الشيخوخة المبكرة... أسبابها ووسائل درئها

عوامل تجعلك تبدو أكبر من عمرك

الشيخوخة المبكرة... أسبابها ووسائل درئها
TT

الشيخوخة المبكرة... أسبابها ووسائل درئها

الشيخوخة المبكرة... أسبابها ووسائل درئها

كلنا نتقدم في العمر، وكلنا ستظهر علينا علامات تدل على حدوث ذلك لدينا. وكلنا يأمل ألا تظهر علينا تلك العلامات، أو أن تتأخر جداً، بل أكثر من ذلك؛ يتمنى بعضنا لو أنه يبقى في عمر الشباب، ومظهر الشباب، وحيوية الشباب. وهي أمنيات قديمة لدى الإنسان، وربما لم يصل الطب بعد إلى وسيلة لتحقيقها كاملة.
ولكن قد تظهر هذه التغييرات في وقت أبكر مما قد يُتوقع، ومن هنا جاء مصطلح «الشيخوخة المبكرة (Premature Aging)». و«الشيخوخة المبكرة» هي «المظاهر الخارجية» للتغيرات «المتوقع» حدوثها لاحقاً مع تقدم السن، إلا إنها تحدث بشكل أسرع مما ينبغي، بما يجعل شكل الجسم يبدو أكبر من العمر الحقيقي، أي لا يتناسب «العمر البيولوجي (Biological Age)» لخارج الجسم، مع «العمر الزمني (Chronological Age)» للإنسان.
وصحيح أن الشيخوخة تبدأ في أوقات مختلفة من حياة الناس، إلا إن هناك بعض علامات الشيخوخة التي تعدّ «مبكرة» إذا ظهرت قبل بلوغ سن 35 عاماً.

علامات الشيخوخة المبكرة
الجلد هو الموقع الذي تظهر عليه علامات الشيخوخة المبكّرة. ولكي يُحافظ الجلد على نضارته، فهو بحاجة إلى 4 عناصر:
- تروية جيدة بالماء والعناصر الغذائية والأكسجين، وذلك عبر أوعية دموية سليمة تُوصل الدم إلى الجلد.
- توفر العناصر البروتينية والمعادن والفيتامينات، وذلك عبر التغذية الجيدة والصحية.
- خلايا جلدية تتمتع بالحيوية وقدرات الانقسام والتكاثر بشكل طبيعي ونشيط، وقادرة أيضاً على إنتاج المواد الكيميائية التي تحفظ هيكل الجلد بنضارة وتماسك، مثل الكولاجين وغيره.
- حماية طبقة الجلد من التعرض المفرط للعوامل البيئية التي تضعفها، كما سيأتي.
ومع تقدمنا في العمر تتباطأ عملياتنا الداخلية، مما يترك مجالاً لظهور علامات الشيخوخة. وعلى سبيل المثال، ظهور التجاعيد أو الترهلات. ومع بلوغ الثلاثينات من العمر، «تبدأ» البشرة في إبطاء إنتاج الكولاجين وعدد من العناصر الأخرى. والكولاجين هو البروتين الذي يساعد على منح البشرة شكلها والبقاء متماسكة وممتلئة، ويحافظ على حيوية ونضارة الجلد. ومع «استمرار» تدني تكوين عناصر نضارة الجلد، تبدأ التجاعيد في التكّون بهيئة دقيقة، وبشكل غير مرئي بوضوح. ثم تتطور ببطء إلى أن تُصبح التجاعيد مرئية، وتظهر الترهلات، خصوصاً في المناطق التي تحيط بالعضلات المستخدمة بشكل متكرر، مثل الجبهة والعينين، أو في الأماكن التي تكون أكثر تعرضاً لأشعة الشمس.
وعندما تظهر تلك العلامات للتقدّم في العمر قبل أوانها المتوقع، فإن السبب، أو الأسباب، عادة ما تكون نتيجة اضطرابات في تعرض أجسامنا بشكل مفرط لعدد من العوامل البيئية المؤثرة، أو اتخاذنا قرارات غير صحية في سلوكيات عيش نمط الحياة، أو عدم استقرار المشاعر النفسية لدينا. ولذا بمقدورنا أن نحول دون أن تظهر علينا «الشيخوخة المبكرة»، وأن نعطي أجسامنا الفرصة كي تشيخ بشكل طبيعي يتوافق مع مقدار العمر لدينا، وبمظاهر مشابهة لأقراننا في العمر.

عوامل رئيسية
ومن بين عوامل عدة، ثمة منها عوامل شائعة وعميقة التأثير في التسبب بالشيخوخة المبكرة؛ هي:
- التعرّض لأشعة الشمس.
- التدخين.
- اضطرابات النوم.
- التوتر النفسي.
- استخدام أنواع غير ملائمة، أو بطريقة غير صحيحة، لمستحضرات العناية بالبشرة والشعر.
- سوء التغذية.
وفي جانب التعرّض للضوء وأشعة الشمس، يجدر فهم عمق تأثير هذا العامل؛ لأنه، وفق ما يقول أطباء «كليفلاند كلينك»، «يعدّ التعرض للضوء على رأس قائمة الأسباب الرئيسية للشيخوخة المبكرة». ويوضحون أن التعرض لأشعة الشمس يسبب العديد من مشكلات الجلد، وهي التي يجمعها الوصف الطبي «شيخوخة الضوء )Photoaging)».
والشيخوخة الضوئية تعني الظهور المبكر لعلامات الترهل نتيجة تحلل ألياف الجلد من نوع «كولاجين (Collagen)» و«إلاستين (Elastin)»، وضعف هذه الألياف يُفقد مكونات الجلد ترابطها ونضارتها، وبالتالي يظهر الترهل والخشونة على الجلد. والآلية هي أن «الأشعة فوق البنفسجية (UV)»، التي تصل إلينا ضمن حزمة أشعة الشمس، تعمل على إتلاف خلايا الجلد بأنواعها المختلفة، مما يتسبب ف وللتوضيح؛ فإن الأشعة فوق البنفسجية عالية الطاقة، ولذا هي عالية الضرر أيضاً، متى ما اخترقت البشرة، وصلت إلى نواة خلايا الجلد. وهو ما يرفع من احتمالات أن تتسبب في اضطرابات في انقسام الخلايا وفي توفر المواد الكيميائية فيما بين الخلايا الجلدية، وبالتالي ارتفاع احتمالات حدوث الشيخوخة الجلدية، وظهور التجاعيد والبقع الشمسية و«فرط التصبّغ (Hyperpigmentation)». وكمثال؛ فإن سبب إنتاج خلايا الجلد مزيداً من تلك الصبغات، هو محاولتها تكوين طبقة وقاية تحمي بها نفسها من تغلغل تلك النوعية من الأشعة إلى الطبقات الأعمق في الجلد. ومن ذلك تؤدي أسِرَّة التسمير والتعرض العام لأشعة الشمس، إلى إتلاف الجلد بالأشعة فوق البنفسجية.
وأضاف أطباء «كليفلاند كلينك» أن «الضوء المرئي عالي الطاقة (HEV)» ويسمى أيضاً «الضوء الأزرق»، و«الأشعة تحت الحمراء (IR)» (ضوء غير مرئي نشعر به كحرارة)، هما أيضاً مسؤولان عن كثير من التغيرات الجلدية. وإضافة إلى أنهما يأتيان مع الحزمة الضوئية لأشعة الشمس، فإنهما يأتيان أيضاً من شاشات الأجهزة الإلكترونية مثل الهواتف الذكية... وغيرها. وصحيح أنهما يختلفان عن الأشعة فوق البنفسجية في أنهما لا يتسببان في الإصابة بسرطان الجلد، لكنهما يؤثران على تكوين وبقاء الكولاجين، وبالتالي نضارة ومرونة الجلد.
والتدخين يلي في الأهمية تأثير التعرض لأشعة الشمس في التسبب بالشيخوخة المبكرة؛ لأن المركبات الكيميائية، كالنيكوتين وغيره، تعمل على تكسير الكولاجين والألياف المرنة في البشرة، مما يؤدي إلى الترهل والتجاعيد ونحافة الوجه. وفوق هذا، يتسبب التدخين في تلف بالأوعية الدموية، وذلك من جانب ضيق مجراها، وجانب تدني مرونة التوسع فيها، مما يعوق تغذية طبقة الجلد بالعناصر الغذائية والأكسجين، وترويتها بالماء بشكل متواصل.
كما أظهر بعض الدراسات أن الأنظمة الغذائية التي تحتوي على نسبة عالية من السكر أو الكربوهيدرات المكررة، قد تتسبب في الشيخوخة المبكرة. وفي المقابل؛ تساعد الأنظمة الغذائية المليئة بكثير من الفواكه والخضراوات على منع التغيرات الجلدية المبكرة؛ لأنها غنية بمضادات الأكسدة والفيتامينات والمعادن. وتشير الدراسات إلى أن النوم منخفض الجودة، أو عدم كفاية النوم، يجعلان خلايا الجلد تتقدم في العمر بشكل أسرع. وأيضاً يتسبب الإجهاد والتوتر النفسي في ضخ كميات أعلى من هرمون الكورتيزول (هرمون التوتر). ومعلوم أن الكورتيزول يعوق ويسد الطريق على نشاط مادتين تحافظان على امتلاء البشرة بالحيوية والنضارة، وهما «سينسيز الهيالورونان (Hyaluronan Synthase)» و«الكولاجين».

فوارق كثيرة بين الشيخوخة المبكرة والحالات المرضية

> الحديث الطبي عن التغيرات المرافقة لـ«الشيخوخة المبكرة» لا علاقة له بما يحدث في عمل الأعضاء داخل الجسم، بغض النظر عن مقدار العمر. بمعنى أن ضعف عمل الأعضاء داخل الجسم أو التغيرات الهيكلية فيها، تُصنف على أنها «مرض»، كضعف الكلى والتهابات الكبد وأمراض شرايين القلب... وغيرها. وكذلك التغيرات الجلدية التي من غير المتوقع طبيعياً أن تحدث مع التقدّم في العمر، هي أيضاً تُصنف على أنها «مرض» أو أحد مظاهر الأمراض، كأمراض الحساسية والصدفية... وغيرهما.
إلا إن التغيرات «المُبكّرة» التي تعتري المظهر الخارجي للجسم، والتي هي في الأصل «متوقعة» مع التقدّم الفعلي في العمر، هي التي تُصنف «شيخوخة مبكرة»، وهي التي تنجم عن العوامل البيئية ونمط الحياة والمشاعر النفسية.
وللتوضيح؛ فإن بياض الشعر قد يرافق التقدّم في العمر، وقد يرافق أيضاً نقص عدد من الفيتامينات أو المعادن. وعندما يظهر بياض الشعر في مراحل مبكّرة من العمر، فإنه حينها لا يُنظر إليه على أنه «شيب مبكّر» دون البحث عن سبب مرضي محتمل.
وكذلك الحال مع ترهل الجلد نتيجة عدد من الأمراض الوراثية أو ذات الصلة بسوء التغذية. وأيضاً ظهور «بقع العمر (Age Spots)» في حالات ضعف الكبد.
وفي حالات نادرة، يمكن أن تسبب اضطرابات معينة في ظهور علامات الشيخوخة المبكرة؛ منها:
- «متلازمة بلوم (Bloom Syndrome)»: وهي مرض جيني نادر يتميز باضطراب ترتيب الجينات، ويتسبب في ضيق الوجه، وصغر الفك السفلي، وقصر القامة، وضعف المناعة.
- «متلازمة كوكايين (Cockayne Syndrome)»: وهي اضطراب جيني نادر، يتميز بحجم رأس صغير، وقامة قصيرة، وأعين غائرة، ومظهر شائخ، مع أطراف طويلة وظهر منحني.
- «متلازمة هتشينسون جيلفورد (Hutchinson-Gilford Syndrome)»: ويُسمى بالعربية «الشياخ (Progeria)»: وهي اضطراب جيني نادر جداً يتسبب في تقدم عمر الأطفال بسرعة، بدءاً من السنتين الأوليين من حياتهم. ويبلغ متوسط العمر المتوقع نحو 13 عاماً.
• «خلل التنسج الفكي العجزي (Mandibuloacral Dysplasia)»: وهو اضطراب جيني جسدي نادر يتميز بنقص تكوين الفك السفلي والترقوة، وانحلال العظم، وتأخر إغلاق خيوط الجمجمة، وتقلصات المفاصل، مع فقدان الدهون تحت الجلد.
- «متلازمة روثموند طومسون (Rothmund-Thomson Syndrome)»: وهي مرض جيني نادر، يتميز بقصر القامة، وتحدّب الأنف، وغياب الإبهام، مع شيخوخة جلدية متسارعة.
- «متلازمة سيب (Seip Syndrome)»: وهي مرض جلدي نادر، يُعتقد أنه ذو صلة باضطرابات المناعة الذاتية. ويتميز بفقدان الدهون من أجزاء كبيرة في الجسم، خصوصاً تحت الجلد، مما يُعطي مظهر الشيخوخة المبكرة جداً.
- «متلازمة فيرنر (Werner Syndrome)»: وهي اضطراب جيني، يتسبب في ظهور أعراض الشيخوخة بشكل متسارع في مرحلة المراهقة، مثل تجعد الجلد، وقدم شكله، وشيب الشعر، وبحة الصوت، وظهور أمراض القلب، والماء الأبيض في العين، وتصلّب المفاصل.

كيف يمكن منع الشيخوخة المبكرة؟

> نظراً إلى أن العوامل البيئية وسلوكيات نمط الحياة اليومية، هي غالباً ما تسبب الشيخوخة المبكرة، فإنه يمكن تحسين هذا الوضع غير الطبيعي بتغيير العادات اليومية نحو سلوكيات صحية.
ويبين الأطباء في «كليفلاند كلينك» كيفية القيام بذلك بقولهم: «إذا كانت لديك بالفعل علامات الشيخوخة المبكرة؛ فإليك كيفية إيقافها ومنع تفاقمها:
- تجنب التعرض لأشعة الشمس: اتخذ خطوات لحماية نفسك من أضرار أشعة الشمس. وارتدِ ملابس واقية؛ بما في ذلك قبعة ونظارات شمسية. ويعدّ وضع مستحضرات حجب أشعة الشمس الكيميائية، أو (صن سكرين)، من الوسائل التي أثبتت جدواها في الحماية من الآثار الصحية السلبية لأشعة الشمس. والمهم انتقاء نوع (صن سكرين) الذي يحتوي (معامل الحماية من الشمس SPF) أعلى من 30، وأن يكون مفعوله ذا طيف واسع (Broad Spectrum) ضد أنواع الأشعة فوق البنفسجية، ومن النوعية المقاومة للماء كي يبقى لفترة أطول عند تبلل الجسم، وأن يتم دهن جميع مناطق الجلد التي لا تغطيها الملابس، ووضع مستحضر (صن سكرين) قبل 15 دقيقة من التعرض لأشعة الشمس.
- الإقلاع عن التدخين: إذا كنت تدخن؛ فتوقف عنه في أسرع وقت ممكن.
- تناول مزيداً من الفاكهة والخضراوات: يمكن لنظام غذائي متوازن أن يوقف الشيخوخة المبكرة. تجنب تناول كثير من السكر أو الكربوهيد رات المكررة.
- التمرين الرياضي: يحسن النشاط البدني المنتظم الدورة الدموية ويعزز جهاز المناعة لديك؛ مما يعزز صحتك.
- اعتنِ ببشرتك: نظف بشرتك يومياً لإزالة الأوساخ والمكياج والعرق أو غيرها من المواد التي تسبب التهيج. ابتعد عن منتجات البشرة القاسية التي تحتوي على روائح أو درجة حموضة عالية. رطب بشرتك يومياً لمنع الجفاف والحكة.
- خفض مستويات التوتر لديك: حاول التخلص من أكبر قدر ممكن من التوتر في حياتك. ابحث عن تقنيات صحية لإدارة التوتر (مثل التأمل أو ممارسة الرياضة) لمسببات التوتر التي لا يمكنك تجنبها.
- تحسين نوعية (وكمية) نومك: يمكن أن يؤدي الحصول على أقل من 7 ساعات من النوم إلى شيخوخة خلايا الجسم بسرعة أكبر.


مقالات ذات صلة

طريقة كلامك قد تتنبأ باحتمالية إصابتك بألزهايمر

صحتك امرأة تعاني مرض ألزهايمر (رويترز)

طريقة كلامك قد تتنبأ باحتمالية إصابتك بألزهايمر

أكدت دراسة جديدة أن طريقة الكلام قد تتنبأ باحتمالية الإصابة بمرض ألزهايمر.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
صحتك التحفيز العميق لمناطق معينة من الدماغ باستخدام الأقطاب الكهربائية قد يساعد مرضى الشلل على المشي (رويترز)

أقطاب كهربائية بالدماغ تمكّن مصابين بالشلل من المشي مسافات قصيرة

خلصت دراسة وشهادة، نُشرتا أمس (الاثنين)، إلى أن التحفيز العميق لمناطق معينة من الدماغ باستخدام الأقطاب الكهربائية يمكن أن يساعد بعض المصابين بالشلل على المشي.

«الشرق الأوسط» (برن)
صحتك يرصد البحث أن ارتفاع مستويات الدهون الحشوية يرتبط بانكماش مركز الذاكرة في الدماغ (رويترز)

دهون البطن مرتبطة بألزهايمر قبل 20 عاماً من ظهور أعراضه

أفاد بحث جديد بأن نمو حجم البطن يؤدي إلى انكماش مركز الذاكرة في الدماغ.

«الشرق الأوسط» (لندن)
صحتك الخضراوات الورقية تعدّ من الأطعمة الغنية بالمغنيسيوم (رويترز)

مفتاح النوم ومحارب القلق... إليكم أفضل 10 أطعمة لتعزيز مستويات المغنيسيوم

إنه مفتاح النوم الأفضل والعظام الأكثر صحة والتغلب على القلق، ولكن انخفاض مستويات المغنيسيوم أمر شائع. إليك كيفية تعزيز تناولك للمغنيسيوم.

«الشرق الأوسط» (لندن)
الولايات المتحدة​ استدعت شركة «صن فيد بروديوس» الخيار المعبأ في حاويات من الورق المقوى بكميات كبيرة (إدارة الغذاء والدواء الأميركية)

سحب شحنات من الخيار بعد تفشي السالمونيلا في ولايات أميركية

تحقق السلطات الأميركية في تفشي عدوى السالمونيلا التيفيموريوم المرتبطة بتناول الخيار في ولايات عدة.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

النظام الغذائي الصحي في الحمل يعزز ذكاء الطفل

النظام الغذائي الصحي في الحمل يعزز ذكاء الطفل
TT

النظام الغذائي الصحي في الحمل يعزز ذكاء الطفل

النظام الغذائي الصحي في الحمل يعزز ذكاء الطفل

كشفت أحدث دراسة هولندية تناولت التغذية الصحية للحوامل عن الآثار الإيجابية الكبيرة لنوعية الغذاء أثناء الحمل على صحة الأم والأطفال، ليس فقط على المدى القصير (أي فترة الحمل) لضمان ولادة رضيع سليم مكتمل النمو من دون مشاكل طبية، ولكن لدورها المهم لاحقاً في نمو المخ وزيادة معدلات ذكاء الأطفال، حينما تتراوح سنهم بين 10 و14 عاماً.

ونُشرت هذه الدراسة في «المجلة الأميركية للتغذية السريرية» (The American Journal of Clinical Nutrition) في نهاية شهر نوفمبر (تشرين الثاني) من العام الحالي.

التغذية في أول 1000 يوم

من المعروف أن مخ الجنين ينمو بسرعة كبيرة أثناء شهور الحمل والمراحل المبكرة من الطفولة، ما يتطلب ضرورة التغذية الصحية الكافية لإمداده بالطاقة الكبيرة التي يحتاجها. ولذلك تُعد التغذية السليمة خلال أول 1000 يوم من حياة الطفل أمراً بالغ الأهمية للتطور الإدراكي، وفي المقابل يمكن أن يؤدي سوء التغذية أثناء الحمل إلى الإضرار بالنمو العصبي والتطور المعرفي وحدوث تغييرات دائمة في خلايا المخ.

بيانات غذائية للحوامل والأمهات

أجرى الباحثون الهولنديون دراسة كبيرة على مجموعة من النساء الحوامل اللاتي ولدن في الفترة بين أبريل (نيسان) 2002 ويناير (كانون الثاني) 2006، وشملت الدراسة البيانات الغذائية الكاملة لما يزيد على 6 آلاف سيدة. وأيضاً وزَّعوا استبياناً على الأمهات يتعلق بنوعية النظام الغذائي لكل منهن خلال الأشهر الثلاثة الأولى من الحمل، لمعرفة القيمة الغذائية لجميع الأطعمة التي يتناولنها.

وقام العلماء بتثبيت كل العوامل التي يمكن أن تؤثر في النتيجة، مثل: سن الأم، وعرقها، ودخلها المادي، ومستوى التعليم، وحالتها النفسية، وأيضاً مدة الرضاعة الطبيعية.

وشمل الاستبيان جميع العناصر الغذائية تقريباً، وقام العلماء بإعطاء درجات لتقييم جودة النظام الغذائي، بداية من الصفر وحتى 15 درجة، تبعاً للمقاييس الغذائية في هولندا؛ حيث تشير الدرجات الأعلى إلى أنظمة غذائية تحتوي على طعام صحي، بينما تشير الدرجات الأقل إلى تدني القيمة الغذائية للطعام.

عناصر مفيدة لمخ الأطفال

ولاحظ الباحثون أن الدرجات الأعلى ارتبطت بتناول العناصر المفيدة، مثل الألياف والخضراوات والفاكهة، وفي المقابل ارتبطت الدرجات الأقل بالمكونات الضارة، مثل الدهون المشبعة والسكريات المخلقة.

كذلك قام العلماء بعمل أشعات رنين مغناطيسي على المخ (MRI) للمواليد؛ حيث تم تقسيمهم إلى 3 مجموعات: الأولى أُجري الرنين لهم حينما كانوا في سن العاشرة، وعددهم 2223، والمجموعة الثانية كانوا في سن الرابعة عشرة وعددهم 1582، والمجموعة الأخيرة تم عمل أشعة الرنين لهم في سن 10 و14 عاماً معاً، وبلغ عددهم 872 طفلاً. وتضمنت الأشعة قياس حجم المخ لكل طفل، ومقارنته بالنسب العالمية، بما في ذلك المادة البيضاء والمادة الرمادية white matter and gray matter (الأنسجة المكونة لخلايا المخ). كما خضع الأطفال لأربعة اختبارات لقياس معدل الذكاء بناءً على سرعة التفكير والذاكرة والمنطق والفهم.

جودة غذاء الأم ومعدل الذكاء

وجد الباحثون أن جودة النظام الغذائي للأم أثناء الحمل انعكست بالإيجاب على مخ الأطفال، بداية من المراحل الأولى للحمل؛ حيث كان حجم مخ الجنين أكبر وأكثر تعقيداً. وبعد الولادة في سن الثامنة كان معدل الذكاء نحو 102 (أعلى من المتوسط) وذلك في وجود نظام غذائي متوسط. وكان حجم المخ أكبر من المقاييس العالمية، ونفس الأمر تكرر في سن العاشرة والرابعة عشرة، وتطورت القدرات الإدراكية والمعرفية.

وتُعد هذه الدراسة هي الأولى التي تظهر ارتباطاً طويل الأمد بين نوعية النظام الغذائي قبل الولادة، وشكل morphology المخ حتى بداية مرحلة المراهقة، وتوضح الأهمية الكبيرة للغذاء الصحي للأم أثناء فترة الحمل على المخ والجهاز العصبي من الناحية العضوية والوظيفية.