خطوة علاجية بسيطة... مكاسب غير متوقعة

خطوة علاجية بسيطة... مكاسب غير متوقعة
TT

خطوة علاجية بسيطة... مكاسب غير متوقعة

خطوة علاجية بسيطة... مكاسب غير متوقعة

أحد الواجبات التي على الأطباء القيام بها نحو مرضاهم: توضيح «الفوائد الصحية» المتوقع ربحها نتيجة للقيام بتطبيق الخطوات العلاجية التي ينصحون بها مرضاهم. وهذا التوضيح لـ«الفوائد الصحية» هو أحد العناصر المهمة في «تواصل الطبيب مع المريض» بطريقة ناجحة، ويكتسب أهميته من جانبين، جانب مساعدة المريض على الاهتمام بصحته عبر إعطائه فرصة كي يبني قراره في تطبيق الخطوات العلاجية، وهو على بينة وعلم بالأمور المترتبة على تلقي المعالجة، بجوانبها الإيجابية والسلبية المحتملة، وجانب ضمان تحقيق الراحة النفسية للمريض، ورفع مستوى تقبله للخطوات العلاجية وإعانته على الصبر حتى بلوغ الغاية بإتمام مراحل المعالجة.
وفي طريق تلقي المعالجة الطبية، يُعاني المريض من القلق النفسي ومن المعاناة المرضية البدنية، ويُعاني من «همّ» ذلك الطريق، الذي هو إما طريق طويل في حالات معالجة الأمراض المزمنة، أو طريق «مُؤلم» في حالات الأمراض التي تتطلب المعالجة الجراحية أو التدخلية. ومعرفة الجدوى أو الربح أو الفائدة هي محركات فطرية غريزية ذات تأثير بالغ في قرارات الإنسان على تقبل أنواع المعالجات تلك، حتى لو كان فيها ألمٌ من مبضع الجراح أو مرارة عند تناول الدواء، أو مللٌ من تكرار تناول حزمة من الأدوية عدة مرات في اليوم لمدة سنوات.
ومعرفة الأطباء، قبل المرضى، بالجدوى والمكاسب والأرباح التي من المحتمل أن تترتب على كل خطوة من خطوات المعالجة، هو بالفعل ما يجعل الطبيب «متواصلاً جيداً» مع مريضه، كما يجعله طبيباً ماهراً في انتقاء أفضل وسائل المعالجة الممكنة كي يخدم بها مريضه، ويُعينه في الصبر على جهود التغلب على حالته المرضية. وبعض الأحيان، يغفل الأطباء عن استخدام هذه الوسيلة، أي توضيح «الفوائد الصحية»، وبالتالي يُعاني الطبيب من عدم تقبل المريض لنصائحه العلاجية، كما يُعاني المريض من عدم استفادته من الإمكانات العلاجية المتوفرة بالمستشفى. ولذا فإن الدراسات الطبية التي تتبع التأثيرات المتوسطة والبعيدة المدى لأنواع المعالجات الطبية، هي دراسات ذكية جداً ومفيدة للمريض والطبيب. وكمثال بسيط، دعونا نراجع تأثيرات «عملية إزالة الماء الأبيض» من العين.
والماء الأبيض (Cataract) أو «الساد» أو «إعتام العدسة» أو الكتاراكت، هو من الحالات المرضية الشائعة، وخصوصاً مع التقدم في العمر. وما يحصل فيه هو تراكم ترسبات بروتينية أو صبغات بنية في عدسة العين، ما يُؤدي إلى فقدان الصفاء والشفافية فيها، وبالتالي إما فقدان متعة نعمة الرؤية، أو المعاناة من ضعف قدرات الإبصار، أو رؤية هالات حول الضوء أو ضعف تميز الألوان.
وتشير الإحصاءات الطبية العالمية إلى أن الماء الأبيض هو السبب في 50 في المائة من حالات العمى بالعالم، والسبب في 33 في المائة من ضعف الإبصار في العالم. وتحديداً، ووفق إحصاءات 2015 بالولايات المتحدة، ثمة مليون أميركي يُعاني من العمى بسبب الماء الأبيض و3.2 مليون أميركي يُعاني من ضعف الإبصار بسبب الماء الأبيض، وأرقام عام 2050 تتوقع أن يصبح العدد مليوني حالة عمى و7 ملايين ضعف الإبصار بسبب الماء الأبيض.
والمعالجة الطبية تنحصر في طريق واحد: إزالة عدسة العين المعتمة Opaque Lens تلك التي تلفت، ولم تعد صافية ونقية لتسمح للضوء بالمرور من خلالها بشفافية عالية. ورغم تطور طب العيون، وتطور وسائل معالجة الكتاراكت، وتفنن الأطباء في تطبيق تقنيات رائعة لمعالجة الماء الأبيض، تظل «خطوة» إزالة العدسة المُعتمة «خطوة» جراحية، أي تُوصف بأنها «عملية جراحية». ونتيجة إجراء هذه العملية بنجاح هو عودة الرؤية الواضحة للمريض.
والسؤال: هل تقف «الفوائد الصحية» عند هذا الحد؟ والإجابة في جانب منها كانت موضوع دراسة الباحثين من جامعة كاليفورنيا في لوس أنجليس، التي تم نشرها في عدد نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي من مجلة «جاما طب العيون» (JAMA Ophthalmology). وفيها تابع الباحثون لمدة عشرين سنة، أكثر من 75 ألف امرأة ممنْ تجاوزن السادسة والخمسين من العمر، وممنْ تم تشخيص إصابتهن بالماء الأبيض في العين. وخلال هذه الفترة، تم لنحو 42 ألف امرأة منهن إجراء عملية إزالة الماء الأبيض، والبقية لم تُجرَ لهم عملية المعالجة هذه.
ووفق نتائج الدراسة تبين للباحثين بالمقارنة بين مجموعة النساء اللواتي تم لهن إجراء عملية الماء الأبيض، ومجموعة منْ تُرك ذلك الماء الأبيض لديهن، أن الخضوع بنجاح لإجراء هذه العملية الجراحية في معالجة إعتام العدسة، مرتبط بخفض «إجمالي الوفيات» Total Mortality لأي سبب كان بنسبة تتجاوز 60 في المائة.
وكذلك الباحثون لاحظوا في نتائجهم أن إجراء هذه العملية مرتبط بخفض احتمالات الوفيات الناجمة عن أسباب محددة Cause - Specific Mortality. وشملت الأسباب المحتملة للوفيات التي تمت عنها المقارنة بين مجموعة النساء اللواتي تم لهن إجراء عملية الماء الأبيض، ومجموعة منْ تُرك ذلك الماء الأبيض لديهن، الوفيات بسبب: إصابات الحوادث، وأمراض القلب، وأمراض السرطان، والأمراض العصبية، والأمراض الميكروبية المُعدية. وبشيء من التفصيل في النتائج لهذه الدراسة، ارتبط إجراء عملية إزالة الماء الأبيض بخفض الوفيات بسبب أمراض القلب بنسبة 62 في المائة، وبسبب الأمراض السرطانية بنسبة 44 في المائة، وبسبب إصابات الحوادث بنسبة 71 في المائة، وبسبب الأمراض العصبية بنسبة 58 في المائة، وبسبب الأمراض الميكروبية المُعدية بنسبة 71 في المائة.
ولذا علقت الدكتورة آن كوليمان، الباحث الرئيس في الدراسة من جامعة كاليفورنيا، بالقول: «فوائد إجراء عملية الكتاراكت تفوق بمراحل مجرد تحسين قدرات الإبصار والرؤية».
وصحيح أن هذه النتائج المثيرة للدهشة، والمثيرة أيضاً للجدل العلمي، تتطلب البحث المتعمق حول كيفية ارتباط إجراء عملية «تحسين قدرات الإبصار» بخفض معدلات الوفيات الناجمة عن الإصابة بعدد من الأمراض، إلاّ أن هذه الأمراض، التي تعتبر من الأسباب الرئيسية للوفيات في العالم، هي بالأصل تنتج عن التعرض لعدد من عوامل الخطورة Risk Factors، والتعامل مع عوامل الخطورة هذه يتطلب توفر قدرات نفسية وبدنية لدى الإنسان للتعامل معها بكفاءة، التي من أهمها امتلاك قدرات الإبصار والرؤية.

< استشاري باطنية وقلب مركز الأمير سلطان للقلب في الرياض
[email protected]


مقالات ذات صلة

علاج ثوري جديد لقصور القلب... والتعافي غير مسبوق

صحتك دراسة جديدة تشير إلى إمكانية علاج مرض قصور القلب (ميديكال إكسبرس)

علاج ثوري جديد لقصور القلب... والتعافي غير مسبوق

تاريخياً، عُدَّت الإصابةُ بقصور القلب غير قابل للعكس، لكن نتائج دراسة جديدة تشير إلى أن هذا قد يتغير يوماً ما.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
يوميات الشرق التثاؤب يحدث عندما يكون الناس في حالة انتقالية مثلاً بين النوم والاستيقاظ (رويترز)

التثاؤب... هل يعني أن أدمغتنا لا تحصل على الأكسجين الكافي؟

يشعر معظمنا بقرب عملية التثاؤب. تبدأ عضلات الفك بالتقلص، وقد تتسع فتحتا الأنف، وقد تذرف أعيننا الدموع عندما ينفتح فمنا.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
يوميات الشرق الدعم المُرتكز على التعاطف مع المريض يعادل تناول الدواء (جامعة تكساس)

المكالمات الهاتفية المُرتكزة على التعاطف تُحسّن السيطرة على السكري

المكالمات الهاتفية المُرتكزة على التعاطف مع مرضى السكري من أفراد مدرّبين على القيام بذلك، أدَّت إلى تحسينات كبيرة في قدرتهم على التحكُّم في نسبة السكر بالدم.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
صحتك لا يستطيع بعضنا النوم في بعض الأحيان رغم شعورنا بالتعب والإرهاق الشديدين (رويترز)

لماذا لا يستطيع البعض النوم ليلاً رغم شعورهم بالتعب الشديد؟

أحياناً لا يستطيع بعضنا النوم رغم شعورنا بالتعب والإرهاق الشديدين، الأمر الذي يعود إلى سبب قد لا يخطر على بال أحد وهو الميكروبات الموجودة بأمعائنا.

«الشرق الأوسط» (لندن)
صحتك هناك 323 قارورة من فيروسات معدية متعددة اختفت من المختبر (أ.ف.ب)

اختفاء عينات فيروسات قاتلة من أحد المختبرات بأستراليا

أعلنت حكومة كوينزلاند، الاثنين، عن اختفاء مئات العينات من فيروسات قاتلة من أحد المختبرات في أستراليا.

«الشرق الأوسط» (سيدني)

علاج ثوري جديد لقصور القلب... والتعافي غير مسبوق

دراسة جديدة تشير إلى إمكانية علاج مرض قصور القلب (ميديكال إكسبرس)
دراسة جديدة تشير إلى إمكانية علاج مرض قصور القلب (ميديكال إكسبرس)
TT

علاج ثوري جديد لقصور القلب... والتعافي غير مسبوق

دراسة جديدة تشير إلى إمكانية علاج مرض قصور القلب (ميديكال إكسبرس)
دراسة جديدة تشير إلى إمكانية علاج مرض قصور القلب (ميديكال إكسبرس)

تاريخياً، عُدَّت الإصابةُ بقصور القلب غير قابل للعكس، لكن نتائج دراسة جديدة تشير إلى أن هذا قد يتغير يوماً ما.

في جامعة يوتا، استخدم العلماء علاجاً جينياً جديداً أظهر أنه يعكس آثار قصور القلب، في دراسة أُجريت على حيوانات كبيرة.

في الدراسة، وُجد أن الخنازير التي تعاني من قصور القلب لديها مستويات منخفضة من «مُدمِج الجسور القلبية 1 (cBIN1)»، وهو بروتين قلب مهم.

وفقاً لبيان صحافي صادر عن الجامعة، حقن العلماء فيروساً غير ضار في مجرى دم الخنازير لنقل جين «cBIN1» إلى خلايا قلبها.

لقد نجت الخنازير طوال مدة الدراسة التي استمرّت 6 أشهر، في حين كان من المتوقع أن تموت من قصور القلب دون العلاج الجيني.

فيما أطلق عليه الباحثون «التعافي غير المسبوق لوظيفة القلب»، بدا أن الحقن الوريدي يحسِّن وظيفة القلب من خلال زيادة كمية الدم التي يمكنه ضخها، مما «يحسِّن بشكل كبير من البقاء على قيد الحياة».

كما بدت قلوب الخنازير «أقل اتساعاً وأقل نحافة» بعد العلاج، «أقرب في المظهر إلى قلوب طبيعية».

وفي حين أدت المحاولات السابقة لعلاج قصور القلب إلى تحسين الوظيفة بنسبة 5 في المائة إلى 10 في المائة فقط، فإن العلاج الجيني المُستخدَم في الدراسة الجديدة أدى إلى تحسُّن بنسبة 30 في المائة، وفقاً للباحثين.

تم نشر الدراسة، التي موَّلتها المعاهد الوطنية للصحة، في مجلة «npj Regenerative Medicine».

قال الدكتور تينغ تينغ هونغ، أستاذ مشارِك في علم الأدوية والسموم في جامعة يوتا، في البيان الصحافي: «على الرغم من أن الحيوانات لا تزال تواجه ضغوطاً على القلب لإحداث قصور القلب، فإننا رأينا في الحيوانات التي حصلت على العلاج تعافياً لوظيفة القلب، وأن القلب يستقر أو ينكمش أيضاً».

وأضاف: «نطلق على هذا إعادة البناء العكسي. إنه يعود إلى الشكل الذي يجب أن يبدو عليه القلب الطبيعي».

وقال هونغ لـ«فوكس نيوز»: «هناك علاج جديد محتمل لعلاج قصور القلب في الطريق».

وأشار هونغ إلى أن الباحثين فوجئوا عندما وجدوا أن العلاج الجيني نجح بشكل جيد للغاية في الحيوانات الكبيرة بجرعة منخفضة للغاية.

وقال المؤلف المشارِك روبن شو، دكتوراه في الطب، ومدير «معهد نورا إكليس هاريسون لأبحاث وتدريب أمراض القلب والأوعية الدموية» في جامعة يوتا، إن الدراسة «غير المسبوقة» تبشِّر بـ«نموذج جديد» لعلاجات قصور القلب.

وقال لـ«فوكس نيوز»: «نظراً لفعالية علاجنا، يمكن تقليص متلازمة قصور القلب المعقدة متعددة الأعضاء إلى مرض قابل للعلاج يتمثل في فشل عضلة القلب».

وأوضح أن «سمية العلاج الجيني تزداد مع الجرعة، لذا فإن جرعتنا المنخفضة تشير إلى أن نهج العلاج الجيني لدينا سيكون آمناً للمرضى».

وبينما تم استخدام العلاج الجيني تاريخياً للأمراض النادرة، فقد أشارت نتائج الدراسة إلى أنه قد يكون أيضاً نهجاً فعالاً لـ«الأمراض المكتسبة»، وفقاً لشو.

وفي حين أقرَّ الباحثون بأنَّ الدراسة بها بعض القيود، أشار هونغ إلى أن «دراسات زيادة الجرعة وعلم السموم لا تزال مطلوبةً حتى ينتقل العلاج إلى الخطوة التالية (نحو موافقة إدارة الغذاء والدواء)».

وقال الباحثون إنه من غير المؤكد أيضاً ما إذا كان العلاج الجيني سينجح مع الأشخاص الذين حصلوا على مناعة طبيعية ضد الفيروس الذي يحمل العلاج.

وقال هونغ إن دراسة علم السموم جارية حالياً، ويخطط الفريق لبدء التجارب السريرية البشرية في خريف عام 2025.

أطباء القلب يشاركون

لم يشارك الدكتور جاسديب دالاواري، متخصص أمراض القلب التداخلية والمسؤول الطبي الإقليمي في «VitalSolution»، وهي شركة «Ingenovis Health» ومقرها أوهايو، في البحث، ولكنه شارك في رد فعله على النتائج.

وقال لـ«فوكس نيوز»: «البحث في مرحلة الحيوان مثير للاهتمام دائماً، لكن التطبيق على موضوعات الاختبار البشرية ضروري من حيث فهم ما إذا كان هذا النهج سيكون له التأثير نفسه على البشر».

وأضاف: «مع ذلك، هناك كثير من التعديلات الجينية التي تحدث في أمراض مختلفة، مثل التليف الكيسي وخلل العضلات، التي تبحث عن تدخل مماثل - حقن الجينات الصحية على أمل إيجاد علاجات».

وأكد أن «العلاج الجيني والطب الدقيق والرعاية الصحية الشخصية هي المستقبل، وأنا أتطلع إلى معرفة المزيد عن هذا».

لاحظت الدكتورة جوهانا كونترايراس، متخصصة أمراض القلب المتقدمة وزراعة القلب في «مستشفى ماونت سيناي فوستر للقلب» في مدينة نيويورك، أن التدخلات الدوائية التقليدية يمكن أن تساعد على تخفيف الضغط على القلب و«الاحتقان الجهازي»، ولكن «في الغالب، لا تعالج إعادة تشكيل عضلة القلب الفاشلة».