السودان يخفض أسعار البنزين والغازولين

للمرة الثانية في أقل من شهر

أعلن السودان الخفض الثاني من نوعه لأسعار الوقود خلال شهر (رويترز)
أعلن السودان الخفض الثاني من نوعه لأسعار الوقود خلال شهر (رويترز)
TT

السودان يخفض أسعار البنزين والغازولين

أعلن السودان الخفض الثاني من نوعه لأسعار الوقود خلال شهر (رويترز)
أعلن السودان الخفض الثاني من نوعه لأسعار الوقود خلال شهر (رويترز)

أعلنت السلطات السودانية، أمس، تخفيض أسعار الوقود، وذلك في إطار المراجعة الدورية للإنتاج المحلي والتطورات التي تشهدها المنتجات النفطية في العالم. وخفضت سعر لتر البنزين من 704 جنيهات إلى 522 جنيهاً، أو ما يعادل دولاراً واحداً بحسب سعر الصرف الرسمي، فيما جاء التخفيض طفيفاً في لتر الغازولين من 685 إلى 672 جنيهاً.
وحتى أغسطس (آب) الماضي، كان السودان يحتل المركز الرابع عربياً بأعلى سعر للتر البنزين بنحو 1268 دولاراً. وقررت الحكومة الانتقالية المقالة في يونيو (حزيران) العام الماضي، تحريراً كاملاً لأسعار الوقود، ضمن حزمة من اشتراطات المؤسسات المالية الدولية لإعفاء ديون السودان البالغة 60 مليار دولار.
ويعد هذا التخفيض الثاني خلال أقل من شهر، وبعد عامين من اعتماد الحكومة سياسة الإصلاح الاقتصادي، وخفض قيمة الجنيه السوداني، ويتوقع أن ينعكس على السلع الأخرى التي ترتفع أسعارها نتيجة لارتفاع تكلفة النقل. وتنفق الدولة مليار دولار سنوياً لدعم المحروقات، ولا تستثني الطبقات المتوسطة والعليا.
وترى الحكومة أن تحرير أسعار الوقود يحقق الوفرة، ويحد من التهريب، كما يعمل على خفض التضخم، ويزيل التشوهات في الاقتصاد، ويفتح المجال للدولة لتوجيه الدعم للمواطنين في خدمات الصحة والتعليم والبنى التحتية. ويغطي الإنتاج المحلي نحو 70 في المائة من البنزين وغاز الطهي، و40 في المائة من الغازولين، ويتم تغطية العجز بالاستيراد من الخارج.
وأعلن الجهاز المركزي للإحصاء في السودان أن معدل التضخم السنوي انخفض إلى 117.42 بالمائة في أغسطس الماضي، من 125.41 بالمائة في يوليو (تموز). وتراجع بهذا معدل التضخم السنوي في السودان للشهر الثالث على التوالي، بعد أن سجل تراجعاً في يونيو إلى 148.8 بالمائة.
والشهر الماضي، أعلنت وزارة المالية زيادة سعر الصرف للعملات الأجنبية في النظام الجمركي، ورفعت الدولار من 445 إلى 564 جنيهاً سودانياً، وتسبب ذلك في شلل حركة الصادر والوارد، وأدى تقليل الإيرادات الحكومية إلى النصف.
وقطعت إجراءات الجيش التي استولى بها على السلطة في البلاد، الطريقَ أمام مساعدات مالية دولية للسودان تقدر بالمليارات رصدت لتخفيف آثار الإصلاحات الاقتصادية على المواطنين، ويرهن استئنافها بعودة الحكم المدني في البلاد. ويهدد استمرار الجيش في الحكم الخطوات الكبيرة التي حققتها حكومة رئيس الوزراء عبد الله حمدوك المستقيل، في إعفاء ديون السودان الخارجية.
ومن المقرر أن تجيز السلطات السودانية في ديسمبر (كانون الأول) المقبل موازنة عام 2023، ليبدأ العمل بها مع مطلع العام الجديد. وأكد وزير المالية جبريل إبراهيم، أن الموازنة الجديدة تعتمد على موارد حقيقية وواقعية، كما ستعمل على زيادة الإيرادات.
وتفقد موازنة السودان لعام 2023 أكثر من 500 مليون دولار دعماً مباشراً من قبل الدول المانحة، التي حجبت التزامات مالية تقدر بأكثر 3 مليارات دولار رصدت لدعم الانتقال المدني في البلاد.


مقالات ذات صلة

حرب السودان تهدد إمدادات الصمغ العربي وصناعة المشروبات الغازية

شمال افريقيا حرب السودان تهدد إمدادات الصمغ العربي وصناعة المشروبات الغازية

حرب السودان تهدد إمدادات الصمغ العربي وصناعة المشروبات الغازية

دفع الصراع في السودان الشركات الدولية المصنعة للسلع الاستهلاكية إلى الدخول في سباق لتعزيز إمدادات الصمغ العربي، أحد أكثر المنتجات المرغوبة في البلاد، ويعد مكوناً رئيسياً لكل شيء بدءاً من المشروبات الغازية إلى الحلوى ومستحضرات التجميل. ويأتي نحو 70 في المائة من إمدادات العالم من الصمغ العربي الذي لا توجد له بدائل كثيرة، من أشجار الأكاسيا في منطقة الساحل التي تضم السودان الذي يمزقه القتال الدائر بين الجيش وقوات الدعم السريع. وكشف مصدرون ومصادر من الصناعة لـ«رويترز»، أن الشركات التي تخشى من استمرار انعدام الأمن في السودان وتعتمد على المنتج، مثل «كوكاكولا» و«بيبسيكو»، عملت على تخزين إمدادات، وبعضه

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
شمال افريقيا الخزينة السودانية مهددة بفقدان ملياري دولار من عائدات الذهب

الخزينة السودانية مهددة بفقدان ملياري دولار من عائدات الذهب

في وقت ما زالت فيه الحرب بين الجيش السوداني و«قوات الدعم السريع» تدور رحاها في الخرطوم، حذر خبراء اقتصاديون سودانيون بأن تمادي الحرب واتساع رقعتها سيكبدان الاقتصاد السوداني وخزينة الدولة خسائر كبيرة، تجهز على سعر الصرف، وتزيد من متوسط معدلات التضخم، التي بلغت نسبتها 600 في المائة، ويفقدانه أكثر من 50 في المائة من صادرات البلاد. - مطار الخرطوم ووفق تقديرات الخبير الاقتصادي السوداني الدكتور محمد الناير، فإن خروج مطار الخرطوم من الخدمة، والذي عطل نسبة 5 في المائة من إجمالي الصادرات والواردات السودانية البالغة في مجملها 15 مليار دولار، أفقد الخزينة السودانية صادرات الذهب التي تعادل 50 في المائة من

فتح الرحمن يوسف (الرياض)
شمال افريقيا سوداني يقرأ جريدة محلية في مدينة أم درمان (رويترز)

العجز التجاري للسودان يفتح باب زيادة الضرائب

سجل الميزان التجاري في السودان العام الماضي، عجزاً بقيمة 3.5 مليار دولار، ما سيدفع الحكومة إلى تغيير في السياسات المالية النقدية بفرض زيادات جديدة في الضرائب، في ظل تآكل الاحتياطي النقدي من العملات الأجنبية.

محمد أمين ياسين (الخرطوم)
شمال افريقيا سوداني يقرأ جريدة محلية في مدينة أم درمان (رويترز)

العجز التجاري للسودان يفتح باب زيادة الضرائب

سجل الميزان التجاري في السودان العام الماضي، عجزاً بقيمة 3.5 مليار دولار، ما سيدفع الحكومة إلى تغيير في السياسات المالية النقدية بفرض زيادات جديدة في الضرائب، في ظل تآكل الاحتياطي النقدي من العملات الأجنبية.

محمد أمين ياسين (الخرطوم)
شمال افريقيا مقر الجمارك السودانية (موقع هيئة الجمارك السودانية)

السودان يرفع قيمة الرسوم الجمركية على 130 سلعة مستوردة

رفعت السلطات السودانية رسوم الجمارك على 130 سلعة، من بينها البنزين والغازولين والقمح، وذلك لسد العجز المتوقع في موازنة العام الحالي، والتي تعتمد بشكل أساسي على الموارد الذاتية للبلاد، وتخلو من أي دعم ومنح خارجية. ويتوقع أن تؤدي هذه الزيادات التي دخلت حيز التنفيذ الفوري إلى ارتفاع في أسعار كثير من السلع المستوردة من الخارج والمنتجة محلياً، في ظل الركود التضخمي الذي تعانيه البلاد.

محمد أمين ياسين (الخرطوم)

«الأمم المتحدة» لإرسال لجنة تحقيق في انتهاكات الفاشر

TT

«الأمم المتحدة» لإرسال لجنة تحقيق في انتهاكات الفاشر

المفوض السامي للأمم المتحدة لحقوق الإنسان فولكر تورك يتحدث عن الفاشر في جنيف (إ.ب.أ)
المفوض السامي للأمم المتحدة لحقوق الإنسان فولكر تورك يتحدث عن الفاشر في جنيف (إ.ب.أ)

كلّف مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، الجمعة، بعثة لتقصي الحقائق وتحديد هوية جميع المسؤولين عن الانتهاكات التي يُشتبه في ارتكابها في مدينة الفاشر السودانية، تمهيداً لتقديمهم إلى العدالة.

وفي ختام جلسة طارئة، عقدها المجلس لبحث وضع حقوق الإنسان في الفاشر، اعتمد قراراً يأمر بعثة الأمم المتحدة المستقلة لتقصي الحقائق في السودان بإجراء تحقيق. وكُلِّفت البعثة توثيق جميع انتهاكات القانون الدولي المرتكبة من جانب جميع الأطراف. وفي افتتاح الجلسة الطارئة التي عقدت بطلب من المملكة المتحدة وألمانيا وآيرلندا وهولندا والنرويج، ندّد مفوض الأمم المتحدة لحقوق الإنسان بتقاعس المجتمع الدولي، متوعداً بمحاسبة مرتكبي الانتهاكات.

المفوض السامي للأمم المتحدة لحقوق الإنسان فولكر تورك يتحدث عن الفاشر في جنيف (إ.ب.أ)

وقال فولكر تورك إنه «تم تصوير بقع الدم التي تلطّخ الأرض في الفاشر من الفضاء»، وإن «وصمة العار في سجل المجتمع الدولي أقل وضوحاً للعيان، لكن تداعياتها ليست أقل». وأشار المفوض إلى أن الفظائع في الفاشر بالسودان هي «أخطر الجرائم» التي كانت متوقَّعة وكان يمكن منعها. وحثَّ المجتمع الدولي على التحرك، وقال «هناك كثير من التصنع والتظاهر، وقليل من العمل». وطالب، في كلمة افتتاحية أمام المندوبين، بـ«الوقوف في وجه هذه الفظائع التي تمثل استعراضاً لاستخدام القسوة السافرة لإخضاع شعب بأكمله والسيطرة عليه». وأصدر فولكر تورك تحذيراً شديداً إزاء تصاعد العنف في كردفان المجاورة لدارفور، بالسودان، حيث القصف والحصار وإجبار الناس على ترك منازلهم.

محاسبة مؤججي الحرب

ودعا تورك إلى اتخاذ إجراءات ضد الأفراد والشركات التي «تُؤجج وتستفيد» من الحرب بالسودان. وقال إن مدينة الفاشر مغلقة، ولا يمكن لعمال المساعدات الإنسانية دخولها. وتابع: «يجب ألا يفاجأ أي منا» بالتقارير منذ سيطرت قوات «الدعم السريع» على المدينة التي تحدثت عن «عمليات قتل واسعة بحق المدنيين وإعدامات مستهدَفة ضد العِرقيات، والعنف الجنسي؛ بما في ذلك الاغتصاب الجماعي، والاختطاف بهدف طلب فدية، والاحتجازات التعسفية الواسعة والهجمات على المنشآت الصحية والأطقم الطبية وعمال الإغاثة وغيرها من الأعمال الوحشية المروّعة».

من جانبها قالت عضو فريق الخبراء المستقلّين، منى رشماوي، في الجلسة الطارئة: «أصبحت أجزاء كثيرة من الفاشر ساحة جريمة». وأكدت أنه منذ سقطت المدينة في يد قوات «الدعم السريع»، جمع فريق الخبراء بيانات أفادت بوجود «أعمال وحشية لا تُوصف، وعمليات قتل عمد وتعذيب واغتصاب واختطاف مقابل فدية واحتجاز تعسفي واختفاء قسري، وكل ذلك على نطاق واسع». وأضافت: «يجب إجراء تحقيق شامل لتوضيح الصورة كاملة، ولكن ما نعلمه بالفعل مدمِّر».

نازحون سودانيون في مدينة طويلة بعد فرارهم من الفاشر (رويترز)

من جانبها حذرت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، في بيان، من «انتهاكات خطيرة» و«طرق مميتة» يواجهها عشرات الآلاف من النازحين في دارفور وكردفان بالسودان، إضافة إلى «كارثة إنسانية» بسبب عرقلة وصول المساعدات الإنسانية إلى المحتاجين، ما يُعرّض الأرواح للخطر. وقالت المفوضية إن الأوضاع في الفاشر، التي سيطرت عليها قوات «الدعم السريع» في 26 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، «تتجه إلى الانهيار السريع»، في ظل حصار الآلاف بالمدينة. وأشارت إلى نزوح نحو 100 ألف شخص من الفاشر والقرى المحيطة بها، خلال الأسبوعين الماضيين، مع استمرار عرقلة وصول المساعدات الإنسانية إلى المحتاجين في السودان، ما يُعرّض الأرواح للخطر.

ودعت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين المجتمع الدولي إلى تكثيف دعمه بتوفير التمويل العاجل وممارسة ضغط أقوى للسماح بإيصال المساعدات بالسودان، مؤكدة أنها تلقت 35 في المائة فقط من الموارد المطلوبة، هذا العام، للاستجابة للأزمة في السودان ودول اللجوء. وأضافت المفوضية أنها تسعى لجمع 84.2 مليون دولار لدعم جهودها لإنقاذ الأرواح بالسودان في العام المقبل.

«الدعم السريع» تدافع

وكانت الولايات المتحدة قد دعت، الأربعاء، إلى تحرك دولي لقطع إمدادات الأسلحة عن قوات «الدعم السريع» وحمّلتها مسؤولية التصعيد الدامي للنزاع في السودان. وقال وزير الخارجية الأميركي، ماركو روبيو، لصحافيين في كندا: «يجب القيام بشيءٍ ما لقطع إمدادات الأسلحة والدعم الذي تتلقاه»، مضيفاً: «ما يحدث هناك أمر مرعب». وألقى روبيو اللوم على قوات «الدعم السريع» التي سيطرت أخيراً على مدينة الفاشر الرئيسية. وأضاف: «أعتقد أن المشكلة الأساسية التي نواجهها هي أن (قوات الدعم السريع) توافق على أشياء ثم لا تمضي فيها». وقال إن «قوات الدعم السريع» تعتمد على الأموال والدعم الخارجيين من بعض البلدان، «نحن نعرف من هي، وسنتحدث معها بشأن ذلك، ونجعلها تفهم أن ذلك سينعكس بشكل سيّئ عليها وعلى العالم إذا لم نتمكن من وقف ما يحدث».

وأبدت «قوات الدعم السريع» أسفها لتصريحات روبيو، ووصفتها بأنها «متحاملة وغير مُنصفة»، مؤكدة «أنها لا تتلقى أي دعم من أي جهة خارجية». وقالت، في بيان: «هذه المواقف المتحاملة استندت إلى معلومات مضلِّلة أو أحادية المصدر، وتُهدد جهود مبادرة المجموعة الرباعية». وذكرت، في البيان، أن التصريحات الأميركية تتناقض مع مواقف والتزامات «الدعم السريع» التي ظلت تتعاطى بشكل إيجابي مع جهود وقف الحرب في السودان، بينما رفض الجيش جميع المبادرات الدولية بوقف القتال، بما في ذلك مشروع الهدنة الإنسانية الذي طرحته دول الرباعية أخيراً.

وكشفت «الدعم السريع» عن «أنها سلّمت ردّها على مقترح الهدنة منذ 9 نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي، ولم تتلق، حتى الآن، رداً من الجانب الأميركي»، موضحة أنها لن تقبل أي محاولات لجعلها «كبش فداء» للتغطية على رفض الجيش الهدنة. ونفت «الدعم السريع» الاتهامات لقواتها بالتورط في ارتكاب فظائع بحق المدنيين، وقالت: «إن مزاعم الانتهاكات في الفاشر ليست مُمنهجة، وأنها شكلت لجان تحقيق شفافة، وجرى القبض على عدد من الأفراد الذين يُشتبه في ارتكابهم جرائم بحق المدنيين هناك».


سجناء ليبيا بالخارج... ملف يعود إلى الواجهة بعد «تجاهل»

هانيبال القذافي (الثاني من اليمين) مع فريقه القانوني بعد الإفراج عنه (الشرق الأوسط)
هانيبال القذافي (الثاني من اليمين) مع فريقه القانوني بعد الإفراج عنه (الشرق الأوسط)
TT

سجناء ليبيا بالخارج... ملف يعود إلى الواجهة بعد «تجاهل»

هانيبال القذافي (الثاني من اليمين) مع فريقه القانوني بعد الإفراج عنه (الشرق الأوسط)
هانيبال القذافي (الثاني من اليمين) مع فريقه القانوني بعد الإفراج عنه (الشرق الأوسط)

سلطت عملية الإفراج عن هانيبال، نجل الرئيس الراحل معمر القذافي، من سجنه في لبنان، الضوء على السجناء الليبيين بالخارج، وسط اتهامات تطال الحكومتين المتنازعتين على السلطة بـ«إهمال وتجاهل» هذا الملف، ثم إعادته لواجهة الأحداث وفق ما يوصف بأنه بمثابة «ورقة سياسية» يستخدمها هذا الطرف أو ذاك.

وعقب الاحتفاء الرسمي بعملية إطلاق هانيبال، الذي عدّته حكومة «الوحدة الوطنية» إنجازاً سياسياً ودبلوماسياً، سارع حقوقيون وقانونيون إلى اتهامها بأنها «تجاهلت أوضاع باقي السجناء الليبيين في الخارج».

ويرى الناشط الحقوقي الليبي طارق لملوم أن «ملف السجناء بالخارج تحوّل إلى ساحة تنافس بين الحكومتين المتنازعتين على السلطة». وقال: «هذا الملف أهمل لسنوات بسبب الصراع المسلح، في مقابل تركيز كل طرف منهما على الملفات ذات العائد السياسي والمالي، مثل ملف إعادة الإعمار».

وأضاف لملوم لـ«الشرق الأوسط»: «أخيراً جاء الدور على قضية السجناء بالخارج لتصبح الورقة الجديدة للمزايدة السياسية في ليبيا».

وذكر أن الحكومتين وحلفاءهما «سعوا سابقاً إلى التنافس حول الإفراج عن خمسة لاعبين ليبيين أُدينوا في إيطاليا عام 2015 بتُهم الاتجار بالبشر والهجرة غير المشروعة».

وكانت الحكومة الإيطالية قد وافقت أواخر عام 2024 على التصديق على مشروع قانون الاتفاقية الليبية - الإيطالية التي تسمح بنقل المحكومين لقضاء باقي عقوباتهم في ليبيا. إلا أن لملوم أكد أن «الاتفاقية لا تشمل إلا من قضوا نصف المدة، ما يجعلها غير قابلة للتطبيق على وضعية اللاعبين».

وأمام الاتهامات التي وجّهت لحكومة «الوحدة» بـ«تجاهل» قضية الليبيين المحتجزين بالخارج، سارعت وزارة الخارجية التابعة لها بالقول إنها «بعد الإفراج عن 35 سجيناً ليبياً من عدة دول خلال العام الحالي، تواصل جهودها لتأمين الإفراج عن مواطنين آخرين؛ بالإضافة إلى استمرار التنسيق مع عدد من الدول لتسليم سجناء ليبيين لاستكمال مدة محكوميتهم داخل البلاد، وفق الاتفاقيات المبرمة بين ليبيا مع بعض البلدان».

رئيس حكومة الوحدة عبد الحميد الدبيبة خلال ترؤسه اجتماعاً سابقاً لمجلس الوزراء (حكومة الوحدة)

وأشارت إلى «جهود متواصلة للإفراج عن 22 ليبياً في العراق، وآخرين في مصر»، دون تحديد أعدادهم. كما لفت وليد اللافي، وزير الدولة للاتصالات والشؤون السياسية بحكومة «الوحدة»، إلى نجاح حكومته مؤخراً في إنهاء احتجاز 19 سجيناً في تونس.

وفي موازاة الإعلان عن الإفراج عن هانيبال القذافي، استُقبل المواطن الليبي حسن خليفة الزنتاتي في بنغازي شرق البلاد بعد خمس سنوات من السجن في النيجر، إثر تدخل نائب القائد العام لـ«الجيش الوطني» صدام حفتر لإطلاق سراحه.

ورغم عدد السفارات الليبية الكبير، أشار لملوم إلى «غياب إحصاءات رسمية حول عدد السجناء الليبيين بالخارج»، وقال إن «اكتشاف حالات الاحتجاز يتم غالباً عبر مناشدات أسرهم على وسائل التواصل الاجتماعي».

ورجح، في إطار الرصد لتلك المناشدات، «أن تكون النسبة الأكبر من السجناء موجودة في دول الجوار مثل مصر وتونس والجزائر والمغرب وتركيا، لإدانتهم في قضايا تتعلق بتهريب الوقود أو العملة أو المخدرات أو حتى بمشاجرات».

وانتقد لملوم ما وصفه «بإهمال الملحقين العسكريين والأمنيين في السفارات الليبية متابعة قضايا المحتجزين، وعدم تكليف محامين لتوضيح أوضاعهم القانونية أو تسهيل زيارات أسرهم».

ووفقاً للملوم، فإن إغلاق ملف السجناء بالخارج بشكل كامل «يظل أمراً صعباً في ظل تشدد بعض الدول، كإيطاليا، في تنفيذ العقوبات داخل سجونها، ورؤية دول أوروبية أخرى لليبيا كدولة غير آمنة، إضافة إلى غياب مبادرات جدية من السفارات الليبية للاهتمام بهذه الفئة».

وبشأن هانيبال القذافي، يعتقد المحلل القانوني الليبي هشام الحاراتي أن عملية الإفراج عنه محاولة من حكومة «الوحدة» لكسب ود أنصار النظام السابق في الغرب الليبي، في مواجهة خصومها في شرق البلاد.

ويرى الحاراتي «أن الإفراج عن هانيبال القذافي تحول من مكسب سياسي إلى مأزق للحكومة؛ إذ أثار تساؤلات حول مصير بقية السجناء بالخارج، ولماذا لم يتم إرسال وفود رفيعة المستوى على غرار الوفد الذي ذهب إلى بيروت للتفاوض بشأنه».

أسامة حماد رئيس الحكومة الليبية المكلفة من مجلس النواب (القيادة العامة)

وتتنازع السلطة في ليبيا حكومتان: الأولى «الوحدة الوطنية» المؤقتة برئاسة عبد الحميد الدبيبة وتتخذ من العاصمة طرابلس مقراً لها، والثانية بقيادة أسامة حماد مكلفة من البرلمان وتحظى بدعم قائد «الجيش الوطني» المشير خليفة حفتر، وتدير المنطقة الشرقية وبعض مدن الجنوب.

وبمواجهة تبرير حكومة «الوحدة» اهتمامها بملف نجل القذافي بكونه مواطناً ليبياً بغض النظر عن انتمائه السياسي، ضمن جهودها لتصفير عدد من الملفات الشائكة كملف السجناء بالخارج، تصاعدت تساؤلات حول استمرار احتجاز المواطن الليبي أبو عجيلة المريمي في الولايات المتحدة على خلفية تفجير «لوكربي»، كما سبق واتهمت أسرته السلطات في ليبيا بعدم الاهتمام بقضيته.

وأبو عجيلة ضابط سابق في جهاز الأمن الخارجي (الاستخبارات)، خطفه مسلّحون من منزله منتصف نوفمبر (تشرين الثاني) 2022، لكن الدبيبة أقرّ فيما بعد بتسليمه إلى الولايات المتحدة، وقال إنه «إرهابي متهم بتصنيع المتفجرات التي أودت بحياة أكثر من 200 شخص بريء».

يشار إلى أن لجنة برلمانية أوصت في سبتمبر (أيلول) الماضي بتكليف فريق قانوني لدعم الجوانب القانونية والإجراءات الرسمية إلى جانب التنسيق مع السفارات الليبية في الخارج لضمان متابعة حقوق السجناء وتقديم المساعدة اللازمة لهم.


هل يتجه الدبيبة للإفراج عن عبد الله السنوسي؟

السنوسي يلتقي خارج محبسه وفداً من قبيلته - 26 ديسمبر 2024 (المجلس الاجتماعي بسوق الجمعة والنواحي الأربع)
السنوسي يلتقي خارج محبسه وفداً من قبيلته - 26 ديسمبر 2024 (المجلس الاجتماعي بسوق الجمعة والنواحي الأربع)
TT

هل يتجه الدبيبة للإفراج عن عبد الله السنوسي؟

السنوسي يلتقي خارج محبسه وفداً من قبيلته - 26 ديسمبر 2024 (المجلس الاجتماعي بسوق الجمعة والنواحي الأربع)
السنوسي يلتقي خارج محبسه وفداً من قبيلته - 26 ديسمبر 2024 (المجلس الاجتماعي بسوق الجمعة والنواحي الأربع)

تعيش ليبيا على وقع «شائعات» تتحدث عن قرب إطلاق حكومة «الوحدة الوطنية» المؤقتة، في طرابلس، سراح عبد الله السنوسي، رئيس جهاز الاستخبارات في نظام الرئيس الراحل معمر القذافي.

وأمام هذه «الشائعات» التي لم تؤكدها أو تنفها الحكومة، حذرت أسر «ضحايا سجن أبو سليم» مما وصفتها بـ«محاولات تهدف إلى تمكين السنوسي من الإفلات من العدالة».

وأعرب ما يسمى حراك «العدالة الانتقالية» عن «استنكاره الشديد ورفضه المطلق لما يتم تداوله بين الحين والآخر من محاولات متكررة من عدة أطراف»، وقال إنها «تهدف إلى منع مثول السنوسي أمام المحكمة في جلستها المقبلة».

ويُحاكم السنوسي (74 عاماً)، وهو عديل القذافي وأحد أبرز رجاله في النظام السابق، على ذمة اتهامات تتعلق بقمع المحتجين خلال ثورة 17 فبراير (شباط) عام 2011، فضلاً عن القضية المعروفة بمذبحة سجن أبو سليم في طرابلس التي قُتل فيها نحو 1200 سجين عام 1996.

وبشأن ما إذا كانت حكومة «الوحدة» التي يترأسها عبد الحميد الدبيبة ستقدم على إطلاق السنوسي قريباً، استبعد مصدر مقرب منها قيامها بذلك، وقال إن «الحكومة لو كانت تود إخراجه لفعلت ذلك منذ وصولها إلى السلطة»، لافتاً إلى أن لديه جلسة الاثنين المقبل، 17 نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي.

وأوضح المصدر لـ«الشرق الأوسط» الجمعة، أن وزارة العدل بالحكومة سبق أن أفرجت عن رموز من النظام السابق بدواعٍ صحية، مشيراً إلى أن دفاع السنوسي تقدم للمحكمة «بما يثبت تدهور الحالة الصحية لموكله، وهو أمر تقرره وزارة العدل».

ودافع السنوسي عن نفسه في الجلسة التي عقدت منتصف سبتمبر (أيلول) الماضي، بمحكمة استئناف طرابلس داخل مجمع المحاكم، حيث نفى اتهامه بقتل «متظاهري 17 فبراير».

منصور ضو القائد السابق للحرس الشعبي بنظام معمر القذافي (صورة وزعها أنصاره على منصة «فيسبوك»)

وكانت إدارة سجن معيتيقة قد سمحت بمثول السنوسي أمام المحكمة عبر دائرة مغلقة، بعدما تأجلت جلسة محاكمته طويلاً، كما سمحت لرئيس الحرس الخاص للقذافي، منصور ضو، بالمثول أمام القضاء بالطريقة نفسها.

وفي معرض تعقيبه على ما وصفها بـ«محاولات تهريب السنوسي»، شدد حراك «العدالة الانتقالية» على رفضه هذا الأمر، واعتبر السنوسي «أحد المسؤولين الرئيسيين عن مذبحة سجن أبو سليم»؛ التي عدها «واحدة من أبشع الجرائم ضد الإنسانية في التاريخ المعاصر».

الدبيبة يتوسط وفداً من قبيلة السنوسي في لقاء سابق (مكتب الدبيبة)

وتحدث الحراك في بيانه عن مساعٍ وصفها بـ«المريبة؛ تختبئ تارة وراء قرارات الإفراجات الصحية، وتارة أخرى خلف شعارات المصالحة الوطنية ولم الشمل».

وقال الحراك إن «أي إطلاق محتمل للسنوسي سيمثّل انتهاكاً فاضحاً لحقوق الضحايا، واعتداء على هيبة الدولة، وازدراء لسيادة القانون وحرمة القضاء». وأضاف أن إصرار من وصفهم بـ«عديمي الضمائر على تكريس مبدأ الإفلات من العقاب، وترك الجريمة بلا جزاء، سيقود إلى هدم صرح العدالة، ويفتح الباب أمام الفوضى واستيفاء الحق بالذات، بما يهدد الأمن والاستقرار الوطني».

ويدعو الحراك السلطات الليبية كافة؛ ومن بينها المجلس الرئاسي، والمجلس الأعلى للدولة، وحكومة الوحدة، والمجلس الأعلى للقضاء، ومكتب النائب العام، ووزارتا العدل والداخلية، إلى «الاضطلاع بمسؤولياتها الوطنية والقانونية في منع أي إجراء قد يؤدي إلى تعطيل العدالة أو العبث بها».

وتعد قضية السنوسي التي تأجلت للمرة السادسة عشرة، الأطول منذ سقوط نظام القذافي، لأسباب من بينها أنه مسجون في معتقل كان خاضعاً حتى مطلع سبتمبر، لجهاز الردع بقيادة عبد الرؤوف كارة (تيار سلفي).

ويشدد الحراك على أنه «لن يتردد في اللجوء إلى الآليات الدولية؛ بما في ذلك المحكمة الجنائية الدولية، لمساءلة كل من يتورط في تعطيل العدالة أو التستر على الجناة وحرمان أولياء الدم من حقوقهم»، عادّاً ذلك «انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي الإنساني وللقرارات الأممية الخاصة بمكافحة الإفلات من العقاب».

وأحيت أسر «ضحايا مذبحة سجن أبو سليم» في العاصمة طرابلس الذكرى التاسعة والعشرين لـ«الواقعة المروعة»، وسط دعوات متجددة إلى إنصاف مئات الضحايا والثأر لهم.

«بانر» يضم عدداً من ضحايا «سجن أبو سليم» (رابطة أسر شهداء سجن أبو سليم)

وقبل 29 عاماً، اقتحمت مجموعة من القوات الخاصة التابعة للنظام زنازين سجن أبو سليم بضواحي العاصمة، الذي كان يضم 1269 سجيناً آنذاك، وفتحت النيران عليهم فأردتهم قتلى، في قضية لا تزال متداولة في المحاكم حتى اليوم.

وأمام المخاوف التي تعبّر عنها أسر «ضحايا سجن أبو سليم»، رفض مسؤول بوزارة العدل في حكومة «الوحدة»، التعليق على «الشائعات المتداولة بشأن توجه حكومي لإطلاق رموز النظام السابق»، لا سيما بعد توسطها للإفراج عن هانيبال القذافي، لكنه قال إن «السنوسي سيخضع للمحاكمة بعد يومين».

وانتهى حراك العدالة الانتقالية، المعبر عن أسر الضحايا، إلى التشديد على أن «الدماء المغدورة التي أريقت في سجن أبو سليم ليست ملفاً للصفقات السياسية، ولا وسيلة لشراء الولاءات القبلية، بل أمانة في أعناق المسؤولين، لا تسقط بالتقادم».

وكانت وزيرة العدل في حكومة الوحدة الوطنية، حليمة عبد الرحمن، قد أمرت في نهاية عام 2022، بالإفراج الصحي عن منصور ضو، لكن «جهاز الردع» لم يسمح له بمغادرة سجنه.

ودائماً ما تقول قبيلة المقارحة، التي ينتمي إليها السنوسي، إن إطلاق سراحه كفيل بإنجاح المصالحة الوطنية في ليبيا، بالنظر إلى ما يملكه من علاقات قوية وسط أنصار النظام السابق والقبائل الموالية له.