في أوائل يونيو (حزيران)، كنت أسير على طول بحيرة كومو في شمال إيطاليا عندما بدأت الأمطار تنهمر. أسرعت باتجاه أقرب ملجأ، شرفة مغطاة في مقهى صغير مطل على الماء، واعتقدت أننا قد نتوقف هناك لتناول الغذاء انتظاراً لهدوء الأمطار. على صوت الأمطار المنهمرة، تناولت أفضل طبق من المعكرونة في حياتي. كانت السباغيتي أرق من المعتاد، مع هشاشة خفيفة ميّزت صلصة الطماطم بشكل جميل. كان مذاق الصلصة أكثر بقليل من الطماطم في أنقى صورها، برغم أن رفيقي تساءل عما إذا كان هناك القليل من الثوم، وربما القليل من الزبدة.
على العكس من صوص مارينارا، التي غالباً ما تكون مفعمة بالروائح العطرية ويمكن استخدامها كصلصة في جميع أنواع الأطباق، فإن صلصة بومودورو الجيدة مستمدة من مستحلب الطماطم وزيت الزيتون، وغالباً ما تُستخدم مع المعكرونة. في شهري أغسطس (آب) وسبتمبر (أيلول) خصيصاً، بلغ طبق المعكرونة بصلصة بومودورو جيدة الطهي مبلغ الكمال من استعمال الطماطم في أنقى صورة لمذاق «أومامي» الصيفي.
كان ذلك الغداء الممطر في كومو لحظة من أكثر اللحظات المليئة بالجمال والكمال في حياتي. ربما تذكرون المشهد المحوري من فيلم رايان مورفي، المقتبس من مذكرات إليزابيث غيلبرت؛ حيث تأكل جوليا روبرتس طبق سباغيتي ممزوجاً بصلصة الطماطم بطريقة مثالية، تلك اللحظات التي صُور فيها المشهد على أنغام معزوفة «ملكة الليل» لموزار. في هذه الثواني الستين الأوبرالية، يتغير منظور الشخصية؛ إذ تراها تنضج وتنتبه لحقيقة نفسها بعد طلاقها. أحسست بتحول في نفسي كذلك؛ لقد جعلتني صلصة بومودورو تلك أدرك كم هي سيئة تلك الصلصات التي تناولتها في الماضي. وكما قالت صحافية الأغذية الإيطالية باربرا غيغليولي: «المعكرونة بصلصة بومودورو طبق بسيط، لكن من الصعب للغاية صناعته بإتقان». لذا، لماذا كان ذلك الطبق الذي تناولته رائعاً؟
هناك القليل من الأشياء أفضل من طبق يُعد بشكل مثالي حيث يمكنك تذوق المكونات الثلاثة أو الأربعة سوياً. لم أستطع التوقف عن التفكير في الأمر. لقد طاردني مثل السراب، شبح بحجم جوليا روبرتس من مستحلب الطماطم في شكل معكرونة. عندما عاد النادل ليسألني إن كنت أريد الجبن على السباغيتي، أجبته بالرفض، فلم أكن بحاجة إليها. قد يُعزز الريحان من مذاق المعكرونة، لكنني لا أعرف، لقد أزلت وريقات الريحان المفردة من جانب الطبق قبل البدء بتناوله. إبعاد تلك الوريقات من الطبق ربما كان له أثر في تفشي نكهة بومودورو المركزة. كان طبق المعكرونة خاصتي متخماً بالطماطم، ولا شيء أكثر.
وقد شاركت سوزان سبنغن، مصممة الأطعمة، التي أعدت السباغيتي الخاصة بجوليا روبرتس في المشهد المذكور، وصفتها مؤخراً، وألحقت الفضل في ذلك للطهاة في مطعم «كوكو بازو» الأصلي على الجانب الشرقي الأعلى من نيويورك؛ حيث كانت تعمل طاهية معجنات في أوائل التسعينات. وأخبرتني أن سحر وصفة بومودورو تُدرَك حقاً عند اقتران الصلصة مع المعكرونة، مشددة على أن المفتاح لطبق جيد من المعكرونة يكمن في سر الدقيقتين الأخيرتين من الطهي على المقلاة. «تشبه المعكرونة السلطة تقريباً. لذلك لا تحاول إغراقها بالصلصة أبداً». إنها مثل الهزة الموسيقية الأخيرة مع نهاية عزف طويل وأثير، فتأتي مرحلة الصلصة التي تجعل بومودورو تشدو بالغناء الرخيم. يمكنك إعداد صلصة عظيمة، لكن إن لم تكن تعرف كيف تدمجها مع معكرونة السباغيتي النشائية تماماً فسوف تُلطخ المعكرونة بالصلصة بدلاً من تجميلها ببراعة.
تعتبر وصفة سوزان سبنغن لطبق جوليا روبرتس سريعة التجهيز في المطعم، وتعتمد على الحرارة العالية مع 8 إلى 10 دقائق فقط من الفقاقيع الصاخبة على الموقد، ما يسهل إعدادها بأجزاء منفردة وطهي سريع لزبائن المطعم في الخارج. يقول الشيف دييغو روسي، من ميلانو، مضيفاً: «من المهم عدم الإفراط في طهي الصلصة»، وذلك حتى تلتمع نضارة الطماطم البراقة. ولكن عندما رجعت إلى الولايات المتحدة محاولاً إعادة صناعة صلصة بومودورو التي تناولتها في كومو، اكتشفت أنني أفضّل وقتاً أطول في الطهي عند العمل مع الطماطم الطازجة (وجميع سوائلها)، نحو 40 إلى 45 دقيقة، ذلك التوقيت الذي لاحظته في وصفات قديمة، مثل صلصة زبدة الطماطم الشهيرة لمارسيلا هازان، أو صلصة الطماطم والثوم وزيت الزيتون من كتاب «فنون الطهي الإيطالية» لمؤلفته البريطانية، إيطالية المولد «آنا ديل كونتي». فالطماطم تحتاج إلى وقت للطهي، كما تقول «سامين نوسرت» في وصفتها الخاصة: «إلى أن يصير طعم الصلصة لذيذاً وتتلاشى نكهة الطماطم النيئة تماماً».
بعد استهلاك مقدار معتبر من حبات الطماطم، وصلت إلى صلصة تميل بشدة إلى 3 مكونات؛ طماطم صيفية طازجة، وزيت الزيتون البكر النقي تماماً، وقليل من الثوم. أحب أن أسحق فصوص الثوم الكاملة برفق مستخدماً مسطح السكين خاصتي، ثم تحميصها بعناية فائقة في الزيت قبل رفعها من المقلاة لتناولها بشغف. إنه فاتح جيد للشهية. أما بالنسبة للطماطم، فأي مزيج من أنواع قليلة الماء ذات نكهة عالية مثل البرقوق، والعنب، والكرز، والكامبري، إضافة إلى التبخير، يأتي بنتائج أكثر كثافة وتركيزاً.
أفضل ما يكون مذاق السباغيتي هنا بالمعكرونة الرقيقة، التي تلتف حول الشوكة من دون عناء. لكن يمكن استخدام المعكرونة العادية أيضاً، وحاولي تجنب معكرونة البوكاتيني (المعروفة أيضاً باسم بيرتشوتيلي، الأكثر سماكة من السباغيتي)، لأن ثخانتها سوف تطغى على نكهة الطماطم الطازجة.