مدينة ليفورنو الإيطالية والهوس بمودِلياني

افتتاح المعرض المخصص للفنان بمناسبة مئوية رحيله

TT

مدينة ليفورنو الإيطالية والهوس بمودِلياني

تحتفل مدينة ليفورنو بأحد أبرز أبنائها الفنانين، أمدييو مودلياني، بمناسبة مئوية وفاته (ولد في ليفورنو سنة 1884 وتوفي في باريس عام 1920)، وذلك بعرض أهم أعماله الفنية، وتحديداً تلك التي تضمنتها مجموعة «ناتّر وألاسكندر».
والمعرض المبرمج بالمتحف الجديد للمدينة، يغطي المدة من 7 نوفمبر (تشرين الثاني) 2019 إلى 16 فبراير (شباط) 2020. ويعرض للجمهور 133 عملاً فنياً، من بينها 26 لمودلياني (14 تخطيطاً و12 لوحة) وكلها من المجموعة التي هي في حوزة جوناس ناتّر، وبول ألاسكندر، وهما من الأوائل الذين سارعوا إلى الاضطلاع بمهمة الرعاية والحماية لأعمال الفنان.
ونجد في المعرض عملاً فنياً مهماً، لجانا هِبوتارن، رفيقة مودلياني حتى وفاته؛ بل وإلى ما بعد وفاته؛ لا سيما وأنها بعد ساعات قلائل من رحيله انتحرت بسبب ألمها وحزنها على رفيقها، فكان الحدثان من أكثر درامات تاريخ الفن تراجيدية.
ولكن المعرض لا يتوقف عند ذلك؛ بل يمسح بسردية خاصة النمط الذي تشكلت به مجموعات الأعمال الفنية لناتّر (الوسيط التجاري) وألاسكندر (وهو طبيب) اللذين صرفا ما درته عليهما تلك الأعمال الفنية، لتشجيع ودعم كثير من الفنانين، ومودلياني كان من بين هؤلاء.
وما زادت المعرض اكتمالاً هي لوحات كبار فناني تلك الفترة، مثل: سوزان فالادون، وموريس أوتريلّو، وأندري دران، وموريس فلامينك، وموسى كيسلينغ، وشايم سوتين، وكلهم من الفنانين الذين عرفهم مودلياني، وتقاسم معهم مفاصل من مسيرته الفنية. وكذلك أعمال الجيل اللاحق لمودلياني، أعني أعمال فنانين مثل: إسحاق آنتشار، وأوجين أبيش، وجان هليون، وجان فاكلاف زفادوفسكي، وهنري هايدن، ومارسال غايلارد، وبنكوس كرامانيا، وآخرين ممن أهدوا أعمالاً فنية إلى ناتّر وألاسكندر، بين العشرينات والثلاثينات من القرن الماضي.
يقول رستلّيني، القيم على المعرض، إنه «ضرب من العودة إلى الأهل، وأنا سعيد بهذه المناسبة، وأشكر مهنئاً الإدارة كلها، لشجاعتها ولسرعة اختياراتها؛ ذلك أنه لا يوجد قرار أفضل من جلب معرض مودلياني إلى مدينته، بمناسبة مرور مائة سنة على وفاته. وهنا في هذه المدينة طور مودلياني مهارته الإبداعية والروحانية، وهذه فرصة رائعة لتبويئه المكانة التي يستحقها في تاريخ الفن الغربي».
في بورتريهاته الشهيرة، التي اجتهد فيها على نقل المظاهر السيكولوجية للشخصيات التي كان يرسمها، كان مودلياني يقضي ساعات طويلة مع كل شخصية؛ لأنه كان يسعى لفهم بواطنها الخفية، وبذلك يرفع هالة القداسة عن الأشياء والأشخاص، ودائماً على أهبة المقولة الساخرة. وهو فنان اجتهد دائماً في طلب استقلاليته الفنية، وفي تثبيتها، مما دعاه إلى ترك مدرسة ماكيايولا بليفورنو التي ترعرع فيها، لينتقل إلى باريس.
وهذا المعرض فرصة فريدة وغير قابلة للتكرار. إنه حدث ذو أهمية خاصة بالنسبة للمدينة. أمدييو مودلياني قد رجع إلى موطنه. كان يرغب في العودة عام 1920 سنة وفاته. كان يرغب في العودة إلى العيش في مدينته صحبة رفيقته جانا. لقد صرح بذلك لكثير من أصدقائه الرسامين في باريس، وهذا معلوم لجلهم، إلا أن القدر حتم عليه أمراً آخر. واليوم بعد مرور 100 سنة على وفاته تمكن أبناء هذه المدينة التاريخية العريقة، بشجاعة كبيرة، من رد روح هذا الفنان إلى مدينته. روح ما زالت تمثلها أعماله الفنية الأكثر جمالاً، والتي ستقيم لثلاثة أشهر في صالونات متحف المدينة. وتمكنت إدارة المتحف من إبداع فضاء جديد لعرض الأعمال الفنية، لتستخدمه في معارض لاحقة.
أما المكلف بالشؤون الثقافية بالمدينة، سيمون لانزي، فيقول: «إن لهذا المعرض بالنسبة لمدينة ليفورنو قيمة تاريخية. والصفة ليست مبالغاً فيها؛ ذلك أن مجرى التاريخ هو على هذا النحو: أنه يضع المواعيد التي يجب أن تكون لنا الشجاعة على أن نقدمها ونستحضرها. ومئوية وفاة أمدييو مودلياني هي أحد هذه المواعيد. أو بالأحرى هي الموعد الذي لا يجب أن نخلفه أبداً. فقيمة هذا المعرض هي إذن قيمة احتفال مهم. وهو ليس كذلك فقط؛ بل فرصة للترحيب بأمدييو مودلياني، في المدينة التي ولد ونشأ فيها. وهذا المعرض يمكن أن يستخدم لوضع نهاية لعدم الفهم المتولد عن فضلات رومانسية غير أصيلة وعن خرافات لاحقة، والذي حرَّف علاقة البنوّة الوطيدة بين مدينة ليفورنو وابنها، الذي صار أكبر فناني القرن الـ20، تحريفاً يعسر معه الوقوف على حقيقة تلك العلاقة. ونحن فعلاً نعتقد أن المدينة التي ظلت في عيني وقلب مودلياني يجب أن نجعلها تحت أنوار محددة؛ تحددها لنا طرق مختصرة، أصدقاء شبابه، زملاؤه في المدرسة، روحانية دينية خاصة، ومن ذكريات حية لدى أفراد أسرته، وأشياء أخرى كثيرة، انطلاقاً من هذا المعرض، نسردها بسرد يجعلها أجزاء من قصة واحدة، بقدر لا تزال تردد أصداؤها في الحاضر».



«دماغ السحلية»... أسباب انشغالنا بآراء الآخرين عنا

صورة لمسح الدماغ أثناء التصوير بالرنين المغناطيسي (جامعة نورث وسترن)
صورة لمسح الدماغ أثناء التصوير بالرنين المغناطيسي (جامعة نورث وسترن)
TT

«دماغ السحلية»... أسباب انشغالنا بآراء الآخرين عنا

صورة لمسح الدماغ أثناء التصوير بالرنين المغناطيسي (جامعة نورث وسترن)
صورة لمسح الدماغ أثناء التصوير بالرنين المغناطيسي (جامعة نورث وسترن)

وجدت دراسة جديدة، أجراها فريق من الباحثين في كلية الطب بجامعة نورث وسترن الأميركية، أن الأجزاء الأكثر تطوراً وتقدماً في الدماغ البشري الداعمة للتفاعلات الاجتماعية -تسمى بالشبكة المعرفية الاجتماعية- متصلة بجزء قديم من الدماغ يسمى اللوزة، وهي على اتصال باستمرار مع تلك الشبكة.

يشار إلى اللوزة تُعرف أيضاً باسم «دماغ السحلية»، ومن الأمثلة الكلاسيكية لنشاطها الاستجابة الفسيولوجية والعاطفية لشخص يرى أفعى؛ حيث يصاب بالذعر، ويشعر بتسارع ضربات القلب، وتعرّق راحة اليد.

لكن الباحثين قالوا إن اللوزة تفعل أشياء أخرى أكثر تأثيراً في حياتنا.

ومن ذلك ما نمر به أحياناً عند لقاء بعض الأصدقاء، فبعد لحظات من مغادرة لقاء مع الأصدقاء، يمتلئ دماغك فجأة بأفكار تتداخل معاً حول ما كان يُفكر فيه الآخرون عنك: «هل يعتقدون أنني تحدثت كثيراً؟»، «هل أزعجتهم نكاتي؟»، «هل كانوا يقضون وقتاً ممتعاً من غيري؟»، إنها مشاعر القلق والمخاوف نفسها، ولكن في إطار اجتماعي.

وهو ما علّق عليه رودريغو براغا، الأستاذ المساعد في علم الأعصاب بكلية فاينبرغ للطب، جامعة نورث وسترن، قائلاً: «نقضي كثيراً من الوقت في التساؤل، ما الذي يشعر به هذا الشخص، أو يفكر فيه؟ هل قلت شيئاً أزعجه؟».

وأوضح في بيان صحافي صادر الجمعة: «أن الأجزاء التي تسمح لنا بالقيام بذلك توجد في مناطق الدماغ البشري، التي توسعت مؤخراً عبر مسيرة تطورنا البشري. في الأساس، أنت تضع نفسك في عقل شخص آخر، وتستنتج ما يفكر فيه، في حين لا يمكنك معرفة ذلك حقّاً».

ووفق نتائج الدراسة الجديدة، التي نُشرت الجمعة في مجلة «ساينس أدفانسز»، فإن اللوزة الدماغية، بداخلها جزء محدد يُسمى النواة الوسطى، وهو مهم جدّاً للسلوكيات الاجتماعية.

كانت هذه الدراسة هي الأولى التي أظهرت أن النواة الوسطى للوزة الدماغية متصلة بمناطق الشبكة المعرفية الاجتماعية التي تشارك في التفكير في الآخرين.

لم يكن هذا ممكناً إلا بفضل التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي (fMRI)، وهي تقنية تصوير دماغ غير جراحية، تقيس نشاط الدماغ من خلال اكتشاف التغيرات في مستويات الأكسجين في الدم.

وقد مكّنت هذه المسوحات عالية الدقة العلماء من رؤية تفاصيل الشبكة المعرفية الاجتماعية التي لم يتم اكتشافها مطلقاً في مسوحات الدماغ ذات الدقة المنخفضة.

ويساعد هذا الارتباط باللوزة الدماغية في تشكيل وظيفة الشبكة المعرفية الاجتماعية من خلال منحها إمكانية الوصول إلى دور اللوزة الدماغية في معالجة مشاعرنا ومخاوفنا عاطفياً.

قالت دونيسا إدموندز، مرشح الدكتوراه في علم الأعصاب بمختبر «براغا» في نورث وسترن: «من أكثر الأشياء إثارة هو أننا تمكنا من تحديد مناطق الشبكة التي لم نتمكن من رؤيتها من قبل».

وأضافت أن «القلق والاكتئاب ينطويان على فرط نشاط اللوزة الدماغية، الذي يمكن أن يسهم في الاستجابات العاطفية المفرطة وضعف التنظيم العاطفي».

وأوضحت: «من خلال معرفتنا بأن اللوزة الدماغية متصلة بمناطق أخرى من الدماغ، ربما بعضها أقرب إلى الجمجمة، ما يسهل معه استهدافها، يمكن لتقنيات التحفيز المغناطيسي عبر الجمجمة استهداف اللوزة الدماغية، ومن ثم الحد من هذا النشاط وإحداث تأثير إيجابي فيما يتعلق بالاستجابات المفرطة لمشاعر الخوف والقلق».