انقسام بين مكونات المعارضة السودانية تزامناً مع توقيع «ميثاق المقاومة»

واحدة من التظاهرات المناهضة للانقلاب في الخرطوم (رويترز)
واحدة من التظاهرات المناهضة للانقلاب في الخرطوم (رويترز)
TT

انقسام بين مكونات المعارضة السودانية تزامناً مع توقيع «ميثاق المقاومة»

واحدة من التظاهرات المناهضة للانقلاب في الخرطوم (رويترز)
واحدة من التظاهرات المناهضة للانقلاب في الخرطوم (رويترز)

رفض تحالف المعارضة السودانية «الحرية والتغيير»، إجابة دعوة «لجان المقاومة» للكتل المكونة له منفردة، لتوقيع «الميثاق الموحد للجان المقاومة»، واشترط التعامل معه كـ«تحالف عريض»، معتبراً أن الدعوات المنفردة «تتطابق مع موقف الحزب الشيوعي» الذي رفضه التحالف من قبل، ما يعني في المحصلة، اتساع رتق الانقسام بين المعارضة التي تعمل على إسقاط الانقلاب.
وقال تحالف «قوى إعلان الحرية والتغيير» في بيان حصلت «الشرق الأوسط» على نسخة منه أمس، إن بعض الكتل والأحزاب المنضوية تحت لوائه، تلقت دعوات فردية لحضور «توقيع الميثاق الثوري لتأسيس سلطة الشعب (...) وأن انتقاء أطراف محددة من مكوناته، وتوجيه الدعوة إليها بدل التعامل معه كتحالف، أو عدم الاعتراف به، هو موقف سبق أن ناهضته مكونات الحرية والتغيير، حينما اشترط الحزب الشيوعي» شيئا مماثلا. وأضاف: «للأسف الشديد فإن هذا الموقف يتسق ويتطابق، مع الموقف السياسي للحزب الشيوعي الذي تم رفضه بشكل جماعي من كل مكونات قوى الحرية والتغيير سابقاً».
وتشهد ساحة المعارضة السودانية انقسامات حادة، وتشتعل بينها المعارك الإعلامية التي يقودها كل طرف ضد الآخر. فمن جهته، أعلن «الحزب الشيوعي» ومنذ خروجه من «تحالف الحرية والتغيير» بعد تشكيل الحكومة الانتقالية مباشرة عزمه على إسقاطها واتهم التحالف الذي كان جزءا منه بأنه يمثل تيار «هبوط ناعم» بتحالفه مع العسكريين، فيما اعتبر التحالف موقف الحزب، «تخذيلاً لمقاومة الانقلاب»، واعتبرته متطابقاً مع موقف «الإسلاميين» الذين يسعون «للعودة إلى الحكم مجدداً».
وإزاء ذلك، كون الشيوعي تحالفه المنفرد وأطلق عليه تحالف «قوى التغيير الجذري» الذي يرفض أي حوار أو تفاوض مع السلطة الحالية ويعمل على إسقاطها، وإحداث تغيير جذري دفعة واحدة، ورفض التعامل مع تحالف «الحرية والتغيير» كتحالف، واشترط على كتله، إن رغبت، التعامل معه كأحزاب منفردة. وفي الضفة الأخرى من المعارضة تقف «لجان المقاومة السودانية»، وهي تنظيمات شعبية شبابية في المدن والأحياء، تشكلت أثناء الثورة التي أطاحت حكم الرئيس المعزول عمر البشير، وأسهمت بشكل فاعل في تحشيد الشعب للتظاهر والاعتصام ضده حتى إسقاطه، بيد أن بعضها وبعيد الإطاحة بالحكومة المدنية بقيادة رئيس الوزراء عبد الله حمدوك، اتخذ خطاً مستقلاً عن الأحزاب السياسية واتهمها بـ«التفريط بالثورة»، وحملها المسؤولية الأكبر في إسقاط الحكومة المدنية.
ولكونها تنظيمات أفقية، فإن لجان المقاومة حاولت، وتحاول، توحيد نفسها حول ميثاق موحد يحدد أهدافها وخططها، وذلك عبر توقيعها على ما أطلقت عليه «الميثاق الثوري لتأسيس سلطة الشعب»، لتوحيد العمل المناهض للانقلاب. وبرغم اشتراطه التعامل معه كتحالف، فإن «الحرية والتغيير» أكد دعمه لـ«كل جهود لجان المقاومة الهادفة إلى توحيد قوى الثورة، وآليات دمج المواثيق المطروحة من لجانها في العاصمة الخرطوم وولايات البلاد المختلفة».
وحال تعذر الوحدة مع «لجان المقاومة» وكل القوى المؤمنة بالانتقال المدني الديمقراطي، دعت قوى إعلان «الحرية والتغيير» إلى صيغ «عمل مشتركة تقوم على التنسيق السياسي والميداني والإعلامي، ورؤى وإجراءات إنهاء الانقلاب... والتصدي لعودة النظام البائد» وأبدت استعدادها لمناقشة التدابير اللازمة «للتنسيق في كل المجالات بصورة فورية، من أجل ذلك».


مقالات ذات صلة

«أمانة» السعودية تجلي 1765 شخصاً لـ32 دولة من السودان

شمال افريقيا «أمانة» السعودية تجلي 1765 شخصاً لـ32 دولة من السودان

«أمانة» السعودية تجلي 1765 شخصاً لـ32 دولة من السودان

نقلت سفينة «أمانة» السعودية، اليوم (الخميس)، نحو 1765 شخصاً ينتمون لـ32 دولة، إلى جدة، ضمن عمليات الإجلاء التي تقوم بها المملكة لمواطنيها ورعايا الدول الشقيقة والصديقة من السودان، إنفاذاً لتوجيهات القيادة. ووصل على متن السفينة، مساء اليوم، مواطن سعودي و1765 شخصاً من رعايا «مصر، والعراق، وتونس، وسوريا، والأردن، واليمن، وإريتريا، والصومال، وأفغانستان، وباكستان، وأفغانستان، وجزر القمر، ونيجيريا، وبنغلاديش، وسيريلانكا، والفلبين، وأذربيجان، وماليزيا، وكينيا، وتنزانيا، والولايات المتحدة، وتشيك، والبرازيل، والمملكة المتحدة، وفرنسا، وهولندا، والسويد، وكندا، والكاميرون، وسويسرا، والدنمارك، وألمانيا». و

«الشرق الأوسط» (جدة)
شمال افريقيا مصريون يسهمون في إغاثة النازحين عند المعابر الحدودية

مصريون يسهمون في إغاثة النازحين عند المعابر الحدودية

بعد 3 أيام عصيبة قضتها المسنة السودانية زينب عمر، بمعبر «أشكيت» من دون مياه نظيفة أو وجبات مُشبعة، فوجئت لدى وصولها إلى معبر «قسطل» المصري بوجود متطوعين مصريين يقدمون مياهاً وعصائر ووجبات جافة مكونة من «علب فول وتونة وحلاوة وجبن بجانب أكياس الشيبسي»، قبل الدخول إلى المكاتب المصرية وإنهاء إجراءات الدخول المكونة من عدة مراحل؛ من بينها «التفتيش، والجمارك، والجوازات، والحجر الصحي، والكشف الطبي»، والتي تستغرق عادة نحو 3 ساعات. ويسعى المتطوعون المصريون لتخفيف مُعاناة النازحين من السودان، وخصوصاً أبناء الخرطوم الفارين من الحرب والسيدات والأطفال والمسنات، بالتعاون مع جمعيات ومؤسسات أهلية مصرية، على غر

شمال افريقيا الأمم المتحدة تطلب 445 مليون دولار لمساعدة الفارين من السودان

الأمم المتحدة تطلب 445 مليون دولار لمساعدة الفارين من السودان

أعلنت الأمم المتحدة، الخميس، أنها تحتاج إلى 445 مليون دولار لمساعدة 860 ألف شخص توقعت أن يفروا بحلول أكتوبر (تشرين الأول) المقبل من القتال الدامي في السودان بين الجيش وقوات الدعم السريع. وأطلقت مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين هذا النداء لجمع الأموال من الدول المانحة، مضيفة أن مصر وجنوب السودان سيسجّلان أكبر عدد من الوافدين. وستتطلب الاستجابة للأزمة السودانية 445 مليون دولار حتى أكتوبر؛ لمواجهة ارتفاع عدد الفارين من السودان، بحسب المفوضية. وحتى قبل هذه الأزمة، كانت معظم العمليات الإنسانية في البلدان المجاورة للسودان، التي تستضيف حالياً الأشخاص الفارين من البلاد، تعاني نقصاً في التمو

«الشرق الأوسط» (جنيف)
شمال افريقيا الصراع في الخرطوم يوجّه ضربة جديدة للاقتصاد

الصراع في الخرطوم يوجّه ضربة جديدة للاقتصاد

وجّه الصراع المحتدم الذي يعصف بالسودان ضربة قاصمة للمركز الرئيسي لاقتصاد البلاد في العاصمة الخرطوم. كما عطّل طرق التجارة الداخلية، مما يهدد الواردات ويتسبب في أزمة سيولة. وفي أنحاء مساحات مترامية من العاصمة، تعرضت مصانع كبرى ومصارف ومتاجر وأسواق للنهب أو التخريب أو لحقت بها أضرار بالغة وتعطلت إمدادات الكهرباء والمياه، وتحدث سكان عن ارتفاع حاد في الأسعار ونقص في السلع الأساسية. حتى قبل اندلاع القتال بين طرفي الصراع في 15 أبريل، عانى الاقتصاد السوداني من ركود عميق بسبب أزمة تعود للسنوات الأخيرة من حكم الرئيس السابق عمر البشير واضطرابات تلت الإطاحة به في عام 2019.

«الشرق الأوسط» (الخرطوم)
شمال افريقيا فيصل بن فرحان وغوتيريش يبحثان وقف التصعيد في السودان

فيصل بن فرحان وغوتيريش يبحثان وقف التصعيد في السودان

بحث الأمير فيصل بن فرحان بن عبد الله وزير الخارجية السعودي والأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، اليوم (الخميس)، الجهود المبذولة لوقف التصعيد العسكري بين الأطراف في السودان، وتوفير الحماية اللازمة للمدنيين السودانيين والمقيمين على أرضه. وأكد الأمير فيصل بن فرحان، خلال اتصال هاتفي أجراه بغوتيريش، على استمرار السعودية في مساعيها الحميدة بالعمل على إجلاء رعايا الدول التي تقدمت بطلب مساعدة بشأن ذلك. واستعرض الجانبان أوجه التعاون بين السعودية والأمم المتحدة، كما ناقشا آخر المستجدات والتطورات الدولية، والجهود الحثيثة لتعزيز الأمن والسلم الدوليين.

«الشرق الأوسط» (الرياض)

حفتر: لقرار شعبي حر يضع حداً لمسارات العبث والاستهتار

لقاء حفتر مع مشايخ وأعيان الساحل الغربي في بنغازي الاثنين (الجيش الوطني الليبي)
لقاء حفتر مع مشايخ وأعيان الساحل الغربي في بنغازي الاثنين (الجيش الوطني الليبي)
TT

حفتر: لقرار شعبي حر يضع حداً لمسارات العبث والاستهتار

لقاء حفتر مع مشايخ وأعيان الساحل الغربي في بنغازي الاثنين (الجيش الوطني الليبي)
لقاء حفتر مع مشايخ وأعيان الساحل الغربي في بنغازي الاثنين (الجيش الوطني الليبي)

رسم المشير خليفة حفتر، قائد «الجيش الوطني» الليبي، صورة قاتمة للوضع السياسي في البلاد، واعتبر أن «الحل بيد الشعب»، باعتباره «الطبيب الوحيد لإنهاء هذه الأزمة»، بينما دخلت دار الإفتاء الموالية لحكومة «الوحدة» المؤقتة، على خط زيارات وفود من مشايخ وحكماء إلى مقر حفتر في مدينة بنغازي بشرق البلاد، وهاجمتها بشدة.

ولفت حفتر، لدى اجتماعه الاثنين في بنغازي، مع مشايخ وأعيان وحكماء قبائل مناطق الساحل الغربي، إلى «عمق الأزمة» التي تمر بها الدولة نتيجة ما وصفه بـ«الفشل السياسي والصراعات القائمة، وانتشار الفساد والسلاح خارج مؤسسات الدولة».

واعتبر مجدداً أن «الخلل الذي أصاب كيان الدولة، لا يمكن معالجته إلا بإرادة الليبيين أنفسهم، باعتبارهم أصحاب المصلحة الحقيقية في التغيير والمسؤولين عن تحديد مسار الحل»، مؤكداً أن «الحل لا يكون إلا بقرار شعبي حر يضع حداً لمسارات العبث والاستهتار، ويعيد الأمور إلى نصابها».

جانب من لقاء مشايخ وأعيان وحكماء قبائل مناطق الساحل الغربي مع حفتر الاثنين (القيادة العامة)

ولاحظ حفتر أن «الخيرات الهائلة التي حباها الله لليبيا، تتناقض تماماً مع معاناة المواطن اليومية، وانتشار الفساد، وتفشي السلاح المنفلت، وعجز الدولة عن أداء مهامها الأساسية»، محمّلاً مسؤولية «الأزمة السياسية المفتعلة والممدَّدة عمداً، لمن يشغلون مواقع السلطة» عبر ما وصفه بـ«الصراع والمناكفات».

وأضاف: «الطبيب الوحيد القادر على علاج هذه الأزمة هو الشعب نفسه... الحل بيدكم أنتم لا بيد غيره... قرروا بإرادتكم الحرة، وحددوا مسار الحل السياسي، وأصدروا أوامركم بالتنفيذ دون مراوغة أو قيد أو شرط... وستجدون قواتكم المسلحة كما كانت دائماً إلى جانبكم، رهن إشارتكم».

وأكد حفتر أن «إعادة الأمور إلى نصابها تمثل نقطة البداية للخروج من الفوضى وبناء دولة مستقرة مزدهرة»، مشدداً على أن «إرادة الليبيين هي القادرة على فرض واقع جديد يضمن الأمن والاستقرار».

وأشاد بما وصفه «بالمواقف الوطنية لقبائل مناطق الساحل الغربي»، مستذكراً «وقوفهم صفاً واحداً إلى جانب أهلهم في مدينة درنة خلال كارثة إعصار دانيال»، ونقل عنهم «تقديرهم لجهوده في ترسيخ الأمن والاستقرار، ودعمهم لمساعيه في بناء الوطن وإعماره وحمايته».

في المقابل، اعتبر مجلس «دار الإفتاء للبحوث والدراسات الشرعية» بغرب البلاد، زيارات وفود ليبية إلى مقر حفتر في المنطقة الشرقية «ركوناً إلى الظالمين» و«هرولة ضعاف النفوس».

وأكد البيان، الصادر مساء الأحد، أن هذه الزيارات «لا تمثّل المدن الليبية»، بل هي «مدح كاذب في موقف ذلّ وعار»، كما حذّر من «صفقات قذرة في الخفاء تهدف إلى إفلات مجرمين مدانين بالقصاص»، محملاً حكومة عبد الحميد الدبيبة ووزارة العدل، مسؤولية مباشرة.

صورة أرشيفية للقاء الدبيبة مع الصادق الغرياني المفتي المعزول بقرار من برلمان شرق ليبيا

ودعا البيان الليبيين إلى «التنديد العلني» و«الخروج في الميادين للإنكار»، محذراً من أن الاستمرار في «الهرولة السياسية قد يؤدي إلى تمكين حفتر من الغرب، مما يُكمم الأفواه، ويُهدِّد الحريات».

في غضون ذلك، عاد الهدوء الحذر الاثنين إلى غرب العاصمة طرابلس، بعد اشتباكات متقطعة اندلعت بمدينة ورشفانة، وسط تحشيدات مسلحة كثيفة، بينما التزمت حكومة «الوحدة» الصمت رغم تبعية الأطراف المتورطة في هذه الاشتباكات لها.

واندلعت اشتباكات مساء الأحد، بأسلحة متوسطة في منطقة أولاد عيسى بورشفانة، بين «الكتيبة 55 مشاة» بقيادة معمر الضاوي و«اللواء 111 مجحفل» بقيادة عبد السلام الزوبي، وكلاهما تابع لحكومة «الوحدة».

وبثت وسائل إعلام محلية لقطات مصورة تظهر عودة الهدوء إلى مدينة ورشفانة، ونقلت عن محمد أمسيب، مسؤول الإعلام بـ«الكتيبة 55 مشاة»، انسحاب جميع الأطراف المشتبكة إلى مواقعها.

وفي تأكيد على انتصار ميليشياته، تفقد الضاوي مناطق المدينة، حيث نشرت عناصر «الكتيبة 55» في مناطق ورشفانة وبسطت سيطرتها، بعد انسحاب قوات «اللواء 111» من المنطقة.

بدورها، اعتبرت «السرية 3 مشاة» التابعة لقوات الحكومة أن «الوضع العسكري ممتاز تماماً»، وأكدت أن «قواتها ثابتة في مواقعها دون أي تراجع»، مشيرة إلى أن ما حدث، هو «تقهقر واضح لقوات العدو»، مؤكدة أن «الوضع تحت السيطرة الكاملة وقواتها في أتم الجاهزية والاستعداد».

وتُعد هذه المنطقة بؤرة توتر تاريخية بسبب الصراعات المتكررة، حيث شهدت في يوليو (تموز) الماضي اشتباكات دامية بين عائلتي اللفع والهدوي أسفرت عن مقتل 6 أشخاص، تلتها في أغسطس (آب) المنصرم محاولة اغتيال فاشلة للضاوي، قُتل فيها 12 مهاجماً من الميليشيات.

وتكشف هذه الأحداث، بحسب مراقبين، هشاشة الاستقرار في الغرب الليبي، رغم تبعية الأطراف لحكومة الدبيبة، وتُثير مخاوف من تصعيد يمتد إلى العاصمة.


السفارة المصرية بليبيا تتحرك لإنقاذ مهاجرين محتجزين في «بئر الغنم»

59 حاوية عثر بداخلها على قوارب مجهزة لتهريب المهاجرين عبر البحر (إدارة المهام الخاصة بغرب ليبيا)
59 حاوية عثر بداخلها على قوارب مجهزة لتهريب المهاجرين عبر البحر (إدارة المهام الخاصة بغرب ليبيا)
TT

السفارة المصرية بليبيا تتحرك لإنقاذ مهاجرين محتجزين في «بئر الغنم»

59 حاوية عثر بداخلها على قوارب مجهزة لتهريب المهاجرين عبر البحر (إدارة المهام الخاصة بغرب ليبيا)
59 حاوية عثر بداخلها على قوارب مجهزة لتهريب المهاجرين عبر البحر (إدارة المهام الخاصة بغرب ليبيا)

قال حقوقيون واختصاصيون في قضايا المهاجرين غير النظاميين، إن السفارة المصرية في طرابلس أجرت جولة تفقدية إلى مركز إيواء «بئر الغنم» للوقوف على أعداد رعاياها المحتجزين هناك، وأوضاعهم الإنسانية.

ومركز «بئر الغنم» هو معسكر لتجميع المهاجرين غير النظاميين، جنوب غربي العاصمة الليبية، وتشير تقارير دولية وشهادات حقوقية إلى ارتكاب «انتهاكات جسيمة» بحق المحتجزين فيه، في ظل ما يوصف بـ«فوضى إدارية وانقسام داخلي في جهاز مكافحة الهجرة».

وقال الحقوقي الليبي والباحث في قضايا المهاجرين وطالبي اللجوء طارق لملوم، إن إدارة المركز سمحت لوفد السفارة المصرية بلقاء المحتجزين، و«أكدت استعدادها للتعاون معه، ووعدت بالإفراج عن المحتجزين فور قيام السفارة بالتنسيق مع الجهات المختصة».

عدد من المهاجرين المحتجزين في مركز «بئر الغنم» غرب ليبيا (جهاز مكافحة الهجرة)

وفيما نقل لملوم عن مصادر، أن مركز إيواء «بئر الغنم» أبلغ السفارة بأن «عدد المحتجزين المصريين يصل إلى 176 شخصاً، أقدمهم موقوف منذ شهرين فقط»، تساءل عن «الآلية التي كان المركز يتبعها قبل الشهرين الماضيين، خصوصاً في ظل تقارير عن قيام الأجهزة الأمنية المتعاونة معه باعتراض قوارب المهاجرين في البحر ونقلهم مباشرة إلى (بئر الغنم)».

وتقول منظمات حقوقية دولية إن مراكز احتجاز المهاجرين كافة في ليبيا «تُرتكب فيها انتهاكات واسعة»، لكن يبرز اسم «بئر الغنم» في شكاوى عديدة، خصوصاً من مصريين يتحدثون عن اعتقال أبنائهم في هذا المركز.

والحال في «بئر الغنم» لا تختلف كثيراً عن باقي مراكز إيواء المهاجرين - بحسب المختصين في ملف الهجرة وحقوق الإنسان - غير أن الأنباء الصادرة عن هذا المركز في وقت سابق، تتحدث عن وجود 600 مهاجر ينتمون إلى 10 دول على الأقل، غالبيتهم من الأطفال والقُصّر.

وزاد لملوم من تساؤلاته في تصريح صحافي، وقال إنه «لم تتوفر معلومات واضحة عن مصير من تم احتجازهم سابقاً، وكيف جرى الإفراج عنهم، باعتبار أن هذه الزيارة هي الأولى لوفد السفارة المصرية إلى المركز».

وفي زيارة ميدانية سابقة إلى المركز في 21 سبتمبر (أيلول) الماضي، قال «المجلس الوطني للحريات وحقوق الإنسان» إن المعاينة أظهرت وجود 600 مهاجر بالمركز ينتمون إلى جنسيات متعددة، تشمل مصر والمغرب والجزائر واليمن والعراق وتونس وسوريا وأفغانستان وبنغلاديش وباكستان، وبعض الجنسيات الأفريقية.

وقال حقوقي ليبي مطلع على ما يجري في مركز «بئر الغنم»، لـ«الشرق الأوسط»، إن «هناك إجراءات لإصدار وثائق سفر للمصريين المحتجزين كي يتم نقلهم إلى بلدهم»، مشيراً إلى أن المركز «ينتظر باقي السفارات كي تنهي الإجراءات القانونية اللازمة لرعاياها تمهيداً لترحيلهم».

مهاجرون تم إنقاذهم من الموت بعد غرق مركبهم الذي انطلق من سواحل ليبيا في اتجاه أوروبا (أرشيفية - أ.ب)

وسبق لمنظمة «هيومن رايتس ووتش» أن أعلنت في مايو (أيار) 2025، أن معظم مراكز احتجاز المهاجرين في ليبيا «تخضع لسيطرة جماعات مسلحة منتهكة وغير خاضعة للمساءلة»، وأشارت إلى أن هذه الانتهاكات تشمل «الاكتظاظ الشديد، والضرب، والتعذيب، ونقص الطعام والماء، والعمل القسري، والاعتداء الجنسي والاغتصاب، واستغلال الأطفال».

ولا تزال عصابات الاتجار بالبشر تعمل على تهريب المهاجرين عبر البحر المتوسط إلى أوروبا، لكن عناصر خفر السواحل الليبي يعيدون عدداً كبيراً منهم جبراً إلى شواطئ البلاد، وتودعهم مقار الإيواء.

وسبق أن قال لملوم إن «أزمة (بئر الغنم) مرتبطة بصراع داخل جهاز (مكافحة الهجرة) منذ قرار إغلاق المركز في ديسمبر (كانون الأول) 2021، إذ مُنعت المنظمات والسفارات من الوصول إليه».

ورأى أن «هذا هو سبب تكديس المهاجرين والقصّر، في عنابر بلا صور ولا توثيق لطبيعة المكان أو حتى لدورات المياه»، معتبراً أن المسؤولية «لا تقع على السفارات، بل على إدارة الجهاز».

العثور على حاويات فيها قوارب مجهزة لتهريب المهاجرين عبر البحر (إدارة المهام الخاصة بغرب ليبيا)

وفي سياق متصل، قالت إدارة المهام الخاصة بغرب ليبيا إن قواتها عثرت على 59 حاوية في مواقع داخل مدينة مصراتة، «كانت مُحمّلة بقوارب لغرض بيعها لاستخدامها في عمليات الهجرة غير المشروعة»، مشيرة إلى أن هذه العملية جاءت في إطار «التتبع الدقيق لشبكات التهريب».

وأضافت الإدارة الاثنين، أن العثور على هذه القوارب «يعكس جاهزية وحداتها وقدرتها على إحباط المخططات التي تستهدف أمن البلاد واستقرارها، وتؤكد استمرار الجهود في ملاحقة المتورطين والحد من هذه الظاهرة الخطيرة».


أحداث الفاشر تعيد لسودانيي الشتات شبح مجازر دارفور

سودانيون نازحون من الفاشر يتزاحمون للحصول على مساعدات غذائية في مخيم العفاض بالدبة شمال البلاد (أ.ب)
سودانيون نازحون من الفاشر يتزاحمون للحصول على مساعدات غذائية في مخيم العفاض بالدبة شمال البلاد (أ.ب)
TT

أحداث الفاشر تعيد لسودانيي الشتات شبح مجازر دارفور

سودانيون نازحون من الفاشر يتزاحمون للحصول على مساعدات غذائية في مخيم العفاض بالدبة شمال البلاد (أ.ب)
سودانيون نازحون من الفاشر يتزاحمون للحصول على مساعدات غذائية في مخيم العفاض بالدبة شمال البلاد (أ.ب)

بعد مرور عشرين عاماً على حرب دارفور التي شهدت بعضاً من أسوأ الفظائع في مطلع القرن الحادي والعشرين، يقول سودانيون نزحوا من الإقليم ويعيشون اليوم في الشتات إن الكابوس عاد، وكأنه «لم ينتهِ أبداً».

وتعيد مشاهد العنف في مدينة الفاشر، بعد سقوطها في قبضة «قوات الدعم السريع»، ذكريات المذابح التي شهدها الإقليم قبل عقدين.

وفي نهاية الشهر الماضي أعلنت «قوات الدعم السريع» سيطرتها على الفاشر، آخر المعاقل الرئيسية للجيش السوداني في دارفور، قبل أن تخرج شهادات عن إعدامات ميدانية وعنف جنسي وهجمات استهدفت عمال إغاثة، إضافة إلى عمليات نهب وخطف، في وقت لا تزال فيه الاتصالات مقطوعة إلى حدّ كبير.

وحذّرت الأمم المتحدة من إعدامات تُرتكب على أساس عرقي على يد «قوات الدعم السريع» المنبثقة مما كان يُعرف أثناء حرب 2003 باسم «الجنجويد».

ويقول عبد الله ياسر آدم، وهو باحث سوداني نزح من نيالا ويقيم حالياً في القاهرة: «أحياناً لا يمكنني تصديق أن ذلك يحدث مرة ثانية».

نازحون سودانيون فروا من الفاشر بعد سقوط المدينة في قبضة «قوات الدعم السريع» (أ.ف.ب)

ويضيف لـ«وكالة الصحافة الفرنسية» أن «الناس تموت دون أن تعرف لماذا... أشعر وكأنها نهاية العالم».

ينتمي آدم، البالغ 45 عاماً والذي استخدم اسماً مستعاراً حفاظاً على أمنه، إلى قبيلة الفور، وهي واحدة من عدة جماعات تمردت على النظام السوداني مطلع الألفية، فقمعتها السلطة عبر تسليح الجنجويد.

وخلال العقدين الماضيين، نزح ستة ملايين سوداني خارج البلاد، بينهم أربعة ملايين فرّوا منذ اندلاع الحرب الأخيرة بين الجيش و«الدعم السريع» في أبريل (نيسان) 2023.

ويروي ناجون من الهجوم على الفاشر مشاهد تُذكّر بما عاشه آدم قبل عشرين عاماً.

ويستعيد تلك الحقبة قائلاً إن «الطيران من فوق والجنجويد من تحت بالجمال والأحصنة والعربات يضربون ويحرقون القرية».

ويتابع: «كان ذلك يحدث بعد أن يستسلم الناس. كانوا يجرون والمسلحون وراءهم كأنها عملية صيد». واليوم، كما يقول، فالهجمات هي نفسها، لكن بأسلحة أكثر تطوراً.

يقود محمد حمدان دقلو (حميدتي) «قوات الدعم السريع»، بعدما برز دوره خلال الأعوام 2003-2008 في عهد الرئيس السابق عمر البشير، أثناء قمع تمرد قبائل مهمّشة مثل الفور والمساليت والزغاوة والبرتي.

خلّفت تلك الحرب 300 ألف قتيل و2.7 مليون نازح، ووصفتها «المحكمة الجنائية الدولية» بالإبادة الجماعية.

وبعد إطاحة البشير عام 2019، حاول حميدتي تقديم نفسه كرجل دولة وحليف للجيش، وفق محللين، لكن الخلافات حول دمج قواته في الجيش أشعلت الحرب الحالية.

وترى الشاعرة السودانية-الأميركية امتثال محمود، التي نجت طفلة من معارك بداية الألفية، أن إبادة دارفور «لم تتوقف أبداً».

وتقول محمود (32 عاماً) التي تعيش في فيلادلفيا منذ سن الخامسة لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «أصبح الأمر أكثر تعقيداً سياسياً، لكن القتل لم يتوقف»، معتبرة أن كلاً من الجيش و«الدعم السريع» ارتكب فظائع في الماضي.

وتوضح: «كان الجيش يقصف قرانا بأكملها بينما ينتظر الجنجويد» لقتل الناجين، مضيفة أنهم «كانوا يحرقون المحاصيل، ويلقون الجثث في الآبار، ويغتصبون النساء والأطفال».

طفلان من الفاشر يستريحان في مخيم للنازحين السودانيين في بلدة الدبة الشمالية (أ.ف.ب)

وتتذكر محمود من طفولتها في الفاشر رؤية «الدخان يتصاعد من وسط المدينة» جراء قصف الجنجويد للأسواق والحشود.

وتروي أنه «كان علينا الاختباء. في ذلك اليوم اختبأت تحت الفراش مع أربعة آخرين... ورأيت أحذية الجنود تدخل... ورأيت دماءنا على أقدامهم». وفي اليوم نفسه شاهدت عمّها «ملطخاً بالدماء» بعدما تطوع لإسعاف الضحايا «وبدت هذه اللحظة كصورة مصغرة لكل ما سيأتي».

وفي نيالا، كما يروي آدم، «كنا نستقبل ضحايا الاحتكاكات بين ميليشيات الجنجويد وأصحاب المزارع... كانت القرى البعيدة الأكثر تضرراً».

ويضيف أن «الفارّين كانوا يصلون حفاة وعلى الدواب... ليس معهم طعام... والأطفال يعانون سوء تغذية واضحاً... كانت مشاهد صعبة جداً».

لذلك يرى آدم أن الجيش وميليشيا الجنجويد «وجهان لعملة واحدة»، فربما تبدلت الأدوار اليوم، «لكن الشعب السوداني لا يزال هو الضحية».

وخلال النزاع الحالي، يُتهم الجيش بشن غارات جوية عشوائية وباستخدام أسلحة كيميائية، بينما تُتَّهم «قوات الدعم السريع» بعمليات قتل جماعي واغتصاب ونهب.

أطفال نزحوا في مخيم طويلة لجأوا إليه هرباً من القتال في الفاشر يوم 3 نوفمبر (أ.ب)

وبعد سقوط الفاشر، أصبحت جميع عواصم ولايات دارفور الخمس تحت سيطرة «قوات الدعم السريع»، ما يدفع نحو تقسيم فعلي للسودان بين الجيش في الشمال والشرق، و«الدعم السريع» في دارفور وأجزاء من الجنوب.

ويحذر مراقبون ومنظمات دولية من توسع رقعة القتال إلى مدن كردفان وخاصة منطقة جبال النوبة.

ويقول كومان سعيد المقيم في أوغندا لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «تاريخياً، يشبه الوضع (في كردفان) دارفور تماماً».

ويحذّر سعيد من مذبحة جديدة «مثل ما حدث في الفاشر» إذا سيطرت «قوات الدعم السريع» على مدينتَي الدلنج وكادوغلي في جنوب كردفان، المحاصرتين بينما لا تزالان تحت سيطرة الجيش.

وفي دارفور، حيث شكّلت «قوات الدعم السريع» حكومة موازية، يقول السكان إن حياتهم بات يخيّم عليها الخوف.

وتُتَّهم هذه القوات بقتل ما يصل إلى 15 ألف مدني من قبيلة المساليت في الجنينة، عاصمة غرب دارفور، في أواخر 2023.

ويقول عمر، الذي يتواصل مع أصدقاء له في نيالا ومدن أخرى «من المساليت مثلي»، إن هؤلاء «يعيشون في خوف من استهدافهم».