عادت بعد قرابة أربعة عقود إلى واجهة الأحداث قصة المستوطنين الإيطاليين الذين طردهم الرئيس الليبي الراحل معمر القذافي من البلاد عام 1970، على إثر مطالبات بتعويضهم عن ممتلكاتهم التي تمت مصادرتها في البلاد.
وقرر القذافي، في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) عام 1970، طرد ما يزيد عن 20 ألف إيطالي من ليبيا، وذلك بعد قرابة 60 عاماً على بدء الاحتلال الإيطالي لليبيا. ويعرف هذا اليوم الذي أصبح من الأعياد الوطنية أثناء عهد النظام السابق، بـ«يوم الثأر».
وفور عودتها من زيارة ليبيا نهاية الشهر الماضي، أعادت فرانشيسكا برينا ريكوتي، رئيسة رابطة «الإيطاليين العائدين من ليبيا» فتح ملف تعويض هذه الفئة. وفيما عبرت عن أملها في إنهاء «هذا النزاع» مع حكومة بلادها، قالت: «نحن نتحدث عن تعويض يتعلق بعام 1970 وفي عام 2023 ما زلنا نتحدث عنه؛ ونعوّل كثيراً على حكومة جورجيا ميلوني».
ووسط حالة عامة من المخاوف في ليبيا على الأرصدة المجمدة بالخارج، رأى الدكتور مصطفى الفيتوري، الكاتب والأكاديمي الليبي، أنه «في حال أقدمت الحكومة الإيطالية على تعويض رعاياها المطرودين من ليبيا عام 1970، فعليها في هذه الحالة أيضاً تعويض المواطنين الليبيين ضحايا الاحتلال والغزو الإيطالي»، وقال إن ذلك «يجب أن يتم بغض النظر عن الاتفاق الذي وقعه البلدان عام 2008، وعوضت بموجبه إيطاليا الدولة الليبية عن سنوات الاحتلال بربع مليار دولار فقط».
ونوه الفيتوري الموالي للنظام السابق، في حديث إلى «الشرق الأوسط» إلى أن «الآلاف من الليبيين خسروا كل شيء بسبب الاحتلال الإيطالي؛ لهذا يجب الضغط على إيطاليا لتعويضهم؛ علاوة على ما قبلته روما عام 2008».
وفي نهاية أغسطس (آب) 2008 وقع القذافي ورئيس الوزراء الإيطالي الأسبق سيلفيو برلسكوني، اتفاقا تقدم إيطاليا بموجبه تعويضات عن الأضرار التي ألحقها الاستعمار الإيطالي الذي استمر أكثر من ثلاثة عقود في ليبيا.
ولم يعط القذافي حينها تفاصيل عن المبالغ التي يشملها الاتفاق ولكن برلسكوني قال حينذاك إن بلاده ستستثمر 200 مليون دولار سنويا في ليبيا على مدى 25 عاماً.
وذكر مسؤولون إيطاليون، في تلك الأوقات لوسائل إعلامية، أن حجم التعويضات سيبلغ خمسة مليارات دولار كاستثمارات. كما شمل الاتفاق أيضاً مشروعاً لإزالة ألغام ترجع إلى عهد الاستعمار الإيطالي لليبيا.
وتدفع الأموال والأصول الليبية المجمدة في الخارج ضريبة الأوضاع المضطربة والانقسام السياسي في البلاد، ما تسبب في تناقصها خلال العقد الماضي.
الفيتوري، المقيم في فرنسا، وسبق وحضر محاكمة سيف الإسلام القذافي مراقباً مستقلاً بالمحكمة الجنائية الدولية، قال إن «أي مواطن إيطالي أو أوروبي لم يأت إلى ليبيا بين عامي 1911 و1945 مستثمراً، وإنما أتاها بتشجيع ودعم من حكومة الاحتلال خاصة أثناء تولي إيتالو بالبو، حكم ليبيا عام 1933 وما بعده؛ والذي أشرف بنفسه على استقبال مئات المستوطنين الطليان في ليبيا، خاصة في مناطق زراعية عديدة بالبلاد من بينها ترهونة».
وأضاف الفيتوري متسائلاً: «لماذا علينا السكوت حال تم تعويض إيطاليا أبناءها من المستوطنين في ليبيا؟»، ومضى قائلاً: «هذه سابقة خطيرة في عصر ما بعد الاستعمار الذي يعود بأسماء وصيغ ومبررات جديدة».
واستدرك: «إن حدث هذا وصمتت ليبيا، فهذا يعني أن الأمر يعود لمطالبتها بتعويض هؤلاء المستعمرين»، وأرى أن «أي معالجة لهذا الملف لا يجب أن تقبل بها ليبيا إلاّ من أجل تحقيق إنجاز أكبر من إنجاز عام 2008».
وبرينا ريكوتي، المولودة عام 1985، حفيدة عائلة كبيرة من طرابلس، قالت بحسب ما نقلته عنها وكالة «نوفا» الإيطالية نهاية الأسبوع الماضي، إن «تخصيص 150 - 200 مليون يورو من شأنها أن تُنهي الأمر بشكل نهائي»، وزادت: «نحن متفائلون وعلى يقين من أن حكومة ميلوني، التي أظهرت نفسها على الدوام قريبة من قضيتنا، ستفعل شيئاً ما».
الحديث عن أن القذافي سبق ووافق على تعويض الإيطاليين المدنيين الذين طردهم من البلاد، قال الفيتوري: «صحيح، كان يتجه لدراسة الفكرة؛ ولكن أبدا لم يوافق عليها لأنه أراد استخدامها في مفاوضات أخرى مع إيطاليا لتحقيق مكسب أكبر لليبيا».
ورأى الفيتوري أن الفرصة لم تكن مواتية بين عامي 2008 و2011 فنحاها جانبا إلى أن يأتي وقتها؛ نفس الأمر ينطبق على اليهود الذين خرجوا نتيجة حرب 1967 وما تلاها؛ وليس الذين خرجوا مع الإيطاليين.
وذهب الفيتوري، إلى أن ميلوني، عندما كانت في المعارضة طرحت أفكاراً شعبوية عديدة وهذه إحداها، منوهاً إلى أن «أي أموال للتعويض ستأتي من خارج بنود الميزانية الإيطالية، والأموال الليبية المجمدة والأملاك الليبية هناك قد تكون مصدراً مناسباً، وإن كان الأمر صعبا الآن».
وكان الإيطاليون المستوطنون، الذين غادروا ليبيا في ثمانية أيام، عقب قرار القذافي طردهم، يتوزعون بين مناطق بشرق ليبيا وغربها، ويعملون في الزراعة وتصنيع المواد الغذائية. غير أن ريكوتي ترى أن الإيطاليين عند مغادرتهم ليبيا لم يتركوا مقتنياتهم فقط، بل تركوا أيضاً موتاهم، لذا فهي تطالب حكومة بلادها بتعديل إضافي لقانون سابق يمنح «العدل والكرامة للإيطاليين العائدين من ليبيا».
وكانت الأموال الليبية في الخارج تقدر بقرابة 200 مليار دولار، وهي عبارة عن استثمارات في شركات أجنبية وأرصدة وودائع وأسهم وسندات، موزعة في دول عدة من بينها إيطاليا، وتم تجميدها بقرار من مجلس الأمن الدولي في مارس (آذار) عام 2011. لكن الأرصدة النقدية تناقصت على مدار السنوات الماضية إلى 67 مليار دولار، وفق فائز السراج رئيس حكومة «الوفاق الوطني» السابقة.
ما قصة الإيطاليين «المطرودين» من ليبيا أيام القذافي؟
يطالبون بتعويضات مالية... ومخاوف على أرصدة البلاد المُجمدة في روما
ما قصة الإيطاليين «المطرودين» من ليبيا أيام القذافي؟
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة