تتحدث الصحافة الإيطالية عن «صفعة» وجهتها فرنسا إلى حكومة جيورجيا ميلوني، فيما خرجت التصريحات الرسمية الفرنسية عن المألوف في العلاقات بين الشركاء الأوروبيين لتصف الموقف الإيطالي الرافض لاستقبال المهاجرين العالقين في البحر بأنه «دون مستوى الواجب الإنساني».
ويزداد القلق في الأوساط الأوروبية من تفاقم الازمة الدبلوماسية بين باريس وروما، والخشية من تأثيرها على تماسك الموقف المشترك من الملفات الكبرى داخل الاتحاد.
وفيما كانت سفينة الإنقاذ «أوشن فايكينغ» ترسو ظهر الجمعة في ميناء قاعدة «تولون» البحرية الفرنسية، حيث تمّ إنزال المهاجرين الذين كانوا على متنها منذ ثلاثة أسابيع، كان المسؤولون الأوروبيون يكثّفون الاتصالات والمساعي لتبريد الأزمة المحتدمة بين فرنسا وإيطاليا، ونزع فتيل انفجارها في اجتماع مجلس وزراء الخارجية يوم الاثنين المقبل في بروكسل.
https://twitter.com/aawsat_News/status/1591132398304886784
ويخشى المراقبون الدبلوماسيون في العاصمة الأوروبية أن يصل التصعيد في هذه الأزمة إلى ما وصلت إليه تلك التي نشبت بين الطرفين في عام 2019 على عهد الحكومة الشعبوية الإيطالية، عندما استدعت فرنسا سفيرها في روما لأول مرة منذ الحرب العالمية الثانية.
ووصف وزير الداخلية الفرنسي جيرار دارمانان، لدى إعلانه أن باريس قرّرت استقبال السفينة التي تحمل على متنها 234 مهاجراً بينهم 57 طفلاً بصفة استثنائية ونزولا عند طلب الرئيس إيمانويل ماكرون، الموقف الإيطالي، بأنه يتناقض مع أحكام القانون الدولي والتضامن الإنساني، وينتهك الالتزامات التي كانت قطعتها الحكومة الإيطالية قبل أسابيع من تولّي الحكومة الجديدة مهامها.
وبينما صرّحت رئيسة الوزراء الإيطالية، الجمعة، بأن «ثمّة سوء تفاهم مع فرنسا، وردة الفعل الفرنسية لا مبرر لها»، أعلن الوزير الفرنسي أن بلاده قررت وقف العمل بالخطة التي تقضي بتوزيع المهاجرين الذين كانوا قد نزلوا في الموانئ الإيطالية خلال الأشهر الأخيرة بموجب آليّة التضامن الأوروبي، والتي كان من المقرر أن تستقبل فرنسا 3500 منهم.
وطلب دارمانان من ألمانيا والدول الأوروبية الأخرى التي تشارك في هذه الآلية أن تحذو حذو فرنسا، وتوقف استقبال المهاجرين الذين يعيشون حالياً في إيطاليا. لكن باريس ذهبت أبعد من ذلك عندما أعلنت صباح الجمعة، إرسال 500 عنصر إضافي من قوات الشرطة لتعزيز المراقبة على طول حدودها البرية مع إيطاليا، في الوقت الذي أعلن وزير الداخلية أن «باريس سوف تستخلص كل العبر من الموقف الإيطالي على الجوانب الأخرى من العلاقات الثنائية بين البلدين».
وكان ماكرون، وهو أول القادة الأوروبيين، الذي اجتمع بميلوني في روما بعيد توليها مهامها، قد صرّح بأن رئيسة الوزراء الإيطالية أساءت التصرّف، وتسببت بأزمة خطيرة بين البلدين. ويسعى ماكرون من خلال هذا التصعيد إلى منع ميلوني من تسجيل انتصار في هذه المواجهة الأولى بين الطرفين، وتوجيه رسالة بأن هذا الموقف الإيطالي ستكون له تبعات على الصعيدين الفرنسي والأوروبي.
أما ميلوني من جهتها، فقد أصبح بوسعها التباهي على المسرح الداخلي بأنها أجبرت فرنسا على استقبال سفينة الإنقاذ في موانئها بعد أن أصرّت على منعها من دخول الموانئ الإيطالية، استناداً إلى الحجة التي مفادها أن إيطاليا ليست ملزمة باستقبال جميع المهاجرين الذين تنقذهم سفن الإغاثة في عرض البحر المتوسط، وأن الدول الأوروبية الأخرى يجب أن تتحمل هي أيضاً مسؤولياتها.
لكن المسألة بالنسبة لفرنسا ليست مجرد علاقات ثنائية مع إيطاليا، بل هي في صلب النقاش السياسي الدائر على الصعيد الداخلي حول قانون الهجرة الذي يشكّل إحدى الركائز الأساسية التي يعتمد عليها اليمين المتطرف لتوسيع دائرة شعبيته التي بلغت مستويات قياسية في الانتخابات الأخيرة.
وكانت الزعيمة السابقة لحزب التجمع الوطني مارين لوبان قد صرّحت الجمعة بأن «إيمانويل ماكرون، بقبوله للمرة الأولى نزول المهاجرين من سفينة إنقاذ في أحد الموانئ الفرنسية، يوجّه رسالة تهاون مأساوية تحول دون تصديق ادعاءاته بأنه يريد وضع حد للهجرة الكثيفة والفوضوية».
أما الموقف الإيطالي فهو يتيح لميلوني أن تقطع الطريق على حليفها في الحكومة ومنافسها على زعامة الجبهة اليميني ماتيو سالفيني، الذي كان يتحيّن مثل هذه الفرصة للمزايدة عليها ومحاولة استعادة الشعبية التي كان قد خسرها مؤخراً لصالح رئيسة الحكومة الجديدة.
وكانت ميلوني قد رفضت التجاوب مع طلب سالفيني تولي وزارة الداخلية، لكنه أصرّ على تعيين أحد المقربين منه، هو ماتيو بيانتيدوزي الملقّب «الذئب»، ويرجّح أنه هو الذي يدير دفّة سياسة الهجرة للحكومة الإيطالية.
وفيما كان وزير الخارجية الإيطالي أنطونيو تاجاني يحاول التهدئة، ويفتح ثغرة تمهّد للحوار بين الطرفين بقوله إن «ردة الفعل الفرنسية مبالغ فيها بين بلدين صديقين محكومين بالتفاهم»، كان زعيم الحزب الديمقراطي المعارض والرئيس الأسبق للحكومة إنريكو ليتا يقول إن «الأخطاء التي ارتكبتها جيورجيا ميلوني في الأسبوعين المنصرمين، وبخاصة ما يتعلق منها بالعلاقات مع حليف تاريخي وتقليدي لإيطاليا مثل فرنسا، ليست خطيرة فحسب، بل هي مأساوية ولا تخدم المصالح الوطنية».
ويخشى مسؤولون في المفوضية أن تؤدي هذه الأزمة إلى عزل الحكومة الإيطالية الجديدة وإضعافها داخل الاتحاد الأوروبي، وأيضاً إلى إبعادها عن الموقع الذي تتخذ فيه القرارات الكبرى، في الوقت الذي هي بأمسّ الحاجة إلى التضامن والدعم من الشركاء الأوروبيين.