قد لا تشكل الأمراض المنقولة جنسيًا ظاهرة خطيرة في مجتمعنا، كما هو الحال في البلدان الغربية، وذلك بفضل العادات والتقاليد ونمط الحياة الاجتماعية والتمسك بالشريعة الإسلامية التي تحرم العلاقات الجنسية خارج إطار الزواج. وعلى الرغم من ذلك فإن هذه الأمراض التناسلية موجودة بنسب متفاوتة، وتستحق أن تؤخذ في الحسبان في جميع الخطط الصحية على مستوى المجتمع، وكذلك مع الأطباء عند مراجعة المرضى أو المريضات لهم بالشكوى من هذه الأمراض.
ووفقًا لتقرير الحقائق من منظمة الصحة العالمية (2014)، فإن أكثر من مليون شخص يصاب يوميًا في العالم بعدوى أحد الأمراض المعدية المنقولة جنسيًا (STID). وعليه، يعتقد بأن هناك أكثر من 357 مليون إصابة جديدة تحدث كل عام بعدوى الأمراض المنقولة بالجنس في جميع أنحاء العالم.
أمراض جنسية شائعة
إن العدوى بالأمراض المنقولة جنسيًا كثيرة، نذكر منها عدوى السيلان، والكلاميديا، والزهري، والتريكوموناس، والهربس التناسلي، وثآليل الجهاز التناسلي، والفيروس المسبب لمرض الإيدز (HIV)، والتهاب الكبد الوبائي. والمسببات في هذه الأمراض هي مجموعة من الطفيليات والفيروسات والجراثيم.
وجميع الأمراض التي تحدث بالعدوى الجنسية تصيب الذكور والإناث، على حد سواء، ولكن نسب إصابة الإناث أكثر، إذ إن أعضاءهن التناسلية الظاهرة والباطنة أسهل اختراقًا من قبل العوامل الممرضة، بسبب طبيعتها التشريحية، وبسبب وجود طبقة مخاطية واسعة هشة وسهلة الالتقاط للعدوى.
إن خطورة هذه الأمراض تكمن في أن أعراضها لا تكون واضحة، بحيث إنها تجبر المريضة أو المريض على مراجعة الطبيب. وبالنسبة للنساء، قد لا تحدث الإصابة بالأمراض المنقولة جنسيًا أعراضًا واضحة عند كثيرات منهن، وقد يتجاهلنها كما في حالة السيلان وغيره من الأمراض. والسبب الأهم في تأخير عمل التشخيص والعلاج المبكرين هو الخوف والخجل من هذه الأمراض والإفشاء عنها حتى للطبيب. والعكس في ذلك هو المطلوب، فمن الضروري مراجعة الطبيب عند حدوث أدنى شك في الإصابة بتلك الأمراض.
إشارات تحذيرية
وهنا يتبادر للأذهان بعض التساؤلات الوجيهة، أليست هناك علامات أولية تشير إلى احتمال الإصابة بالأمراض التناسلية؟ وما التصرف الصائب عن الشك في الإصابة بها؟ وهل التحاليل المخبرية قادرة على تشخيصها والتأكد من الإصابة بها؟
توجهت «صحتك» بهذه التساؤلات إلى أحد المتخصصين في هذا المجال، وهو الدكتور هشام شمس ماهر المدير الطبي لمختبرات البرج الطبية، فأوضح أن هناك قائمة من الأعراض أو الإشارات التي يجب على الجميع الانتباه لها، والتعامل معها بجدية كاملة، وهي كالتالي:
* قروح، أو ثآليل، أو طفح في المنطقة التناسلية: إن وجود أي من مثل هذه العلامات، قَد تبدو إشارة تحذيرية واضحة عن خطر الإصابة بالعدوى، ولكن لسوء الحظ فقد تهمل في أغلب الأحيان، حيث يظهر الطفح الجلدي والجروح في أغلب الأحيان في بداية المرض المنقول جنسيًا، ولكن الجروح قد تختفي خلال بِضعة أيام. وهكذا يعتقد الشخص بأنه أمر طبيعي. والصواب في ذلك هو المبادرة لعمل فحص للأمراض الجنسية فورًا، متى لاحظ الشخص طفحًا جلديًا أو تشققًا في الجلد.
* التبول المؤلم أو المتكرر: إن أحد الأعراض الأكثر شيوعًا للأمراض الجنسية، خصوصًا مرض السيلان هو الحرقان أثناء التبول. وغالبًا ما يخطئ المريض في تقديره لهذا المؤشر، معتبرًا إياه من أعراض الإصابة بالتهاب المسالك البولية، وقد يحاول تناول علاج منزلي ذاتي، أو أخذ مسكنات مخففة للألم.
ولكن لسوء الحظ، وكما هو الحال مع القروح الجلدية على المناطق التناسلية، فإن هذه الأعراض قَد تظهر في بداية المرض ثم تختفي بعد ذلك، مما يجعل المصاب متهاونًا في الاستشارة الطبية ويبقى دون علاج حقيقي. والصواب هنا هو زيارة الطبيب فورًا إذا واجه الشخص مشكلة تكرار التبول أو الشعور بحرقة أو ألم عند التبول.
* الإفرازات: سواء من الإحليل وهو مجرى البول، وخصوصًا عند الرجال المصابين بالسيلان البني أو الكلاميديا، أو الإفراز من المهبل الذي قد لا يكون واضحًا، فيلتبس الأمر على المريضة بأنها من الإفرازات المهبلية التي تفرزها المرأة بصفة عادية.
* الألم في الحوض.
* رائحة كريهة.
* لا أعراض: إذ إن بعض المصابين بعدوى الأمراض الجنسية لا يشعرون بأي أعراض مما سبق ذكره، لذلك فإن الفحص الدوري قد يكشف مبكرًا عن الإصابة ومن ثم يسهل العلاج.
* طرق انتقال العدوى
أشار د. شمس إلى أن العدوى بالأمراض الجنسية تحصل عن طريق الاتصال الجنسي برجل مصاب أو امرأة مصابة، في معظم هذه الأمراض، ولو كانوا من غير أعراض مرضية ظاهرة. وكذلك قد تنتقل العدوى عبر الدم، كما في الإيدز والزهري والتهاب الكبد الوبائي بأنواعه الخطيرة. وأكد أن التعايش اليومي العادي مع المريض المصاب بأحد هذه الأمراض لا يعتبر وسيلة لنقل المرض، وحتى أخطر هذه الأمراض، وهو الفيروس المسبب لمرض الإيدز (HIV) مثلاً، فالعدوى بفيروس الإيدز لا تنتقل بالتعايش اليومي السليم ولا عن طريق الذباب أو البعوض أو أنواع الحشرات الأخرى، وأيضًا لا تنتقل بالسعال أو العطاس أو الملامسة، وكذلك لا تنتقل بالمشاركة باستخدام حمام السباحة أو المناشف أو دورة المياه.
إن معظم الأمراض المنقولة جنسيًا يمكن شفاؤها إذا تم تشخيصها مبكرًا وعولجت معالجة سليمة كاملة. إلا أن بعضها قد يؤدي إلى مضاعفات مزمنة عند الرجال والنساء، إن لم يتم التشخيص مبكرًا وحدث إهمال في العلاج، فقد تؤدي هذه الأمراض إلى العقم عند أحدهما أو كليهما، أو سرطان عنق الرحم أو آفة قلبية أو عقلية أو حتى الوفاة.
وتعتبر المعالجة والوقاية ضروريتين لمنع حدوث مثل هذه التعقيدات المرضية على المدى البعيد، حيث يمكن أن تؤدي الأمراض الجنسية المنقولة إلى أمراض مزمنة، إذا تُركت دون علاج.
* الوقاية من الأمراض الجنسية
* أوضح الدكتور هشام شمس أن أهم عناصر المكافحة الوقائية من هذه الأمراض الخطيرة يتركز في الإجراءات التالية:
* استشارة الطبيب وعمل الفحوصات الدورية المخبرية تظل من أفضل الإجراءات الوقائية، خصوصًا إن لم تكن هناك أعراض نوعية واضحة، ما عدا وجود الإشارات التحذيرية السابق ذكرها، التي تحمل أهمية كبيرة في لفت النظر والتحذير من احتمال الإصابة بأحد أمراض هذه المجموعة من الأمراض الجنسية الخطيرة، إذ إن معظم العدوى المنقولة جنسيًا يمكن ظهورها في الفحوصات فور انتقالها.
* يستثنى من مجموعة الأمراض المنقولة جنسيًا حالة الإصابة بالفيروس المسبب لمرض الإيدز (HIV)، فإنه لا يظهر غالبًا في الفحوصات إلا بعد مرور 3 شهور على انتقال العدوى.
* إن فترة الحضانة تختلف من مرض لآخر، وهي تمتد من بضعة أيام كما في السيلان، إلى 10 سنوات كما في العدوى بفيروس الإيدز. وعلى الرغم من ذلك، فإن المرض ينتقل خلال فترة الحضانة بين البشر، ولو كان المصابون والمصابات يبدون سليمين معافين.
وحذر د. شمس من السلوك الخاطئ الذي ينتهجه البعض، بحكم انتمائهم للمجتمع العربي المحافظ وفي ظل العادات والتقاليد والشعور بالخوف والقلق والخجل، من عدم مراجعة الطبيب واللجوء إلى الصيدليات، وأحيانًا مشورة الزملاء، مما يعقد علاج هذه المشكلة ويعرضهم للمضاعفات المرضية الخطيرة.
وأخيرًا فإن الفحص المبكر لاكتشاف الإصابة بهذه الأمراض المنقولة جنسيًا، والوصول إلى التشخيص المرضي السليم ومعرفة طبيعة الجرثومة المسببة، من خلال الفحص المخبري، يسهل على الطبيب المعالج تشخيص الحالة المرضية بدقة، ومن ثم وصف العلاج المناسب.