موسكو لتسريع مسار التطبيع السوري ـ التركي

أكدت عزمها على تجاهل العقوبات وتعزيز التعاون الاقتصادي مع دمشق

وصول المساعدات الإنسانية من الاتحاد الأوروبي إلى مطار دمشق الأحد (رويترز)
وصول المساعدات الإنسانية من الاتحاد الأوروبي إلى مطار دمشق الأحد (رويترز)
TT
20

موسكو لتسريع مسار التطبيع السوري ـ التركي

وصول المساعدات الإنسانية من الاتحاد الأوروبي إلى مطار دمشق الأحد (رويترز)
وصول المساعدات الإنسانية من الاتحاد الأوروبي إلى مطار دمشق الأحد (رويترز)

نشطت موسكو تحركاتها لتعزيز مسار التطبيع بين دمشق وأنقرة، على خلفية الزخم الذي وفره التضامن الإقليمي والعالمي مع البلدين في مواجهة تداعيات الزلزال المدمر.
وحملت تصريحات نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف، الأحد، حول ترتيب لقاء وزاري يجمع وزراء خارجية روسيا وسوريا وتركيا وإيران، إشارة جديدة إلى عزم موسكو ضم طهران إلى الجهود الجارية.
وقال بوغدانوف لوكالة أنباء «تاس» الحكومية، إن وزراء خارجية روسيا وتركيا وسوريا وإيران يرتبون لعقد اجتماع. ومن دون أن يحدد تفاصيل حول الموعد الزمني لعقد هذا اللقاء، أكد أنه «مطروح على جدول الأعمال للبلدان الأربعة حالياً».
وفي إشارة إلى واحدة من القضايا الخلافية الرئيسية بين دمشق وأنقرة، شدد بوغدانوف على أن موسكو «لا تشكك في أن وجود القوات التركية في سوريا له طبيعة مؤقتة».
وزاد أن «الجانب التركي صرح بذلك على أعلى مستوى، مؤكداً التزامه بسيادة الجمهورية العربية السورية ووحدتها وسلامة أراضيها. وهذا الموقف مثبت في عدد من الوثائق الروسية التركية، والبيانات المشتركة لـ(ترويكا أستانة)».
وأضاف بوغدانوف أن «الخلافات بين دمشق وأنقرة يمكن تجاوزها، وسنواصل مساعدة الطرفين في إيجاد حلول مقبولة لهما من أجل تطبيع العلاقات بين الدولتين، واستعادة علاقات حسن الجوار التقليدية السورية التركية».
ورداً على سؤال حول ما إذا كانت سوريا وتركيا، ستكونان قادرتين على استعادة العلاقات الدبلوماسية بينهما قريباً، قال بوغدانوف: «هذا أحد أهداف عملية التفاوض النهائية لتطبيع العلاقات السورية التركية، ويجب أن تكون استعادة العلاقات الدبلوماسية بين دمشق وأنقرة، واستئناف عمل البعثات الدبلوماسية في كلا البلدين، من نتائج الجهود المشتركة في هذا الاتجاه». وأضاف أن بلاده «لا تربط العملية الانتخابية في تركيا بتطبيع العلاقات بين دمشق وأنقرة، فتوجه البلدين نحو التقارب والعودة إلى علاقات حسن الجوار والتعاون، ليس مصلحة ظرفية، بل مصلحة طويلة الأمد لكل من سوريا وتركيا». وتابع: «مسألة دعم تطبيع العلاقات بين سوريا وتركيا أثيرت خلال قمة أستانة الثلاثية في طهران الصيف الماضي. وفي ديسمبر (كانون الأول)، اقترح الرئيس (التركي رجب طيب) إردوغان إطلاق مشاورات متعددة المستويات بين ممثلي سوريا وتركيا بمساعدة روسيا، يمكن أن تتوج بلقاء قمة. ودعمنا هذه المبادرة بقوة».
وذكر بوغدانوف أن روسيا وسوريا وتركيا، قد أنشأت خلال اجتماع وزراء الدفاع في نهاية ديسمبر الماضي، آلية تضم الخبراء لتنسيق العمل المشترك.
وكان وزراء الدفاع ورؤساء الأجهزة الأمنية في روسيا وتركيا وسوريا، قد عقدوا جولة محادثات في موسكو في ديسمبر الماضي تركز البحث خلالها على آفاق دفع التسوية السياسية وجهود تطبيع العلاقات بين أنقرة ودمشق.
وتم الإعلان في وقت لاحق، عن شروع الأطراف في ترتيب لقاء لوزراء الخارجية ينتظر أن يسبق قمة روسية سورية تركية توقع سياسيون أن تنعقد قبل مايو (أيار) المقبل، وهو موعد الانتخابات الرئاسية في تركيا.
لكن اللافت في الموضوع أن معطيات تسربت حينذاك، حول استياء إيراني من الجهود المبذولة، بسبب «تجاهل دور طهران وعدم دعوتها لحضور اللقاءات». وفي وقت لاحق، أعلن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، أن بلاده وافقت على ضم إيران إلى هذا المسار، وأكد أن ثلاثي «مسار أستانة» يعمل بشكل وثيق لترتيب عقد اللقاءات المقبلة.
وتحمل تصريحات بوغدانوف الأخيرة إشارة إلى قيام موسكو بتسريع وتيرة الجهود المبذولة لعقد اللقاء الرباعي. تزامن ذلك، مع زيادة نشاط التحركات الإقليمية والدولية المتضامنة مع سوريا وتركيا بعد الزلزال، ومع أن الأردن انخرط بشكل قوي في إرسال المساعدات إلى سوريا خلال الفترة الأخيرة، لكن الحكومة الأردنية نوهت في الوقت ذاته، إلى مخاوف من تزايد مخاطر الفلتان الأمني على الحدود السورية الأردنية. ومع تزايد الشكاوى من تفاقم عمليات تهريب المخدرات التي تعبر الأردن لتصل إلى منطقة الخليج، برزت عمليات تهريب الأسلحة، أخيراً، كعنصر تهديد إضافي في المنطقة.
وأعلن الجيش الأردني الاثنين، عن إحباط محاولة لتهريب أسلحة وقنابل يدوية بواسطة طائرة مسيّرة قادمة من الأراضي السورية. وقالت «القيادة العامة للقوات المسلحة الأردنية – الجيش العربي» في بيان إن قوات حرس الحدود، رصدت من خلال فريق كشف الطائرات المسيرة، محاولة اجتياز «طائرة مسيرة دون طيار» الحدود بطريقة غير مشروعة من الأراضي السورية إلى الأراضي الأردنية، حيث تم إسقاطها داخل الأراضي الأردنية.
وقال مصدر عسكري مسؤول إن القوات المسلحة الأردنية ماضية في التعامل بكل قوة وحزم، مع أي تهديد على الواجهات الحدودية، وأي مساعٍ يراد بها تقويض وزعزعة أمن الوطن وترويع مواطنيه.
على صعيد آخر، شدد بوغدانوف على نية بلاده تعزيز التعاون الاقتصادي التجاري مع سوريا خلال المرحلة المقبلة، وأكد أن قطاع الأعمال الروسي بعد فرض العقوبات الغربية على روسيا، «زاد اهتمامه في التعاون مع سوريا، حيث لم يعد هاجس العقوبات قائماً بعد الآن».
وقال بوغدانوف للوكالة: «إن اهتمام رجال الأعمال الروس بالعمل مع الشركاء السوريين لا يزال موجوداً، بل يتزايد. وإذا كان بعض رجال الأعمال الروس قد ساورهم في الوقت السابق هاجس الوقوع تحت القيود الغربية، وعلى وجه الخصوص تحت طائلة قانون قيصر الأميركي سيئ الصيت، الذي ينص على معاقبة كل من يتعاون مع الحكومة السورية، فحالياً بعد أن (عوقبت) روسيا بأكملها، لم تعد لهذه المخاوف أي معنى». كما انتقد بوغدانوف مصطلح «التعافي المبكر» في سوريا، مشيراً إلى أنه يستخدم في سياق رفض الغرب تخصيص أموال لإعادة إعمار سوريا بصورة متكاملة.
وقال: «هذا ليس من مصطلحاتنا. يستخدمه مسؤولون أمميون بشكل أساسي، كحل ترقيعي يسمح لهم بتبرير ما يتخذونه من إجراءات مهما كانت متواضعة، لمنع وقوع كارثة إنسانية في سوريا، في الوقت الذي يرفض فيه المانحون الغربيون بشكل قاطع تخصيص الأموال لإعادة الإعمار المتكامل في مرحلة ما بعد النزاع في ذلك البلد، ويمنعون شركاتهم من المشاركة فيه».


مقالات ذات صلة

أنقرة تستبق «رباعي موسكو» بمطالبة دمشق بموقف واضح تجاه قضايا التطبيع

العالم العربي أنقرة تستبق «رباعي موسكو» بمطالبة دمشق بموقف واضح تجاه قضايا التطبيع

أنقرة تستبق «رباعي موسكو» بمطالبة دمشق بموقف واضح تجاه قضايا التطبيع

استبقت تركيا انعقاد الاجتماع الرباعي لوزراء خارجيتها وروسيا وإيران وسوريا في موسكو في 10 مايو (أيار) الحالي في إطار تطبيع مسار العلاقات مع دمشق، بمطالبتها نظام الرئيس بشار الأسد بإعلان موقف واضح من حزب «العمال الكردستاني» والتنظيمات التابعة له والعودة الطوعية للاجئين والمضي في العملية السياسية.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
العالم العربي درعا على موعد مع تسويات جديدة

درعا على موعد مع تسويات جديدة

أجرت اللجنة الأمنية التابعة للنظام السوري في محافظة درعا (جنوب سوريا) اجتماعات عدة خلال الأيام القليلة الماضية، آخرها أول من أمس (الأربعاء)، في مقر الفرقة التاسعة العسكرية بمدينة الصنمين بريف درعا الشمالي، حضرها وجهاء ومخاتير ومفاوضون من المناطق الخاضعة لاتفاق التسوية سابقاً وقادة من اللواء الثامن المدعوم من قاعدة حميميم الأميركية. مصدر مقرب من لجان التفاوض بريف درعا الغربي قال لـ«الشرق الأوسط»: «قبل أيام دعت اللجنة الأمنية التابعة للنظام السوري في محافظة درعا، ممثلةً بمسؤول جهاز الأمن العسكري في درعا، العميد لؤي العلي، ومحافظ درعا، لؤي خريطة، ومسؤول اللجنة الأمنية في درعا، اللواء مفيد حسن، عد

رياض الزين (درعا)
شمال افريقيا مشاورات مصرية مع 6 دول عربية بشأن سوريا والسودان

مشاورات مصرية مع 6 دول عربية بشأن سوريا والسودان

أجرى وزير الخارجية المصري سامح شكري اتصالات هاتفية مع نظرائه في 6 دول عربية؛ للإعداد للاجتماع الاستثنائي لوزراء الخارجية العرب بشأن سوريا والسودان، المقرر عقده، يوم الأحد المقبل. وقال المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية المصرية، السفير أحمد أبو زيد، في إفادة رسمية، الخميس، إن شكري أجرى اتصالات هاتفية، على مدار يومي الأربعاء والخميس، مع كل من وزير خارجية السودان علي الصادق، ووزير خارجية السعودية فيصل بن فرحان، ووزير خارجية العراق فؤاد محمد حسين، ووزير خارجية الجزائر أحمد عطاف، ووزير خارجية الأردن أيمن الصفدي، ووزير خارجية جيبوتي محمود علي يوسف. وأضاف أن «الاتصالات مع الوزراء العرب تأتي في إطار ا

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
المشرق العربي الأردن يوسّع مشاورات «عودة سوريا»

الأردن يوسّع مشاورات «عودة سوريا»

أطلق الأردن سلسلة اتصالات مع دول عربية غداة استضافته اجتماعاً لبحث مسألة احتمالات عودة سوريا إلى الجامعة العربية، ومشاركتها في القمة المقبلة المقرر عقدها في المملكة العربية السعودية هذا الشهر. وقالت مصادر أردنية لـ«الشرق الأوسط»، إن اجتماع عمّان التشاوري الذي عُقد (الاثنين) بحضور وزراء خارجية مصر والسعودية والعراق والأردن وسوريا، ناقش احتمالات التصويت على قرار عودة سوريا إلى الجامعة العربية ضمن أنظمة الجامعة وآليات اعتماد القرارات فيها. وفي حين أن قرار عودة سوريا إلى الجامعة ليس مقتصراً على الاجتماعات التشاورية التي يعقدها وزراء خارجية مصر والسعودية والعراق والأردن، فإن المصادر لا تستبعد اتفاق

شؤون إقليمية الأسد ورئيسي يتفقان على «تعاون استراتيجي طويل الأمد»

الأسد ورئيسي يتفقان على «تعاون استراتيجي طويل الأمد»

بدأ الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي أمس (الأربعاء) زيارة لدمشق تدوم يومين واستهلها بجولة محادثات مع نظيره السوري بشار الأسد تناولت تعزيز العلاقات المتينة أصلاً بين البلدين. وفيما تحدث رئيسي عن «انتصارات كبيرة» حققتها سوريا، أشار الأسد إلى أن إيران وقفت إلى جانب الحكومة السورية مثلما وقفت هذه الأخيرة إلى جانب إيران في حرب السنوات الثماني مع إيران في ثمانينات القرن الماضي. ووقع الأسد ورئيسي في نهاية محادثاتهما أمس «مذكرة تفاهم لخطة التعاون الاستراتيجي الشامل الطويل الأمد». وزيارة رئيسي لدمشق هي الأولى التي يقوم بها رئيس إيراني منذ 13 سنة عندما زارها الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد.

«الشرق الأوسط» (دمشق)

كيف سترد إدارة ترمب على الحوثيين هذه المرة؟

زعيم الحوثيين استغل أحداث غزة لتجنيد آلاف اليمنيين (أ.ف.ب)
زعيم الحوثيين استغل أحداث غزة لتجنيد آلاف اليمنيين (أ.ف.ب)
TT
20

كيف سترد إدارة ترمب على الحوثيين هذه المرة؟

زعيم الحوثيين استغل أحداث غزة لتجنيد آلاف اليمنيين (أ.ف.ب)
زعيم الحوثيين استغل أحداث غزة لتجنيد آلاف اليمنيين (أ.ف.ب)

غداة التهديد الحوثي الأخير بعودة الهجمات الحوثية المزعومة ضد إسرائيل، تصاعدت التساؤلات اليمنية عن الطريقة التي ستتخذها إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب ضد الجماعة المدعومة من إيران.

ويرى سياسيون يمنيون أن الولايات المتحدة سترد بطريقة أشد ردعاً على هجمات الحوثيين، إذا ما نفَّذت الجماعة تهديدها بالعودة إلى قصف السفن في البحر الأحمر وخليج عدن؛ حيث تزعم أنها في موقف الدفاع عن الفلسطينيين في غزة.

ويبدو أن زعيم الجماعة المدعومة من إيران، عبد الملك الحوثي، يسعى لاختبار ردة الإدارة الأميركية الجديدة؛ إذ هدد، مساء الجمعة، بأن جماعته ستعود لمهاجمة السفن بعد 4 أيام، إذا لم تسمح إسرائيل بإدخال المساعدات إلى قطاع غزة، ضمن ما نصّت عليه المرحلة الأولى من وقف إطلاق النار.

وكانت إسرائيل وحركة «حماس» توصلتا، بوساطة قطرية ومصرية وأميركية، إلى اتفاق لوقف النار وتبادل الأسرى بدأ سريانه مع عودة الرئيس الأميركي دونالد ترمب إلى البيت الأبيض، في 20 يناير (كانون الثاني) الماضي. ومنذ ذلك الحين، توقف الحوثيون عن هجماتهم ضد السفن وباتجاه إسرائيل، مع تهديدهم بالعودة إليها في حال فشل الاتفاق.

وتقول الحكومة اليمنية إن هجمات الحوثيين البحرية، وباتجاه إسرائيل، تأتي تنفيذاً لتوجيهات إيرانية، وإنها لم تساعد الفلسطينيين في شيء، أكثر من استدعائها لعسكرة البحر الأحمر وإتاحة الفرصة لإسرائيل لتدمير البنية التحتية في مناطق سيطرة الجماعة.

مقاتلة أميركية تتزود بالوقود جواً (الجيش الأميركي)
مقاتلة أميركية تتزود بالوقود جواً (الجيش الأميركي)

ومع توقُّع أن تكون إدارة ترمب أكثر حزماً من سابقتها في التعاطي مع التهديدات الحوثية، كان قد أعاد تصنيف الجماعة «منظمة إرهابية أجنبية» ضمن أولى قراراته، إذ بدأ سريان القرار قبل أيام بالتوازي مع إدراج 7 من كبار قادة الجماعة على لائحة العقوبات التي تفرضها وزارة الخزانة.

السيناريوهات المتوقعة

مع تهديد زعيم الجماعة الحوثية بالعودة إلى مهاجمة السفن، يتوقع سياسيون يمنيون أن ردة الفعل الأميركية ستكون أقوى. وقد تصل إلى الدعم العسكري للقوات اليمنية على الأرض. وهذا يعني نهاية المسار السياسي الذي تقوده الأمم المتحدة بناء على خريطة الطريق التي كانت توسطت فيها السعودية وعمان في نهاية 2023، وتعذر تنفيذها بسبب التصعيد الحوثي البحري والإقليمي.

ويتوقع البراء شيبان، وهو زميل في المعهد الملكي البريطاني لدراسات الدفاع، أن واشنطن سترد هذه المرة، وقد تكون بوتيرة ضربات أعلى، كما ستشدد الرقابة على كل الأفراد والكيانات الذين لا يزالون يقومون بأي تعاملات مالية أو لوجستية مع الحوثيين، بما في ذلك دخول النفط الذي يُعتبَر أحد أبرز الموارد الذي استخدمته الجماعة خلال الفترة الماضية.

صاروخ باليستي سماه الحوثيون «فلسطين2» واستخدموه لمهاجمة إسرائيل (إعلام حوثي)
صاروخ باليستي سماه الحوثيون «فلسطين2» واستخدموه لمهاجمة إسرائيل (إعلام حوثي)

وفي حال حدوث ذلك، يرى شيبان أن ذلك قد يدفع الحوثيين إلى التصعيد العسكري، وهو ما سيكون له تبعات على خريطة الطريق والمشاورات الذي كانت قد دشنتها الرياض مع الحوثيين منذ عام 2022.

من جهته، يتوقع المحلل السياسي اليمني محمود الطاهر، رداً أميركياً على أكثر من مسار، ومن ذلك أن يكون هناك رد عسكري جوي وبحري على الأهداف الحوثية، إلى جانب استهداف البنية التحتية للجماعة، مثل الموانئ والمنشآت العسكرية.

ويضيف: «ربما قد نرى المزيد من العقوبات الاقتصادية على الحوثيين، مثل تجميد الأصول وتحديد التجارة، بهدف تقليل قدرتهم على الحصول على الأسلحة والموارد. إلى جانب اللجوء إلى البحث عن شريك عسكري في اليمن، بهدف دعمه عسكرياً وتعزيز قدرته على مواجهة الجماعة».

ويخلص الطاهر في حديثه لـ«الشرق الأوسط» إلى القول إن «رد واشنطن سيكون معتمداً على سياق الحادثة ونتائجها، بالإضافة إلى التطورات السياسية والاستراتيجية في المنطقة».

وفي سياق التوقعات نفسها، لا يستبعد الباحث السياسي والأكاديمي اليمني فارس البيل أن يقود أي هجوم حوثي ضد السفن الإدارة الأميركية إلى خلق تحالف جديد يضم إسرائيل لتوجيه ضربات أكثر فاعلية ضد الجماعة وقادتها، وربما بالتزامن مع استهداف القدرات النووية لطهران.

مجسمات لصواريخ ومسيرات وهمية يعرضها الحوثيون في شوارع صنعاء (إ.ب.أ)
مجسمات لصواريخ ومسيرات وهمية يعرضها الحوثيون في شوارع صنعاء (إ.ب.أ)

ويجزم البيل في حديثه لـ«الشرق الأوسط» بأن أميركا تبدو الآن أكثر تصميماً على توجيه ضربات قوية ضد الحوثي في حال أعاد هجماته.

وفي اتجاه آخر، يرى الباحث السياسي اليمني رماح الجبري في حديثه لـ«الشرق الأوسط» أن الجماعة الحوثية تبحث عن أي قصف إسرائيلي أو غربي لمناطق سيطرتها؛ كون ذلك يحقق لها أهدافاً كثيرة. من بينها التصوير لأتباعها أن أي تحرك عسكري يمني أو حرب اقتصادية ضدها انتقام إسرائيلي، وأن الصف الوطني الذي يقوده مجلس القيادة الرئاسي يخدم مصالح تل أبيب.

ويبدو أن الجماعة (بحسب الجبري) تريد أن تستعجل اختبارها لرد الإدارة الأميركية الجديدة، مستغلةً الظروف الحالية التي تتجاذب تنفيذ بقية خطوات اتفاق الهدنة في غزة بين حركة حماس وإسرائيل، دون أن تكترث للرد الأميركي المتوقَّع؛ كونها لا تأبه لأي أضرار يتعرض لها السكان في مناطق سيطرتها.

وعيد أميركي

في أحدث التصريحات الأميركية بشأن الموقف من الجماعة الحوثية، كانت القائمة المؤقتة بأعمال الممثل الدائم للولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة، السفيرة دوروثي شيا، توعدت الحوثيين، خلال إيجاز في مجلس الأمن الدولي بشأن اليمن.

وقالت إنه تماشياً مع الأمر التنفيذي الذي أصدره الرئيس ترمب بشأن إعادة إدراج الحوثيين على قائمة المنظمات الإرهابية الأجنبية، تتخذ الولايات المتحدة خطوات ملموسة للقضاء على قدرات الحوثيين.

وأضافت أن بلادها ستتخذ خطوات لوقف الدعم الإيراني لأنشطة الحوثيين الإرهابية، وذلك بموجب المذكرة الرئاسية الخاصة بالأمن القومي التي أصدرها الرئيس ترمب، وأعاد من خلالها فرض القدر الأقصى من الضغط على إيران.

ضربات إسرائيلية أحدثت حرائق ضخمة في الحديدة اليمنية (رويترز)
ضربات إسرائيلية أحدثت حرائق ضخمة في الحديدة اليمنية (رويترز)

وتوعدت السفيرة شيا باتخاذ إجراءات ضد الحوثيين، في حال استأنفوا هجماتهم المتهورة في البحر الأحمر والممرات المائية المحيطة وضد إسرائيل.

وقالت إن كل دولة عضو في مجلس الأمن تتحمل مسؤولية الوفاء بالتزاماتها بموجب القرارات الصادرة عن المجلس، بما في ذلك القرارات التي تتعلق بالحظر المفروض على إمداد الحوثيين بالأسلحة والمواد والتدريبات ذات الصلة أو بالمساعدات المالية.

ودعت القائمة المؤقتة بأعمال المندوب الأميركي في الأمم المتحدة إلى التحرك باتجاه تعزيز آلية الأمم المتحدة للتحقق والتفتيش الخاصة باليمن، وحضت الدول الأعضاء على القيام بدورها وزيادة التمويل للتخطيط طويل الأمد الخاص بالآلية وتوظيفها للأفراد وبنيتها التحتية الحيوية والضرورية لتعزيز القدرة على تفتيش جميع الحاويات غير المكشوفة، وبنسبة مائة في المائة.

ووصفت الحوثيين بأنهم يواصلون سعيهم إلى أخذ مضيق باب المندب والتجارة الدولية كرهينة، ولم يبدوا أي رغبة أو قدرة على التمييز بين أهدافهم، وشددت بالقول: «حري بنا ألا نقبل بأي شكل من الأشكال مزاعمهم بشأن أي أساس مشروع لهجماتهم».

الهجمات والضربات السابقة

يُشار إلى أن الجماعة الحوثية تبنَّت مهاجمة أكثر من 211 سفينة في البحرين الأحمر والعربي، منذ 19 نوفمبر (تشرين الثاني) 2023. وأدت الهجمات إلى غرق سفينتين وقرصنة ثالثة واحتجاز طاقمها لأكثر من عام ومقتل 4 بحارة.

وتلقت الجماعة نحو ألف غارة نفذتها واشنطن بمشاركة بريطانيا في بعض المرات للحد من قدراتها، في حين شنت إسرائيل 5 موجات انتقامية جوية على موانئ الحديدة ومطار صنعاء، ومحطات كهرباء، رداً على إطلاق الجماعة نحو 200 صاروخ وطائرة مسيرة باتجاه إسرائيل خلال 14 شهراً.

السفينة البريطانية «روبيمار» الغارقة في البحر الأحمر إثر قصف صاروخي حوثي (أ.ف.ب)
السفينة البريطانية «روبيمار» الغارقة في البحر الأحمر إثر قصف صاروخي حوثي (أ.ف.ب)

وباستثناء إسرائيلي واحد قُتِل جراء انفجار مسيرة حوثية في شقة بتل أبيب في يونيو (حزيران) الماضي، لم تكن لهذه الهجمات أي تأثير قتالي باستثناء بعض الإصابات، والتسبُّب في الضغط على الدفاعات الجوية الإسرائيلية.

غير أن الضرر الأكبر لهذه الهجمات الحوثية كان على الصعيد الاقتصادي مع تجنُّب كبرى شركات الملاحة المرور عبر باب المندب وسلوكها مساراً أطول عبر طريق الرجاء الصالح، وهو ما أدى إلى تراجع حركة السفن في البحر الأحمر إلى أكثر من 50 في المائة، وأصبحت مصر أكبر الخاسرين لفقدها نحو 7 مليارات دولار من عائدات قنوات السويس.

ومع عدم نجاح هذه الضربات الغربية والإسرائيلية في الحد من قدرات الجماعة الحوثية على شن الهجمات، كان الموقف الرسمي لمجلس القيادة الرئاسي اليمني والحكومة التابعة له معارضة هذه الضربات، لجهة أنها غير فاعلة في إنهاء التهديد الحوثي، وأن البديل الأنجع دعم القوات اليمنية الشرعية لاستعادة الحديدة وموانئها ومؤسسات الدولة المختطفة، باعتبار ذلك هو الحل العملي.