في بنية المجتمع العراقي، ومن ثم في الثقافة العراقية؟ كيف انعكس هذا الحدث الكبير في نتاجات الكُتاب العراقيين؟ هل يمكن الحديث عما قبل الحرب وبعدها، بما أفرزته من نتائج لاحقة على المستويات: الاجتماعي، والاقتصادي، والأخلاقي، وطبيعة النظام السياسي؟ خصوصاً أنها أتت بعد حصار شديد استمر عشر سنوات، وقبلها الحرب العراقية - الإيرانية الطاحنة التي استمرت ثماني سنوات؟
هنا شهادات عدد من الكُتاب العراقيين:

- برهان شاوي: تناولتُ في رواياتي كل حروب العراق
الحقيقة، يواجه العراقيون سؤالاً ملتبساً هو: هل الحرب التي قام بها معظم دول العالم (المتحضر) بقيادة أميركا ضد العراق، من أجل إسقاط النظام الدكتاتوري الاستبدادي، هي تحرير للعراق أم احتلال له؟ لقد تغيرت الإجابات وفق الأهواء والميول السياسية، على الرغم من أن الأمم المتحدة أصدرت قراراً باعتبار العراق بلداً محتلاً من قِبل أميركا. هذا موضوع شائك، سيبقى قيد الاختلاف لزمن طويل في ذمة التاريخ.
أدبياً، تناولتُ فترة الحروب التي شارك فيها العراق في أعمالي الروائية، فمثلاً تناولتُ الحرب العراقية الإيرانية في أكثر من رواية، وأيضاً تناولتُ القصف الأميركي للعراق في «متاهة الأشباح»، حيث يختفي البيت الكبير الذي يضم عوائل كثيرة في منطقة الحيدرخانة، ولا يبقى منه سوى حفرة تفتح شدقيها، تكونت من خلال سقوط صاروخ أميركي.
مآسي الشعوب خلّدها الأدب. «الحرب والسلام» لتولستوي خلّدت الحرب الروسية الفرنسية، و«كل شيء هادئ على الجبهة الغربية» لريمارك كشفت عن بشاعة الحرب العالمية الثانية، بل إن نصوص برتولد بريخت ضد الحرب كشفت عن المأساة وعبثية الحروب. وحتى في روايتي «الحِداد يليق بالسيدة بغداد» تناولت روح جندي يريد العودة إلى العراق، بعد أن سقط شهيداً في البلاد المجاورة، نتيجة الحروب العبثية التي قام بها النظام العراقي. لكن حرب إسقاط النظام الدكتاتوري واحتلال العراق، تناولتها، بتبِعاتها وحضورها، في «متاهة قابيل» من خلال «همرات» القوات الأميركية وقطعها الشوارع. والبيوت التي تهدمت على سكانها، ومئات الألوف من الأرواح التي أُزهقت خلال تلك الحرب. الحرب مأساة.


- شاكر الأنباري: أصبح العراق كياناً آخر
قضت الحرب على تلك الصورة القديمة التي ارتسمت طويلاً في أذهاننا عن العراق، وأصبحنا نرى كياناً آخر لم يعد يمتُّ بصلة إلى مُدننا، وشوارعنا، ونمط إنساننا الذي هشّمته التغيرات المتلاحقة، ففقَد البوصلة، نوعاً ما؛ كون ذلك البركان المتفجر أضخم مما يستطيع تفسيره أو التعايش معه. هذا على صعيد المجتمع، والمكان، وموازين القوى التقليدية التي تربَّى عليها الفرد. وتطلَّب ذلك سنوات كي يجد الكُتّاب رؤية متماسكة لاستخدام واقع مهشّم، تحكمه الهشاشة، في نص شعري أو روائي، أو عبر فنون أخرى. كتبتُ شخصياً أكثر من رواية تناولت حقيقة الزلزال الذي حصل؛ أي موت القديم وولادة مجتمع جديد شاذّ السمات، وأكثر ما ظهر لديّ في رواية «بلاد سعيدة»، وجاءت عن حياة قرية عاشت الاحتلال، وزوال النظام السياسي، وانفراط المقاييس المتعارف عليها. والتقطت في تلك الرواية محو الذاكرة القديمة للقرية وبشرها، سواء على صعيد المكان أو التقاليد أو العلاقات البشرية، حيث وجد سكان القرية أنفسهم في مستنقع غير مألوف، لا يفهمون ما يجري لهم، وهو ما جعلهم يشعرون بالعجز، واليأس، وضياع المنطق. أما في روايتي الثانية «نجمة البتاويين» فقد حضرت الفكرة نفسها، لكن القارئ يجد روحه في عاصمة العراق؛ بغداد، وهي تعيش فوضى عارمة، من تفجيرات، وجنود أجانب، وصراعات طائفية، وانمحاء لوجهها المتحضر المديني، بعد انهيار السلطة السابقة وضبابية الأفق، مما ترك بصمته على حياة أبطال الرواية فانصرفوا إلى الخمرة، والعبث اليومي، والبحث عن طريق للهروب. وباعتبار أن الحرب؛ أيّ حرب، لا يمكن أن تترك سوى المآسي، فنحن، باعتبارنا كُتّاباً، ما زلنا نتخبط في نتائجها وتفاعلاتها. ومعظم الأدب العراقي بعد تلك الحرب جاء صدى مصمّاً، وترجيعاً عالي النبرة للكارثة اليومية التي يعيشها المجتمع ونُخَبه. اكتشفنا، متأخرين، أن الحرب لم تكن حلاً للنفق المظلم الذي سار فيه العراق منذ أربعين سنة.

- ميسلون هادي: قدمتُ الحرب ومسارات تمنح الأمل
إذا نسينا كل شيء حفظناه، فنحن بالتأكيد لا ننسى بيتاً شعرياً قاله المتنبي أو أبو تمام عن موضوع الحرب أو أي حدث فارق من الأحداث، وفي عصرنا الحالي فإن فن الرواية هو الجنس الأدبي الأكثر استيعاباً لأحداث الأمة، سواءً بعد الحرب العالمية وبداية الخمسينات، أم في نكسة يونيو (حزيران)، أم الحرب العراقية الإيرانية، أم التغييرات التي حصلت بعد عام 2003، حتى إننا يمكننا أن نعتبر الرواية المرآة العاكسة للواقع المحتدم؛ ليس في الوطن العربي فحسب، وإنما في العالم كله، حيث نجد كُتاباً ارتبطت أسماؤهم بأعمال معيّنة عن الحرب خلّدوا فيها أماكن ومدناً وأحداثاً عن طريق الرواية، ولولاهم لطواها النسيان، ومنها مثلاً روايات: الكاتب الألماني ريمارك «ليلة لشبونة»، و«للحب وقت وللحرب وقت»، وهناك أيضاً روايات أرنست همنغواي، وبعض كُتاب أميركا اللاتينية الذين عاشوا واقعاً مشتعلاً وساخناً، فاشتهروا بأسطرة هذا الواقع عن طريق مضامين «تراجيدية» عالية التوتر، أضافوا إليها شكلاً جديداً باللغة. وهكذا دخلت الرواية اللاتينية نادي العالمية عن طريق التجارب التي تفاعلت مع الانقلابات والاضطرابات العسكرية لبلدانهم. في العراق أيضاً كانت لتجارب الحروب والاضطرابات الحصة الكبرى في الروايات التي صدرت خلال الخمسين سنة الأخيرة، لكنها بعد عام 2003 اكتسبت حرية أكبر في تناولها من زوايا جديدة لا تخضع لشعارات وتوجهات آيديولوجية أو رسمية. بالنسبة لي، قدمتُ الحرب في رواياتي بالتوازي مع مسارات أخرى تمنح الأمل الممكن، حتى في أسوأ الظروف. وهذا ما حدث في «العرش والجدول» مثلاً، أو «حلم وردي فاتح اللون»، أو «أجمل حكاية في العالم»، وبما أن الحرب، كما يقول الشاعر زهير بن أبي سلمى: «وما الحرب إلا ما علمتم وذقتمُ ... وما هو عنها بالحديث المرجم»، فإن كمية الحزن أو القهر الموجودة في الحياة اليومية، ستكون عبئاً على القارئ الذي عاش شرورها وتفاصيلها المؤلمة، إذا ما أعادها الكاتب دون كسرها بما هو مختلف عن الصورة المعتمة التي اختبرها الناس، أو شاهدوها في الإعلام.

- خضير الزيدي: ثلاث حروب وحصار ملأت خزانات الذاكرة
للحرب أيضاً فضيلتها الوحيدة على الكُتّاب الجنود من أمثالي؛ كونها تمدّهم بدراما سردية لا تنتهي لتاريخ الدم العراقي المستباح عبر التاريخ، ومن جانب آخر أشفق، ولا أحسد، على كُتّاب بلدان عدة لا يوجد ما يمدُّهم بدراما الدم المسفوح مثلما حدث أو يحدث في بحيرة الدم العراقية، ذلك انعكس على نتاجاتهم فذهبوا إلى داخل النفس الإنسانية والتفكر أو التأمل لاختراقها، من أجل استجداء الحبل الشوكي للأدب السردي المعاصر لديهم على مستوى الأدب الغربي. ولا غرابة في أن نتاجات الحداثة تشتغل على روايات أو قصص المطبخ والطعام والأزياء والمكتبة، فيما نحن العراقيين نحتاج لألف سنة مقبلة كي نتخلص من فوبيا الحروب اللصيقة بوجداناتنا الحزينة، وهي ترثي الأرامل والأصدقاء واليتامى بسرديات كبرى، أو ربما ملاحم صغرى عن تاريخ الدم المسفوح.
ثلاث حروب وحصار بمرتبة الحرب كانت كافية لملء خزانات الذاكرة لجيل الكتابة السردية الحالي، جيل الجنود الأحياء وهو يعكف على تدوين المآسي الهائلة. من الصعب؛ بل المستحيل، أن تنجو من الحرب، لكنني على المستوى الشخصي كنت ألوذ بصفائح الرمل والخنادق من أجل هذا اليوم. ربما آخِر ما صدر لي هو رواية «صديقي المترجم» لحكاية رسخت في رأسي من عشرين عاماً، لجندي هرب في أثناء الحرب عندما قتل زميله الجندي الصديق، فقام باستبدال الأوراق الثبوتية بينه وبين صديقه. بين مفقود بالحرب، وقتيل بمنزلة شهيد وبكل الامتيازات. يهرب ولكن أهله يتسلّمون جثته من دون رأس. فتغدق السلطة آنذاك عليهم الثروة؛ كون ابنهم «شهيداً»، فالحرب حكاية تاريخ عسكري لذواتنا، نستعين بالنهل من هذا التاريخ، لنفسّر ما يحدث في يومنا هذا، فالكُتاب الجنود عبر التاريخ هم أبناء بررة لتاريخ الدم.

- حميد المختار: الحرب الأخيرة أثّرت ثقافياً سلباً وإيجاباً
الحروب، كل الحروب، هي أداة خراب وتهديم للقيم الإنسانية المجتمعية والأخلاقية ولكل ما هو جميل وجليل، فيسود الخراب والقبح، وهذا كله سيؤثر على الأوضاع الفكرية الإبداعية والثقافية عموماً، وهذا ما حصل بعد الحرب الأخيرة في العراق وسقوط النظام البعثي وانهيار كل مؤسساته ومأثوراته الثقافية والحزبية. وقد حصل معنا هذا، حيث توقفت الحياة الثقافية في العراق وانقطعت السبل بالمثقفين العراقيين، لكن في الوقت نفسه أضافت هذه الحرب لنا صفحة جديدة من الأحداث في مواد خام تصلح لأن تكون ثيمات روائية وقصصية وملحمية. إذن فالحرب الأخيرة أثّرت سلباً وإيجاباً في حركية وسيرورة الوضع الثقافي العراقي بعامة. تقف الحياة وتكون حداً فاصلاً بين عهدين: عهد دكتاتوري منهار صار يقبع في خانة الماضي الأسود، وعهد ديمقراطي مفتوح يمنح الكاتب فرصة جديدة لرؤية العالم بنظرة أخرى غير تلك التي سادت في كل إرثه الثقافي والسردي، ثم إنها - أي الحرب وسقوط النظام الدكتاتوري - فتحا باباً أمام ظهور أسماء جديدة في كتابة الرواية، مما أضاف وهجاً ودماً جديداً للسردية العراقية، وعلى صعيد تجربتي الشخصية فقد واكبتُ كل هذه التطورات الدراماتيكية مستغلاً فرصة الدخول إلى عهد جديد لم يمُرّ به العراق من قبل، وصار لزاماً علينا جميعاً أن نكتب ما نشعر به ونعيشه، خصوصاً وقد صار متاحاً لنا أن ندخل الأماكن المحظورة في الكتابة، تلك المحرَّمات التي وضع النظام السابق أمامها خطوطاً حمراء، والذي يتجاوزها سيختفي عن وجه البسيطة، ولذلك وبعد أن أنجزت معظم رواياتي التي فضحت النظام السابق، كتبت روايتي «تابو» التي واكبت التطورات الجديدة بعد سقوط النظام، بل صِرتُ ألعن ساسة العهد الديمقراطي الجديد الذين واصلوا مسيرة الخراب العام التي بدأها النظام المقبور وأكملها هؤلاء الفاسدون.


مقالات ذات صلة

«تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر في تشجيع الشباب على القراءة

يوميات الشرق «تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر  في تشجيع الشباب على القراءة

«تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر في تشجيع الشباب على القراءة

كشفت تقارير وأرقام صدرت في الآونة الأخيرة إسهام تطبيق «تيك توك» في إعادة فئات الشباب للقراءة، عبر ترويجه للكتب أكثر من دون النشر. فقد نشرت مؤثرة شابة، مثلاً، مقاطع لها من رواية «أغنية أخيل»، حصدت أكثر من 20 مليون مشاهدة، وزادت مبيعاتها 9 أضعاف في أميركا و6 أضعاف في فرنسا. وأظهر منظمو معرض الكتاب الذي أُقيم في باريس أواخر أبريل (نيسان) الماضي، أن من بين مائة ألف شخص زاروا أروقة معرض الكتاب، كان 50 ألفاً من الشباب دون الخامسة والعشرين.

أنيسة مخالدي (باريس)
يوميات الشرق «تيك توك» يقلب موازين النشر... ويعيد الشباب إلى القراءة

«تيك توك» يقلب موازين النشر... ويعيد الشباب إلى القراءة

كل التقارير التي صدرت في الآونة الأخيرة أكدت هذا التوجه: هناك أزمة قراءة حقيقية عند الشباب، باستثناء الكتب التي تدخل ضمن المقرّرات الدراسية، وحتى هذه لم تعد تثير اهتمام شبابنا اليوم، وهي ليست ظاهرة محلية أو إقليمية فحسب، بل عالمية تطال كل مجتمعات العالم. في فرنسا مثلاً دراسة حديثة لمعهد «إبسوس» كشفت أن شاباً من بين خمسة لا يقرأ إطلاقاً. لتفسير هذه الأزمة وُجّهت أصابع الاتهام لجهات عدة، أهمها شبكات التواصل والكم الهائل من المضامين التي خلقت لدى هذه الفئة حالةً من اللهو والتكاسل.

أنيسة مخالدي (باريس)
يوميات الشرق آنية جزيرة تاروت ونقوشها الغرائبية

آنية جزيرة تاروت ونقوشها الغرائبية

من جزيرة تاروت، خرج كم هائل من الآنية الأثرية، منها مجموعة كبيرة صنعت من مادة الكلوريت، أي الحجر الصابوني الداكن.

يوميات الشرق خليل الشيخ: وجوه ثلاثة لعاصمة النور عند الكتاب العرب

خليل الشيخ: وجوه ثلاثة لعاصمة النور عند الكتاب العرب

صدور كتاب مثل «باريس في الأدب العربي الحديث» عن «مركز أبوظبي للغة العربية»، له أهمية كبيرة في توثيق تاريخ استقبال العاصمة الفرنسية نخبةً من الكتّاب والأدباء والفنانين العرب من خلال تركيز مؤلف الكتاب د. خليل الشيخ على هذا التوثيق لوجودهم في العاصمة الفرنسية، وانعكاسات ذلك على نتاجاتهم. والمؤلف باحث وناقد ومترجم، حصل على الدكتوراه في الدراسات النقدية المقارنة من جامعة بون في ألمانيا عام 1986، عمل أستاذاً في قسم اللغة العربية وآدابها في جامعة اليرموك وجامعات أخرى. وهو يتولى الآن إدارة التعليم وبحوث اللغة العربية في «مركز أبوظبي للغة العربية». أصدر ما يزيد على 30 دراسة محكمة.

يوميات الشرق عمارة القاهرة... قصة المجد والغدر

عمارة القاهرة... قصة المجد والغدر

على مدار العقود الثلاثة الأخيرة حافظ الاستثمار العقاري في القاهرة على قوته دون أن يتأثر بأي أحداث سياسية أو اضطرابات، كما شهد في السنوات الأخيرة تسارعاً لم تشهده القاهرة في تاريخها، لا يوازيه سوى حجم التخلي عن التقاليد المعمارية للمدينة العريقة. ووسط هذا المناخ تحاول قلة من الباحثين التذكير بتراث المدينة وتقاليدها المعمارية، من هؤلاء الدكتور محمد الشاهد، الذي يمكن وصفه بـ«الناشط المعماري والعمراني»، حيث أسس موقع «مشاهد القاهرة»، الذي يقدم من خلاله ملاحظاته على عمارة المدينة وحالتها المعمارية.

عزت القمحاوي

كريتي سانون تروي رحلتها من دروس شاروخان إلى شجاعة الاختيار

الفنانة الهندية تحدثت عن تجربتها في السينما (مهرجان البحر الأحمر)
الفنانة الهندية تحدثت عن تجربتها في السينما (مهرجان البحر الأحمر)
TT

كريتي سانون تروي رحلتها من دروس شاروخان إلى شجاعة الاختيار

الفنانة الهندية تحدثت عن تجربتها في السينما (مهرجان البحر الأحمر)
الفنانة الهندية تحدثت عن تجربتها في السينما (مهرجان البحر الأحمر)

في واحدة من أكثر الجلسات جماهيرية في مهرجان البحر الأحمر السينمائي هذا العام، حلّت الممثلة الهندية كريتي سانون في ندوة حوارية تحوّلت سريعاً من حوار تقليدي إلى عرض كامل تفاعل خلاله الجمهور بحماسة لافتة، حتى بدا المشهد وكأنه لقاء بين نجمة في ذروة تألقها وجمهور وجد فيها مزيجاً من الذكاء والعفوية والثقة.

منذ اللحظة الأولى، بدا واضحاً أن الجمهور جاء محملاً بأسئلته، فيما شجع التفاعل الجماهيري الممثلة الهندية على أن تجيب بصراحة عن كل ما يتعلق بمسيرتها، ومن بين كل أسماء الصناعة، لم يلمع في حديثها كما لمع اسم شاروخان. توقفت عند ذكره كما يتوقف شخص أمام لحظة صنعت في داخله تحولاً، وصفته بأنه «الأكثر ذكاءً وخفة ظل» ممن قابلتهم، ومثال حي على أن الفروسية والذوق الرفيع لا يزالان ممكنَين في صناعة صاخبة.

واستعادت كريتي كيف كان شاروخان ينظر إلى من يتحدث معه مباشرة، وكيف يمنح الجميع احتراماً متساوياً، حتى شعرت في بداياتها بأنها تلميذة تقع فجأة في حضرة أستاذ يعرف قواعد اللعبة من دون أن يستعرضها، ومع أن كثيرين يرون أن سانون دخلت عالم السينما من باب الجمال والأزياء، فإنها أكدت أن دراستها للهندسة لعبت دوراً في دخولها مجال الفن باعتبار أنها تعلمت منها أن كل شيء يجب أن يكون منطقياً وقائماً على أسئلة لماذا؟ وكيف؟

وأوضحت أن تحليل الأمور ومراجعتها منحتاها أدوات لم يمتلكها ممثلون آخرون، مروراً بتجارب وورشات تمثيل طويلة، فيما كانت هي تتعلم على أرض الواقع عبر طرح الأسئلة، حتى تلك التي قد يضيق منها البعض أو يعدها دليلاً على التردد.

الممثلة الهندية خلال جلستها الحوارية (مهرجان البحر الأحمر)

توقفت أيضاً في حديثها عند واحدة من أكثر محطاتها صعوبة، شخصية الروبوت «سيفرا» في فيلم «لقد وقعت في شرك كلامك»، شارحة أنها كانت لعبة توازن دقيقة بين أن تكون آلة بما يكفي ليصدّقها المشاهد، وإنسانة بما يكفي ليُصدّقها شريكها في الفيلم، مشيرة إلى أنها لم ترمش في أثناء الحوارات، وضبطت كل حركة لتكون دقيقة ومحسوبة، ورغم أنها معروفة بخفة الحركة و«العثرات الطريفة» كما وصفت نفسها، فإن أكثر ما أسعدها في الفيلم كان مشهد «الخلل» الذي ابتكرته بنفسها، لتمنح الشخصية ملمساً أكثر واقعية.

لكن اللحظة الأكثر دفئاً كانت عندما تحدثت عن الموسيقى، وعن دورها في مسيرتها؛ حيث روت كيف كانت غرف التسجيل التي تعمل فيها مع الملحّنين تشبه «متجر حلوى»، وكيف كان اللحن يُولد من جلسة ارتجال بسيطة تتحول بعد دقائق إلى أغنية جاهزة، ومع أن الجلسة كانت مليئة بالضحك واللحظات الخفيفة، فإنها لم تخفِ الجانب العميق من تجربتها، خصوصاً عندما تحدثت عن انتقالها من الإعلانات والصدفة إلى البطولة السينمائية.

وروت كيف أن فيلم «ميمي» منحها مساحة أكبر مما حصلت عليه في أي عمل سابق، وغيّر نظرتها إلى نفسها بوصفها ممثلة، مؤكدة أن ذلك العمل حرّرها من الحاجة الدائمة إلى إثبات ذاتها، وأعطاها الشجاعة لاختيار أدوار أكثر مجازفة. ومنذ ذلك الحين -كما تقول- لم تعد في سباق مع أحد، ولا تبحث عن لائحة إيرادات، بل عن أن تكون أفضل مما كانت عليه أمس.

وحين سُئلت عن فيلمها الجديد «تيري عشق مين» وعن موجة النقاشات التي أثارها على مواقع التواصل، أكدت أنها تتابع الآراء بشغف، لأن السينما تشبه اللوحة الفنية التي يراها كل شخص من زاوية مختلفة، مشيرة إلى أن الناس يتفاعلون مع قصة الفيلم، لأنهم قد عرفوا في حياتهم شخصاً مثل الممثلين.

وأكدت أن جزءاً من التفاعل يرجع إلى كون العمل يعرض الحب السام من جهة، لكنه يتيح للشخصية النسائية أن تُسمّيه وتواجهه، وهذا ما تعدّه تطوراً مهماً في كتابة الشخصيات النسائية، فلم تعد المرأة مجرد ضحية أو محبوبة مثالية، «فالمرأة المعاصرة على الشاشة يمكن أن تكون معقدة، متناقضة، واقعية، ومحبوبة رغم كل ذلك»، حسب تعبيرها.


جيسيكا ألبا تكشف عن مشروع سينمائي مع هيفاء المنصور

جيسيكا ألبا خلال حضورها مهرجان البحر الأحمر (إدارة المهرجان)
جيسيكا ألبا خلال حضورها مهرجان البحر الأحمر (إدارة المهرجان)
TT

جيسيكا ألبا تكشف عن مشروع سينمائي مع هيفاء المنصور

جيسيكا ألبا خلال حضورها مهرجان البحر الأحمر (إدارة المهرجان)
جيسيكا ألبا خلال حضورها مهرجان البحر الأحمر (إدارة المهرجان)

كشفت الفنانة الأميركية جيسيكا ألبا عن ملامح مشروع سينمائي جديد يجمعها بالمخرجة السعودية هيفاء المنصور، مشيرة خلال ندوتها في «مهرجان البحر الأحمر السينمائي» إلى أن هذا التعاون لم يتشكل بين ليلة وضحاها، بل جاء نتيجة نقاشات طويلة امتدت على مدار سنوات.

وأوضحت في اللقاء الذي أقيم، الجمعة، أن الفكرة التي استقرتا عليها تدور حول قصة إنسانية عميقة تتناول علاقة ابنة بوالدها المتقدّم في العمر، ضمن سردية تقترب من تفاصيل العائلة وتحولاتها، وتسلّط الضوء على هشاشة العلاقات حين تواجه الزمن، وما يتركه ذلك من أسئلة مفتوحة حول الذاكرة والواجب العاطفي والمسؤولية المتبادلة.

وأضافت أن ما شدّها إلى المشروع ليس موضوعه فقط، بل الطريقة التي تقارب بها هيفاء المنصور هذه العلاقات الحسّاسة وتحولها إلى لغة بصرية تتسم بالهدوء والصدق، لافتة إلى أن «هذا التعاون يمثّل بالنسبة لي مرحلة جديدة في اختياراتي الفنية، خصوصاً أنني أصبحت أكثر ميلاً للأعمال التي تمنح الشخصيات النسائية مركزاً واضحاً داخل الحكاية، بعيداً عن الأنماط التقليدية التي سيطرت طويلاً على حضور المرأة في السينما التجارية».

وأشارت إلى أنها تبحث اليوم عن قصص تستطيع فيها المرأة أن تظهر بوصفها شخصية كاملة، تملك مساحتها في اتخاذ القرارات والتأثير في مسار الحكاية، وهو ما تراه في مشروعها مع المنصور، الذي وصفته بأنه «قريب من قلبها»؛ لأنه يعيد صياغة علاقة الأم والابنة من منظور مختلف.

وخلال الندوة، قدّمت ألبا قراءة موسّعة لتغيّر مسارها المهني خلال السنوات الأخيرة، فهي، كما أوضحت، لم تعد تنظر إلى التمثيل بوصفه مركز عملها الوحيد، بل بات اهتمامها الأكبر موجّهاً نحو الإنتاج وصناعة القرار داخل الكواليس.

وأكدت أن دخولها عالم الإنتاج لم يكن مجرد انتقال وظيفي، وإنما خطوة جاءت نتيجة إحساس عميق بأن القصص التي تُقدَّم على الشاشة ما زالت تعكس تمثيلاً ناقصاً للنساء وللأقليات العرقية، خصوصاً للمجتمع اللاتيني الذي تنتمي إليه.

وتحدثت ألبا عن تجربة تأسيس شركتها الإنتاجية الجديدة، معتبرة أن الهدف منها هو خلق مساحة لصناع المحتوى الذين لا يجدون غالباً فرصة لعرض رؤاهم، موضحة أن «غياب التنوّع في مواقع اتخاذ القرار داخل هوليوود جعل الكثير من القصص تُروى من زاوية واحدة، ما أدّى إلى تكريس صور نمطية ضيّقة، خصوصاً فيما يتعلّق بالجاليات اللاتينية التي غالباً ما تظهر في الأعمال ضمن أدوار مرتبطة بالعنف أو الجريمة أو الأعمال الهامشية».

وشددت على أنها تريد أن تساهم في معالجة هذا الخلل، ليس عبر الخطابات فقط، بل من خلال إنتاج أعمال تظهر فيها الشخصيات اللاتينية والعربية والنساء بصورة كاملة، إنسانية، متنوّعة، لافتة إلى أن تنوّع التجارب الحياتية هو العنصر الذي يجعل صناعة السينما أكثر ثراء، وأن غياب هذا التنوع يجعل الكثير من الكتّاب والمخرجين عاجزين عن تخيّل شخصيات خارج ما اعتادوا عليه.

وأضافت أن مهمتها اليوم، من موقعها الجديد، هي فتح المجال أمام أصوات غير مسموعة، سواء كانت نسائية أو تنتمي إلى أقليات ثقافية واجتماعية، لافتة إلى أنها تعمل على تطوير فيلم جديد مع المخرج روبرت رودريغيز، يعتمد على مزيج من الكوميديا العائلية وأجواء أفلام السرقة، مع طاقم تمثيل لاتيني بالكامل.

وأوضحت أن هذا العمل يأتي امتداداً لرغبتها في دعم المواهب اللاتينية، وفي الوقت نفسه تقديم أعمال جماهيرية لا تُختزل في سرديات العنف أو الهوامش الاجتماعية، واصفة المشروع بأنه خطوة مختلفة على مستوى بنية الحكاية؛ لأنه يجمع بين الترفيه والأسئلة العائلية، ويقدّم الشخصيات اللاتينية في إطار طبيعي وغير مصطنع.

وتوقفت جيسيكا عند مشاركتها المرتقبة في فيلم «الشجرة الزرقاء»، ويتناول علاقة أم بابنتها التي تبحث عن استقلاليتها رغم حساسية ظروفها موضحة أن ما جذبها لهذا العمل هو طبيعته الهادئة، واعتماده على بناء علاقة حميمة بين شخصيتين، بعيداً عن الصراعات المفتعلة، معتبرة أن هذا النوع من الحكايات يمثّل مرحلة أصبحت قريبة جداً منها في هذه الفترة من حياتها.


«الآثار المسترَدة»... محاولات مصرية لاستعادة التراث «المنهوب»

جهود مصرية متواصلة لاسترداد الآثار المهرَّبة إلى الخارج (وزارة السياحة والآثار)
جهود مصرية متواصلة لاسترداد الآثار المهرَّبة إلى الخارج (وزارة السياحة والآثار)
TT

«الآثار المسترَدة»... محاولات مصرية لاستعادة التراث «المنهوب»

جهود مصرية متواصلة لاسترداد الآثار المهرَّبة إلى الخارج (وزارة السياحة والآثار)
جهود مصرية متواصلة لاسترداد الآثار المهرَّبة إلى الخارج (وزارة السياحة والآثار)

في إطار الجهود المصرية المستمرة للحفاظ على التراث وحمايته واستعادة الآثار المصرية المنهوبة من الخارج وصيانتها، تعدَّدت الجهود الرسمية والأهلية والبحثية والأكاديمية للعمل على حفظ التراث واستعادة الآثار المُهرَّبة، واستضافت مكتبة الإسكندرية مؤتمراً علمياً، بالتعاون مع مؤسسة ألمانية، تناول استرداد الآثار المصرية من الخارج، وحفظ وصيانة التراث.

وركز المؤتمر على تجارب مصر في استرداد القطع الأثرية التي خرجت من البلاد بطرق غير قانونية، سواء عبر المتاحف الأجنبية أو الأسواق غير المشروعة. وشارك فيه عدد من المسؤولين والخبراء المصريين والدوليين، وتم عرض نماذج بارزة من الآثار المسترَدة حديثاً، مثل التوابيت المذهبة والقطع الخشبية النادرة، مع مناقشة الإجراءات القانونية والدبلوماسية التي اعتمدتها مصر لاستعادة هذه القطع الأثرية وحمايتها بوصفها جزءاً من التراث العالمي.

وأكد عالم الآثار المصرية، الدكتور حسين عبد البصير، أن هذه الجهود تمثل رسالةً قويةً للعالم حول أهمية حماية التراث الثقافي المصري والعربي والعالمي، وأن استعادة كل قطعة أثرية هي خطوة نحو الحفاظ على الهوية الوطنية وإعادة حق الأجيال القادمة في التراث الحضاري لمصر، والعالم العربي، والعالم.

وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن دور المجتمع المدني والجمعيات الأثرية مهم في دعم هذه الجهود، من خلال التوعية، والبحث العلمي، والتعاون مع المنظمات الدولية؛ لتقوية موقف مصر القانوني في مواجهة التجارة غير المشروعة بالآثار.

جانب من المؤتمر الذي ناقش الآثار المسترَدة وحفظ التراث (الشرق الأوسط)

وتحت عنوان «الاتجار بالآثار سرقة للتاريخ وطمس للهوية»، تحدَّث الدكتور شعبان الأمير، أستاذ ترميم الآثار ومواد التراث بكلية الآثار بجامعة الفيوم، وتناول التنقيب والاتجار بالآثار وتقارير اليونيسكو حول هذه العمليات، التي تُقدَّر بنحو 10 مليارات دولار سنوياً، وهي ثالث أكبر عملية تجارية بعد المخدرات والسلاح على مستوى العالم.

وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «حماية التراث واجب وطني ومجتمعي، والاتجار بالآثار يعدّ سرقةً للتاريخ وطمساً ومحواً وفقداناً للهوية». وأشار إلى أن المؤتمر تناول أبحاثاً حول تطبيقات الذكاء الاصطناعي، والهندسة، والكيمياء، والوعي المجتمعي، وغيرها من الموضوعات التي اهتمت بكيفية حماية التراث والآثار، والحد من عمليات التنقيب غير الشرعي، وعمليات التسجيل والتوثيق والفحص والتحليل تمهيداً لعمليات الترميم والصيانة والحفظ والعرض المتحفي أو بالمواقع الأثرية.

وفي ورقة بحثية بالمؤتمر، تناولت الدكتورة منى لملوم، قوة الميديا ووسائل الإعلام المختلفة في المطالبة باسترداد الآثار، مشيرة إلى الحملات التي تقوم بها وسائل الإعلام من أجل الضغط لاسترداد الآثار المُهرَّبة من مصر بطرق غير مشروعة. وأضافت لـ«الشرق الأوسط» أنها «تناولت كثيراً من النماذج، منها استعادة تمثال من أميركا عام 2019 بجهود رسمية كبيرة، بالإضافة إلى قوة الإعلام، وكذلك الضغط من خلال حملات صحافية وأهلية، إلى جانب الجهود الحكومية لاستعادة آثار مصرية مهمة مثل رأس نفرتيتي من ألمانيا، وجدارية (الزودياك) أو الأبراج السماوية من متحف اللوفر، فضلاً عن استعادة حجر رشيد من المتحف البريطاني».

ولفتت د. منى إلى دور الدراما والسينما في التعامل مع الآثار والتاريخ مثل فيلم «المومياء» من إخراج شادي عبد السلام الذي لعب دوراً إيجابياً وصُنِّف من أهم 100 فيلم مصري في القرن الـ20، وهناك نماذج سلبية مثل مسلسل «كليوباترا» الذي أنتجته «نتفليكس» وقوبل بهجوم شديد لتجسيد الملكة المصرية بممثلة سوداء، و«اضطرت الشبكة إلى تغيير تصنيف الفيلم من (وثائقي) إلى (درامي) تحت ضغط (الميديا)» على حد تعبيرها.