«حبوب الهلوسة»... «سلاح قاتل» يستهدف عقول الليبيين

وسط تخوف من استخدام «المال الفاسد» في العملية السياسية

إدارة المهام الخاصة في غرب ليبيا تضبط «حبوب هلوسة» مع أحد الوافدين (وزارة الداخلية)
إدارة المهام الخاصة في غرب ليبيا تضبط «حبوب هلوسة» مع أحد الوافدين (وزارة الداخلية)
TT

«حبوب الهلوسة»... «سلاح قاتل» يستهدف عقول الليبيين

إدارة المهام الخاصة في غرب ليبيا تضبط «حبوب هلوسة» مع أحد الوافدين (وزارة الداخلية)
إدارة المهام الخاصة في غرب ليبيا تضبط «حبوب هلوسة» مع أحد الوافدين (وزارة الداخلية)

لم يكن من قبيل الصدفة أن تقذف أمواج البحر المتوسط كميات متنوعة من المخدرات إلى السواحل الليبية، أو أن تتلقف شِباك الصيادين قرب الشاطئ «حزماً» من «الحشيش والكوكايين وحبوب الهلوسة»، فالبلاد تحوّلت -وفق تقرير أممي- إلى «معبر مهم» لهذه التجارة المجرّمة.
وتعلن السلطات الأمنية في عموم ليبيا من وقت لآخر عن ضبط «كميات كبيرة» من المخدرات قبل دخولها البلاد عبر الموانئ البحري والبرية، أو القبض على مواطنين ووافدين وهو يروّجون هذه الأصناف التي يُنظر إليها على أنها تستهدف «عقول الشباب الليبي».
غير أنه بات لافتاً من واقع عمليات الضبط التي تعلن عنها السلطات المحلية تزايُد تهريب المخدرات وتعاطيها، خصوصاً «حبوب الهلوسة»، بشكل لافت، في البلاد، وهو ما أرجعه احميد المرابط الزيداني، رئيس اللجنة القانونية لمنظمة «ضحايا» لحقوق الإنسان في ليبيا، إلى «انعدام الأمن والانقسام السياسي».
وقالت مديرية أمن بنغازي (شرقي ليبيا)، إن مركز شرطة «رأس إعبيدة» قبض على شخصين من مروجي «حبوب الهلوسة» كانا يستقلان سيارة معتمة ولا تحمل لوحات معدنية وبحوزتهما أسلحة نارية.
وأوضحت المديرية في بيان مساء (الأربعاء)، أنه في إطار خطة موضوعة مسبقاً لضبط المطلوبين والخارجين عن القانون، تم الاشتباه في السيارة المعتمة، وبعد توقيفها ضُبط بداخلها كمية من «الحبوب المهلوسة»، لافتة إلى أنه بعد اعتراف الشخصين «بترويجهما وتعاطيهما هذه الحبوب»، تم اتخاذ الإجراءات القانونية حيالهما وإحالتهما على النيابة العامة.
وكان تقرير أممي قد صدر عن مكتب الأمم المتحدة المعنيّ بالمخدرات والجريمة، قد تحدث عن أن سواحل ليبيا باتت منطلقاً ومنفذاً رئيسياً لتهريب المخدرات بأنواعها ومن بينها «الكوكايين».
وفي نهاية أبريل (نيسان) الماضي، عثرت الأجهزة الأمنية في غرب ليبيا على «أكبر كمية» من مخدر الكوكايين ملقاة على شاطئ البحر، وذلك في عملية تمشيط روتينية للساحل الذي تستخدمه عصابات الاتجار بالبشر في تهريب البضائع والمهاجرين غير النظاميين إلى أوروبا. كما نقلت أن صيادين عثروا على حزم من الحشيش التقطتها شباكهم وسط الأسماك.
وقالت «قوة العمليات المشتركة» بغرب ليبيا، إن عناصرها، في أثناء قيامهم بتسيير دوريات لتمشيط الطرق والأودية التي تستخدمها عصابات تهريب الممنوعات والهجرة غير المشروعية، عثرت في منطقة تبعد نحو 70 كيلومتراً شرق مدينة مصراتة (غرباً) على عدد من اللفائف تحمل بداخلها مسحوقاً أبيض اللون يشتبه في كونه مادة مخدرة ومغلّفة بإحكام بطبقات من المواد البلاستيكية.
وقال الزيداني لـ«الشرق الأوسط» إن «الاتجار في هذه الحبوب المهلوسة شهد رواجاً كبيراً في ليبيا خلال الفترة الأخيرة، وذلك بسبب أمور عدة من بينها غياب الدولة»، و«هذا أدى لتزايد وقوع الشباب في فخ هذه الآفة اللعينة».
ورأى الزيداني أن «هذا السلاح القاتل الذي يستهدف عقول الشباب الليبي تسبب في كثير من الجرائم التي تشهدها بلادي راهناً، من بينها ارتفاع نسبة العنف الأسري، وتزايد معدلات الطلاق»، كما لفت إلى أن تعاطي هذه الحبوب من «بعض المقاتلين أسهم من انجرارهم ودخولهم في قتال لم يعلموا هدفه».
وتخوف الزيداني من أن هذه التجارة الرائجة ستُدرّ «مالاً فاسداً» يمكن استخدامه في إذكاء الصراعات المسلحة، وتقوية بعض الأطراف على بعضها، متابعاً: «للأسف الموضوع تجاوز فكرة التجارة العادية واستجلاب هذه المخدرات من الخارج».
ونوه إلى المداهمة التي شنّتها «قوة دعم المديريات» بطرابلس، على وكر يصنّع حبوب الهلوسة، طاقته الإنتاجية 150 ألف حبة في اليوم، مستكملاً: «الموضوع أكبر من قدرة الدولة على التصدي لهذه الجريمة، مما يتطلب وقفة جادة وحقيقية لردع هذه الظاهرة، التي تؤثر على جميع مناحي الحياة».
وذهب إلى أن «المال الفاسد» الناتج عن هذه التجارة سيدخل في العملية السياسية والانتخابات، وسيُفسد على الليبيين المشهد ما لم تتم مراجعة مصادر تلك الأموال، والتصدي لهؤلاء المجرمين خصوصاً أنهم يرتبطون بمافيا خارجية.
وأوضح الزيداني أنه يعوّل على «الجهود» التي يضطلع بها جهاز مكافحة المخدرات، ونيابة مكافحة المخدرات التابعة لمكتب النائب العام التي قال إنها «تتصدى بقوة لهذه الجرائم في أنحاء ليبيا، رغم الانقسام السياسي، وهذا ما يشكل بصيص أمل لجموع المواطنين في انحسار هذه الظاهرة والقضاء عليها».
في السياق ذاته، أرجع القانوني الليبي علي إمليمدي، سبب تزايد ظاهرة تعاطي حبوب الهلوسة، إلى «الفراغ لدى قطاع من الشباب، وعدم رقابة الأسرة، وضعف الأمن، وعدم وجود توعية من السلطات العامة بمخاطرها»، وقال إن «أعمار شريحة المتعاطين في منتصف العشرينات، وبالتالي فإن صغر أعمارهم يدل على إهمال أسرهم».
ورأى إمليمدي، الذي يعمل محامياً وينتمي إلى جنوب ليبيا، أنه «بعد تفعيل الأجهزة الأمنية في أغلب مدن الجنوب، وانتهاء الحروب، تراجعت هذه الظاهرة بشكل ملحوظ».
وضرب إمليمدي مثالاً على ذلك قائلاً: «مدينة سبها كانت أكثر المدن انتشاراً للجريمة من سطو مسلح وقتل واتجار للمخدرات قبل سنوات»، متابعاً: «لكن الآن نلاحظ تراجع الجريمة بشكل كبير بعد تفعيل السجون، والقبض على المطلوبين ومحاكمتهم وصدور أحكام رادعة ضدهم».


مقالات ذات صلة

المنقوش تناقش في الجزائر الانتخابات الليبية وعودة المعابر

شمال افريقيا المنقوش تناقش في الجزائر الانتخابات الليبية وعودة المعابر

المنقوش تناقش في الجزائر الانتخابات الليبية وعودة المعابر

بحثت نجلاء المنقوش مع نظيرها وزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف، خلال زيارة لها أمس إلى الجزائر، فتح المعابر البرية والنقل البحري والجوي أمام حركة التجارة وتنقل الأشخاص، بعد سنين طويلة من الإغلاق، بسبب الأزمة السياسية والأمنية في ليبيا. وذكرت الخارجية الجزائرية في بيان أن الوزيرين بحثا قضايا جارية في الساحتين المغاربية والعربية، منها تطورات ملف الصحراء، والمساعي العربية والدولية لوقف الاقتتال وحقن الدماء في السودان. وأكد البيان أن عطاف تلقى من المنقوش «عرضا حول آخر مستجدات العملية السياسية التي تقودها الأمم المتحدة، لإنهاء الأزمة في ليبيا».

شمال افريقيا وفدان أميركي وفرنسي يبحثان في ليبيا تطوير الجيش

وفدان أميركي وفرنسي يبحثان في ليبيا تطوير الجيش

بحث وفدان عسكريان، أميركي وفرنسي، في ليبيا سبل إعادة بناء وتطوير المؤسسة العسكرية المُنقسمة، بين شرق البلاد وغربها، منذ إسقاط النظام السابق، في وقت زار فيه المشير خليفة حفتر، القائد العام لـ«الجيش الوطني» روما، والتقى برئيسة الوزراء بالحكومة الإيطالية جورجا ميلوني، وعدد من وزراء حكومتها. وفي لقاءين منفصلين في طرابلس (غرباً) وبنغازي (شرقاً)، التقى الوفدان الأميركي والفرنسي قيادات عسكرية للتأكيد على ضرورة توحيد الجيش الليبي.

جمال جوهر (القاهرة)
شمال افريقيا المنقوش تبحث في الجزائر الانتخابات الليبية وعودة الحركة على المعابر

المنقوش تبحث في الجزائر الانتخابات الليبية وعودة الحركة على المعابر

بحثت وزيرة الخارجية الليبية نجلاء المنقوش مع نظيرها الجزائري أحمد عطاف، خلال زيارة لها اليوم الخميس إلى الجزائر، في فتح المعابر البرية والنقل البحري والجوي أمام حركة التجارة وتنقل الاشخاص، بعد سنوات طويلة من الإغلاق، بسبب الأزمة السياسية والامنية في ليبيا.

المنجي السعيداني (تونس)
شمال افريقيا «النواب» و«الدولة» يقران آلية عمل لجنة قوانين الانتخابات الليبية

«النواب» و«الدولة» يقران آلية عمل لجنة قوانين الانتخابات الليبية

استهلّت اللجنة المُشتركة لممثلي مجلسي «النواب» و«الدولة» (6+6) المكلفة بإعداد قوانين الانتخابات الليبية، اجتماعاتها في العاصمة طرابلس بـ«الاتفاق على آلية عملها». وطبقاً لما أعلنه عبد الله بليحق، المتحدث الرسمي باسم مجلس النواب، فقد شهد الاجتماع ما وصفه بتقارب في وجهات النظر بين أعضاء اللجنة حول القوانين الانتخابية، مشيراً، في بيان مقتضب مساء أول من أمس، إلى أنه «تم أيضاً الاتفاق على التواصل مع الجهات والمؤسسات ذات العلاقة بالعملية الانتخابية».

خالد محمود (القاهرة)
شمال افريقيا هل ليبيا مؤهلة لاستقبال لاجئين سودانيين راهناً؟

هل ليبيا مؤهلة لاستقبال لاجئين سودانيين راهناً؟

رغم تأكيدات عدد من المراقبين بمحدودية أعداد السودانيين الذين سيحاولون اللجوء للأراضي الليبية في محاولة للنجاة من الصراع الراهن ببلادهم، مقارنة بحصة دول أخرى، تصاعدت أصوات عدة بالساحة الليبية تدعو للتعامل بـ«حذر بالغ» مع ما قد يفرضه هذا الملف من تداعيات على بلادهم، وسط تساؤلات حول مدى جاهزيتها لاستقبال لاجئين جدداً. وفي حين أرجع البعض تلك التحذيرات لما تعانيه ليبيا بالأساس من أزمات سياسية وانعكاس الانقسام الحكومي الراهن سلباً على الأوضاع المعيشية بالبلاد، تخوف آخرون أيضاً من إمكانية اختراق عناصر من «الإرهابيين، أو المهاجرين غير النظاميين، وأغلبهم من دول الجوار الأفريقي حدود ليبيا الجنوبية؛ مما

جاكلين زاهر (القاهرة)

السودان: توغل «الدعم السريع» في النيل الأزرق والجيش يستعيد بلدة

النيران تلتهم سوقاً للماشية نتيجة معارك سابقة في الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور (أ.ف.ب)
النيران تلتهم سوقاً للماشية نتيجة معارك سابقة في الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور (أ.ف.ب)
TT

السودان: توغل «الدعم السريع» في النيل الأزرق والجيش يستعيد بلدة

النيران تلتهم سوقاً للماشية نتيجة معارك سابقة في الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور (أ.ف.ب)
النيران تلتهم سوقاً للماشية نتيجة معارك سابقة في الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور (أ.ف.ب)

توغلت «قوات الدعم السريع» على نحو مفاجئ في ولاية النيل الأزرق، جنوب شرقي السودان، وفرضت سيطرتها على بلدتي (جريوة ورورو) بمحلية التضامن، فيما استعاد الجيش بلدة اللنكدي بولاية سنار المجاورة.

وبثت عناصر من «قوات الدعم» مقاطع فيديو على منصة «إكس»، يؤكدون فيها وجودهم داخل المناطق التي تبعد نحو 70 كيلومتراً من مدينة الدمازين عاصمة الولاية، التي تضم مقر الفرقة الرابعة للجيش السوداني.

من آثار القصف في الفاشر (مواقع التواصل)

وكانت «قوات الدعم السريع» تقدمت في سبتمبر (أيلول) الماضي، وبسطت سيطرتها على بلدة رورو، إلا أنها انسحبت، وعادت أدراجها لتنضم إلى قواتها الرئيسية المتمركزة في الدالي والمزوم داخل ولاية سنار.

ومن جهة ثانية، أعلنت منصات إعلامية استعادة الجيش بلدة اللكندي التي تقع على بُعد نحو 60 كيلومتراً من عاصمة ولاية سنار سنجة.

وكانت قوات الجيش استعادت، في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، مدينتي الدندر والسوكي بسنار، بالإضافة إلى عدد من البلدات الصغيرة المحيطة بهما.

وتشير أنباء متداولة إلى أن الجيش أحرز تقدماً كبيراً نحو مدينة سنجة التي سيطرت عليها «قوات الدعم السريع»، يونيو (حزيران) الماضي.

وفي الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور (غرب البلاد)، تبدد الهدوء بتجدد المواجهات بين الجيش والقوة المشتركة للفصائل المسلحة المتحالفة معه من جهة، و«قوات الدعم السريع» من جهة أخرى. وأفادت مصادر محلية «الشرق الأوسط» بأن «قوات الدعم» قصفت بالمدفعية الثقيلة عدداً من الأحياء السكنية باتجاه قيادة الفرقة السادسة العسكرية.

الدمار الذي حل بمستشفى الفاشر في إقليم دارفور (صفحة حاكم الإقليم في «فيسبوك»)

وأضافت: «القصف جاء بعد أيام من حالة الهدوء التي شهدتها المدينة، وتراجع المواجهات البرية التي كانت تجري بين الأطراف المتحاربة».

وقالت الفرقة السادسة مشاة التابعة للجيش بالفاشر إن المدينة تشهد حالة من الهدوء بنسبة 80 في المائة مقارنة بالأيام الماضية.

وبحسب وكالة الأنباء السودانية الرسمية، فإن «ميليشيات (الدعم السريع) قصفت عشوائياً عدداً من الأحياء المتفرقة»، دون وقوع أي أضرار بالمدينة.

وقالت الفرقة إن الطيران الحربي شن ثلاث غارات جوية «استهدفت معاقل العدو، وحققت نجاحات كبيرة، وتراجعت الميليشيات إلى شرق المدينة».

وأكد الجيش «أن الأوضاع تحت السيطرة، وأن قواته متقدمة في كل المحاور القتالية».

بدورها قالت القوة المشتركة للفصائل المسلحة إنها «أحبطت خلال الأيام الماضية هجمات عنيفة شنتها (قوات الدعم السريع) من عدة محاور على الفاشر»، في حين تقول مصادر محلية إن «(قوات الدعم السريع) توغلت وأحكمت سيطرتها على المستشفى الرئيسي بالمدينة. وتحاول التقدم إلى داخل الفاشر، بعد أن تمكنت خلال المعارك الماضية من التوغل في الأحياء الطرفية، ونصبت خنادق دفاعية على مسافة قريبة من قيادة الفرقة لكنها تجد مقاومة شديدة من الجيش وقوات الفصائل المسلحة».

تسبب اندلاع القتال في الفاشر في نزوح مئات الآلاف إلى المحليات الآمنة شمال الولاية (أ.ف.ب)

وقال مقيمون في الفاشر إن آلاف الأسر يواصلون النزوح من المدينة؛ بسبب القصف المدفعي والصاروخي العشوائي الذي يستهدف المناطق المأهولة بالمدنيين.

وتشير الإحصاءات الرسمية إلى مقتل وإصابة أكثر من 1000 شخص على الأقل في صفوف المدنيين في القتال الدائر بالمدينة منذ العام الماضي.

ووفقاً لحصر الأمم المتحدة وشركاء العمل الإنساني في السودان، فقد قُتِل أكثر من 188 ألف شخص، وأصيب أكثر من 33 ألفاً منذ اندلاع الصراع في أبريل (نيسان) 2023.