«فلورونا»... حالة عرضية أم بداية وباء مزدوج؟

موسم الشتاء الحالي يشهد أول اندماج لفيروسي الإنفلونزا الموسمية و«كوفيد ـ 19»

«فلورونا»... حالة عرضية أم بداية وباء مزدوج؟
TT

«فلورونا»... حالة عرضية أم بداية وباء مزدوج؟

«فلورونا»... حالة عرضية أم بداية وباء مزدوج؟

موسم الإنفلونزا من كل عام، هو موسم مزعج ومقلق لكل سكان العالم. ومع ظهور فيروس كورونا في السنتين الماضيتين، أصبح الأمر أكثر إرهاقاً على من أصابته العدوى. والآن، ومع قدوم العام الجديد 2022 الذي يمثل بداية العام الثالث من عمر الجائحة، وفي الوقت الذي يكافح فيه العالم الموجة الجديدة منها المعروفة باتنشار المتغير الجديد «أوميكرون» الذي تجاوز سابقه «دلتا» بسرعة انتشاره وانتقاله، واستطاع الوصول إلى معظم دول العالم في أقل من شهرين من ظهوره، تظهر للعالم ملامح كارثة أخرى جديدة ظهرت في إسرائيل، ليلة رأس السنة الجديدة.
الإنفلونزا و«كورونا»
الحالة الجديدة ليست متغيراً جديداً لـ«كوفيد»، وإنما تسجيل أول حالة مزدوجة الإصابة بعدوى فيروسَي الإنفلونزا و«سارس كوفي - 2» في الوقت نفسه، وقد تحمل آثاراً على مدى شدة الأعراض والتعافي. وأطلق عليها «فلورونا» (Flurona / وهم اسم مشتق من مقطع «فلو» المقتطف من كلمة الإنفلونزا، ومقطع «رونا» المقتطف من كلمة «كورونا»). وتخضع الحالة للدراسة، والمريضة امرأة شابة حامل لم تتلقَ التطعيم، وفقاً لتقارير إعلامية إسرائيلية، وسط تصاعد متغير أوميكرون، والانتشار المستمر لحالات دلتا، والزيادة الملحوظة في حالات الإنفلونزا في الأسابيع القليلة الماضية.
وحول مفاقمة الإنفلونزا الموسمية لعدوى «كوفيد - 19»، يقول تقرير صادر عن دراسة لمجلة «نيتشر» (Nature)، إن التجارب المختبرية قد أظهرت أن العدوى بالإنفلونزا تعزز، بشكل كبير، من عدوى «سارس - كوفي - 2»، كما لوحظت زيادة في الحمل (load) الفيروسي لكورونا وحدوث ضرر رئوي أكثر شدة، وذلك في الفئران المصابة بالإنفلونزا. وأشار الباحثون إلى أن دراستهم تظهر كيف أن الإنفلونزا لديها قدرة فريدة على تفاقم عدوى فيروس «سارس - كوفي - 2» وبالتالي، فإن الوقاية من عدوى «الإنفلونزا» لها أهمية كبيرة خلال جائحة «كوفيد - 19».
وتشير الإرشادات الصحية العالمية بشأن «إدارة العدوى المشتركة لـ(كوفيد - 19) مع الأمراض الموسمية الأخرى المعرضة للأوبئة»، إلى أن النمط الموسمي للأمراض المعرضة للأوبئة التي تتم ملاحظتها كل عام مثل حمى الضنك، والملاريا، وشيكونغونيا، والإنفلونزا الموسمية... إلخ. لا يمكن أن تظهر فقط على أنها معضلة تشخيصية وإنما قد تتعايش مع حالات كوفيد، ما يمثل تحديات في التشخيص السريري والمختبري لكوفيد مع التأثير على الإدارة السريرية ونتائج المرضى.
وتقول الدراسة: إذا كانت هناك عدوى مشتركة (co-infection)، فبغض النظر عن المرض الحموي، قد تكون هناك مجموعة من العلامات والأعراض التي قد تؤدي إلى صعوبة التشخيص.
خطورة «فلورونا»
تقول المراكز الأميركية لمكافحة الأمراض والوقاية منها (CDC)، إنه بالنسبة لكل من «كوفيد - 19» والإنفلونزا، يمكن أن يمر يوم أو أكثر بين الوقت الذي يصاب فيه الشخص بالعدوى وبداية ظهور أعراض المرض. وبالنسبة للعدوى بفيروس «كوفيد - 19»، فإنها قد تستغرق وقتاً أطول للشعور بالأعراض لدى المصابين أكثر مما لو كانوا مصابين بالإنفلونزا، فالأعراض يمكن أن تظهر بعد يومين أو 14 يوماً من الإصابة، بمتوسط زمني «5 أيام». أما بالنسبة للإنفلونزا، فيعاني المصاب بها أعراضاً في أي مكان من جسمه، بدءاً من اليوم الأول إلى 4 أيام بعد الإصابة.
وتضيف مراكز السيطرة على الأمراض أن كلاً من فيروسات الإنفلونزا وفيروسات كورونا الجديد يمكن أن تنتقل إلى الآخرين قبل أن تبدأ الأعراض في الظهور لدى المصابين، سواء الذين يعانون من أعراض خفيفة جداً أو الذين لا يعانون من أعراض. وتنتشر العدوى، بشكل أساسي، بين الأشخاص الذين هم على اتصال وثيق بعضهم ببعض على مسافة تقل عن 6 أقدام (1.8 متر) ويحملون جزيئات كبيرة وأخرى صغيرة تحتوي على فيروسات «كوفيد - 19» أو الإنفلونزا، يتم نفثها عندما يسعل أو يتكلم الشخص المصاب ويستنشقها الناس السليمون. كما يمكن أن تحدث العدوى أيضاً عن طريق لمس سطح ملوث بقطرات من شخص مصاب ثم لمس عينيه أو أنفه أو فمه.
وتقول الدكتورة نهلة عبد الوهاب من مستشفى جامعة القاهرة إن «فلورونا» قد تشير إلى انهيار كبير في نظام المناعة، حيث تتم مهاجمته في وقت واحد. أما الدكتور بول بيرتون (Paul Burton) كبير المسؤولين الطبيين في شركة موديرنا، فقد علق على تحذير بعض الخبراء من احتمال ظهور عدوى مزدوجة باسم «دلميكرون» (Delmicron)، وهو مزيج من متغيري دلتا (Delta) وأوميكرون (Omicron)، بأنه من الممكن أن تتمكن السلالتان من تبادل الجينات وإطلاق نوع أكثر خطورة.
وعليه، فإن تقارير العدوى المصاحبة لفيروس كورونا الجديد وفيروس الإنفلونزا تؤكد التوصية باستراتيجية التطعيم ضد كليهما.
انتشار الوباء المزدوج
يقول الخبراء إن العدوى المصاحبة للفيروسات كثيراً ما تحدث في الطبيعة، فمنذ بداية الوباء، كان خبراء الصحة العامة قلقين بشأن «الوباء المزدوج» (twindemic) لحالات «كوفيد - 19» والإنفلونزا، ولكن التباعد الاجتماعي والتدابير الاحترازية الأخرى ضد فيروس كورونا الجديد يُنظر إليها على أنها حدت إلى حد كبير من انتشار حالات الإنفلونزا. أما الآن، ومع التراخي في تطبيق القيود وزيادة التفاعلات بين الناس، فقد سهل ذلك انتشار جميع أنواع مسببات الأمراض، وفقاً لموقع «نيوز 18» (NEWS18.COM)، في 2 يناير (كانون الثاني) 2022.
وبالعودة إلى موسم الشتاء الماضي (2020 - 21)، فإن الوباء المزدوج لم يحدث أبداً، حيث فرضت آنذاك قيود مشددة لمكافحة الوباء بارتداء الأقنعة والتباعد الاجتماعي، فكانت أعداد الإنفلونزا في الولايات المتحدة، مثلاً، أقل بكثير من المعتاد.
علاوة على ذلك، أشارت دراسة نُشرت في مجلة «نيتشر» (Nature) إلى أنه لسوء الحظ، خلال موسم الإنفلونزا الشتوي الماضي، تم جمع قليل من الأدلة الوبائية فيما يتعلق بالتفاعل بين «كوفيد - 19» والإنفلونزا، ويرجع ذلك على الأرجح إلى انخفاض معدل الإصابة بـ«فيروس الإنفلونزا» الناتج عن التباعد الاجتماعي. ومع تخفيف القيود الوبائية، في الموسم الحالي، وانخفاض عدد الأشخاص الذين يحصلون على لقاحات الإنفلونزا، عادت التحذيرات نفسها.
رصد أعراض «فلورونا»
> هل هناك أعراض محددة للعدوى المزدوجة؟ تقول منظمة الصحة العالمية (WHO) إن من الممكن الإصابة بكلا المرضين في الوقت نفسه، وإن كلا الفيروسين يشترك في أعراض متشابهة، بما في ذلك السعال وسيلان الأنف والتهاب الحلق والحمى والصداع والتعب. ومع ذلك، قد تختلف الأعراض بين الناس وقد لا تظهر على البعض أعراض أو تظهر أعراض خفيفة أو مرض شديد. وتشير إلى أن كلاً من الإنفلونزا و«كوفيد - 19» يمكن أن تكون قاتلة.
ويقول تقرير دراسة «نيتشر» إنه طالما أن فيروس كل من «كوفيد - 19» والإنفلونزا يتبع مجموعة مسببات الأمراض المنقولة عن طريق الهواء، فإنهما يصيبان الأنسجة البشرية نفسها، أي الجهاز التنفسي وخلايا الأنف، والشعب الهوائية والرئة. وبالتالي، فإن التداخل بين جائحة «كوفيد - 19» والإنفلونزا الموسمية قد يعرض عدداً كبيراً من السكان لخطر الإصابة المتزامنة بهذين الفيروسين.
> كيف تُكتشف العدوى المزدوجة؟ إن كلاً من «كوفيد - 19» والإنفلونزا الموسمية موجودتان على أنهما مرض شبيه بالإنفلونزا (Influenza-Like Illness (ILI)) أو عدوى تنفسية حادة وخيمة (Severe Acute Respiratory Infection (SARI))، وبالتالي، يجب تقييم وعمل اختبار لجميع حالات (ILI / SARI) في المناطق التي تبلغ عن حالات «كوفيد - 19» والإنفلونزا الموسمية، إذا كان كلا الفيروسين ينتشر بين السكان قيد الدراسة. ففي فصل الشتاء، قد تُظهر حالات الإنفلونزا الموسمية اتجاهاً تصاعدياً، وقد تكون هناك حالات مصاحبة لـ«كوفيد - 19».
ونظراً لتشابه الأعراض، فإن الفحوصات المخبرية ليست مفيدة جداً في التمييز بين الاثنين، ولكن يجب استبعاد العدوى المرافقة فقط باستخدام طريقة التشخيص المناسبة في المرحلة المبكرة لبدء إدارة محددة مناسبة من أجل الحد من المراضة والوفيات.
ولا يمكن تأكيد العدوى إلا عن طريق الاختبارات المختبرية، بإجراء اختبارات PCR مختلفة للكشف عن فيروس الإنفلونزا وفيروس كوفيد الجديد، ويشير مركز مكافحة الأمراض (CDC) إلى أن هناك اختباراً سيتحقق من فيروسات الإنفلونزا الموسمية من النوع A وB وSars-CoV-2، ويتم استخدامه من قبل مختبرات الصحة العامة الأميركية لأغراض المراقبة.
العلاج
وماذا عن العلاج والتطعيم؟ تقول منظمة الصحة العالمية إنه في حين أن جميع الفئات العمرية يمكن أن تصاب بالعدوى المصاحبة للإنفلونزا و«كوفيد - 19» فإن كبار السن، والذين يعانون من أمراض مصاحبة، وضعف جهاز المناعة، والعاملين في مجال الرعاية الصحية، والنساء الحوامل، وأولئك الذين ولدوا حديثاً هم أكثر عرضة للإصابة بالعدوى (الإنفلونزا و«كوفيد - 19»). ويتم التعامل كالتالي:
- إن علاج «كوفيد - 19» في المرافق الطبية يشمل الأكسجين والكورتيكوستيرويدات وحاصرات مستقبلات IL6 للمرضى المصابين بأمراض خطيرة إلى جانب الدعم التنفسي المتقدم، مثل أجهزة التنفس الصناعي، للأشخاص الذين يعانون من أمراض الجهاز التنفسي الحادة. بالنسبة للإنفلونزا، يمكن أن تقلل الأدوية المضادة للفيروسات من المضاعفات الشديدة والوفاة، وهي مهمة بشكل خاص للمجموعات المعرضة للخطر.
- من المهم أن نتذكر أن المضادات الحيوية ليست فعالة ضد الإنفلونزا أو فيروس «كوفيد - 19»، مع الإشارة إلى أنه يمكن علاج الأشخاص الذين يعانون من أعراض خفيفة لكلا المرضين بأمان في المنزل.
- تشير منظمة الصحة العالمية إلى أن لقاحات «كوفيد - 19» لا تحمي من الإنفلونزا والعكس صحيح.
- تشدد منظمة الصحة العالمية على الحاجة إلى التطعيم (الحصول على لقاح الإنفلونزا وفيروس «كوفيد - 19»)، فهي الطريقة الأكثر فاعلية لحماية الناس من كل من الإنفلونزا وكوفيد الشديدة.
- تؤكد منظمة الصحة العالمية وتوصي بلقاح الإنفلونزا للأفراد الأكبر سناً، والأطفال الصغار، والحوامل، والأشخاص الذين يعانون من ظروف صحية أساسية، والعاملين في مجال الصحة.
* استشاري طب المجتمع


مقالات ذات صلة

10 نقاط حول توقف «فياغرا» عن العمل

صحتك 10 نقاط حول توقف «فياغرا» عن العمل

10 نقاط حول توقف «فياغرا» عن العمل

وصل إلى بريد «استشارات» استفسار من أحد المرضى هو: «عمري فوق الستين، ولدي مرض السكري وارتفاع ضغط الدم. وتناولت (فياغرا) للتغلب على مشكلة ضعف الانتصاب.

د. حسن محمد صندقجي (الرياض)
صحتك الأطفال المصابون بـ«كوفيد الطويل الأمد» يتعافون في غضون عامين

الأطفال المصابون بـ«كوفيد الطويل الأمد» يتعافون في غضون عامين

مع بداية فصل الشتاء وزيادة احتمالات الإصابة بأمراض الجهاز التنفسي واستمرار الحديث عن الأعراض المزمنة لمرض «كوفيد - 19»....

د. هاني رمزي عوض (القاهرة)
صحتك 6 نقاط قد تعيد تفكيرك في الطهي بأواني الحديد الزهر

6 نقاط قد تعيد تفكيرك في الطهي بأواني الحديد الزهر

لا يزال كبار الطهاة العالميين، إضافة إلى ربات البيوت الماهرات في الطهي، يستخدمون أواني الطهي المصنوعة من الحديد الزهر Cast Iron Cookware.

د. عبير مبارك (الرياض)
صحتك من اليسار: القلب السليم مقابل القلب المصاب بالرجفان الأذيني (غيتي)

تتبُع الرجفان الأذيني باستخدام ساعة ذكية؟ تجنّبْ هذا الفخ

يعاني الملايين من الأميركيين من الرجفان الأذيني - وهو اضطراب سريع وغير منتظم في إيقاع القلب يزيد من خطر المضاعفات القلبية الوعائية، بما في ذلك السكتة الدماغية

جولي كورليس (كمبردج - ولاية ماساشوستس الأميركية)
صحتك الأحياء الحضرية تشجع السكان على المشي (جامعة ويسترن أونتاريو)

الأحياء المزدحمة تشجع السكان على المشي

أفادت دراسة أميركية بأن تصميم الأحياء السكنية يُمكن أن يؤثر بشكل كبير على مستوى النشاط البدني للأفراد، خصوصاً المشي.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )

10 نقاط حول توقف «فياغرا» عن العمل

10 نقاط حول توقف «فياغرا» عن العمل
TT

10 نقاط حول توقف «فياغرا» عن العمل

10 نقاط حول توقف «فياغرا» عن العمل

وصل إلى بريد «استشارات» استفسار من أحد المرضى هو: «عمري فوق الستين، ولدي مرض السكري وارتفاع ضغط الدم. وتناولت (فياغرا) للتغلب على مشكلة ضعف الانتصاب. ولم أحصل على نتائج مُرضية في غالب الأحيان. ما تنصح؟»

وللإجابة فإني أفترض بداية أن تناوله فياغرا كان بعد استشارة الطبيب وإجرائه الفحص الإكلينيكي والفحوصات اللازمة لهذه الحالة، وأنه تناول الحبة حسب توجيهات الطبيب.

مفعول فياغرا

ولكن سواء كان الأمر كذلك أو لم يكن، فإن الأمر يتطلب متابعة عرض النقاط التالية بشكل سردي متسلسل لفهم أسباب فشل أو توقف مفعول فياغرا، أو غيره من أدوية تنشيط الانتصاب، عن العمل:

1. فياغرا دواء مصمم لمساعدة الشخص للحصول على الانتصاب والحفاظ عليه، إذا كان يعاني من ضعف الانتصاب. والدواء النشط هو «سيلدينافيل»، والذي يصنف على أنه من فئة أدوية «مثبط للفوسفوديستيراز - 5». وهناك أدوية أخرى من نفس الفئة، ولديها مميزات قد لا تتوفر في فياغرا، مثل سيالس (تادالافيل)، وليفيترا (فاردينافيل)، وستيندرا (أفانافيل).

وهذه الفئة من الأدوية هي خط العلاج الأول لضعف الانتصاب. ومع ذلك، قد تجد أن أياً منها لا يعمل أبداً أو يتوقف تدريجياً عن العمل، بعد استخدامه بنجاح لفترة.

وإذا حدث هذا، فأنت لست وحدك، حيث تشير المصادر الطبية إلى أن ما يصل إلى 40 في المائة من المرضى قد لا يستجيبون بشكل مرضٍ لهذه الأدوية ولا يجدون الرضا بتناولها. كما أنه، ووفقاً للجمعية الأميركية لجراحة المسالك البولية، فإن «الاستخدام غير الصحيح» لفئة أدوية «مثبط للفوسفوديستيراز - 5» يمثل 56 في المائة إلى 81 في المائة من حالات فشل العلاج.

2. يحدث الانتصاب عندما تكون هناك زيادة في تدفق الدم إلى القضيب. وإذا كان تدفق الدم هذا محدوداً، يعاني الشخص من ضعف الانتصاب. وأثناء الإثارة الجنسية، يتم إطلاق بروتين يسمى «أحادي فوسفات الغوانوزين الدوري». وهذا يزيد من تدفق الدم إلى القضيب للحصول على الانتصاب أو الحفاظ عليه. ولكن بمجرد إطلاقه، يقوم بروتين آخر يسمى «فوسفوديستيراز - 5» بتكسير بروتين «أحادي فوسفات الغوانوزين الدوري»، مما يحد من تدفق الدم إلى القضيب، وبالتالي يتلاشى الانتصاب (أي نتيجة تفاعل بين نوعين من البروتينات).

ويعمل دواء فياغرا وغيره من مجموعة أدوية مثبطة للفوسفوديستيراز - 5. عن طريق تثبيط وإعاقة عملية التكسير هذه مؤقتاً، بغية الحفاظ على زيادة تدفق الدم إلى القضيب واستمرار انتصابه بهيئة أقوى أثناء الجماع. وبهذا يستفيد منْ لديه ضعف في الانتصاب بشكل مُرضٍ، وكذلك يستفيد بشكل أقوى منْ ليس لديه ضعف في الانتصاب بالأصل، ولكن لديه عوامل نفسية وذهنية تشتت رغبته الجنسية في أن تترجم بطريقة طبيعية عبر تكوين انتصاب العضو الذكري.

حالات ضعف الانتصاب

3. عملية الانتصاب هي عملية معقدة تتطلب نجاح أجزاء مختلفة من الجهاز العصبي والأوعية الدموية والغدد الصماء والجهاز التناسلي والصحة النفسية، في تكوين الانتصاب. وتُعرّف الأوساط الطبية ضعف الانتصاب بأنه: عدم القدرة على تكوين الانتصاب والحفاظ عليه لإتمام ممارسة العملية الجنسية لفترة معتادة. ويحدد الإصدار الخامس للدليل التشخيصي والإحصائي للاضطراب العقلي DSM – 5 أن تستمر المشكلة لمدة لا تقل عن 6 أشهر كأحد عناصر تشخيص الإصابة به.

وتؤكد المصادر الطبية على أنه من الضروري إتمام عملية تشخيص الإصابة بضعف الانتصاب بطريقة طبية صحيحة، وليس الاعتماد فقط على ملاحظة الرجل أن لديه «عدم رضا واكتفاء» بدرجة الانتصاب للعضو الذكري. والطريقة الطبية الأكثر استخداماً هي «الفهرس الدولي لوظيفة الانتصاب» International Index of Erectile Function، وهو استبيان مكون من 15 عنصراً، ويعتبر المعيار الذهبي لتقييم المرضى بالنسبة لمشكلة ضعف الانتصاب.

4. تجدر ملاحظة أن هناك حالتين من ضعف الانتصاب، الحالة الأولى ضعف الانتصاب الذي قد يُعاني منه الرجل من آن لآخر أو أن الانتصاب الذي تكوّن لديه لا يستمر حتى إتمام العملية الجنسية. والحالة الثانية هي الضعف التام عن الانتصاب بشكل دائم. ولذا يقول أطباء كليفليلاند كلينك: «ثمة العديد من الدراسات التي حاولت معرفة مدى انتشار هذه المشكلة. وأفادت دراسة شيخوخة الذكور في ولاية ماساتشوستس أن المعاناة منها في أوقات دون أخرى ترتفع بشكل متزايد مع تقدم العمر، ونحو 40 في المائة من الرجال يتأثرون به بعد بلوغ سن 40 سنة، ونحو 70 في المائة من الرجال يتأثرون به في سن 70 سنة. أما حالة الضعف التام في الانتصاب فتصيب نحو 5 في المائة من الرجال في عمر 40 سنة، و15 في المائة منهم في عمر 70 سنة».

رصد عوامل الخطر والأسباب

5. قبل بدء تجربة العلاج الطبي لضعف الانتصاب، من الضروري معالجة عوامل الخطر القابلة للتعديل والتي تتسبب بضعف الانتصاب. ومعلوم أن عوامل الخطر لضعف الانتصاب تشمل التدخين، والسمنة، وأمراض القلب والأوعية الدموية، واضطرابات الكولسترول، وعدم انضباط مرض السكري، والاكتئاب، وجراحة البروستاتا، واضطرابات النوم، والتوتر النفسي، ومرض انقطاع النفس الانسدادي أثناء النوم، واضطرابات الغدة الدرقية، ونقص هرمون التستوستيرون.

وكل هذه حالات تتسبب بضعف الانتصاب، والتغلب على هذه المشكلة لديهم، يكون بضبط هذه العوامل ومعالجتها أولاً للتغلب على ضعف الانتصاب. كما يجب أن يستكشف التاريخ الدقيق للعوامل النفسية والاجتماعية والعلاقاتية مع شريكة الحياة والممارسات الجنسية، التي قد تؤثر على الأداء الجنسي. وقد يجدر النظر في الإحالة إلى معالج جنسي.

6. أولى خطوات معالجة ضعف الانتصاب، هي تحديد السبب أو الأسباب وراء نشوء حالة ضعف الانتصاب. وتوضح إرشادات علاج ضعف الانتصاب الصادرة عن الجمعية الأميركية لجراحة المسالك البولية، أن تعديل نمط عيش الحياة اليومية بطريقة صحية يحسن وظيفة الانتصاب ويقلل من معدل انخفاضه الوظيفي مع تقدم العمر.

وهذه نقطة مهمة يغفل عنها كثير من الرجال الذين يواجهون مشكلة ضعف الانتصاب ويتجهون تلقائياً نحو طلب تلقي أحد فئة أدوية مثبطات الفوسفوديستيراز من النوع 5 بأنواعها المختلفة في الصيدليات. ولا يلتفتون بشكل كامل نحو نصح الطبيب للمرضى بشأن تعديلات سلوكيات نمط الحياة اليومية.

وعلى سبيل المثال، تذكر الجمعية الأميركية لجراحة المسالك البولية أن بعد سنة واحدة من التوقف عن التدخين، وُجد أن المرضى لديهم تحسن بنسبة 25 في المائة في جودة الانتصاب. وكذلك الحال مع حفظ وزن الجسم ضمن المعدلات الطبيعية والحفاظ على ممارسة الرياضة البدنية ومعالجة انقطاع التنفس أثناء النوم وغيرها من الأسباب.

7. ضعف الانتصاب قد يظهر نتيجة الآثار الجانبية للأدوية التي يتناولها الشخص، وقد يُساهم في نشوء هذه المشكلة. وهنا قد يكون من الصعب على أدوية ضعف الانتصاب التغلب على تلك الآثار الجانبية. وعندما يشتبه الطبيب في أن «بعض» أدوية علاج الاكتئاب، أو ارتفاع ضغط الدم، أو الحساسية، أو إدرار البول، أو الأدوية الهرمونية، أو غيرها من أنواع الأدوية المستخدمة بشكل شائع في أوساط المرضى، قد تكون هناك ضرورية للبحث عن أدوية بديلة ذات آثار جانبية أفضل.

وللتوضيح على سبيل المثال، يرتبط تناول أدوية «حاصرات بيتا» بضعف الانتصاب، رغم عدم تحديد السبب بشكل جيد. وقد تساهم معرفة المريض بأن ضعف الانتصاب أحد الآثار الجانبية المحتملة لحاصرات بيتا، في عدم رضاه عن الوظيفة الانتصابية لديه بعد بدء تناوله حاصرات بيتا. ويمكن للطبيب النظر في تجربة دواء بديل للمرضى الذين يتناولون حاصرات بيتا من الجيل الأول (مثل بروبرانولول، أتينولول) إلى أدوية الجيل الثاني (ميتوبرولول، نيبيفولول) من حاصرات بيتا الأقل تسبباً بضعف الانتصاب. كما أن وصف أدوية أخرى لعلاج ارتفاع ضغط الدم، قد يكون أقل تسبباً في ضعف الانتصاب. ومع ذلك، يجب أن يظل علاج ارتفاع ضغط الدم هو الأولوية، لأن مرض ارتفاع ضغط الدم وعدم انضباط الارتفاعات فيه، سبب قوي في ضعف الانتصاب بحد ذاته. وكثيراً ما تتحسن قدرات الانتصاب بضبط ارتفاع ضغط الدم إلى المستويات المُستهدفة علاجياً.

أسباب عدم عمل «فياغرا»

8. السبب الأول لعدم عمل فياغرا أو غيره من أدوية فئة مثبط للفوسفوديستيراز - 5 هو أن مشكلة ضعف الانتصاب ليست ناجمة عن مشكلة في الأوعية الدموية التي تعمل على احتباس الدم في العضو الذكري. وهذا يعني أن عمل هذه الأدوية على زيادة تدفق الدم لا يُساعد في تنشيط الانتصاب. ويمكن أن يحدث هذا بسبب اعتلال الأعصاب أو مشاكل أخرى. وقد تشمل بعض الحالات العصبية التي قد تؤثر على فعالية الفياغرا ما يلي:

- اعتلال الأعصاب بسبب عدم انضباط نسبة السكر في الدم لدى مرضى السكري.

- مرض التصلب المتعدد.

- مرض باركنسون.

- جراحة سابقة في البروستاتا.

- السكتة الدماغية السابقة.

- إصابة مباشرة في أعصاب الحبل الشوكي.

9. الارتباط بين أمراض شرايين القلب وضعف الانتصاب قوي. ووجود مرض تضيق شرايين القلب قد يعني عدم عمل فياغرا نتيجة وجود عائق كبير أمام تدفق الدم في الشريان القضيبي. أي قد يكون هذا أحد أعراض تضيقات الشرايين المغذية للقضيب، وهو عامل خطر للإصابة بالنوبة القلبية والسكتة الدماغية. وفي هذه الحالة، لن تستجيب الشرايين للفياغرا لأنه مجرد موسع للأوعية الدموية. كما أن وجود تسريب وريدي، أي وجود صمامات لا تعمل بكفاءة في الأوردة التي تُصرّف تجمع الدم في القضيب، يعيق تماسك الانتصاب.

وبعد تناول فياغرا، قد يتدفق الدم بمعدل متزايد إلى القضيب، لكنه سيتسرب بالكامل ولن يبقى طويلاً بما يكفي للتسبب في الانتصاب. ووجود المشاكل النفسية بدرجة إكلينيكية مُؤثرة، قد يعيق عمل الفياغرا لدى البعض ممنْ لديهم القلق والاكتئاب والإجهاد المزمن، أو ضغوط في العلاقة مع شريكة الحياة أو لديهم قلق من كفاءة الأداء الجنسي.

الاستخدام غير الصحيح يمثل 56 - 81 % من حالات فشل العلاج

الجرعة ووقت تناول الدواء

10. وفقاً للجمعية الأميركية لجراحة المسالك البولية AUA، فإن «الاستخدام غير الصحيح» لفئة أدوية «مثبط للفوسفوديستيراز - 5» يمثل نسبة عالية من حالات فشل العلاج. وعدم تناول فياغرا، أو غيرها من أدوية تنشيط الانتصاب، بطريقة صحيحة، قد يُؤدي إلى عدم الاستفادة. وللتوضيح، هذه الأدوية تتشابه في طريقة عملها رغم أن ثمة اختلافات ثانوية فيما بينها نتيجة لأن لكل واحد منها تركيبة كيميائية مختلفة. الأمر الذي يُؤثر على طريقة عمل كل دواء منها، مثل مدى سرعة ظهور مفعول الدواء وسرعة اختفاء مفعوله والآثار الجانبية المحتملة. ويعمل عقار سيلدينافيل (فياغرا) بأقصى مستويات مفعوله عند تناوله على معدة فارغة قبل الممارسة الجنسية بساعة واحدة، ويدوم مفعوله لما يُقارب 6 ساعات. ولذا تجنب تناول الفياغرا مع وجبة كبيرة أو وجبة عالية الدهون، كما لا تتوقع أن تعمل الفياغرا قبل دقائق فقط من ممارسة الجنس. بينما يعمل عقار فاردينافيل (لفيترا) بأقصى مستويات مفعوله عند تناوله قبل الممارسة الجنسية بساعة واحدة، على معدة خالية أو ممتلئة. ويدوم مفعوله قرابة 7 ساعات. وبالمقابل، عقار تادالافيل (سيياليس) يُمكن تناوله مع الأكل أو من دونه قبل الممارسة الجنسية بمدة ساعة واحدة إلى اثنتين، ويدوم مفعوله لمدة 36 ساعة. وقد تكون الجرعة غير مناسبة.

ولذا فإن أول شيء يجب التحقق منه إذا لم يكن الفياغرا يعمل هو الجرعة المناسبة. والجرعة الأكثر شيوعاً من الفياغرا لعلاج ضعف الانتصاب هي 50 ملليغراما، والتي يتم تناولها قبل ساعة واحدة من النشاط الجنسي. ومع ذلك، قد لا يكون هذا كافياً لبعض الأشخاص. ويمكن للطبيب مساعدتك في تحديد ما إذا كانت الجرعة الأعلى من 100 ملليغرام تناسبك.

والمهم في كل ما تقدم ملاحظة أن فياغرا هو نوع من الأدوية المثبطة للفوسفوديستيراز 5. وتُستخدم أدوية مثبطة للفوسفوديستيراز 5 كعلاج أولي لضعف الانتصاب. ورغم أن مثبطات الفوسفوديستيراز 5 تميل إلى العمل بشكل جيد، فإنها قد لا تكون فعالة للجميع. وقد يكون هذا بسبب الظروف الصحية الأساسية وعوامل نمط الحياة، من بين أمور أخرى. وإذا لم يعمل أحد أنواع أدوية مثبطة للفوسفوديستيراز 5، قد يعمل نوع آخر من أدوية هذه الفئة. ولذا يجب التفكير في التحدث مع الطبيب إذا لم يساعد الفياغرا في علاج أعراض ضعف الانتصاب لديك. وقد يوصى بعلاج بديل بما سيكون هو الأفضل لك.