طاقة إيجابية وفسحة من الجمال، ينقلهما الفنان التشكيلي علي زين الدين في معرضه «الجمال الملموس» في غاليري «إكزود» في بيروت.
نحو 25 لوحة من الأكليريك والـ«ميكسد ميديا» بألوان فاقعة وزاهية، أرادها زين الدين نقيضاً لفترة قاتمة يعيشها اللبناني اليوم، فقدمها ضمن هذا المعرض لتشكل فسحة أمل وفرح ترخي بظلها على زائره. كمية الجمال التي يبرزها في كل لوحة، تجذبك لتأملها والتدقيق فيها كي تغب من حلاوتها.
المرأة والطبيعة وسر الوجود، موضوعات يتناولها زين الدين في لوحاته. فهو عادة ما تلحق ريشته بمزاجه، وإذا ما كانت حالة من الإحباط والحزن تمتلكه فإنه يهرب من ريشته: «لا أحب أن أرسم غير الجمال والفرح، لذلك ترينني أبتعد عن الرسم إذا ما كنت كئيباً. فالمزاج أساسي في الفن، ولأني أرفض مشهدية القسوة، أركن دائماً إلى أخرى ناعمة وسلسة».
غالبية لوحات زين الدين عمودية؛ لأنه يشعر كأنه يرتقي معها إلى فوق، وحدودها السماء. أما الألوان الصارخة التي يستخدمها، فتكون بمثابة «فشة خلق» يفجّر معها أحاسيسه الإيجابية وعلى مساحات واسعة.
يركن زين الدين إلى الخط العربي لتجميل لوحاته (الشرق الأوسط)
عناوين لوحاته من الأكليريك والـ«ميكسد ميديا» تعبر عن مدى تعمقه بريشة وجدانية. «الجنة»، و«سلام الفصح»، و«ولادة من الخاصرة»، و«بداية الوجود»، وغيرها تغلب عليها مشهدية المرأة: «لأنها في رأيي سر الوجود، ومن أحشائها تولد الحياة. كما أني أحب الانسيابية، وكل ما يشير إلى اللانهاية والأنثى، عالم بحد ذاته، ولطالما تناولتها في معارضي».
كالشفرة التي عليك فك رموزها، يركن زين الدين إلى فن الخط في لوحاته، معها يترجم أفكاره ويغلفها بغموض الفنان الذي يجيد هذه اللعبة، كونه خطاطاً. ويعلق لـ«الشرق الأوسط»: «تبرز هذه الخطوط في لوحات الـ«ميكسد ميديا»؛ خصوصاً من تراكم الطبقات المؤلفة منها. أنفّذ أول طبقة مع اللون الذي أرغب فيه، ومن ثَمّ أكتب الأحرف بيدي وألوّنها من جديد، وتتوالى المراحل حتى الطبقة الأخيرة البارزة بوضوح لعين ناظرها».
من اللوحات التي تلفتك في المعرض، تلك التي تتحدث عن آدم وحواء، وأخرى عن شهرزاد، فيها المرأة بطلة القصة ومحورها، ويلفها بألوان دافئة كي يبرز قوتها، ومرات يدمغها برسومات سوريالية ليحكي عن صلابتها.
وعن أهمية فن الخط في لوحاته، يقول: «أستخدم العربي لتوضيح معاني اللوحة. أحياناً تأتي حروفه بارزة، وأحياناً أخرى تتداخل مع شخصيات اللوحة كرموز لفكرة أريد إيصالها. وكما تلاحظين، هناك أبيات شعر مكتوبة بفن الخط الذي مع حركته وانسيابيته مع طبقات اللوحة، يؤلف توليفة أعتمدها في لوحاتي».
يصف زين الدين هذه الخطوط كالتوزيع الموسيقي لمقطوعة: «إنها تجمّل اللوحة وكأنها نوتات ريشة حرة. مرات أمزج ما بين الأحرف العربية واللاتينية لإتمام فكرة حديثة».
لوحة «فصح السلام» من ضمن معرضه (الشرق الأوسط)
مزاج زين الدين يلعب دوراً أساسياً في إنجازه لأي لوحة يرسمها. ويوضح: «الألوان التي أستخدمها تتأثر بمزاجي هذا، فتأتيني كالحلم لأحققه على طريقتي. ليس بالضروري أن أبدأ في لوحة، وأنجزها تماماً؛ لأني لا أتوانى عن تركها لفترة والبدء في أخرى، إذا ما انتابني شعور بالانتقال من مزاج إلى آخر».
ويتحدث عن واحدة من أحب اللوحات إلى قلبه: «لوحة سمّيتها (انفعالات) وفيها مجموعة من الأحصنة تقفز وكأنها تطير في الهواء».
أما الأنثى فيصور جمالها مشبهاً إياه مرات بعزف على آلة موسيقية أو بحديقة غناء مليئة بالورود. «إنها حاضرة في جميع معارضي، وهي بالنسبة لي نبع الحب والحنان والجمال الممثل بالأخت والحبيبة والابنة. وإذا ما لاحظت في لوحة (بداية الوجود) قولبت جسدها ليبيّن وزر الأحمال التي تحملها عادة».
في تقنية الـ«ميكسد ميديا» التي يتبعها، يعتمد زين الدين مرات على مواد خام يدخلها فيها. ويقول: «في لوحة الطبيعة (قاعدة الحياة) لملمت قطعاً من جذع شجرة زيتون وأوراق شجر أخرى، وغلّفتها بورق الذهب الذي أحب استعماله. ولأني أحب الروائي الراحل غسان كنفاني أرفقتها ببيت من قصيدة له تقول: (إن عشتَ فعِشْ حراً، أو متْ كالأشجار وقوفاً). هذه اللوحة تظهر أدواتها نافرة أكثر من غيرها، فتقفز إلى عين ناظرها من القماش المرسومة عليه. ومع ورق الذهب أيضاً ترجمت في لوحة (فصح السلام) أفكاراً راودتني، فربطت هذه المناسبة بالحمام الأبيض، مع بيض ملون على خلفية ذهبية».