علاج جيني لجنين ينقذ حياته

أول حالة من نوعها لنقل «دواء» داخل الرحم

علاج جيني لجنين ينقذ حياته
TT

علاج جيني لجنين ينقذ حياته

علاج جيني لجنين ينقذ حياته

في بارقة أمل كبيرة يمكن أن تنقذ حياة آلاف الأطفال حول العالم تم علاج طفلة صغيرة، تبلغ من العمر الآن 16 شهراً، عندما كانت جنيناً داخل رحم الأم، وذلك عن طريق استخدام العلاج بتعديل الجينات والتحكم فيها. نشرت هذه الطريقة العلاجية في بداية شهر نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي في مجلة «نيو إنغلاند» الطبية (New England Journal of Medicine).
جاء التفكير في هذا الحل لإنقاذ الطفلة من مرض وراثي نادر الحدوث ومميت (حالة من كل 40 ألف طفل) يسمى «بومبي» (Pompe disease)، ويتسبب في حدوث شلل في عضلات الجسم المختلفة، منها عضلة القلب، وبالتالي تحدث الوفاة. وقد سبق أن فقدت عائلة الطفل طفلين آخرين جراء إصابتهما بهذا المرض الوراثي.

- علاج الطفرة الجينية
عائلة الطفلة التي تعيش في كندا قررت أن تكرر محاولة الحمل مرة أخرى، ولجأت للأطباء في محاولة لحماية طفلتها إيلا بشير (Ayla Bashir) من خطر الموت، إذ تكمن مشكلة المرض الأساسية في حدوث طفرات جينية في جين يصنع إنزيماً ضرورياً للحفاظ على توازن «الغليكوجين» (glycogen) في الخلايا، ويقوم بتكسيره. وبسبب هذه الطفرات وغياب الإنزيم يحدث تراكم لـ«الغليكوجين» في جميع أنحاء الجسم، وأهمها العضلات، منها عضلة القلب. وفي الأغلب يتم علاج الحالة بعد الولادة بإنزيمات بديلة تقوم بعمل الإنزيم الأصلي، ولكن في الأغلب يحدث لهؤلاء الأطفال رد فعل مناعي عنيف يثبط عمل الإنزيمات البديلة من الخارج، بالتالي فإن العلاج يتوقف في النهاية، وتحدث الوفاة.
ويحدث المرض حين يحمل كل من الأم والأب جيناً متنحياً (recessive gene)، وهو ما يعني احتمالية ولادة طفل يحمل المرض بنسبة 25 في المائة في أي محاولة حمل. وتبعاً للمعهد الوطني للاضطرابات العصبية والسكتة الدماغية National Institute of Neurological) Disorders) بالولايات المتحدة يتوفى معظم الأطفال المصابين بالمرض إذا تم تركهم بدون علاج في عامهم الأول، بسبب مضاعفات في القلب أو مشكلات في التنفس لضعف عضلات القفص الصدري التي تلعب دوراً مهماً في عملية التنفس. وأيضاً يعاني معظمهم من صعوبات في التغذية، ومن ثم تحدث الوفاة.
وحتى مع وجود العلاج تكون فرص النجاة ضعيفة، وهو ما حدث لإخوة الفتاة سابقاً في عمر عامين ونصف العام، والآخر في عمر 8 أشهر: كما وأيضاً أنهت الأم حملاً آخر للسبب نفسه، وكان من المقدر أن يحدث المصير نفسه للفتاة لولا العلاج المبكر في الرحم.
من المعروف أن علاج الأجنة قبل الولادة بدأ منذ حوالي 30 عاماً، وفي الأغلب كان يتم عمل عمليات جراحية لإصلاح العيوب الخلقية، أو نقل دم للجنين داخل الرحم.

أول حالة علاجية
لكن هذه الولادة تعد الأولى من نوعها التي يتم فيها نقل «دواء» إلى الجنين، وهو الإنزيمات من خلال تقنية حقن الجنين عبر إبرة تم إدخالها في بطن الأم، ثم بعد ذلك تم توجيهها في الدورة الدموية للأم عبر الحبل السري. وقد بدأ العلاج بهذه الطريقة بداية من الأسبوع 24 من الحمل واستمر كل أسبوعين حتى نهاية الحمل، على أمل أن تنجح هذه الطريقة في الحد من الاستجابة المناعية التي تحدث نتيجة لرد فعل الجسم على تراكم «الغليكوجين»، وتكسير الخلايا في العضلات، إذا كان تناول الإنزيم يتم قبل الولادة. وأوضح الأطباء من كندا والولايات المتحدة أن العامل الأساسي الذي ساعد في بقاء الطفلة سليمة ليس العلاج فحسب، لكن بدايته المبكرة.
ذكر الأطباء أن الطفلة ما زالت تتلقى العلاج نفسه عن طريق جرعات أسبوعية لمدة 6 ساعات تقريباً من التنقيط الوريدي لتثبيط المناعة، لأن الإنزيمات التي يتم حقنها عبارة عن بروتين خارجي، وهو ما يحفز الجهاز المناعي لتكوين أجسام مضادة تعد البروتين الغريب دخيلاً على الجسم وتبدأ في تكسيره. وفي الأغلب سوف تستمر هذه الجرعات مدى الحياة، وأكدوا أن الطفلة بصحة جيدة وتتمتع بالنشاط والحيوية كأي طفلة في عمرها، ومرت بكل مراحل النمو الحركي المعتادة للأطفال من الزحف والوقوف ومسك الأشياء المختلفة والتعبير الحركي بالوجه.
تعد الفتاة الصغيرة أول حالة يتم علاجها عملياً قبل الولادة داخل رحم الأم، حيث قام الفريق البحثي قبل ذلك بتجربة العلاج على أجنة الفئران باستخدام بدائل الإنزيم أيضاً، وتحسنت الأجنة. الجدير بالذكر أن الطفلة لم تنجُ من الإصابة فقط، لكنها تنمو بشكل سريع حتى أنها خطت خطواتها الأولى قبل أن تبلغ عامها الأول، وهو ما يعد إنجازاً كبيراً، خصوصاً أن العلاج داخل الرحم كان دوائياً، وليس علاجاً جراحياً، كما هو الحال في معظم العيوب الخلقية التي يتم تشخيصها قبل الولادة.
لا يعرف الأطباء على وجه التحديد إذا كانت هذه الطفلة سوف تستمر في النمو بشكل طبيعي، أم سوف تحدث لها مضاعفات ولكن حتى الآن تنمو بشكل جيد. وأيضاً من غير المعروف إذا كانت سوف تحتاج علاجاً آخر أم لا، لكنهم أكدوا أن هناك العديد من الأبحاث ما زالت تجري على أسلوب العلاج الدوائي داخل الرحم، ويأملون أن تساهم في المستقبل القريب في إنقاذ المزيد من الأطفال الذين تتم ولادتهم بطفرات جينية نادرة يمكن أن تؤدي إلى الوفاة، وحتى الآن يتطلب الأمر أن يستمر هؤلاء الأطفال في تلقي البروتين المثبط للمناعة بقية حياتهم، لكن مع الوقت يمكن التوصل إلى بديل للإنزيم لا يسبب التفاعل المناعي.

* استشاري طب الأطفال


مقالات ذات صلة

الإفراط في تناول الدهون والسكر قد يدمر الكبد

يوميات الشرق سرطان الكبد من بين السرطانات الأكثر شيوعاً في العالم (جامعة ييل)

الإفراط في تناول الدهون والسكر قد يدمر الكبد

حذّرت دراسة أميركية من أن الإفراط في تناول الدهون والسكريات يمكن أن يزيد من خطر الإصابة بسرطان الكبد، وذلك من خلال تدمير الحمض النووي في خلايا الكبد.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
يوميات الشرق شاي الكركديه يحتوي على نسبة عالية من مادة «البوليفينول» (غيتي)

مواد طبيعية قد تمنحك خصراً نحيفاً وقلباً صحياً وضغط دم منخفضاً

ثمة كلمة جديدة رائجة في مجال الصحة هي «البوليفينولات»، فبينما ظل العلماء يدرسون المركبات النباتية لسنوات، فقد جذب المصطلح الآن خيال الجمهور لسبب وجيه.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق جانب من تمرين عالي الطاقة في صالة ألعاب رياضية في نيويورك (أرشيفية - رويترز)

«هارد 75»... تحدٍّ جديد يجتاح «تيك توك» مع بداية العام

مع بداية العام الجديد، انتشر تحدٍّ جديد عبر تطبيق «تيك توك» باسم «هارد 75».

«الشرق الأوسط» (لندن)
صحتك ليست جميع المشروبات قادرة بالفعل على علاجك من نزلات البرد والإنفلونزا (رويترز)

مشروب منزلي يساعد في التخلص من نزلات البرد

تحدثت اختصاصية التغذية كيلي كونيك لشبكة «فوكس نيوز» الأميركية عن المشروب المنزلي الأمثل لعلاج نزلات البرد والإنفلونزا.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
صحتك الفواكه والخضراوات مليئة بمضادات الأكسدة والفيتامينات والمعادن (رويترز)

تناول الفواكه والخضراوات يقلل خطر إصابتك بالاكتئاب

أكدت دراسة جديدة أن زيادة كمية الفواكه والخضراوات في نظامك الغذائي يمكن أن تقلل من خطر الإصابة بالاكتئاب بمرور الوقت.

«الشرق الأوسط» (سيدني)

«أسماك مزروعة بخلايا سرطانية»... جديد الأطباء لعلاج الأورام «بسرعة»

يبحث العلماء عن نموذج يتنبّأ بكيفية تأثير العلاج على أورام المرضى (رويترز)
يبحث العلماء عن نموذج يتنبّأ بكيفية تأثير العلاج على أورام المرضى (رويترز)
TT

«أسماك مزروعة بخلايا سرطانية»... جديد الأطباء لعلاج الأورام «بسرعة»

يبحث العلماء عن نموذج يتنبّأ بكيفية تأثير العلاج على أورام المرضى (رويترز)
يبحث العلماء عن نموذج يتنبّأ بكيفية تأثير العلاج على أورام المرضى (رويترز)

هل يستطيع أطباء الأورام اتخاذ قرارات أفضل لعلاج السرطان باستخدام الأسماك؟ تهدف تجربة سريرية من المقرر أن تبدأ هذا الشهر في البرتغال إلى معرفة ذلك.

وتُعدّ الدراسة التي استمرت خمس سنوات بقيادة عالمة الأحياء التنموية، ريتا فيور، من مؤسسة «تشامباليمود»، أول تجربة عشوائية يتلقّى فيها المرضى أدوية تم اختبارها مسبقاً في أجنة سمك الزرد المزروعة بالخلايا السرطانية وأعطت «نتائج واعدة» على الأسماك.

ويقول عالم أحياء الخلايا الجذعية من كلية الطب بجامعة هارفارد، ليونارد زون، الذي لم يشارك في التجربة: «يبحث الجميع عن شيء أكثر تنبؤاً» بكيفية تأثير العلاج في أورام المرضى. وتم استخدام الفئران والذباب قبل ذلك لتجربة أدوية للسرطان، لكن «جميعها كانت له حدود». ويضيف زون: «إذا أظهرت الدراسة الجديدة أن الأسماك لها قيمة تنبؤية عالية، فسوف يهتم الناس بهذا الأمر».

سيتم اختبار أدوية مجربة في سمك الزرد على المرضى لأول مرة (أ.ف.ب)

والاختلافات في أورام المرضى بسبب سمات مثل الوراثة، والتمثيل الغذائي، يمكن أن تجعل اختيار العلاج المناسب أمراً محيّراً لأطباء الأورام. ونظراً إلى إمكانية توفر الكثير من الخيارات المتماثلة تقريباً، فقد يضطر المرضى إلى تحمّل علاج ضار تلو الآخر حتى يستقروا على العلاج الذي يساعدهم. ويمكن للتحليل الجيني في بعض الأحيان أن يغربل الاختيارات، ولكن حتى عندما يحمل سرطان المريض طفرات تشير إلى علاج معين، فليس هناك ما يضمن أنه سيستجيب إليه، وفق ما ذكرته مجلة «ساينس» العلمية.

وبحثاً عن بديل أفضل، كان مختبر العالمة فيور يدرس سمك الزرد منذ ما يقرب من عقد من الزمن. وعزل الباحثون الخلايا السرطانية من المريض، ثم زرعوها في أجنة سمكة الزرد الشفافة التي تنمو بشكل طبيعي خارج الأم. وأضاف العلماء أدوية السرطان إلى مياه الأسماك، كما قدموا جرعات من الإشعاع، وراقبوا الخلايا السرطانية لقياس أي العلاجات «من المحتمل أن تكون فاعلة». وعلى القدر نفسه من الأهمية، ومن خلال الكشف عن الخيارات التي لم تنجح، تُنقذ التجربةُ على الأسماك المرضى من علاجات «قد تكون سامة وغير مجدية».

وفي تقرير صدر عام 2024، قال علماء إن الأسماك استطاعت التنبؤ بصورة صحيحة بالعلاج المناسب لـ50 مريضاً بالسرطان من وسط مجموعة تضم 55 مريضاً. ومن المميزات التي تشجع استخدام سمك الزرد هو أن هذه التجربة تقدّم نتائج سريعة بخصوص العلاج خلال 10 أيام فقط.

وفي التجربة السريرية، ستختبر فيور وفريقها دقة نتائج سمك الزرد على المرضى من خلال غربلة الخلايا السرطانية من السائل الذي يتراكم في بطن الأشخاص المصابين بسرطان الثدي أو المبيض، الذي عادة ما يتم تصريفه بوصفه جزءاً من العلاج.

وتقول فيور: «نحن لا نقوم بإجراءات إضافية على المرضى»، لكن سيتم زرع الخلايا السرطانية في أجنة الأسماك، وبدلاً من اختبار الأدوية التجريبية، كما تفعل الكثير من التجارب السريرية الأخرى، فستحدد الدراسة على الأسماك أي مجموعة من العلاجات المعتمدة تعمل بشكل أفضل، وسيحصل نصف المرضى على الأدوية التي تقترحها نتائج سمك الزرد، وسيتلقّى النصف الآخر العلاج الذي يختاره أطباؤهم، ثم سيجري تقييم النتائج.