أميركا تحتجز مشتبهاً به ليبياً في قضية «لوكربي»

تسليم أبو عجيلة يجدد دعوات إسقاط حكومة الدبيبة

طائرة «بان أميركان» التي سقطت فوق بلدة لوكربي الاسكوتلندية عام 1988 (أ.ب)
طائرة «بان أميركان» التي سقطت فوق بلدة لوكربي الاسكوتلندية عام 1988 (أ.ب)
TT

أميركا تحتجز مشتبهاً به ليبياً في قضية «لوكربي»

طائرة «بان أميركان» التي سقطت فوق بلدة لوكربي الاسكوتلندية عام 1988 (أ.ب)
طائرة «بان أميركان» التي سقطت فوق بلدة لوكربي الاسكوتلندية عام 1988 (أ.ب)

أعلنت وزارة العدل الأميركية، أمس (الأحد)، أن ليبيّاً يشتبه في قيامه بصنع القنبلة التي استخدمت في تفجير طائرة أميركية فوق مدينة لوكربي الاسكوتلنديةعام 1988 بات محتجزاً في الولايات المتحدة. ووجّهت الولايات المتحدة الاتهام لأبو عجيلة محمد مسعود قبل عامين، على خلفية قضية لوكربي، وكان قد احتُجز سابقاً في ليبيا لضلوعه المفترض في هجوم عام 1986 على ملهى ليلي في برلين. وأكدت وزارة العدل، في بيان، نقلته وكالة الصحافة الفرنسية، أن مسعود محتجز لدى الولايات المتحدة، بعد إعلان صدر عن الادعاء الاسكتلندي، من دون الكشف عن كيفية وقوعه في قبضة الولايات المتحدة. وقال متحدث باسم الوزارة إنه يتوقع أن يمثل مسعود أمام محكمة أميركية في منطقة كولومبيا، من دون تحديد التاريخ.
وحوكم متهم واحد فقط حتى الآن في قضية تفجير رحلة شركة «بان أميركان» رقم 103 بين لندن ونيويورك في 21 ديسمبر (كانون الأول) 1988، الذي يبقى الاعتداء الإرهابي الذي حصد أكبر عدد من الضحايا في تاريخ بريطانيا. وأمضى ضابط المخابرات الليبي السابق عبد الباسط المقرحي 7 سنوات في سجن أسكوتلندي بعد إدانته عام 2001. وتوفي في ليبيا عام 2012.
من جانبها، قالت النيابة العامة الاسكوتلنديةإن «أهالي ضحايا هجوم لوكربي أبلغوا أن المشتبه به أبو عجيلة محمد مسعود محتجز في الولايات المتحدة». وأضافت أن «المدعين العامين والشرطة الاسكتلندية، بالتنسيق مع حكومة المملكة المتحدة وزملائهم في الولايات المتحدة، سيواصلون التحقيق لتقديم من شاركوا مع المقرحي إلى القضاء». لم يتم تقديم مزيد من المعلومات حول حيثيات تسليم مسعود، وقد كان مصيره موضع خلاف بين الجهات المتنازعة في السياسة الليبية. وأوردت هيئة «بي بي سي» الشهر الماضي أنه خطف على أيدي جماعة مسلحة ليبية عقب توقيفه على خلفية هجوم برلين الذي أسفر عن مقتل عسكريين أميركيين ومواطن تركي. وعُرف مسعود بأنه صانع قنابل لصالح نظام معمر القذافي. ووفق لائحة الاتهام الأميركية، قام بتجميع وبرمجة القنبلة التي أسقطت طائرة «بان أميركان». وأعيد فتح التحقيق في القضية عام 2016 عندما علم القضاء الأميركي بتوقيف مسعود بعد سقوط نظام القذافي، وأنه قدم اعترافاً مفترضاً لاستخبارات النظام الليبي الجديد عام 2012.
في غضون ذلك، عبر ليبيون عن غضبهم الشديد من الأنباء المتداولة حول تسليم المواطن أبو عجيلة مسعود، على الرغم من تحذيرات مجلس النواب وعائلته، لحكومة عبد الحميد الدبيبة، من الإقدام على هذه الخطوة، لكون القضية «أغلقت بعدما دفع معمر القذافي الرئيس الراحل التعويضات المالية المطلوبة آنذاك». وقال الدكتور مصطفى الفيتوري، الكاتب والأكاديمي الليبي، المختص في قضية «لوكربي»: «كما كان متوقع» أقدمت حكومة الدبيبة، التي وصفها بـ«العمالة»، «على جريمة تسليم المواطن الليبي أبو عجيلة مسعود إلى الولايات المتحدة».
وخطف مجهولون العميد أبو عجيلة، ضابط جهاز الأمن الخارجي سابقاً (الاستخبارات)، من منزله، منتصف نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، ولم تعلن أي جهة مسؤوليتها عن ذلك حتى الآن. فيما حمَّلت عائلته حكومة الدبيبة، المسؤولية عن سلامته، وحذَّرتها من تسليمه إلى أي دولة أجنبية.
وقال الفيتوري، في حديثه إلى «الشرق الأوسط»: «يبدو أن الشائعات قد تحققت، وثبت أن حكومة طرابلس قد سلمت أبو عجيلة إلى واشنطن، وهذا ما كنا نحذر منه»، ورأى أن «فتح ملف لوكربي بعد نحو 34 عاماً من وقوع التفجير بعد تسويته سياسياً ومالياً بين الولايات المتحدة وليبيا في اتفاق سياسي معروف، وقُعّ في أغسطس (آب) 2008، ليس في مصلحة ليبيا أو حكومة طرابلس، إذا كانت تعتقد، أو يروج البعض، بأن تسليم أبو عجيلة يطيل أمد بقائها في السلطة».
وسبق أن حذّر إبراهيم بوشناف، مستشار الأمن القومي الليبي، من أن «تعمّد البعض إثارة قضية (لوكربي) سيدخل ليبيا في عقود من الاستباحة، لا يعلم إلا الله منتهاها». وقال بوشناف: «لأننا على علم بتفاصيل الاتفاق الذي أنهى النزاع مع الولايات المتحدة، شكّلنا حينها فريقاً قانونياً سياسياً يتبع مكتب وزير الداخلية الليبي حينها لمتابعة مستجدّات الطلب»، موضحاً أن «جوهر عمل هذا الفريق هو أن الدولة الليبية تمسكت زمن النظام السابق بأن أساس التسوية ينحصر فقط في مسؤوليتها المدنية عن أفعال تابعيها دون المسؤولية الجنائية». ورأى أن عملية تسليم أبو عجيلة، تعد «القشة التي قصمت ظهر بعير حكومة طرابلس، وعليه ليس أمام الليبيين إلا الانتفاضة بشكل جماعي في جميع أنحاء البلاد وإسقاطها في أقرب وقت»، لافتاً إلى أن «أبو عجيلة رجل مُسن في عقده الثامن، وأنا على تواصل مع أسرته، وتحدثت معهم اليوم، بعدما سمعت هذا الخبر الحزين».
وروى الفيتوري عن كواليس ليلة خطف أبو عجيلة، في 16 نوفمبر الماضي، وقال: «داهمت ميليشيا مأجورة منزله في حي أبو سليم حيث يقطن، وكانت تستقل 4 سيارات معتمة الزجاج وبدون أرقام، هبط منها بعض المسلحين، واقتحموا غرفة نومه ليلاً، واقتادوه معهم»، لافتاً إلى أنه كان يعالج في أحد المستشفيات قبل خطفه بأسبوعين، كما أنه لم يمضِ على خروجه من سجن «الهضبة» بالعاصمة طرابلس سوى عام وبضعة أشهر. وأضاف الفيتوري: «ظلت أسرته منذ هذا الوقت لا تعلم أين هو، وإن كانت تلقت تطمينات قبل نحو أسبوع من جهة ما، لا أريد ذكرها، بأنه بخير ويتمتع بصحة جيدة، ولكن لم يتمكنوا من زيارته»، منوهاً إلى أنه «منذ خطفه لم يقدم له أحد أي إجابة شافية، عن خطفه، ولم يستطع أحد أن يؤكد لهم إن كان موجوداً في ليبيا، أو غادرها».
ولفت الفيتوري إلى ما سبق وذكرته نجلاء المنقوش، وزيرة خارجية الدبيبة، في تصرح سابق في ديسمبر (كانون الأول) العام الماضي، أكدت فيه أن حكومتها لديها استعداد للتعاون مع الولايات المتحدة في تسليم أبو عجيلة.
وكانت المنقوش، عدلت عن هذا التصريح فيما بعد، لكن كثيراً من الليبيين لاموا حكومتها التي التزمت الصمت منذ إعلان أسرة أبو عجيلة خطفه من منزله، حتى الآن. وأمام إعلان القضاء الاسكتلندي عن وجود الرجل في الولايات المتحدة، تجددت الانتقادات الموجهة للحكومة، وسط دعوات لمطالبتها بتقديم استقالتها، إذا لم تعلن عكس ذلك.
وكان مجلس النواب الليبي، توعد بأنه سيطلب محاكمة كل من يثبت تورطه في محاولة إعادة فتح ملف قضية «لوكربي»، بتهمة «الخيانة العظمى»، معلناً رفضه القاطع تسليم أبو عجيلة، للولايات المتحدة.
وطالب فوزي النويري، النائب الأول لرئيس مجلس النواب، في تلك الأثناء «بضرورة ملاحقة كل المتورطين في القبض على أبو عجيلة، قضائياً وسياسياً، بكل الوسائل المتاحة والممكنة».
غير أن الفيتوري، يقول: «يبدو الآن أن حديث المنقوش برغبة حكمتها في تسليم أبو عجيلة، قد تحقق»، وأضاف: «بصفتي متابعاً لهذا القضية على تعدد خلفياتها وتعقدها، تبقى هناك جزئية مهمة، تتمثل في فشل الاستئناف الذي كانت هيئة الدفاع عن الراحل المقرحي تقدمت به، بعدما رفضته المحكمة العليا في أسكوتلندا، والمحكمة العليا في بريطانيا، برغم أن الجهة المسؤولة عن مراجعة الأحكام في أسكوتلندا قالت؛ ربما يكون هناك إجهاض للعدالة في الحكم على المقرحي، عام 1991، والآن هناك عشرات الأدلة التي تبرئ المقرحي».


مقالات ذات صلة

المنقوش تناقش في الجزائر الانتخابات الليبية وعودة المعابر

شمال افريقيا المنقوش تناقش في الجزائر الانتخابات الليبية وعودة المعابر

المنقوش تناقش في الجزائر الانتخابات الليبية وعودة المعابر

بحثت نجلاء المنقوش مع نظيرها وزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف، خلال زيارة لها أمس إلى الجزائر، فتح المعابر البرية والنقل البحري والجوي أمام حركة التجارة وتنقل الأشخاص، بعد سنين طويلة من الإغلاق، بسبب الأزمة السياسية والأمنية في ليبيا. وذكرت الخارجية الجزائرية في بيان أن الوزيرين بحثا قضايا جارية في الساحتين المغاربية والعربية، منها تطورات ملف الصحراء، والمساعي العربية والدولية لوقف الاقتتال وحقن الدماء في السودان. وأكد البيان أن عطاف تلقى من المنقوش «عرضا حول آخر مستجدات العملية السياسية التي تقودها الأمم المتحدة، لإنهاء الأزمة في ليبيا».

شمال افريقيا وفدان أميركي وفرنسي يبحثان في ليبيا تطوير الجيش

وفدان أميركي وفرنسي يبحثان في ليبيا تطوير الجيش

بحث وفدان عسكريان، أميركي وفرنسي، في ليبيا سبل إعادة بناء وتطوير المؤسسة العسكرية المُنقسمة، بين شرق البلاد وغربها، منذ إسقاط النظام السابق، في وقت زار فيه المشير خليفة حفتر، القائد العام لـ«الجيش الوطني» روما، والتقى برئيسة الوزراء بالحكومة الإيطالية جورجا ميلوني، وعدد من وزراء حكومتها. وفي لقاءين منفصلين في طرابلس (غرباً) وبنغازي (شرقاً)، التقى الوفدان الأميركي والفرنسي قيادات عسكرية للتأكيد على ضرورة توحيد الجيش الليبي.

جمال جوهر (القاهرة)
شمال افريقيا المنقوش تبحث في الجزائر الانتخابات الليبية وعودة الحركة على المعابر

المنقوش تبحث في الجزائر الانتخابات الليبية وعودة الحركة على المعابر

بحثت وزيرة الخارجية الليبية نجلاء المنقوش مع نظيرها الجزائري أحمد عطاف، خلال زيارة لها اليوم الخميس إلى الجزائر، في فتح المعابر البرية والنقل البحري والجوي أمام حركة التجارة وتنقل الاشخاص، بعد سنوات طويلة من الإغلاق، بسبب الأزمة السياسية والامنية في ليبيا.

المنجي السعيداني (تونس)
شمال افريقيا «حبوب الهلوسة»... «سلاح قاتل» يستهدف عقول الليبيين

«حبوب الهلوسة»... «سلاح قاتل» يستهدف عقول الليبيين

لم يكن من قبيل الصدفة أن تقذف أمواج البحر المتوسط كميات متنوعة من المخدرات إلى السواحل الليبية، أو أن تتلقف شِباك الصيادين قرب الشاطئ «حزماً» من «الحشيش والكوكايين وحبوب الهلوسة»، فالبلاد تحوّلت -وفق تقرير أممي- إلى «معبر مهم» لهذه التجارة المجرّمة. وتعلن السلطات الأمنية في عموم ليبيا من وقت لآخر عن ضبط «كميات كبيرة» من المخدرات قبل دخولها البلاد عبر الموانئ البحري والبرية، أو القبض على مواطنين ووافدين وهو يروّجون هذه الأصناف التي يُنظر إليها على أنها تستهدف «عقول الشباب الليبي». غير أنه بات لافتاً من واقع عمليات الضبط التي تعلن عنها السلطات المحلية تزايُد تهريب المخدرات وتعاطيها، خصوصاً «حبوب

جمال جوهر (القاهرة)
شمال افريقيا «النواب» و«الدولة» يقران آلية عمل لجنة قوانين الانتخابات الليبية

«النواب» و«الدولة» يقران آلية عمل لجنة قوانين الانتخابات الليبية

استهلّت اللجنة المُشتركة لممثلي مجلسي «النواب» و«الدولة» (6+6) المكلفة بإعداد قوانين الانتخابات الليبية، اجتماعاتها في العاصمة طرابلس بـ«الاتفاق على آلية عملها». وطبقاً لما أعلنه عبد الله بليحق، المتحدث الرسمي باسم مجلس النواب، فقد شهد الاجتماع ما وصفه بتقارب في وجهات النظر بين أعضاء اللجنة حول القوانين الانتخابية، مشيراً، في بيان مقتضب مساء أول من أمس، إلى أنه «تم أيضاً الاتفاق على التواصل مع الجهات والمؤسسات ذات العلاقة بالعملية الانتخابية».

خالد محمود (القاهرة)

القاهرة تعزز مشاركتها في قوات حفظ السلام بأفريقيا

بدر عبد العاطي يلتقي كتيبة الشرطة المصرية المشاركة في حفظ السلام بالكونغو (الخارجية المصرية)
بدر عبد العاطي يلتقي كتيبة الشرطة المصرية المشاركة في حفظ السلام بالكونغو (الخارجية المصرية)
TT

القاهرة تعزز مشاركتها في قوات حفظ السلام بأفريقيا

بدر عبد العاطي يلتقي كتيبة الشرطة المصرية المشاركة في حفظ السلام بالكونغو (الخارجية المصرية)
بدر عبد العاطي يلتقي كتيبة الشرطة المصرية المشاركة في حفظ السلام بالكونغو (الخارجية المصرية)

تأكيدات مصرية على لسان وزير الخارجية، بدر عبد العاطي، بشأن «الدور النبيل» الذي تقوم به القوات المصرية ضمن بعثات حفظ السلام عبر «تعزيز السلم والأمن» في أفريقيا، وأنها تعكس «الالتزام المصري التاريخي بدعم الاستقرار في القارة السمراء».

تصريحات وزير الخارجية جاءت خلال زيارته للكتيبة المصرية ضمن قوات حفظ السلام في الكونغو الديمقراطية، التي تأتي أيضاً قبيل أسابيع من مشاركة جديدة مرتقبة مطلع العام المقبل في الصومال ضمن قوات حفظ سلام أفريقية، وسط تحفظات إثيوبية التي أعلنت مقديشو استبعاد قواتها رسمياً، وأرجعت ذلك إلى «انتهاكها الصارخ لسيادة واستقلال الصومال».

الزيارة المصرية للقوات التي يمر على وجودها نحو 25 عاماً، تعد بحسب خبراء تحدثوا مع «الشرق الأوسط»، تأكيداً على «الحضور المتنامي للقاهرة، وتعزيزاً لمشاركاتها بالقارة السمراء»، مستبعدين أن تتحول أي تحفظات إثيوبية تجاه الوجود المصري بمقديشو لمواجهات أو تصعيد عسكري.

وبحسب ما كشفته «الخارجية المصرية» في أواخر مايو (أيار) 2024، «فمنذ عام 1960، عندما أرسلت مصر قواتها إلى عمليات الأمم المتحدة في الكونغو، خدم ما يزيد على 30 ألفاً من حفظة السلام المصريين في 37 بعثة لحفظ السلام في 24 دولة، وبصفتها واحدة من كبريات الدول التي تسهم بقوات نظامية في عمليات حفظ السلام، تنشُر مصر حالياً 1602 من حفظة السلام من النساء والرجال المصريين في عمليات الأمم المتحدة لحفظ السلام في الكونغو الديمقراطية والسودان وجنوب السودان والصحراء الغربية».

ووفق تقديرات نقلتها «هيئة الاستعلامات» المصرية الرسمية، منتصف يونيو (حزيران) 2022، تسترشد مصر في عمليات حفظ السلام بثلاثة مبادئ أممية أساسية، وهي «موافقة الأطراف والحياد، وعدم استعمال القوة إلا دفاعاً عن النفس، ودفاعاً عن الولاية».

بدر عبد العاطي يصافح كتيبة الشرطة المصرية المشاركة في حفظ السلام بالكونغو (الخارجية المصرية)

وتاريخياً، شاركت مصر في قوات حفظ السلام بأفريقيا في «الكونغو أثناء فترة الحرب الأهلية من 1960 إلى 1961، ثم من نوفمبر (تشرين الثاني) 1999، وكوت ديفوار لمساعدة الأطراف الإيفوارية على تنفيذ اتفاق السلام الموقع بينهما في يناير (كانون الثاني) 2003، والصومال في الفترة من ديسمبر (كانون الأول) 1992 إلى فبراير (شباط) 1995، وأفريقيا الوسطى من يونيو 1998 إلى مارس (آذار) 2000، وأنغولا من 1991 وحتى 1999، وموزمبيق من فبراير 1993 إلى يونيو 1995، وجزر القمر من 1997 وحتى 1999، وبوروندي منذ سبتمبر (أيلول) 2004، وإقليم دارفور بالسودان منذ أغسطس (آب) 2004».

وضمن متابعة مصرية لقواتها، التقى بدر عبد العاطي، الجمعة، مع أعضاء كتيبة الشرطة المصرية المُشاركة في مهام حفظ السلام ضمن بعثة الأمم المتحدة لحفظ الاستقرار في الكونغو الديمقراطية خلال زيارته التي بدأت الخميس، واستمرت ليومين إلى العاصمة كينشاسا، لتعزيز التعاون بكل المجالات، وفق بيان صحافي لـ«الخارجية المصرية».

وقال عبد العاطي إن «مصر إحدى كبرى الدول المساهمة في قوات حفظ السلام الأممية»، مؤكداً أن «وجود الكتيبة المصرية في الكونغو الديمقراطية يعكس عمق العلاقات التاريخية بين البلدين وأهمية الشراكة الاستراتيجية مع دول حوض النيل الجنوبي». كما نقل وزير الخارجية، رسالة إلى رئيس الكونغو الديمقراطية، فيليكس تشيسيكيدي، من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، تتضمن سبل تعزيز العلاقات، وإحاطة بما تم توقيعه من اتفاقيات تعاون خلال زيارته وتدشين «مجلس أعمال مشترك».

ووفق الخبير في الشؤون الأفريقية، عبد الناصر الحاج، فإن كلمة السر في مشاركة مصر بشكل معتاد ضمن قوات حفظ السلام في أفريقيا بشكل عام هي «طبيعة القوات المصرية حيث تتجلى الإمكانات العالية والخبرات التاريخية المتراكمة، ما جعل مصر دائمة المشاركة والحضور ضمن قوات حفظ السلام منذ أزمان بعيدة»، مؤكداً أن لمصر تجارب عدة في العمل ضمن بعثات حفظ السلام في كثير من دول أفريقيا التي شهدت نزاعات وأوضاع أمنية بالغة التعقيد، مثل ساحل العاج، والكونغو، وأفريقيا الوسطى، وأنغولا، وموزمبيق، وليبيريا، ورواندا، وجزر القمر، ومالي وغيرها.

جانب من كتيبة الشرطة المصرية المشاركة في مهام حفظ السلام بالكونغو الديمقراطية (الخارجية المصرية)

الحاج أشار إلى أنه رغم أن الاضطرابات السياسية التي تشهدها كثير من دول أفريقيا «تزيد من تعقيد» عمل بعثات الأمم المتحدة الخاصة بحفظ السلام في أفريقيا، وعدم قدرة هذه البعثات على إحراز أي تقدم في ظل نقص المؤسسات الديمقراطية الفعالة في عدد من البلدان الأفريقية؛ فإن مصر تدرك جيداً مدى أهمية تكثيف حضورها الأمني في القارة السمراء، باعتبار أن «العدول عن المشاركة المصرية ضمن بعثات حفظ السلام، سوف يترك فراغاً عريضاً» ربما تستغله دول أخرى تنافس مصر في خارطة التمركز الفاعل في أفريقيا.

الخبير الاستراتيجي المصري، اللواء سمير فرج، أوضح أن هناك قوات لحفظ السلام تتبع الأمم المتحدة، وأخرى تتبع الاتحاد الأفريقي، وكل له ميزانية منفصلة؛ لكن يتعاونان في هذا المسار الأمني لحفظ الاستقرار بالدول التي تشهد اضطرابات ومصر لها حضور واسع بالاثنين، مؤكداً أن مشاركة القاهرة بتلك القوات يتنامى ويتعزز في القارة الأفريقية بهدف استعادة الحضور الذي عرف في الستينات بقوته، وكان دافعاً ومساهماً لتأسيس الاتحاد الأفريقي والحفاظ على استقرار واستقلال دوله.

وهو ما أكده وزير الخارجية المصري خلال زيارته للكتيبة المصرية بالكونغو الديمقراطية بالقول إن «المشاركة في بعثات حفظ السلام تعكس الالتزام المصري التاريخي بدعم الاستقرار في أفريقيا، والمساهمة الفاعلة في صون السلم والأمن الدوليين».

هذا التأكيد المصري يأتي قبل نحو شهر من المشاركة المصرية في قوات حفظ السلام الأفريقية، بالصومال، حيث أكد سفير مقديشو لدى مصر، علي عبدي أواري، في إفادة، أغسطس الماضي، أن «القاهرة في إطار اتفاقية الدفاع المشترك مع الصومال ستكون أولى الدول التي تنشر قوات لدعم الجيش الصومالي من يناير 2025 وتستمر حتى عام 2029. بعد انسحاب قوات الاتحاد الأفريقي الحالية»، قبل أن تعلن مقديشو، أخيراً «استبعاد القوات الإثيوبية رسمياً من المشاركة في عمليات البعثة الجديدة؛ بسبب انتهاكها الصارخ لسيادة واستقلال الصومال».

الرئيس الصومالي خلال توقيعه قانوناً في يناير الماضي يُبطل مذكرة تفاهم «أرض الصومال» وإثيوبيا (حساب الرئيس الصومالي على «إكس»)

ولم تعلق أديس أبابا رسمياً على هذا الاستبعاد، لكن تحدّث وزير الخارجية الإثيوبي السابق، تاي أصقي سيلاسي، في أغسطس الماضي، عن الموقف الإثيوبي بشأن البعثة الجديدة لقوات حفظ السلام في الصومال، حيث طالب بـ«ألا تشكّل تهديداً لأمننا القومي، هذا ليس خوفاً، لكنه تجنّب لإشعال صراعات أخرى بالمنطقة»، مؤكداً أن بلاده «أصبحت قوة كبرى قادرة على حماية مصالحها».

وعدَّ الخبير الاستراتيجي المصري أن استمرار الوجود المصري في قوات حفظ السلام على مدار السنوات الماضية والمقبلة، لاسيما بالصومال له دلالة على قوة مصر وقدرتها على الدعم الأمني والعسكري وتقديم كل الإمكانات، لاسيما التدريب وتحقيق الاستقرار، مستبعداً حدوث أي تحرك إثيوبي ضد الوجود المصري في الصومال العام المقبل.

فيما يرى الخبير في الشؤون الأفريقية أن الاستعداد القوي الذي أظهرته مصر للمشاركة ضمن بعثة حفظ السلام في الصومال، يأتي من واقع الحرص المصري على استتباب الأمن في هذه البقعة الاستراتيجية في القرن الأفريقي؛ لأن استتباب الأمن في الصومال يعني تلقائياً تأمين حركة الملاحة البحرية في البحر الأحمر، ومن ثم ضمان انسياب الحركة التجارية الدولية عبر قناة السويس. فضلاً عن أن مصر لن تنزوي بعيداً وتترك الصومال ملعباً مميزاً للقوات الإثيوبية، خصوصاً بعدما أبرمت إثيوبيا اتفاقاً مطلع العام مع إقليم «أرض الصومال» لاستغلال منفذ «بربرة» البحري المطل على ساحل البحر الأحمر.

وفي تقدير عبد الناصر الحاج فإن نجاح مصر في أي مشاركة فاعلة ضمن قوات حفظ السلام في أفريقيا، يتوقف في المقام الأول، على مدى قدرة مصر في انتزاع تفويضات واسعة من مجلس السلم والأمن الأفريقي لطبيعة عمل هذه البعثات، بحسبان أن إحدى المشكلات التي ظلت تسهم في إعاقة عمل بعثات حفظ السلام، هي نوعية التفويض الممنوح لها؛ وهو الذي ما يكون دائماً تفويضاً محدوداً وقاصراً يضع هذه البعثات وكأنها مُقيدة بـ«سلاسل».

وأوضح أنه ينبغي على مصر الاجتهاد في تقديم نماذج استثنائية في أساليب عمل قواتها ضمن بعثات حفظ السلام، بحيث يصبح الرهان على مشاركة القوات المصرية، هو خط الدفاع الأول لمدى جدواها في تحقيق غاية حفظ السلام.