عند الحديث عن التغيرات المناخية ينصرف الحديث دوماً إلى تأثيراتها على درجات الحرارة، وكيف سينعكس ذلك سلبياً على الأمن الغذائي، نتيجة موجات الجفاف المتوقعة.
وأخيراً بدأت الكثير من الأبحاث تحذر من أن نفس تأثير التغيرات المناخية سيمتد إلى عالم الحيوانات، الأمر الذي قد يؤثر على ما يعرف بـ«التنوع الحيوي».
وإذا كانت تلك الأبحاث دائما ما تذهب في اتجاه سلبي وهو انقراض الحيوانات، فإن بحثاً أجراه المعهد القطبي وجامعة «ترومسو» بالنرويج على منطقة القطب الشمالي، ونشرت في 6 مارس (آذار) الجاري، في دورية الجمعية الملكية للبيولوجيا، خرج بنتيجة مفاجئة وهو أن حيوان الحوت الأبيض أظهر مرونة في التعامل مع التغيرات المناخية، عند مقارنته مع حيوان آخر يعيش في نفس بيئته، وهو حيوان «عجل البحر» أو ما يعرف باسم «الفقمة الحلقية».
- تكيّف الحيتان
وبينما كانت التوقعات لهذه الدراسة التي امتدت لعقدين هو أن تخرج بنتيجة مؤداها أن الحيتان وعجل البحر سينضمان لأربعة حيوانات مهددة بالانقراض بسبب التغيرات المناخية، كانت النتيجة المفاجئة، أن الحوت ربما ينجح في التكيف، بينما ستكون المشكلة مع عجل البحر.
والحيوانات الأربعة المهددة بالانقراض هي طائر الكركي الأميركي، الضفدع المهرج، نمر الثلوج، الباندا العملاقة. وتعيش هذه الحيوانات في المناطق الرطبة القطبية التي تأثرت بدرجات الحرارة المرتفعة، وهي نفس المشكلة التي عانت منها الحيتان البيضاء وعجل البحر، التي تحصل على غذائها في المناطق التي بها جليد البحر بالقطب الشمالي، وخاصة فيما يعرف بجبال المد والجزر الجليدية حيث تلتقي الأنهار الجليدية بالمحيط.
وأظهرت الدراسة التي استخدم فيها الباحثون قواعد بيانات تم جمعها على مدى عقدين من الزمن، أن الحيتان البيضاء، تظهر مرونة في التكيف مع التغيرات المناخية، بما يساعدها في الحصول على الغذاء بشكل أفضل من حيوان «عجل البحر».
ووفق الدراسة فإن حيتان القطب الشمالي قد حولت نظامها الغذائي مستغلة حقيقة أن تغير المناخ يسمح لأنواع جديدة من الأسماك بالتحرك باتجاه الشمال مع ارتفاع درجة حرارة المياه، فيما ظل سلوك عجل البحر جامدا فيما يتعلق بالبحث عن الغذاء. ومن خلال مقارنة بيانات أجهزة التعقب المتصلة بالحيتان وعجل البحر، والتي شملت 34 حوتاً خلال الفترة من 1995 حتى 2016. وكذلك 28 من حيوان عجل البحر ما بين 1996 حتى 2016، وجد الباحثون أنه قبل عقدين من الزمن، أمضى كلا النوعين نحو نصف وقتهما لصيد الغذاء التقليدي، وهو سمك القد القطبي، في المناطق التي بها جليد البحر، وخاصة فيما يعرف بجبال المد والجزر الجليدية حيث تلتقي الأنهار الجليدية بالمحيط.
لكن مع تغير المناخ بدأ جليد البحر في الذوبان، وتراجعت الأنهار الجليدية، فكان للحيتان رد فعل معاكس وانتقلت إلى أماكن أخرى للبحث عن الطعام، لكن عجل البحر ظل في أماكن الصيد التقليدية، فأصبح يقضي وقتا أطول في البحث عن الطعام.
- البحث عن الأسباب
ولم يقدم البحث تفسيراً للأسباب التي جعلت الحيتان أكثر مرونة من عجل البحر في التكيف مع التغيرات المناخية، ولكن د. شارمين هاميلتون من المعهد القطبي النرويجي، والباحثة الرئيسية في الدراسة قالت لـ«الشرق الأوسط» بأن هذه النقطة ستكون على الأرجح محور تركيز مشروعات الأبحاث المستقبلية على هذه الأنواع.
وعن الفائدة المباشرة من النتيجة التي توصل لها البحث، قالت هاميلتون: «على ما يبدو فإن الحيتان هي صاحبة الفرصة الأكبر للبقاء على المدى الطويل في مواجهة الظروف المناخية المتغيرة، بينما، ومن شبه المؤكد، أن عدم تكيف عجل البحر مع التغيرات سيؤدي إلى انخفاض أعداده، وربما يقوده ذلك إلى الانقراض».
وأضافت: «هذه النتائج مهمة للحفاظ على التنوع البيولوجي، حيث إن المعلومات حول كيفية تأثر كل نوع بتغير المناخ ضرورية لتوجيه التخطيط وتنفيذ التدابير اللازمة للحفاظ على الأنواع».
ويأمل الفريق البحثي أن يبدأ قريباً دراسة تبحث في آثار انهيار جليد البحر على النجاح الإنجابي لعجول البحر، والتحقق فيما إذا كان كلا النوعين «الحيتان وعجول البحر» سيستمران في الاستجابة بالطريقة المذكورة في هذه الدراسة للتغيرات البيئية.
في معركة التغيرات المناخية... الحيتان هي الأذكى
تكيّف الأنواع الحية يقلل التهديدات البيئية بانقراضها
في معركة التغيرات المناخية... الحيتان هي الأذكى
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة